|
مكافحة الإرهاب في العالم الإسلامي اين الارهاب من القيم الاسلاميه عن الكاتب د امبن حسن
معتز عمر
الحوار المتمدن-العدد: 1375 - 2005 / 11 / 11 - 10:42
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
السؤال الذي يفرض نفسه في مفتتح هذه الورقة هو لماذا نناقش هذا الموضوع بالذات في هذا الوقت بالذات؟ ما هو الجديد الذي جعل منه موضوع الساعة؟ والإجابة المباشرة هي أن مسألة الإرهاب هي عنوان المرحلة الحالية بين العالم الإسلامي والقوى العظمى في عالم اليوم. وأنه ومنذ الحادي عشر من سبتمبر وما تلا ذلك من حرب في أفغانستان وتصعيد في الأراضي المحتلة وحرب في العراق فإن شعوراً قوياً بالتعرض والانكشاف لأخطار ومهددات متعددة منظورة وغير منظورة أصبح يساور غالبية المسلمين في شتى أنحاء الأرض. كما أن الجاليات المسلمة التي تزداد عدداً يوماً بعد يوم في أوربا والولايات المتحدة الأمريكية أصبحت تتعرض لأخطار ومضايقات يومية لا حصر لها. وذلك بسبب الانطباعات التي رسخها الخطاب السياسي والإعلامي حول علاقة الإسلام والمسلمين بالأحداث المريعة التي حدثت في حادي عشر من سبتمبر، وما تلاها من أفعال وردود أفعال . لقد أدخلت تلك الأحداث الاستثنائية العالم العالمي في مفرق سياسي جديد ووضعت المسلمين بمواجهة استفهام عدائي يحيطهم من كل جانب. فكان لابد من مراجعات لمفهومات عديدة ولمواقف يقفها المسلمون بمواجهة العالم ، أو يقفها العالم ، أو بعضه، في مواجهة المسلمين. إن مواجهة هذا الموقف الجديد يمكن أن تأتي على أشكال متعددة، ربما أسرعها في التكشف هو الموقف الانفعالي الذي يواجه العداء بمزيد من العداء دون تريث أو ترو. ولكن الموقف الأشبه بمناهج الإسلام وطرائقه هو موقف التروي والتثبت والفحص والدراسة والمراجعة. ومحاولة تفهم الأسباب والمنطلقات التي تدفع الآخرين نحو مواقف سلبية أو متشككة من الإسلام والمسلمين. ولقد شهد العالم الإسلامي في الآونة الأخيرة كل أنواع الاستجابات بما في ذلك توسيع دائرة العنف الموجه لمن يصنفون أعداءً للعالم الإسلامي. ولكن دائرة الحوارات والمدارسات اتسعت هي الأخرى. فشهد العالم الإسلامي العديد من المؤتمرات والمنتديات لمناقشة أسباب ما حدث وتفسير ما جرى. وهذا الملتقى الفكري واحد من هذه الدوائر التي انداحت بسبب ما جرى من أحداث وتداعيات أذهلت العالم. وهو يمثل الاستجابة الصحيحة المتمثلة في تقوية الأواصر الفكرية بين علماء الإسلام ومفكريه، وإدارة الحوارات البناءة الهادفة التي تعلى صوت العقل والاستنارة، فتمكن من إبلاغ رسالة الإسلام الحضارية السمحة لكل عقل مستفهم. ولعل أهم الأسئلة التي نواجهها اليوم هي الأسئلة المتعلقة بفهم معنى الإرهاب وصلة ذلك بمعاني في العقيدة الإسلامية مثل معاني الجهاد والاستشهاد. والإجابة على هذه الأسئلة الحائرة وإن كانت في كثير من الأحيان متحاملة وجائرة هي المدخل الوحيد لمخاطبة عقول الخائفين والمتوجسين في الغرب. بيد أن الإجابة ليست سهلة كما تبدو لأول وهلة وهي تقتضي حواراً طويلاً وكثيفاً بين أهل الفكر والنظر في العالم الإسلامي. فعلى الرغم من أن كل صاحب مذهب يدعى أن الإجابة واضحة وساطعة. فالتباين في الأفكار والتباعد في المواقف أمر جلي وواضح وظاهر ولا شك أن تأويلات المتأولين