|
المكان والزمان في القصة القصيرة نموذجا
حمد علي حاجي
الحوار المتمدن-العدد: 5048 - 2016 / 1 / 18 - 19:28
المحور:
الادب والفن
الخطاب القصصي/ الزمكان نموذجا عند مهدية أماني محبوكة أتت القصة مكوَّنةََ من مجموعة عناصر / ومكونات للقصة (الحبكة " البداية والوسط أو العقدة ولحظة التوير والحل ) متشابكة مع( اللغة - الشخصيات - الأحداث - الزمان - المكان ) والتي تركزفيها كاتبتها على المتلقي (السامع / القارئ)، حيث تضع في خلدها مستقبل حياة النص إزاء كونه صورة ما من صور اللغة ينبغي لها أن تكون مقبولة من حيث هي نص ذو سبك و التحام مما يجعلنا ندعم فكرة أن يكون النص مقبولا لدى متلقيه، فلا نشعر أن فيه قصورا أو نقصا،أوتشويه وهو بذلك يقرُّ بدور القارئ الذي يساوي في الحيوية دور المؤلف لكونه يتلقى النص من خلال خبرته الشخصية و الاجتماعية، أو يمارس عليه سلطته بعد أن استحسنه، و هذا ما يمنح القراءة فاعلية إبداعية متميزة... سنحاول في هذه الكلمة الدخول إلى العالم القصصي لدى مهدية أماني إذ قدمت لنا بنصها سُعار القلوب : خمس مقاطع على التوالي ** "السوق"، *** "البائع"، *** " السارق الذي مسكوه بالجرم" *** "في خيمة الطبيب "العرّوشي""، *** " العشاب يتابع النداء". ترى كيف تعاملت الكاتبة مع هذا المتواليات؟ هل أعادت إنتاجها عبر قصتها أم قدمت لنا في كل زاوية عالماً مختلفاً؟ سنحاول تلمس خصوصية تجربة الكاتبة النصية وتفاعل فقراتها بعضها ببعض على مستوى القصة والخطاب وسنحاول أن نبرز كيف قدمت الكاتبة مادتها الحكائية؟ وما هو المنظور القصصي الذي اعتمدته؟. ثم نتوقف عند أهم الدلالات والتفاعلات النصية. المنظور البنيوي للقصة : نجد الكاتبة تعتمد المفارقة والتكثيف وتقديم الصورة الرامزة الموحية التي تتشكل الحروف فيها لتصنع عالما ادهاشيََّا مفارقيَّا ، وتحاول اعادة رسم خريطة العالم/ الوطن/ المدينة / السوق بمكياج صورها الدافقة ، وبمرآة اتقانها فى سبك المعنى وتوليده ، وصوغه ، وتوجيهه نحو بوصلة المخيال الايحالى الرّامز فى الذهنيّة التشاركيّة للقارىء وللعالم والكون والحياة ، وهذا ما لحظناه فى تحليلنا لقصة نص " سعار القلوب " للأديبة مهدية أماني ، لنقرّ بعدها بابداعية النص واتكائه على وحدة الموضوع وحسن البناء.القصة عبارة عن تحدٍّ جماليٍّ هو بمثابة جغرافيا ضيّقةٌ صنعت بها وفيها ومنها الكاتبة تاريخا طويلا بشكل توسّعي متسارع يشبه الانفجار التلمودي، ومساحة محدودة ثلاثية الأبعاد أمكن للكاتبة أن تصنع فيها بؤرا تتعدد عوالمها وشخصياتها .. حقَّا لقد بدت السردية مطاوعة لها كأبعاد الفيزياء المعاصرة ، تحقق ما نطلق عليه الإدهاش أو التأمل أو كليهما في نفس الوقت هذا اضافة الى إمكانيّات التكثيف والاستعارة والكتابة الطبقية والافقية والعمودية، فلا نجد التوظيف المبتذل أو المستهلك الممل للغة . في قصة سُعار القلوب : قدمت لنا الكاتبة مهدية اماني في هذه القصة عالماً متفرداً هو السوق الاسبوعي إثر توليها ارجاع حافظة نقود، وقد دخلنا هذا العالم مع الراوي البطل (الانا) الذي عاش بعيداً عن مهاوي ومزالق السوق (في عمق المجتمع)، ثم قررت العودة إلى البيت والفرار. تبدأ القصة في السوق هذا المكان المتنقل الذي يتيح عرض مشاهد متعددة لأرجاء المكان، كما يتيح لقاءات متنوعة مع أبنائه (الشاري والبائع ) ومع أعدائه (كالسارق والبائع الغشاش والعشاب المتطبب وخريج السجون). 