|
استدلالات الطباطبائي الفلسفية ،الحلقة(8)
داود السلمان
الحوار المتمدن-العدد: 5057 - 2016 / 1 / 27 - 19:47
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
استدلالات الطباطبائي الفلسفية في تفسيره(الميزان)الحلقة(8) المبحث السابع : الحب تعريف الحب جاء في لسان العرب : الحب : نقيض البغض. والحب : الوداد والمحبة ، وكذلك الحب بالكسر. وحكي عن خالد بن نضلة : ما هذا الحب الطارق ؟ وأحبه فهو محب ، وهو محبوب ، على غير قياس هذا الأكثر ، وقد قيل محب ، على القياس . قال الأزهري : وقد جاء المحب شاذا في الشعر ؛ قال عنترة : ولقد نزلت ، فلا تظني غيره مني بمنزلة المحب المكرم وحكى الأزهري عن الفراء قال : وحببته ، لغة . قال غيره : وكره بعضهم حببته ، وأنكر أن يكون هذا البيت لفصيح ، وهو قول عيلان بن شجاع النهشلي : أحب أبا مروان من أجل تمره وأعلم أن الجار بالجار أرفق فأقسم ، لولا تمره ما حببته ولا كان أدنى من عبيد ومشرق وللفلاسفة والمفكرين والادباء والشعراء تعريفات للحب كثيرة جدا لا نريد الخوض فيها، وللدكتور مصطفى محمود كتابا اسماه (مشكلة الحب) طرح فيه تساؤلات فلسفية كثيرة. قال الطباطبائي: من المعاني الوجدانيّة الّتي عندنا معنى نسمّيه بالحبّ، كما في موارد حبّ الغذاء والحبّ النساء وحبّ المال وحبّ الجاه وحبّ العلم، هذه مصاديق خمسة لا نشكّ في وجودها فينا، ولا نشكّ أنّا نستعمل لفظ الحبّ فيها بمعنى واحد على سبيل الاشتراك المعنويّ دون اللّفظيّ، ولا شكّ أنّ المصاديق مختلفة، فهل هو إختلاف نوعيّ أو غير ذلك؟ . إذا دقّقنا النظر في حبّ ما هو غذاء كالفاكهة مثلاً وجدناه محبوباً عندنا لتعلّقه بفعل القوّة الغاذية، ولو لا فعل هذه القوّة وما يحوزه الإنسان بها من الاستكمال البدنيّ لم يكن محبوباً ولا تحقّق حبّ، فالحبّ بحسب الحقيقة بين القوّة الغاذية وبين فعلها، وما تجده عند الفعل من اللّذّة، ولسنا نعني باللّذة لذّة الذائقة فإنّها من خوادم الغاذية وليست نفسها، بل الرضى الخاصّ الّذي تجده القوّة بفعلها، ثمّ إذا اختبرنا حال حبّ النساء وجدنا الحبّ فيها يتعلّق بالحقيقة بالوقاع، وتعلّقه بهنّ ثانياً وبالتبع، كما كان حبّ الغذاء متعلّقاً بنفس الغذاء ثانياً وبالتبع، والوقاع أثر القوّة المودعة في الحيوان، كما كان التغذّي كذلك أثراً لقوّة فيه. ومن هنا يعلم أنّ هذين الحبّين يرجعان إلى مرجع واحد وهو تعلّق وجوديّ بين هاتين القوّتين وبين فعلهما أي كمالهما الفعليّ. ومن المحتمل حينئذ أن يكون الحبّ هو التعلّق الخاصّ بهذين الموردين ولا يوجد في غير موردهما لكنّ الاختبار بالآثار يدفع ذلك، فإنّ لهذا التعلّق المسمّى حبّاً أثراً في المتعلّق (اسم فاعل) وهو حركة القوّة وانجذابها نحو الفعل إذا فقدته وتحرّجها عن تركه إذا وجدته، وهاتان الخاصّتان أو الخاصّة الواحدة نجدها موجودة في مورد جميع القوى الإدراكيّة الّتي لنا وأفعالها وإنّ قوّتنا الباصرة والسامعة والحافظة والمتخيّلة وغيرها من القوى والحواسّ الظاهريّة والباطنيّة جميعها - سواء كانت فاعلة أو منفعلة - على هذه الصفة فجميعها تحبّ فعلها وتنجذب إليها وليس إلّا لكون أفعالها كمالات لها يتمّ بها نقصها وحاجتها الطبيعيّة، وعند ذلك يتّضح الأمر في حبّ المال و حبّ الجاه وحبّ العلم فإنّ الإنسان يستكمل نوع استكمال بالمال والجاه والعلم. ومن هنا يستنتج أنّ الحبّ تعلّق خاصّ وانجذاب مخصوص شعوريّ بين الإنسان وبين كماله، وقد أفاد التجارب الدقيق بالآثار والخواصّ أنّه يوجد في الحيوان غير الإنسان، وقد تبيّن أنّ ذلك لكون المحبّ فاعلاً أو منفعلاً عمّا يحبّه من الفعل والأثر ومتعلّقاً بتبعه بكلّ ما يتعلّق به كما مرّ في حديث الأكل و الفاكهة، وغير الحيوان أيضاً كالحيوان إذا كان هناك استكمال أو إفاضة لكمال مع الشعور. ومن جهة أخرى لما كان الحبّ تعلّقاً وجوديّاً بين المحبّ و المحبوب كانت رابطة قائمة بينهما فلو كان المعلول الّذي يتعلّق به حبّ علّته موجوداً ذا شعور وجد حبّ علّته في نفسه لو كان له نفس واستقلال