للمبادئ والقواعد الإسلامية قد تختلف وتتعدد، ولكن لابد لأهل الإسلام من رأي غالب يعبر عن إجماع السواد الأعظم منهم على قضايا بات أمر تفاعل أهل الإسلام مع أهل الملل الأخرى متعلقاً بها تعلقاً كبيراً،وأصبح الملايين في العالم الإسلامي يبذلون ثمناً غالياً من أمنهم واستقرار ومعايشهم بسبب مواقف تنهض على مفهومات يُختلف عليها اختلافاً كبيراً . إن أهم مطلوبات هذه الورقة وهذا المؤتمر تحري الموقف الميداني والمقارب للوسطية التي تعبر عن الإجماع العاصم للأمة من الزلل والهلاك. الإرهاب والعالم الإسلامي: لا نستطيع أن ننكر أن ما يشار إليه بمفردة الإرهاب يمارس في العالم الإسلامي، ويمارسه مسلمون في العالم الإسلامي وشتى أنحاء العالم الأخرى. ولكنه ليس حصراً عليهم ولا هو سمة من سمات سلوكهم العام. ولا صفة من صفات فكرهم الإسلامي. وليس للإرهاب خصوصية تصله بالإسلام والمسلمين ولكن بعض أهل الإسلام ليسوا براء من ذلك. وبسبب ما جرى في حادي عشر من سبتمبر فإن هذه الصلة ازدادت بروزاً في أذهان الملايين من سكان العالم. وكان ذلك ممكناً بهذه السهولة بسبب الأفكار الرائجة عن الإسلام في الغرب التي تصوره عدوانياً قروسطياً مناهضاً للحضارة ، وذلك بسبب الحساسيات التاريخية من جهة وبسبب النشاط المناوئ من قبل جماعات الضغط المتشددة يهودية ونصرانية، وبسبب عجز المسلمين عن إظهار صورة إيجابية عن الإسلام من خلال السلوك والدعوة، وبسبب ثقافة العنف التي سادت في بلدان كثيرة من العالم الإسلامي. عنفُُ توجهه الدولة نحو قطاعات من المجتمع ، وعنفُ تواجه به قطاعات من المجتمع الدولة لتأسيس بديل عنها بذات منهج العنف والمواجهة. إن المسارعة إلى إنكار ظاهرة الإرهاب ونفيها عن الفكر الإسلامي والواقع الإسلامي لن تجدي شيئاً. فلا شك أن ظواهر العنف الإرهابي سائدة في كثير من أنحاء العالم الإسلامي، وفي أوساط قطاعات من السكان المسلمين. كذلك فإن كثيراً من الفكر الذي يبرر المناهج الإرهابية ينسب نفسه إلى المذهبية الإسلامية. ولا يمكن أن نكتفي بالقول أن الإسلام منه براء بل لابد من مناظرة فكرية تثبت بالفعل براءة الفكر الأصولي الإسلامي من سوء الفهم والتأويل الذي يقرر الكثير من المقدمات الخاطئة ويبرر العديد من الأفعال المنكرة. وهذه الأفكار وهذه المواقف قد تأخذ صورتها الأكثر كثافة فيما نطلق عليه كلمة الإرهاب. ونعني بها الأعمال التي تتبنى العنف لتحقيق المقاصد السياسية ولا تفرق في مسعاها بين الجاني والبريء. وإنما تستهدف البريء والجاني معاً معتقدة أن سمو مقاصدها يبرر أن تضحي بدماء منسوبيها ودماء الأبرياء إذا كان ذلك يلحق أذىً بالغاً بالأعداء . ولعل الشعار المحرّف الذي بات يردده شباب لا يدركون معنى ما يهتفون به رمز قوي لهذا المعنى. وهو الشعار الذي يقول (فليعد للدين مجده أو ترق منا الدماء أو ترق منهم دماء أو ترق كل الدماء) أي مجد يعود للدين بإراقة كل الدماء؟ كان ينبغي أن يفهم هؤلاء أن مطلوب الدين ليس إراقة دمائنا جميعاً ولا دماء أعدائنا جميعاً ولا نقول دماء الناس جميعاً. فإنه بعد أن تخمد أنفاس الناس جميعاً لا يكون للدين معنى . فكلمة الدين نفسها هي رمز لنظام الحياة كما يريدها الله سبحانه وتعالى لعباده فإذا ذهبت الحياة ذهب نظامها مع ذهابها. إن كثيراً من المفهومات الخاطئة تركزت في أذهان غير قليل من الشباب. ولكن الكثير من المفهومات الخاطئة سادت في الثقافة العامة في مجتمعات المسلمين وهي تحمل بذرة ثقافة العنف وعدم التسامح. كيف نواجه هذا الواقع؟ إن الذي يجرى الآن في العالم الإسلامي أن هنالك مجموعات "لا تزال قليلة" اعتنقت رؤية للإسلام تجعل منه بؤرة للعداء للآخرين. وتفسر دار الإسلام بأنها دار السلم وأن من لم يدخل في دار السلم التي هي دار الإسلام فهو في دار حرب تجب مقاتلته حتى يشهد شهادة الحق. فإذا أريقت دماء المجاهدين في هذا السبيل فلعله في سبيل الله وإذا أريقت دماء الكافرين فهي طُهرة للأرض. وإذا أريقت دماء أخرى في سبيل ذلك فهي في سبيل الله، ويبعث كل واحد منها على ما نوى. وغاب عن هؤلاء أن دماء المجاهدين لا تكون في سبيل الله إلا إذا كانت دفعاً لعدوان أو نصرة لمظلوم بيننا وبينه عهد وميثاق. وأن الأصل في العلاقة مع الآخرين هو دعوتهم إلى الله وإلى العمل الصالح. وأن سبيل ذلك هو الإحسان وليس الإساءة، ولو بادر الآخرون بالعداء فالصبر عليهم أولى من المسارعة إلى العدوان. (ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين ولا تستوي الحسنة والسيئة ، ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظٍ عظيم). سورة فصلت (33-35) . (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به (رد العدوان) ولئن صبرتم لهو خير للصابرين ، واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولاتك في ضيق مما يمكرون، إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون). سورة النحل (126-127-128). (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن ، إلا الذين ظلموا منهم) العنكبوت (46) . إن الإسلام إذ يرفض العنف اللفظي لا يمكن أن يبرر العنف العملي إلا ان يكون رداً للظلم والعدوان . إن القرآن صريح في تكرار ضرورة الصبر منهجاً لنشر دعوة الحق والخير. وأول الصبر هو كظم الغيظ وكتمان الانفعالات المائجة. فالقول اللين في مواجهة تكبر وتجبر الفرعون سنة ووصية إلهية لأن مقام المجادلة والحوار مقام يراد منه كسب القلوب والأفهام ولا يصلح إلا بالحسنى والتي هي أحسن. ولكن السائد الآن في أوساط غالبية الدعاة هو المنهج العاطفي الانفعالي. ومخاطبة الآخرين بوصفهم كافرين أو عصاة خارجين. ولذلك فإن مفردات الكراهية هي الأولى في شأنهم. وهكذا تنهزم الدعوة قبل أن تبدأ ويشاد جدار سميك من الشنآن والبغض بين المتجادلين. فلا عجب أن تتحول البغضاء إلى عداوة والعداوة إلى عدوان. إن ثقافة الكراهية تقود إلى القطيعة والقطيعة تقود إلى التعادي . إن المسلم الحق مطلوب منه أن يتصل بحبل مع الله وحبل مع الناس وألا يقطع هذا الحبل مع الناس. لأن ذلك الحبل هو سبيله لإيصال رسالته ولتبليغ دعوته . وقد كان هذا هو منهج الأنبياء والرسل من لدن آدم إلى محمد صلى الله عليه وسلم . إن تقسيم العالم إلى دار كفر ودار إسلام، دار حرب ودار سلم يلغى رسالية الإسلام ويبطل عالميته. لان التواصل بين عالم من يؤمنون برسالة الإسلام ومن لا يؤمنون بها شرط لانتشار هذه الرسالة. ولا يمكن أن نقول أن إقامة هذه الصلة السلمية بين عالم الإسلام والعالم الآخر مشروطة بتقبل الآخرين لرسالة الإسلام فالتواصل لا يعني الاتفاق بالضرورة ولكنه يعني إمكانية الاتفاق. وهو يحقق دون ذلك مقاصد جمة أدناها درء شرور الآخرين عن الإسلام والمسلمين، ومنها التعايش والتعاون على البر المعلوم بين الناس. كيف نواجه الإرهاب؟ إننا نواجه حالة دينية هي بالأساس حالة روحية مطلوبة ومرغوبة لو أنها ظلت صافية نقية لا تشوبها شوائب التعصب التي تحيل الوجد الروحي والاطمئنان الإيماني إلى حالة من حالات الاستعداء للآخر، بدلاً من النظر إليه بحسبانه مشروعاً للتواصل الفكري والروحي. فيصبح الآخر (غير مسلم أو مسلم غير ملتزم حسب التصنيف) عدواً تجب مجاهدته ومحاربته وسيلة للتقرب إلى الله . وبذلك تتحول مشاعر الانسجام الكبير التى ينشئها الإيمان مع الكون والحياة إلى مشاعر كراهية وبغض تجاه الآخرين. وتقود هذه بدورها إلى عنف الانفعالات وعنف الأفكار التى تولد نزوعاً نحو التصرف العنيف تجاه الآخرين. ولهذا فأن هذه الظاهرة تلتف في تعقيد شديد. لأنها تنطوي على جوانب روحية عاطفية وجوانب فكرية مفاهيميةوجوانب سلوكية عملية. والتعامل معها بردود الأفعال المباشرة لن يزيدها إلا تعقيداً، ويدخلها في أطوار جديدة أشد خطراً من واقعها الراهن. إن أول مطلوبات المواجهة هو الدراسة المعمقة في جميع أبعادها روحية وفكرية واجتماعية وسياسية. ولابد من دراسة المشاعر التي تسود في أوساط هذه المجموعات والمفاهيم التي تنتشر بينهم، وتحديد درجة انحراف هذه المشاعر عن الشعور السوي ودرجة انحراف الأفكار عن القواعد والأصول الصحيحة الإسلامية. ولا تجرى هذه الدراسة لغرض محاورة هؤلاء الشباب وردهم إلى الصراط السوي من جديد فحسب ، ولكن بغرض أهم وهو إجراء التعديلات المطلوبة في الخطاب الفكري والإعلامي والتوجيهات التربوية والتعليمية التي تنشئ مثل هذه الظواهر من الغلو والتشدد. والدراسة المطلوبة ليست دراسات نظرية فحسب بل هي دراسات ميدانية ترصد التصورات والمشاعر السائدة في أوساط هؤلاء الشباب وتحللها وتقرر الخلاصات والنتائج، وتجرى المقارنات وتنسب ذلك للأوضاع الاجتماعية والسياسية السائدة في أوساطهم. وهذه الدراسات ينبغي ألا تترك لأولى الاهتمامات الأمنية أو السياسية المباشرة، بل لابد أن يضطلع بها علماء متحررون ، لرصد الظواهر والخلوص للنتائج دون تأثر بالاعتبارات الأمنية والسياسية المباشرة. والأمر الذي يتكشف للوهلة الأولى لكل مراقب أن هذه المجموعات جميعها مجموعات شبابية أي أن الأبعاد الانفعالية ونقص العلم والخبرة سمة أساسية من سماتها ولذلك فإن جوهر المعالجة لابد أن يكون تربوياً بمعنى كونه معالجة علمية نفسية في المقام الأول. لا يستثنى ذلك المعالجات بالتصدي الأمني أو العقوبة ولكن المنهج الأمني الاستئصالي ، بوصفه المرتكز لمعالجة المشكلة ، قد ثبت فشله. ولا يحتاج المرء إلى تفكر طويل ليؤكد أن المعالجة الأمنية الاستئصالية لن تنتهي إلى الفشل فحسب بل وستؤدي إلى تفاقم الظاهرة لأنها تعطي الوقود لإلهاب المشاعر وروح العداء والكراهية والشعور بالتهديد والانكشاف والاضطهاد. وقد أصبح معلوماً من خلال العمليات الانتحارية المتكررة أن هؤلاء الشباب لا يمكن ردعهم بالوسائل الأمنية فحسب ولذلك فأن المنهج الأوفق هو تجفيف المنابع التي تغذي مثل هذه الأفكار والنزعات. تجفيف منابع الإرهاب: وقد يعتبر البعض أن تجفيف منابع الظاهرة الدينية هو الذي سيؤدي الغرض. ولذلك يذهب إلى اعتماد استراتيجية (نرى أن الكثير من سياسات الدول الغربية تعتمدها) تهدف إلى محاصرة الفكر الديني، وإغلاق كل المنافذ في وجهه، سواء كان ذلك من خلال التدخل في المناهج التعليمية أو البرامج التثقيفية من خلال النشر والإعلام أو النشاط الطوعي. ولكن مثل هذه السياسة لن تؤدي إلى احتواء الظاهرة الدينية فالظاهرة الدينية أقوى من كل الوسائل التي يمكن أن تحاصرها، بل إن النتيجة سوف تكون هي نمو متعاظم للتدين بسبب الاضطهاد، وغلو في توجهات المتدينين الفكرية والشعورية. إن المعالجة الصحيحة هي بناء نظام مناعة داخل الظاهرة الدينية نفسها ضد الغلو والتشدد والتطرف. ولن يتحقق ذلك إلا باتساع دوائر البحث والدراسة لمراجعة الاطروحات الفكرية السائدة وتجديدها. ووصلها بالمنابع الصافية في الكتاب والسنة وتنقيتها مما علق بها من آثار المواجهات التاريخية والمنازعات المذهبية. وقد لا يعزو كثير من الناس ما يجرى اليوم من ظواهر غلو وفتنة وإرهاب إلى حالة الجمود والضعف التي يعانى منها الفكر الإسلامي. رغم أن هذه الحالة هي السبب الرئيس لحالة الضعف العامة التي يعاني منها العالم الإسلامي، وكذلك هي السبب الأهم لظواهر التشدد والغلو التي تنتج عن تعاظم المشاعر الدينية مع غيبة الوعي الإسلامي الذي يستند إلى علم وفهم عميق لمناهج الدين ومقاصده. إن الفقر الثقافي والفكري الذي يعانيه المسلمون أوسع دائرة وأشد وأكبر خطراً من فقرهم الاقتصادي. فما ينشر من كتب ودوريات وصحف ومجلات في دولة أوربية واحدة مثل أسبانيا يفوق كل ما ينشر من منشورات (غثها وسمينها) في كل العالم العربي. ولا يحتاج أن نشير هنا إلى تفوق وسائل الإعلام والنشر ومراكز البحث والتعليم والتدريب وبناء القدرات. فالعلاج الجذري لاحتواء الظواهر السلبية التي تنتج عن ضعف الفهم والإدراك هو النهضة الثقافية والتجديد الفكري، والذي لا نرى مبشرات كثيرة تدل أنه على الأبواب . بيد أن هذا لا يعني أن نجلس في انتظار النهضة الفكرية القادمة، بل لابد من مواجهة المشكلة الراهنة لتحديد أسبابها وردها إلى انتشار وسيادة أفكار محددة في أوساط الشباب، ثم محاولة معالجة الأمر من خلال محاصرة مثل هذه الأفكار في مناهج التعليم والتوجيه ووسائل ووسائط الإعلام. يترافق ذلك مع عمل إيجابي في نشر الأفكار الصحيحة التي تتعامل مع ذات الموضوعات. وهنالك محاور رئيسة تدور حولها الكثير من المفاهيم الخاطئة لا سيما في مجال التعامل مع الآخرين ومفهومات الجهاد والولاء والبراء وتحكيم الشريعة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ولا شك أن خطابنا في المساجد وغيرها من المنابر يحتشد بكثير من المفاهيم الخاطئة التي يتوجب على العلماء أن يتوصلوا حولها إلى كلمة سواء تعبر عن وسطية الإسلام ولطف مأخذه لكل مسألة وقضية. ومن أمثلة ذلك الدعاء بإهلاك اليهود والنصارى وملل الكفر جميعاً دون تخصيص الظالمين أو المعتدين منهم فيتربى الناشئون من أطفالنا على اعتبار إن هلاك هؤلاء خير من هدايتهم وأن الظالم المعتدي من أولئك ومن كف يده عن المسلمين منهم ولم يظاهر عليهم ، أمرهم جميعاً سواء، وأنهم أهل استحقاق للدعوة بأن "يحصيهم الله عدداً