1----- الفضاء المكاني: بهذه الافتتاحية تبدأ الراوية قصتها، فنرى الفضاء المكاني يكتسب أبعاده عبر توالي مشاهد من الواقع المعيش ، وعبر ربطه بمناصات سردية مأخوذة من الارث الجمعي (القرآن الكريم،والسنة : ما انا الا واحد منكم أمشي في الاسواق---- التوراة : يتمشى بالاسواق بسلام ) تضفي نوعاً من القدسية على المكان الذي انتهك الأشرار قداسته. وقد أبدع خيال الراوي البطل في رسم صورة جميلة للمكان بروائحه، وصخبه وغوغائه وصمته وضجيجه..تبدو لنا هذه الصورة السردية عن السوق والمكان في البداية منعزلة عن الإنسان ذات وظيفة زخرفية، ولكن ما نلبث أن نجد في الجملة الأخيرة انعكاس هذا المشهد الوصفي على نفس البشرية، حيث تضمخ الكاتبة سحر المكان في أعماقها بتلك الرقة والسمو والدفق الجياش بالحنين ..ثم ينتقل الراوي إلى السوق حيث تعيش معه حيويته وضوضاءه (أصوات الباعة، صوت الآخر، العربات) ونشم روائح القذارة والنتن خضار وفواكه وربما غلال فاسدة... 2----- الفضاء الزمني: قسمت مهدية أماني نصها إلى فقرات متتابعة تتابعاً زمنياً، إذ تمثل كل فقرة تطوراً في الحدث وفق تسلسل زمني. ولكن بدا لنا التوتر الزمني بطيئاً متناسباً مع وتيرة الحدث الذي ظهر في البداية مجرداً: عن التوتر، إذ تمحور حول مجموعة من الأفكار النظرية التي تتبناها الشخصية، ثم تصاعدت وتيرته في منتصف النص (حين ضربت موعدا مع صاحب الخيمة المتطبب ). وكثيراً ما يتوقف الزمن ليتسع السرد المشهدي (الحوار) بين شخصيتين (الفقرة الثالثة)، أو ليفسح المجال لوصف الحدث (الحافظة الملقاة وكيفية ردها ). وأحياناً لا يشير الراوي إلى الزمن فتعرف عليه بطريقة غير مباشرة عن طريق الوصف "كاللائي ينتظرن دورهن لأخْذ جُرعة النّار والكيّ ". سيطرت على أجواء القصة هموم الزمن الحاضر، لذلك نكاد نفتقد السرد الاستذكاري والسرد الاستشرافي. *****ـــــــــــــــــــالمنظور التعبيري: قدمت لنا الكاتبة عالمها القصصي عبر مدلولات واقعية، استطاعت أن تعبر عنها بدلالات تصور تفاصيل الحياة اليومية، خاصة تلك التي لها علاقة مباشرة بالمرأة (.أسدلت نصف شالي على وجهي ولم يبق ظاهرا مني سوى العينين تحسّبا....) كما نلاحظ أن بعض التشابيه لديها ذات علاقة بالمرأة بصورة حميمة "شمَتُّ فيه، فلن يطبطب على ساق طرية ندية ولا على ذراع أعبل..". وقد امتزجت هذه الدلالات الواقعية بالدلالات الشعرية التي تتناسب وطبيعة الشخصية الحساسة التي تتوق للفعل (شخصية البنت الفتاة ..أدفع شابة قرفصت بجابني لتأخذ مكاني ، وأظنه تلمظ اللحم قبل أن يراه....) المتفاعلات النصية: النصيةهي تلك الخصائص التي تمييز النص عمّا ليس نصا، فالنصية تحقق للنص وحدته الشاملة، ولكي تكون لأي نص نصية ينبغي أن يعتمد على مجموعة من الوسائل اللغوية التي تخلق النصية تلك، بحيث تسهم هذه الوسائل في وحدته الشاملة وهي سبع : :الربط والتماسك والقصدية والمقبولية والاخبارية والموقفية والتناص . ان النص مكتملا بهذه المعايير السَّبعة في تناسق بعضها لبعض إذن، هذه المعايير السَّبعة التي تجعل من النص نصا - كما قدمها قراند و دلاسلر-، إنها تحقق له كما له و أنموذجيته. كما تمنحه الجواز، لكي يلج الصدر، و يستقر في الذهن. ******ــــــــــــــــ المنظور الأيديولوجي: تبدو الشخصيات مشغولة بالهم اليومي، وإن كنا نلاحظ أن أفكارها لا تبدو قائمة في أذهان الشخصيات المتحلركة بالقصة، فما لاحظناه تردد الراوية تتردد الخوف في اتخاذ قرار خطير يتوقف عليه مصير الحافظة المفقودة والتباس ترجيعها لمالكها ، إذ بدا الراوي متردداً في البداية بين البقاء على الحافظة او ارجاعها وما ينجر عن ذلك من ابتزاز خريج السجون او حتى بائع الاعشاب