|
الخريف يمكث طويلا
كاظم اللامي
الحوار المتمدن-العدد: 5047 - 2016 / 1 / 17 - 21:45
المحور:
الادب والفن
قصة قصيرة .. بقلم كاظم اللامي الخريف يمكث طويلا تخلى الليل عن بعض عتمته مرغما وهو يكابر محتطبا بقايا ظلمة تلفع بها لتخفي معالم الاشياء التي غلفها انزواء النور بجمال خاص .. في اثناء ذلك تشابكت وتلاقحت تكبيرات الاذان لصلاة الفجر من جامع الى اخر وكان سفيفة ديناميت تناسلت شراراتها لتتفجر واحدة تتلو الاخرى بتكبيرة ..الله اكبر.. وهي تتسرب متزحلقة نحو مسامات جدران البيوت منحدرة الى اذان الجميع توقظهم .. منهم للصلاة وكثير منهم لمصالح اعمالهم طلبا للقمة متواضعة مشوبة بالذلة اصبح الحصول عليها في هذه الايام كمن يقتلع سنا دائما من تجاويف فم سمكة قرش غاضبة صامت طويلا عن فرائسها .. يجمعهم ترديد كلمة توكلنا على الله وهم ينظرون بخط وهمي الى اللاشيء.. خرج محمد ابن الخامسة والثلاثين من داره العشوائية خلف السده وهو يحلم برزق متواضع يناله من عمله في علوة المخضر بالتقاط المتناثر من الخضروات والفواكه من العربات والسيارات الداخلة والخارجة برضا الجميع بمن فيهم صاحب العلوة .. رزق يعود به لصبيانه الخمسة الذين انجبهم دون توقف خلال خمسة سنوات زواج وكلما اتى مولودا جديدا كانه يرد على منتقديه من الاقارب والحاسدين لهذا العدد الكبير من الصبية رغم وضعه المعيشي المتردي بعبارة .. _الله يرزقهم .. رفع محمد الباب العاري من اي ارتباط بواجهة البيت ثم وضعه متكئا على مسمى سياج مع زفرة حارقة خرجت من فيافي حزنه العميق فقط ليقي زوجته وهي تعمل واجباتها البيتية من نظرات فضولية يطلقها المارة وهم يمرون من امام داره المتواضعة جدا والتي هي عبارة عن غرفة وباحة تجمع السبعة افراد يظلهم سقف ادمن العويل .. حث خطاه ناحية العلوة والقمر يقتفي اثره ككلب ربطت عنقه بحبل جلدي يسير الهوينا خلف سيده الثري يكشف عن نواجذه مبتسما.. وعندما وصل مكان عمله حيث الزحمة في كل شيء سيارات بمختلف الاحجام والماركات .. بشر بمختلف الاجناس والاعمار والهيئات .. خضر وفاكهة منها المحلي والمستورد معبئة باشكال مختلفة .. استنشق رائحة غريبة تحمل اطيافا من صراخ ونحيب وجد الجميع رغم حركتهم الدؤوبة النشطة في اداء اعمالهم في الشحن والتفريع والبيع والشراء وتعالي اصوات الدلالين والكسبة وكانهم يحلقون في عوالم لا تمت الى يومهم الغافي على وسائد المجهول باية صلة.. سلم بتحية (قواقكم الله) ردوا عليه وكانهم يسلمون على ظل او خيال لا تستبين معالمه.. شرب شايا على حساب صديقة حميد صاحب العربانة التي يجرها حصان لم يشبع بطنه من حفنة شعير _ لا ارى اليوم نثار خضروات او فاكهة تركتها العربات .. قال محمد وهو يمسك بكيسه الابيض بقوة والحسرة والخوف تكاد تقفز من عينيه _ لا اعلم .. يمكن اهل العلوة نكثوا معاهدتم معك .. قال حميد وهو يرشف ذؤابة شاي فقد طعمه لتكرار غليانه .. _ لا حميد .. صاحب العلوة والفلاحين وجميع من هنا يعلمون بضائقتي المعيشية وهم من سمح لي بالتقاط ما يتساقط من العربات والسيارات و.و.