وليد يوسف عطو
الحوار المتمدن-العدد: 5053 - 2016 / 1 / 23 - 10:14
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
اصدر الباحث العراقي د .فالح مهدي كتابه الجديد والمعنون ( الخضوع السني والاحباط الشيعي : نقد العقل الدائري ) – الناشر :بيت الياسمين – القاهرة – ط 1 – 2015,وهو قراءة وتحليل انثروبولجي للصراع السني - الشيعي بعد التمهيد للموضوع بمداخل كثيرة تمهد لموضوع البحث .
من هو الدكتور فالح مهدي ؟
باحث عراقي , درس القانون في بغداد ومن ثم واصل تحصيله العلمي في الهند . اكمل دراسته العليا في جامعة باريس وحصل على دكتوراه دولة في القانون بدرجة امتياز .قام بتدريس فلسفة القانون في نفس الجامعة ومن ثم انتقل الى جامعة فرساي .
صدر كتابه الاول عن دار ابن رشد بعنوان ( البحث عن منقذ)-1981 , وصدر له عن دار البصائر في بيروت ( صلوات الانسان ) – 2012 ,صدر كتابه ( اسس واليات الدولة في الاسلام ) عام 1991 وباللغة الفرنسية . ساهم مع عدد من الباحثين الفرنسيين والاجانب في كتب مشتركة عن انثروبولوجيا القانون صدرت عن دار المنشورات الجامعية الفرنسية .
من اعماله الروائية ( اصدقائي الكلاب ) – عام 2014 – دار الياسمين – القاهرة .
متى بنيت مكة والكعبة ؟
ماهي رمزية حجارة الكعبة ؟
لقد كانت مكة ( مدينة الله ) بامتياز , كما هو حال بابل مدينة مردوخ , ونينوى مدينة الاله آشور , واورشليم مدينة الاله ياهو .
يقدر عمر الكعبة ب ( 500 ) عام قبل ظهور الاسلام .لم يكن للكعبة سقف وقد جرفتها المياه لاكثر من مرة .
في حين ان عمارة المعابد في البلدان الاخرى تبنى على مرتفعات قرب منابع المياه .حيث يمكننا النظر الى عظمة المعابد المصرية القديمة وبقايا زقورات بابل وسومر .
ان مكة لم تكن مدينة بالمعنى المتعارف عليه والتي اطلق عليها القران لقب (ام القرى ).فليس هنالك زراعة او صناعة اوحرف يدوية , وليست هنالك سلطة مركزية في مكة والتي كانت خاضعة الى النظام البدوي .
فعندما تحدث جريمة قتل في مكة فليس هنالك من سلطة تحاسب القاتل سوى سلطة العشيرة .
يقول الباحث د .فالح مهدي :
( فان كانت الكعبة (قدس الاقداس ) في العصر الذي يطلق عليه الجاهلي بدون سقف , فكيف يمكننا تصور حال بيوت تلك القرية . زد على ذلك ان كل المدن القديمة كانت بها اسوار وحصون , عدا مكة حيث خلت من السكان , اذ كان الناس يسكنون في الجبال المحيطة بها ).
من خصائص الاسلام الذي ظهر في مكة هو ( الاذان )..
حيث يتم الدعوة الى الصلاة عن طريق الاذان وليس عن طريق الالات الموسيقية او الناقوس . ان الصوت الانساني في الاذان تعبير عن المناداة التي تقوم بها القبائل التي تقطع الصحراء .
لقد كانت مكة مكانا مقدسا منذ قرنين قبل ظهور الاسلام , فقد عرفت في زمن البطالمة الذين اطلقوا عليها لقب ماكورابا Macoraba . ويعتقد بانها كانت معبدا للانباط . ثم ان ( مكرب )في اللغة الاثيوبية تعني معبد الرب , اي بيت الله .
ان قراءة موضوعية لتاريخ وجغرافية مكة لايمكن ان نطلق على تلك المنطقة الجرداء والخالية من النشاط الزراعي لقب مدينة ولا حتى قرية .بيد انها استمدت قوتها من عوامل متعددة منها : انها اصبحت مقدسة بعد ان استقرت بها الكعبة , ووجود مياه جوفية على شكل ابار , اشهرها بئر زمزم .
وتحول طرق التجارة من اليمن الى مكة نتيجة الحروب بين الدولة البيزنطية والدولة الساسانية .