في الاستيلاء عليها ... وكذلك نجد بالنص مواقف التحدي وتتعبر الكاتبة عن قرفها من الجهل والتطبب والفوضى والكبت والانحلال . وقد اتضح لنا هذا المنظور بشكل أفضل عبر شخصيتي المتطبب ووالفتاة ، فعن طريق الأول عرفنا أثر المعاناة اليومية وضغط الحاجات الأساسية وهروب الناس الى التقاليد وتسليم أجسادهم للخرافة بطريقة واقعية بعيدة عن التجريد والتنظير وتسعى الكاتبة للفعل والاندماج بهموم الناس أولاً وتفهم معاناتهم، ومد يد العون إليهم ومن ثم الانطلاق في التفكير بقضية الآخر ........اما عن طريق الثاني والمتمثل في الرؤية لمنزلة المرأة (للصورة أكثر من بعد) على نقيض البقية الباقية لكأن محور القصة ينطلق من منظور واحد أي من تنظيرات المفكر الناقد وعلاقة رؤيته المجردة بالقضية المطروحة بعيداً عن نبض الواقع ومعاناة الإنسان. ******ــــــــــــــــ المنظورالخطابي اول ما يتبادر الى الذهن وجود مناصات متنوعة، مناص ديني (آيات قرآنية) ومناص شعري (أشعار الدارجة وموسيقى السوق ) ومناص شعبي (أغنيات شعبية وفي نداء الباعة على الشارين) بالإضافة إلى وجود الميتانص أحياناً.. وفي هذا كله احتفالية باللغة الابداعية .. تمثل اللغة في نص أماني مهدية منعرجا تتموج فيه هذه التراكيب الوجيزة ذات المفردات الحيوية تلقي الضوء على أعماق المرأة في ساعة ضيق، وتظهر لنا انعكاس الخيبة والضيق على تصرفاتها وانفعالاتها ولغتها، ومثل هذه التراكيب ليست خاصة بتصوير عالم المرأة فقط بل نجدها حين تسرد لنا أحداث الآخر وخطابها وهذا ما نجده في طيات الحوار في حوار الآخرين :.....-قرّب ..قرّب.. يزعق.. يا ابن البلد الأصيلة..يا ابن ال.... او في مواقع متعددة بالنص... ولعل ما لاحظناه أحياناً انسياب اللغة بصورة عفوية تصل إلى درجة االاسهاب مقصود في ذاته كأن الكاتبة لم تبذل جهداً في انتقاء مفرداتها أو اختزالها، فباتت أقرب إلى اللغة اليومية منها إلى اللغة القصصية، كما برزت، أحياناً، اللهجة الخطابية والإنشائية مما يهلهل اللغة ، وذلك بغية إلغاء لغة القص لصالح النثر قطعا . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ خاتمة : لم تكتف الكاتبة أماني مهدية بتجسيد عالم المرأة عن طريق الصورة والصوت داخل السوق بل نجدها تجسد خصوصية اللغة الأنثوية التي تنقل تفاصيل دقيقة وخاصة بالمرأة (الثرثرة، الاستغباء، البلاهة ) بل عبرت ذلك الى تحديد الزمن وتحديثه . ومثل هذه التفاصيل اللغوية تساعد على خلق بيئة قصصية ذات صلة وثيقة بالزمن المحكي ، كما أنها ذات صلة بعالم المرأة، في أي مجتمع عربي، فهي بذلك تتابع ردود فعل المرأة، عبر لغة خاصة تمتاز بالحيوية والأنثوية..
#حمد_علي_حاجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
زاعما سرقة فكرته.. المخرج المصري البنداري يحذر من التعامل مع
...
-
جرأة محفوفة بالمخاطر.. شهادات علنية لضحايا اعتداء جنسي تتحدى
...
-
الفرانكو- جزائري يخرج عن صمته ويعلق بشأن -فضيحة حوريات-
-
نافذة جديدة على العالم.. مهرجان للفيلم الأوروبي في العاصمة ا
...
-
شون بين يتحدث في مراكش عن قناعاته وتجربته في السينما
-
تكريم مؤثر للفنانة المغربية الراحلة نعيمة المشرقي في مهرجان
...
-
بوتين يتذكر مناسبة مع شرودر ويعلق على رجل أعمال ألماني سأله
...
-
على طريقة أفلام الأكشن.. فرار 9 سجناء من مركز اعتقال في نيس
...
-
-الجائزة الكبرى للشعر الأجنبي- في فرنسا لنجوان درويش
-
الخنجر.. فيلم من إنتاج RT يعرض في مسقط
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|