ويقتلهم بدداً ولا يغادر منهم أحداً" . وتلك دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم على الكافرين المعاندين المقاتلين ولكن الله لم ينهنا بل أمرنا بالبر والقسط للذين لم يقاتلونا في الدين ولم يظاهروا أحداً على المسلمين . ومن أمثلة ذلك الاستشهاد بالحديث "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله" ويلزم هؤلاء الذين يستشهدون بالحديث المذكور على إعلان الحرب على غير المسلمين كافة ان يزيلوا التعارض بين هذا الحديث الصحيح وبين الآية الصريحة " لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي" سورة البقرة الآية (256) . والحديث إنما يشير بكلمة الناس إلى المشركين الذين دعاهم الرسول (ص) للمتاركة فلم يتركوه "لكم دينكم ولي دين" الكافرون الآية (6). واعتزلهم فلم يكفوا عن إيذائه ثم سعوا في قتله ليتفرق دمه بين القبائل . فهؤلاء هم ما يشير إليهم بكلمة ( الناس ) لأنه لو فهمت على إطلاقها لكان الحديث معارضاً لأدلة من القرآن أصرح عبارة وأعلى مرتبة (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين) سورة الممتحنة الآية (8) . فليس المقصود بالقتال سائر الناس بل هؤلاء الذين قاتلوا النبي وأصحابه وأخرجوهم من ديارهم . وهذه ليست إلا بعض أمثال لما نرى أنها مفاهيم لا تصور حقائق دعوة الإسلام ولكنها منتشرة وفاشية بين الناس حتى أصبح القول بخلافها هو المستغرب الذى منه يتعجب المتعجبون. وإدارة الحوار حول هذه المعاني والمفاهيم أصبح أمراً في غاية الأهمية حتى نهيئ الشباب لفهم قادر على التعاطي مع الآخرين والتواصل معهم بما يحقق مصالح الدنيا والأخرة. الإرهاب ونزعة المعاداة للغرب: والصورة الراهنة لما يطلق عليه عمليات إرهابية تأخذ في راهنها صورة الغلو في معاداة الغرب حكوماتٍ وشعوباً ، المباشر للعدوان على بعض المسلمين ومن يكف يده من الحكومات والشعوب الغربية. ولا شك إن إطلاق العداء للغرب خطأ كبير. فليس الغرب باطلاً كله ولا ظالماً كله ، وإنما ينبغي أن يتحرى المؤمن العدل في أحكامه والضبط في مشاعره. ولا شك أن هنالك اسباباً عديدة تدعو غالبية المسلمين للشعور بحالة من النفور من السياسات والمواقف الغربية والتي اتسمت بماضٍ استغلالي استعماري وحاضر لا يقيم العلاقات على العدالة والانصاف ، وهنالك شعور يسود في أوساط المسلمين أن هنالك تحيزاً ثقافياً ودينياً يسود أوساطاً واسعة في الشعوب الغربية ضد الإسلام. وأن موقف الإعلام الغربي الذي يأخذ صورة العالمية اليوم مناهض مناؤي للإسلام، ثم إن هنالك رموزاً حية لانحياز الغرب إلى جانب المعتدين على بعض شعوب الأمة المسلمة ومظاهرته لأولئك بالسلاح وبالمواقف السياسية ، وأبلغ الأمثال على ذلك هو الموالاة المطلقة لغالب دول الغرب لإسرائيل. فكل هذه أسباب لا تفرش الطريق إلى محبة وتواصل مع الغرب. بيد أن الحكمة تشير أن الطريق الأوفق لا يتمثل في تسعير العداوة والبغضاء للشعوب والحكومات الغربية، بل بذل الجهود لإزالة التحيزات الثقافية ومناهضة الحملات الإعلامية والعمل على احداث تغييرات في سياسات الحكومات الغربية وكل هذا بالإمكان من خلال العمل المثابر الدؤوب. وبالإمكان الإشارة إلى تجربة اليابان مع الغرب ، فالعلاقات اليابانية مع أوربا والولايات المتحدة