أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد يوب - التراث النقدي عند العرب وعملية المثاقفة















المزيد.....

التراث النقدي عند العرب وعملية المثاقفة


محمد يوب

الحوار المتمدن-العدد: 5049 - 2016 / 1 / 19 - 12:29
المحور: الادب والفن
    


التراث النقدي عند العرب وعملية المثاقفة

هناك رأيان في نشأة المدونة النقدية عند العرب؛ الأول يرى بأنها وليدة العوامل الداخلية كمن يقول؛ بأن مصطلح الفحولة مثلا؛ له علاقة بالبيئة العربية؛ وأن علم البديع كان يطلق على كل مظاهر البلاغة في ذلك الوقت؛ وهو خاصية فردية يتميز بها العرب عن غيرهم من الأمم، كما أن كتب أرسطو قد ترجمت بعد وفاة بعض النقاد الذين اتُّهِموا بالأخذ من أرسطو في مسألة النقد بالخصوص؛ كما أن هذه الكتب المترجمة لم تكن واضحة عند العرب؛ مما جعلهم لا يستجيبون لها؛ باستثناء قدامة بن جعفر الذي اطلع عليها في مصادرها نظرا لأصوله اليونانية وإتقانه للغة الأم.
وهناك من يذهب بعيدا ويقول: بأن ما عرفته أوربا من نظريات نقدية هي جزء لا يتجزأ من حضارة الأمة العربية في الوقت الذي كان فيه أبناء الغرب والشرق يدرسون ويتلقون العلم في الحواضر العربية؛ في كل من القاهرة والقيروان وأشبيلية وغرناطة وبغداد والبصرة والكوفة والموصل ودمشق، وكان ذلك في حدود القرن الخامس الهجري.
غير أنه وإن صح ما يروجح هذا الرأي فإن هناك من يقول: إنه من خلال البحث المعمق في تاريخ النقد الأدبي عند العرب نجد بأن المحاولات النقدية كانت جزئية بعيدة عن التأسيس النظري الممنهج؛ وكانت الانطباعية في بداية نشأة النقد الأدبي عند العرب صفة غالبة على هذه المحاولات؛ ومن هذا المنطلق يرى محمد مندور"أن النقد المنهجي لا يكون إلا لرجل نما تفكيره فاستطاع أن يخضع ذوقه لنظر العقل، وهذا ما لم يكن عند قدماء العرب وما لا يمكن أن يكون، ومن ثم جاء نقدهم جزئيا مسرفا في التعميم، يحس أحدهم بجمال بيت من الشعر وتنفعل به نفسه فلا يرى غيره، ولا يذكر سواه كدأبه في كل أمور حياته؛ إذ تجتمع نفسه في الحاضر الماثل أمامه . وفي هذا ما يفسر ما نجده في كتب الأدب من أحكام مسرفة كقولهم : هذا أجود ما قالت العرب؛ وهذا الرجل أشعر العرب ( ) .
والرأي الثاني يقول بأن النقد الأدبي عند العرب بدأ مباشرة بعد انتشار الإسلام وتمدد الدولة الإسلامية؛ ودخول أجناس كثيرة إلى حضن الاسلام؛ ووقعت هذه الأجناس في حيرة من النص القرآني؛ فاحتاج علماء الإسلام إلى وسائل وأدوات يبررون بها الإعجاز القرآني؛ ومنذ ذلك الحين أخذت الحركة النقدية مسارات متعددة؛ وتعددت معها الفرق الكلامية والمذاهب الفكرية؛ ومنهم من بالغ في تأويل النص القرآني وتحريفه عن موضعه إلى درجة الوقوع في الإلحاد؛ كل هذا دفع بعلماء الإسلام إلى الدرس والتمحيص؛ وإزالة ما يمكنه التشكيك في النص القرآني وإعجازه؛ والحرص على إبراز بلاغته وفصاحته.
وكان لبعض الفرق الكلامية ومنها المعتزلة الأثر الكبير في إجلاء الغموض في الآيات الموهمة للتشبيه التي يتعلق معظمها بالذات الإلهية والصفات التي وردت لله في القرآن...حيث حرص المعتزلة على نفي التجسيم ومشابهة الخالق للخلق؛ وبالتالي فسروا بعض الآيات تفسيرا مجازيا؛ واستدلوا على صحته بكثير من كلام العرب.
وكان أول من فتح باب البحث في الإعجاز البلاغي للقرآن هو أبو عثمان الجاحظ "ت255ه" إذ خص هذه القضية بكتاب مستقل هو كتاب " نظم القرآن" وهو كتاب يبحث في تفصيل أسلوب القرآن وعجيب نظمه؛ ثم جاء بعده ابن قتيبة و الرماني والخطابي والباقلاني والجرجاني والزمخشري...
