أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - ذاكرة الامكنة














المزيد.....

ذاكرة الامكنة


سعد محمد موسى

الحوار المتمدن-العدد: 5051 - 2016 / 1 / 21 - 13:20
المحور: الادب والفن
    


ذاكرة الامكنة
عادة ما يبحر بنا الشاعر او الروائي بقاربه المنساب نحو عوالم الدهشة والانبهار ويشير الينا مثل عراب البحر بالعبور نحو ضفاف الازمنة البعيدة والى ذاكرة الفراديس والاساطير المزدانة باخيلتها الساحرة وكرنفالاتها الملونة. والامكنة حين يصفها الكاتب باشعاره وقصصه تبقى صورها حاضرة وهي تحاصرنا بالحنين والرغبة للولوج نحو اروقتها.
ومثلما نحت الشاعر قيس بن الملوح في جبل التوباد الذي كان ينتصب فوق ارض نجد ابهى قصائده وماخلفه في مخيلة القاريء والعاشق من لوعة واسى وقصص للغرام مع حبيبته ليلى العامرية حين كان يلتقيها في مغارة الجبل المطلة على ربوع قبيلتها التي نبذته ورفضت توسلاته للزواج من عشقه الابدي فهام المتيم مجنون ليلى على وجهه وبقي المكان شاهداً لعذابات عشقه العذري هناك وهو يبوح بهيامه للتوباد قائلا:
وأجهشت للتوباد حيـن رأيتـه وكبـر للرحمـن حيـن رأنـي
وأذرفت دمع العين لما عرفتـه ونادى بأعلى صوتـه فدعانـي
فقلت له قد كان حولـك جيـرة وعهدي بذاك الصرم منذ زماني
فقال مضوا واستودعوني بلادهم ومن ذا يبقـى علـى الحدثانـي
وإني لأبكي اليوم من حذري غدا فراقـك والحيـان مجتمعانـي
سجالاً وتهتـالاً ووبـلاً وديمـة وسحاً وتسجاماً إلـى هملانـي.

او قرية جيكور الغافية ببساتينها فوق ضفاف جدول بويب في ابو الخصيب. وحين عفرت عروس القرية بحنائها فوق جدار ذاكرة الطين
وارتجافات سعف النخيل.
استفاق السياب بنزق طفولته وخيبات عشق صباه مع نساء القرية .. فوشم اروع القصائد عن جمالية هذا الريف المنسي بجدوله الذي حاصره الجفاف اليوم.. لكن يبقى نهر شعر السياب ينابيع لسحر الاساطير التي تعيد صدى القرية والنهر حين صدح بصوته الحزين:

بويب
بويب
أجراس برج ضاع في قرارة البحر
الماء في الجرار و الغروب في الشجر
و تنضح الجرار أجراسا من المطر
بلورها يذوب في أنين
بويب يا بويب
فيدلهم في دمي حنين
إليك يا بويب
يا نهري الحزين كالمطر
أود لو عدوت في الظلام
أشد قبضتي تحملان شوق عام
في كل إصبع كأني أحمل النّذور
إليك من قمح و من زهور
أود لو أطل من أسرّة التلال
لألمح القمر.


او قرية الكاتب المغربي محمد شكري جميل في رواية "الخبز الحافي" والتي رسم ملامحها بهذا البذخ الصوري المدهش الذي استحوذ على اخيلة القراء وهو يصف قرية الطفولة والترعة الهادئة التي كان يسبح بها تارة او يأخذنا الى صخب مدينة طنجة تارة اخرى بارصفتها وحاناتها والبيوت السرية المتخفية وراء ستار الليل.
وايضا قدرة الكاتب نجيب محفوظ في تجسيد الحياة الاجتماعية والشعبية في ازقة القاهرة القديمة وفي احياء الجمالين والنحاسين وسيدنا الحسين فيجعلنا الكاتب نشعر وكأننا داخل الاحداث ونحن نمثل شخصيات رواياته لاسيما في رائعته الثلاثية.

