عبد الرحمن جاسم
الحوار المتمدن-العدد: 1376 - 2005 / 11 / 12 - 08:38
المحور:
الادب والفن
يرن هاتفي الخليوي، رقمها يتراقص على الشاشة، "أريد أن أراك" ينده صوتها القادم من بعيد. متى وأين، يلح سؤالي، "اليوم في الحديقة، حالما تنتهي من عملك..." وتغلق دونما أدنى وداع.
أبحر بهدوء في كلماتها، "أريد أن أراك..." ويمر علي سكونٌ غريب وأنا أتابع كل لقاءتنا سوياً، ومتعة الاقتراب منها، ورهبة الخوف من نار حبها اللاهب.
تؤذن الساعة بانتهاء الوقت، أهرع سريعاً، وأغمض عيناي عن المكان، لأفتحهما في مكانٍ آخر، أجدها تنتظر، تنظر ساهمةً لحمامات بيضاء تأكل حبوباً على الأرض. "أكره الحمام" كانت تقول دائماً، "فهذا الحيوان المتكاسل الخمول الذي لا يفعل شيئاً، لا يستحق الحياة". كانت بذلك تخالف كثيراً مما أومن به عن أن هذه المخلوقات هي أقرب للملائكية منها للحيوانات...
تنهض لتحيتي، ونجلس، لنتابع ابحارنا المتقطع في عباب هذه العلاقة. "أَزِف وقت الرحيل"، قالت بهدوء، "لست أريد نقاشاً، دعنا نفترق افتراقاً حضارياً، فطوال علاقتنا لم ترد أنت أكثر من "شوية حب"، وآمنت أنا بأن الحب لا يكون هكذا، فليس هناك من شيء، اسمه "شوية حب"، هل هناك مقياس للحب؟".
مددت يدي محاولاً لمس يدها، فَجَفِلَتْ وابتعدت بعنف، فأبعدتُ يدي: "لا تلمسني". قالت، ثم نظرت إلي بعيون مفتوحة للغاية، "سأجن، طوال حياتي لم أعرف أن الحب يقاس، لم أعتقد أنه يمكن أن تكون في علاقة حب، وتحب "شوي" و"كتير". علاقة الحب، هي علاقة حب، وليس "شوية حب".
حاولتُ الكلام، حاولت أن أخبرها، بأنني لم...
ولكنها قاطعتني، "أريد أن أرحل، أرجو أن لا تتصل بي، ولا تكلمني، الأمر انتهى عندي... "وبتعرف شي، ما بدي شوية الحب منك، خليهن إلك"...
وعبرت بعيداً عن ناظري، وخطواتها تلهج على الأرض، وكلماتها لا تزال ترن في أذني... "ما بدي شوية الحب منك، خليهن إلك"...
#عبد_الرحمن_جاسم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