الأمريكية كانت تتسم بالعداء والتحيز ضد كل ما هو آسيوي وياباني. والعلاقات السياسية كانت تتسم بالتوتر ولكن ذلك كله تغير بما شهدته اليابان من تحول داخلي وتحول في علاقاتها الدولية والإقليمية. والعالم العربي والإسلامي يملك من الإمكانات ما يفوق ما ابتدأت به اليابان طريقها نحو النهضة والتقدم الاقتصادي والحضاري. وجذوره أرسخ في أصول الحضارة ممتدة بما يمكنه من الأخذ والعطاء مع عالم الغرب دون الشعور بالحاجة إلى الذوبان في الحياة الغربية أو الانكفاء والانطواء بعيداً عن كل ما يفيد ويدعم النهضة الإسلامية من علوم الغرب وتقاناته ونظمه وجوانب السمو والرفعة في ثقافته وحضارته. بيد أن إزالة نزعة العداء للغرب والتي تتفجر الآن في أعمال ترويعية لا تفرق بين المدني والعسكري، وبين الغافل والظالم لن يتم من جانب واحد. فالغرب الذي يجتهد اليوم في البحث عن أنجع السبل لمناهضة الإرهاب يتوجب عليه أن يدرك أن أقصر الطرق لمناهضة الأعمال الإرهابية هو التعامل بعدالة ونزاهة مع الشعوب الإسلامية. فذلك هو السبيل لنيل ثقة أهل التوسط والاعتدال والذين هم الضمانة الأولى لكبح نزعات التطرف والغلو. إن ما ورد في خطاب الرئيس الأمريكي جورج بوش مؤخراً من اعتراف بخطأ سياسات الدول الغربية في مساندة الحكومات الظالمة وسد السبيل أمام القوى الممثلة للشعوب للوصول للحكم ، هو أول خطوات تصحيح المسار. فعلى الدول الغربية اعتماد رؤية نقدية لسياستها السابقة ورصف الطريق نحو بداية جديدة تعطي اعتباراً كبيراً لإرادة الشعوب أن تتصرف في شأنها كما تشاء، لتزول الفجوة والجفوة بين الحكام والمحكومين. ولتنتظم العلاقات بين الدول وتعتدل بما يحقق مصالح الأطراف جميعاً. فذلك هو السبيل الوحيد لضمان أمن عالم أمسى يتقارب يوماً بعد يوم، وباتت الحدود لا تكاد تفصل الأخطار والمهددات أن تصيب الشعوب مهما بُعدت الشقة. وهذه كانت العبرة الكبرى لما جرى في الحادي عشر من سبتمبر. ولذلك فإن ما بعد ذلك الحدث كان تحولاً هائلاً في مفهومات الأمن والدفاع ، ليس فيما يلي الأمم الصغيرة بل الأمم الكبرى والصغرى على حدٍ سواء. مما يستدعى تحالفاً شاملاً ضد هذه الأخطار الجديدة ، لا يمكن له أن ينهض إلا على علاقات عادلة وسوية بين الأمم لكي تنعم جميعاً بالأمن والسلام.
#معتز_عمر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كيف يكون الطفل خالى من العقد النفسية
-
الشباب العربى فى محك طرق
المزيد.....
-
أمريكا تكشف معلومات جديدة عن الضربة الصاروخية الروسية على دن
...
-
-سقوط مباشر-..-حزب الله- يعرض مشاهد استهدافه مقرا لقيادة لوا
...
-
-الغارديان-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي ل
...
-
صاروخ أوريشنيك.. رد روسي على التصعيد
-
هكذا تبدو غزة.. إما دمارٌ ودماء.. وإما طوابير من أجل ربطة خ
...
-
بيب غوارديولا يُجدّد عقده مع مانشستر سيتي لعامين حتى 2027
-
مصدر طبي: الغارات الإسرائيلية على غزة أودت بحياة 90 شخصا منذ
...
-
الولايات المتحدة.. السيناتور غايتز ينسحب من الترشح لمنصب الم
...
-
البنتاغون: لا نسعى إلى صراع واسع مع روسيا
-
قديروف: بعد استخدام -أوريشنيك- سيبدأ الغرب في التلميح إلى ال
...
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|