جوهريّ. ويستنتج من جميع ما مرّ: أوّلاً: أنّ اللحبّ تعلّق وجوديّ وانجذاب خاصّ بين العلّة المكمّلة أو ما يشبهها وبين المعلول المستكمل أو ما يشبهه، ومن هنا كنّا نحبّ أفعالنا لاستكمالنا بها ونحبّ ما يتعلّق به أفعالنا كغذاء نتغذّى بها، أو زوج نتمتّع بها، أو مال نتصرّف فيه، أو جاه نستفيد به، أو منعم ينعم علينا، أو معلّم يعلّمنا، أو هادٍ يهدينا أو ناصر ينصرنا، أو متعلّم يتعلّم منّا، أو خادم يخدمنا أو أيّ مطيع يطيعنا وينقاد لنا، وهذه أقسام من الحبّ بعضها طبيعيّ وبعضها خياليّ وبعضها عقليّ. وثانياً: أنّ الحبّ ذو مراتب مختلفة من الشدّة والضعف فإنّه رابطة وجوديّة - والوجود مشكّك في مراتبه - ومن المعلوم أنّ التعلّق الوجوديّ بين العلّة التامّة ومعلولها ليس كالتعلّق الكائن بين العلل الناقصة ومعلولاتها، وأنّ الكمال الّذي يتعلّق بواسطته الحبّ مختلف من حيث كونه ضروريّاً أو غير ضروريّ، ومن حيث كونه مادّيّاً كالتغذّي أو غير مادّيّ كالعلم، وبه يظهر بطلان القول باختصاصه بالمادّيّات حتّى ذكر بعضهم: أنّ أصله حبّ الغذاء، وغيره ينحل إليه، وذكر آخرون: أن الأصل في بابه حبّ الوقاع، وغيره راجع إليه. وثالثاً: أنّ الله سبحانه أهل للحبّ بأيّ جهة فرضت فإنّه تعالى في نفسه موجود ذو كمال غير متناه وأيّ كمال فرض غيره فهو متناه، والمتناهي متعلّق الوجود بغير المتناهي وهذا حبّ ذاتيّ مستحيل الارتفاع، وهو تعالى خالق لنا منعم علينا بنعم غير متناهية العدّة والمدّة فنحبّه كما نحبّ كلّ منعم لإنعامه. ورابعاً: أنّ الحبّ لما كانت رابطة وجوديّة - والروابط الوجوديّة غير خارجة الوجود عن وجود موضوعها ومن تنزّلاته - أنتج ذلك أنّ كلّ شئ فهو يحبّ ذاته، وقد مرّ أنّه يحبّ ما يتعلّق بما يحبّه فيحبّ آثار وجوده، ومن هنا يظهر أنّ الله سبحانه يحبّ خلقه لحبّ ذاته، ويحبّ خلقه لقبولهم إنعامه عليهم، ويحبّ خلقه لقبولهم هدايته. وخامساً: أنّ لزوم الشعور والعلم في مورد الحبّ إنّما هو بحسب المصداق وإلّا فالتعلّق الوجوديّ الّذي هو حقيقة الحبّ لا يتوقّف عليه من حيث هو، ومن هنا يظهر أنّ القوى والمبادي الطبيعيّة غير الشاعرة لها حبّ بآثارها وأفعالها. وسادساً: يستنتج ممّا مرّ أن الحبّ حقيقة سارية في الموجودات.
#داود_السلمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
استدلالات الطباطبائي الفلسفية؛ الحلقة(7)
-
الجلبي ما قتلوا وما صلبوه ولكن شبه لهم
-
استدلالات الطباطبائي الفلسفية الحلقة(6)
-
استدلالات الطباطبائي الفلسفية ،الحلقة(5)
-
استدلالات الطباطبائي الفلسفية، الحلقة(4)
-
صخم وجهك وكول آني حداد
-
استدلالات الطباطبائي الفلسفية في تفسيره (الميزان)الحلقة(3)
-
حسقيل قوجمان صوت يهودي عراقي مدوي
-
استدلالات الطباطبائي الفلسفية في تفسيره (الميزان) الحلقة(1)
-
استدلالات الطباطبائي الفلسفية في تفسيره (الميزان) الحلقة(2)
-
ميزانية مصابة بالشلل
-
حششوا حتى يأتيكم اليقين
-
الا يتدبرون العراق ام على...؟
-
حكومة مظرطة
-
سبع سنوات غير كافية ايها القضاء
-
اعطوني وزيراً مثل حسقيل؟ !
-
تزوير العملة...وماذا بعد؟
-
من يعالج اسناننا بعد اليوم ؟
-
حرمة بالبرلمان ترفض التقسيم !
-
يهود العراق وحلم العودة
المزيد.....
-
-أجمل كلمة في القاموس-.. ترامب يفرض رسومًا جمركية على المكسي
...
-
وسائل إعلام: ترودو يعقد اجتماعا طارئا بشأن رسوم ترامب
-
ترامب يوقع أمراً بفرض رسوم جمركية على السلع المستوردة من كند
...
-
فنزويلا تفرج عن 6 مواطنين أمريكيين بعد لقاء مبعوث ترامب بالر
...
-
نتنياهو يتوجه إلى الولايات المتحدة لعقد اجتماع هام مع ترامب
...
-
مسؤول مصري: لا أحد يستطيع الاقتراب من الحدود.. حدودنا مؤمنة
...
-
إيلون ماسك يحصل على الحق في الوصول إلى نظام الدفع الفيدرالي
...
-
الحدث البركاني الأقوى في النظام الشمسي!
-
محاذير تناول المكسرات
-
أنباء عن تأجيل مفاوضات صفقة التبادل إلى ما بعد اجتماع نتنياه
...
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|