يقول الباحث د . فالح مهدي ان الكعبة قد بنيت في زمن يصعب تحديده , ربما في نهاية الحقبة الرومانية . فان الجغرافي الاغريقي بتوليميه اطلق عليها ( ماكوررابا ).
في شكلها البدائي كانت الكعبة مجموعة من صخور بلا سقف موجودة بالقرب من نقطة ماء منقذة للبشر من العطش , في قعر واد شديد الجفاف .
ان بناء الكعبة في هذا المكان البائس والشاذ يعبر عن حاجة وضرورة تتعلق بالعبادة وتؤكد ان هذا الحيز وجد من اجل العبادة .
في عالم القداسة ذاك فان (البيت ) يعني المكان الذي يقيم فيه حامي او ( حامية ) القبيلة .بدون وجودادلة مادية كافية يمكننا الافتراض مع الباحث د . فالح مهدي بان الصخر في ذلك الحيز الصحراوي كان يشكل نقطة جذب للقبائل التي كانت تتنقل بحثا عن الماء والكلا , بما فيها قريش والتي استقرت في منتصف القرن الخامس , اي قبل ولادة محمد بقرن ونصف.
يتميز الصخر بجمعه بين الصلادة والسلاسة عند لمسه , وثبات الوانه ,فهو اسود او ابيض . كان البدو يتنقلون حاملين الهتهم المنحوتة من الصخر معهم . من هنا نجد ان الذي يطلب الحماية ينقل حاميه معه . لذا فان الصخور تمثل بيوت الالهة . فلكل قبيلة بيت للاله الذي تعبده .
لعبت مكة التي لم تكن الا مركزا لتجمع القوافل دورا مهما في التحول الذي شهدته تلك المنطقة من العالم . ان الكعبة والتي تمثل بيوت الالهة وفرت للقبائل المتنقلة فرصة الاحتفاظ بالهتها في مكة على ان تقوم بتقديم اضحيات عند رحيلها وعودتها سالمة .كانت الاضحيات من الجمال . لم يستبدل الجمل بالخر وف الا في عصر متاخر حيث لاتسمح بيئة مكة ويثرب في تربية الخراف, فهذا الحيوان موجود على اطراف الجزيرة العربية . وقد تم اللجؤ اليه خوفا من انقراض الجمل .
تلك الفرضية تؤكدها اشارات وردت في كتب السيرة مثلما اوردها الطبري في كتابه (تاريخ الرسل والملوك )بان اعداء محمد من قريش حملوا معهم الهتهم الى ارض المعركة .
كما ان القران في السور المكية اشار الى ( رب البيت ) في سورة قريش : ( لايلاف قريش ايلافهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذي اطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ) .
كان ذلك قبل اقامة العلاقات بين ابراهيم والكعبة . ان العلاقة بين التجارة ممثلة بمكة وبقريش وبين المقدس المتمثل بالكعبة ادت الى اعتبار مكة مدينة الله وقدس الاقداس . لقد اعتقدت القبائل البدوية ان القوة التي تحميهم تسكن في الصخر وهذا ادى الى الاتفاق على وضع الصخر في ذلك المكان الذي سمي ب ( الكعبة ).
وبما ان كل صخرة تمثل بيتا لاله قبيلة من القبائل , لذا اصبحت الكعبة مجمعا لبيوت الالهة .
يكتب د . فالح مهدي في نهايةالفقرة مايلي :
(ان ذلك الحيز , شبه المدني , شبه البدوي ترك اثرا في الادبيات الاسلامية المقدسة . اذ يشار الى كتاب المسلمين الاول ليس بقران مقدس , بل بقران كريم.كما ان القران اطلق على محمد صفة تتفق تماما مع عالم البداوة , فورد في ذلك الكتاب ,ولاكثر من مرة انه ( لنبي كريم ), بل يشير القران الى ذاته بانه ( كتاب كريم )
الكرم , ومع ان له معاني اخرى عدا الجود , بيد ان ( العطاء بدون مقابل ) هي الصفة الطاغية على ماسواها . لذا فمن البديهي ان يتاثر الرسول محمد بتلك البيئة وبنتاجها الثقافي , بل يمكننا القول , ودون مبالغة , ان سكان المدن الخاضعة بشكل او آخر الى الثقافة الاسلامية لازال مفهوم الكرم يلعب دورا في سلوكياتها ) .
#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