اما رواية ضياع في سوهو والتي قرأتها في سنوات المراهقة فقد تركت اثرا في مخيلتي .. حتى دفعني الفضول والشوق لدى زيارتي الى لندن عام 1999 .. ان اقوم بزيارة الى حي سوهو وانا اعيد صدى احداث الرواية. لكني شعرت ان الصور والمشاهد التي تختزلها الذاكرة لدى قراءة الرواية تكون اشد تاثيرا وتوقاً من رؤية واقع المكان.
فالكاتب بمهارة وصفه يضفي سحرا واثارة وجمالية ويستحوذ على مخيلة القاريء اكثر من مقارنة بالواقع.
وحين يبحر الخيال ايضا نحو جزيرة كريت برفقة شخصية زوربا المدهشة التي عرفنا بها الكاتب اليوناني نيقوس كازانتزاكيس في روايتة الشهيرة زوربا.
وفي جزيرة الزيتون والكروم التي تحتفي برقصة الفوضوي السعيد زوربا فوق ضفاف بحر ايجة.. بقيت جزيرة كريت مملكة الخيال والاحلام الساحرة.
فكل هذة الامكنة التي رسمها لنا الكتاب والشعراء بقيت هاجساً وحنينا يتعقبنا وكذلك التصور مع جزيرة الاسطورة والشعر والاحلام " ايثاكا الاغريقية " موطن أوليس التي حفرت بذاكرتنا تضاريس الاسئلة حين دونها هوميروس الاعمى في ملحمة الاوديسة .. ثم رمم بقايا مملكة ايثاكا .. الشاعر ورسام الامكنة قسطنطين كفافيس بقصيدته الرائعة عن مملكة الفردوس المفقود:

مليئاً بالمغامرات والتجاريب
لا تخف الليستريغونيين والسيكلوبات
وبوزايدون الغاضب
فلن تراهم، ما دمت متسامي الفكر
وما دامت عاطفة نادرة تلمس روحك وجسدك
انك لن تلقى الليستريغونيين والسيكلوبات)
وبوزايدون الغاضب، إلا إذا حملتهم في روحك
وإلا إذا نصبتْهم روحُك أمامك
تمنّ أن يكون دربك طويلاً
أن تدخل في أسحار صيف عديدة
- وبأي امتنان وأي فرح
مرافئ تُرى للمرة الأولى
وأن تتوقف عند مراكز التجارة الفينيقية
فتشتري بضاعة طيبة
أصدافاً ومرجاناً وعنبراً وأبنوساً
وعطوراً شهّاء شتى، قدر ما تستطيع
أن تزور مدناً مصرية عديدة
وأن تجمّع معرفة العارفين.
لتكن إيثاكا، دوماً، معك
ان بلوغك إياها، لهو مصيرك
لكن لا تسرع الرحلة في الأقل
والخير أن تستمر الرحلة أعواماً
كي تبلغ الجزيرة شيخاً
غنياً بما كسبته في الدرب
غير متوقع من إيثاكا أن تهبك الغنى
لقد وهبتك إيثاكا الرحلة الرائعة
وبدونها لم يكن بإمكانك الرحيل
وليس لديها ما تهبك سوى هذا
ان وجدت إيثاكا فقيرة، فهي لن تخدعك
إذ غدوتَ من الحكمة في هذه التجربة
بحيث فهمت، فعلاً، معنى هذه الإيثاكات.



#سعد_محمد_موسى (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انهم يقتلون الابل
- الحب ليس له وطن او دين
- رثاء لتماثيل مهشمة .. وهاربة من معابدها
- فجيعة الغابة القتيلة
- الحائك والمدينة
- حوار السلحفاة مع الفراشة
- ترانيم المساءات الاخيرة
- عراب الارصفة
- ترنيمة في تضاريس ذاكرة
- حوار مع ظل
- كوابيس تتعقب احلام هاربة
- حكاية معتقل ومحاكمة حلم
- ثلاث حكايات قصيرة عن الحرب
- حكاية اخرى من يوميات جندي معاقب
- فلورينا المقعدة وكلبتها -بالا-
- الحارس واسرار الليل
- الدهشة الاولى
- السرقات النبيلة
- حفلة في غابة
- الغراب وشجرة الصمغ الاحمر


المزيد.....




- الكويت ولبنان يمنعان عرض فيلم لـ-ديزني- تشارك فيه ممثلة إسرا ...
- بوتين يتحدث باللغة الألمانية مع ألماني انتقل إلى روسيا بموجب ...
- مئات الكتّاب الإسرائيليين يهاجمون نتنياهو ويطلبون وقف الحرب ...
- فنان مصري يعرض عملا على رئيس فرنسا
- من مايكل جاكسون إلى مادونا.. أبرز 8 أفلام سيرة ذاتية منتظرة ...
- إطلالة محمد رمضان في مهرجان -كوتشيلا- الموسيقي تلفت الأنظار ...
- الفنانة البريطانية ستيفنسون: لن أتوقف عن التظاهر لأجل غزة
- رحيل الكاتب البيروفي الشهير ماريو فارغاس يوسا
- جورجينا صديقة رونالدو تستعرض مجوهراتها مع وشم دعاء باللغة ال ...
- مأساة آثار السودان.. حين عجز الملك تهارقا عن حماية منزله بمل ...


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - ذاكرة الامكنة