عدنان غازي الرفاعي
الحوار المتمدن-العدد: 5049 - 2016 / 1 / 19 - 07:27
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
.....نحن نعلم ان هارون أرسل مع موسى عليهما السلام قبل مولد عيسى المسيح بقرون ليست قليلة..وبالتالي من المستحيل أن تكون مريم عليها السلام أختا بالولادة لهارون عليه السلام... فالفاصل
بينهما يجعل من ذلك مستحيلا..وبالتالي فان الاخوة في النص التالي ليس اخوة دموية
فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) مريم
فقوم مريم عليها السلام عندما قالوا لها (يا أخت هارون) لم يقصدوا أبدا أحوة دموية...انما قصدوا أخوة منهج وسلوك ...وهنا سؤال يطرح نفسه ..لماذا تم اختيار هارون بالذات دون غيره من الرسل والأنبياء عليهم السلام في هذا الوصف لمريم (يا أخت هارون)؟؟!!....بمعنى ما الرابط بين مريم عليها السلام فيما أتهموها به في هذا الموقف من جهة وبين هارون عليه السلام من جهة اخرى؟
الاجابة على هذا السؤاال تحتاج الى العودة الى سيرة هارون عليه السلام...وبالعودة الى سيرته نرى أنه وهبت له النبوة كوزير لموسى نتيجة دعاء لموسى عليه السلام له بذلك
وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا (53) مريم
وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) طه
وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ (13) الشعراء
وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (34) قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآَيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ (35 القصص
هذه الثقة التي وضعها موسى بهارون عليهما السلام هي من أجل ان يصدّقه ويشّّد عضده ويكون وزيرا له..
ومريم عليها السلام كانت نذر أمها لله تعالى
إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36) فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (37) ال عمران
ومريم عليها السلام وضِعَت الثقة بها, بحيث كانوا يتسابقون على الفوز بكفالتها ..
ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44 ال عمران
فالرابط الاول كما يعلمه بنو اسرائيل هو كون هارون (كنبي ووزير) ومريم عليها السلام (كنذر لله تعالى ) هما نتيجة دعاء لله تعالى...وكلاهما وضِعَت به الثقة ونُظِرَ اليهما من قبل بني اسرائيل في البداية على أنّّه أهل الثقة.....
...موسى عليه السلام وضع ثقته بهارون عليه السلام وكلفه بأن يخلفه في قومه وأن يصلح ولايتبع سبيل المفسدين..
وَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (142) الأعراف
..وبعد ذلك وقبل أن يرجع موسى الى قومه ...اتخذ قومه من حليهم عجلا جسدا له خوار..
وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ (148) وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (149)
ولما رجع موسى عليه السلام الى قومه توجه الى هارون كونه كلّفه بهداية قومه أثناء غيابه وأخذ بلحية هارون وبراسه يجرّه اليه..
وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ 151 الاعراف
فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ (88) أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا (89) وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (90) قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى (91) قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93) قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (94) طه
اذا ...اتهم هارون عليه السلام بانه لم يقم بالمهمة التي أوكلت اليه ولم يكن أهلا لها..فلم يستطع تقويم الأنحراف الذي آل اليه بنو اسراءيل في ذلك الموقف..هذه هي الصورة التي اعتقدها بنو اسرائيل عن هارون عليه السلام مع انه كما -يبين القران الكريم- حاول هدايتهم بكامل استطاعته , الا أنهم استضعفوه وكادوا يقتلونه..
..ومريم عليها السلام حينما أتت بعيسى عليه السلام , نظروا اليها على أنها زانية ...
فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) مريم
هذه النظرة الخاطئة كانت بعد ثقة وضعت بها كما رأينا..وبالتالي اعتقد بنو اسرائيل أنها خانت الثقة ولم تكن أهلا لها , كما اعتقدوا أن هارون عليه السلام لم يكن أهلا للثقة التي أعطيت له...
هذا هو رابط العمق الدلالي في وصف بنو اسرائيل لمريم (يا أخت هارون) بعد أتت بعيسى عليه السلام واعتقدوا أنها زانية .......فما أرادوه بقولهم (يا أخت هارون ) هو : يا من لست أهلا للثقة كما أن هارون لم يكن أهلا للثقة..
فكل مايرد بصياغة النص القراني هو تصوير مطلق للمعاني والدلالات يتعلق بعلم الله تعالى المطلق , وصياغة مطلقة تتعلق بحكمة الله تعالى وقدرته المطلقة.....
#عدنان_غازي_الرفاعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