ومن دراسة الإعجاز القرآني انتقلت الدراسات النقدية إلى اللغة الشعرية والخطابية...بل التمييز بين اللغة الفنية واللغة غير الفنية؛ حيث إن الجاحظ مثلا؛ جعل التفريق بين مستويات اللغة نقطة انطلاقه في الدرس النقدي؛ حيث يرى أن "كلام الناس في طبقات؛ كما أن الناس أنفسهم في طبقات؛ فمن الكلام الجزل السخيف؛ والمليح والحسن؛ والقبيح السمج؛ والخفيف والثقيل" وقد ظلت هذه السمات في اللغة مناط بحث الباحثين من النقاد والأدباء فيما بعد؛ من أجل وضع الأسس النظرية وبيان السبل التطبيقية لنقد الأعمال الأدبية وتمييز جيدها من قبيحها.
وهذه الأدوات النقدية في رأيهم لها أصول خارجية؛ في الفلسفة اليونانية وبالمنطق الأرسطي خاصة؛ وهو رأي كثير من المستشرقين ومن سار سيرهم من علماء العرب؛ يقول كراتشوفسكي:"من المعروف لنا جيدا التأثير الجاد للعلم اليوناني على الثقافة العربية بشكل عام؛ بخاصة في بداية القرن التاسع الميلادي" وقال أيضا:"إن تأثير أرسطو على العلم العربي معروف جيدا بشكل كاف؛ ومن المحال أيضا نفي أن البديع والبيان لأرسطو قد ترجما إلى العربية منذ وقت مبكر؛ وقد يكون هناك كثير جدل حول التواريخ الدقيقة أو أسماء المترجمين؛ إلا أن هناك حقيقة لاشك فيها؛ هي وجود ترجمات عربية لهذه المؤلفات في القرن العاشر الميلادي"
وفي نفس الاتجاه يسير أمين الخولي وطه حسين؛ حيث اعتبرا أن البلاغة العربية تأثرت بالفلسفة؛ وأن المنطق الأرسطي ارتبط بالبلاغة العربية منذ نشأتها؛ ويعتقد طه حسين أن كتاب "البلاغة" لأرسطو، الذي ترجمه"حنين بن اسحاق"(ت298ه‍) كان له الأثر الأكبر في دفْع ابن المعتز(ت296ه‍) إلى تأليف كتاب (البديع) الذي يعتبر كتابا ممنهجا، يدخل في خانة البلاغة لكننا بحق لا نستطيع إخراجه من باب النقد، وذلك لشدة التداخل بين النقد والبلاغة؛ إلى درجة أن هناك من يقول: بأن البيان العربي خرج من جبة أرسطو؛ وأنه كان من تأثير الثقافة الخارجية؛ شأنه في ذلك شأن بقية العلوم والمعارف التي استمد منها العرب مادتهم البيانية، ومن معالم تأثرهم بالثقافة اليونانية اهتمامهم بالقضية وتحريهم مصداقيتها من خلال التحليل و المقارنة.
إن التمازج الحضاري بين الثقافات والأمم هو ضرورة مهمة؛ لأن ما يجعل للحضارة بعدا مهما هو إنسانيتها؛ وإن تأثر العرب باليونان والعكس إنما هو شئ إيجابي يكشف عن إنسانية هذه الحضارات التي تتلاقح في ما بينها خدمة للإنسان؛ حيث خضعت الحضارة العربية لعملية تثاقف واسعة مع ثقافات إنسانية كثيرة منها الثقافة اليونانية؛ التي عبرت إلى العالم العربي عبر عدة مواقع جغرافية منها:
1- رحلة بدأت من الاسكندرية المصرية التي أسسها الاسكندر المقدوني الذي قام بنفس الدور الذي قام به نابليون بونابرت في مصر؛ لأن الاسكندر نقل معه العلماء وما حملت أيديهم من كتب في شتى المجالات؛ التي أودعوها في مكتبة الاسكندرية التي تعتبر مركزا ثقافيا علميا ضخما ينافس أكاديمية أفلاطون؛ وقد حافظت على نفائس الكتب العلمية؛ حتى مجيء المسلمين في زمن عمر بن الخطاب؛ ومن هذه البوابة اطلع العرب على التراث اليوناني من مصادره؛ لأن الاسكندرية القبطية كانت مسيحية يتكلم أهلها اللغة اليونانية.
2- كما مرت رحلة الفلسفة عبر بغداد التي أسس فيها الرشيد بيت الحكمة ونماه المأمون وقواه؛ وكانت تنسخ فيه كتب الفرس واليونان وتترجم؛ وهي كتب متنوعة في الطب والفلسفة؛ مما أعطى دفعة قوية لترجمة الفكر اليوناني إلى العربية؛ وكانت هذه الكتب تترجم مباشرة أو عن طريق السريالية؛ بواسطة حنين بن اسحق أو من طرف ابنه اسحن بن حنين؛ ويحي بن عدي؛ وقد ساهمت هذه الترجمات في اطلاع العرب على الفكر الهيليني وعلى رأسها الفلسفة الأرسطية التي ساعدت على ظهور مفكرين تألقوا في فروع معرفية باستعمال منهج عقلاني نقدي.
3- كما أن رحلة الفكر الفلسفي لم تتوقف عند بغداد؛ بل انتقلت إلى قرطبة في الغرب الإسلامي؛ وما عرفته المكتبة المروانية من دور في تلاقح الثقافات؛ وقد لعب المروانيون دورا كبيرا في نشر الثقافة؛ وساعدهم في ذلك قدراتهم المادية للتحفيز الثقافي والفكري؛ خاصة بفضل كل من الناصر والمستنصر؛ حيث أصبحنا نجد على رأس الحكم عالما من العلماء وهو المستنصر الذي يشبه المأمون في حبه للمعرفة؛ حيث كان له دور كبير هو وغيره من الأمراء في اقتناء الكتب الفلسفية ونقلها من المشرق إلى قرطبة.
وبفضل هذه الجهود أصبح للمكتبة المروانية دور كبير في نشر الثقافة؛ وخاصة منها الآراء والمواقف العلمية والفلسفية المحفزة على تنمية القدرات العقلية المشجعة على التفكير النقدي؛ وقد أنتجت هذه المكتبة فلاسفة كبار من أمثال: ابن باجة؛ وابن طفيل؛ وابن رشد...
4- أما في العصر الحديث فإن النقد الأدبي عند العرب تأثر بالحداثة النقدية الأوربية؛ التي بدأت في ألمانيا عبر الديالكتيك الهيغلي؛ والنقد الماركسي ثم الفرويدي؛ والشكلانيين الروس؛ وحلقات بودابيست وبراغ... وبالتالي فليس النقد الأدبي عند العرب سوى امتداد لتلك المدارس؛ في ابحاثه الصادرة عن المغرب ولبنان ومصر وسوريا والعراق...
وقد تطور النقد الأدبي عند العرب مثلما تطور النقد الأروبي؛ تنقل من النقد التقليدي عند سانت بوف؛ وهيبولت تين ثم تطور مع لوسيان كولدمان وجورج لوكاتش... ومع رولان بارث وديريدا وفوكو وألبيرتو إيكو... كما ارتبط بنوعية الثقافة التي تسود المجتمع؛ فكلما تغير المجتمع تغيرت معه نظرة النقاد العرب إلى الظاهرة الأدبية وتغيرت معه آليات وميكانيزمات التناول؛ بحسب ما يطلع عليه من مناهج نقدية متاحة؛ مع اختلافهم حول المناهج النقدية التراثية القائمة على الشرح والتقديم والتفسير؛ محاولين تجاوز المهمة الصعبة/الترجمة إلى التبسيط لإيصال القارئ إلى مفاتيح النصوص وإضاءتها له.
وتعود الحركة النقدية الحديثة عند العرب إلى بدايات القرن العشرين مع جهود حسين المرصفي؛و طه حسين و عباس محمود العقاد ومحمد مندور ولويس عوض... وفيما بعد مع محموود أمين العالم وعز الدين إسماعيل ويمنى العيد وريثا عوض وخالدة سعيد وفي المغرب نجد محمد برادة ومحمد بنيس ومحمد اليابوري ومحمد مفتاح ونجيب العوفي وادريس الناقوري وأحمد فرشوخ وسعيد يقطين ومحمد البكري...وفي هذه الفترة ظهرت عدة مجلات متخصصة في النقد الأدبي أهمها مجلة فصول التي يترأس تحريرها الناقدان صلاح فضل وجابر عصفور؛ وظهرت كذلك في مرحلة متأخرة ترجمات الناقد المغربي سعيد بن كراد الذي أغنى الدراسات النقدية السميائية بترجماته الرصينة.



#محمد_يوب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حالة مابعد التخلف
- نظرية التخييل من الفلسفة إلى البلاغة
- اسم العربة...تاريخانية الرواية
- وهم الأصول
- نقد وحشي
- اتحاد الفيسبوكيين العرب
- فلسفة الفعل التواصلي عند هابرماس
- نظرية التلقي والتأويل في النقد الأدبي عند العرب
- حالة ما بعد الحداثة
- تُخمة
- دينامية النص القصصي وسلطة الأشياء قراءة في -موال على البال- ...
- بناء الشخصية الروائية قراءة في رواية الرهائن للأديب محمد صوف
- صدى سيرة ذاتية 1
- جغرافية اللغة وأسلوبية المكان
- يارا وأخواتها -------------
- سوق النخاسة
- رسالة إلى الرفيق الأسفل
- بائعة الهوى على أبواب الليل
- السردية العربية بين الأصالة والمعاصرة
- المفارقة في القصة القصيرة جدا


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد يوب - التراث النقدي عند العرب وعملية المثاقفة