و.. تعلم بانني اكتفي بالقليل واعود للبيت مسرعا .. ضحك حميد طويلا حتى بان لسان المزمار خلف اسنان تهرئت مصطبغة بصديد السجائر _ اخويه محمد يحتمل انهم يدخرون ما يتناثر من الخضر لرجل اخر اكثر منك كفاءة انتفض محمد معترضا _ ومن هذا الذي يريد ان يقطع لقمة اولادي نط حميد من عربة الحصان وهو يقول .. _ لقد اقبل رزقك ها هي باذنجانة راوية سقطت من عربة الستوتة .. وهناك حيث قدم تلك السيدة المتشحة بالسواد رأس خس ناضج التقطهم سريعا قبل ان تسحقهم بقية العربات .. هرول محمد فرحا وهو يضع الباذنجانة في تجاويف الكيس لتختفي في بياضه مستسلمة.. التقط عود خيار .. رمانة .. عرج على راس الخس .. وهكذا عادت اساريره منفتحة على فضاء اللقمة العسيرة المنال .. دخلت شاحنة كبيرة الى العلوة محاطة بهالة كبيرة عدمت لون السماء الصافي مليئة بثقوب تنز دما تخضب لحى الجميع .. وقفت تفاحة حمراء بلون القهر اعترضت طريق الشاحنة .. حاول محمد ان يتلقطها قبل ان تطالها اطارات الشاحنة لكن سائقها الذي بدا متهورا وطأها مسرعا وكانه على معرفة بمحمد فحزم امره على اغاضته .. تامل محمد التفاحة وقد اصبحت اثرا بعد عين ولسان حاله يقول هكذا نحن نسحق كل يوم ايتها التفاحة منذ ان التهمك ابينا ادم ذات شهوة القت بظلالها القاتمة على ارواحنا الغضة .. ارسل نظرة حنق ناحية السائق فانكر معرفته توجس خيفة منه ليجيبه وهو يتلاعب بمقود الشاحنة بضحكة ساخرة صفعت وجهه تردد صداها في ارجاء الله حتى ازاحت باب بيته واخترقت جدران الغرفة الوحيدة بانياب تحفر خنادقا عند قلب الزوجة الغافية وسط كومة لحم تراكمت قطعها الواحدة تعلو الاخرى في عشوائية عكست منافي الروح الماثلة طبقات اكسبها عدم التنظيم جمالية ملونة ببراءة افتقدها الجميع على عجل .. علا صوت انفجار مدوي اماط الستار عن مسرحية الموت الماكث في حياة الناس كمسار دقه مجنون تراجعت جميع مفكات المسامير ان تحركه عن مكانه او تحتال عليه للخروج .. تناثرت الفواكه والخضروات وهي تختلط بلحم ودم الناس الكسبة والفلاحين البسطاء والحمالين وكان المسخ صاحب الشاحنة يقول لمحمد .. هيت لك ها هو نثار الاغذية دونك اجمع ما طاب لك مثتى وثلاث ورباع واحقن تجاويف دارك بخزين لا ينفذ ابدا يسد حاجة احفاد احفادك . حميد بلا راس يحتضن راس حصانه المنفلق الهامة وذباب جوعان حد التخمة يغازل دمهم الذي توحد بفصيلة دم اسمها الموت زائد .. النجوم تساقطت وهي تكفن قطعا من لحم عجزت الملائكة ان تقرنها باصحابها حتى بدا الميت واحدا وكانه مارد كبير يحمل رؤوسا عديدة وقلوبا كثيرة والاف الايادي والاقدام والعيون تشظت بعشوائية ليعلن عن موت ازلي ابدي لاناس طالما حلموا بحياة تكتنفها جلسة احباب عصيرة يوم قائظ في فضاء مكشوف يتقدم دارهم الطينية واستكانات الشاي ولفائف التبغ تدور عليهم مع ضحكات على نكات سمعت كثيرا حتى حفظوها عن ظهر قلب .. كل شيء تحنى بخضاب الموت القهري .. زوجة محمد سمعت بخبر التفجير الارهابي في مكان عمل زوجها صرخت قلعت خصلات من شعرها الفاحم كليل المساكين شقت جيبها انتشلت صغارها من فراشهم فقطعت احلامهم البريئة في اكل الحلوى ومداعبة كرة للقدم رخيصة الثمن .. انطلقت بهم حيث مكان الانفجار لتبدا سيرة جديدة من التقاط المتناثر من بقايا اجساد الموتى وزعت الاكياس البيضاء على اطفالها وراح الجميع يطأطأ راسه للارض لتناله ارزاق الله بقطعة لحم تبخرت من جسد ابيهم .. يجمعون المتناثر وهذا يقول هذه يد ابي والاخر هذه عينه وزوجته تقول هذا قلبه وهم فرحين برزقهم الوفير الذي لم تنقطع معالمه حتى يومنا هذا بتناسل يومي لصورة محمد وزوجته واطفاله وحميد وحصانه الجائع وسائق الشاحنة ذي الضحكة المميتة .. كاظم اللامي
#كاظم_اللامي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة في ومضات قصصية للقاصة ايمان قاسم اللامي
-
قراءة في كتاب (ميثم السعدي وثنائية العرض المسرحي)
-
تصورات متواصعة / مقالة نقدية
-
عود على بدء وثنائية المونودراما المزدوجة
-
قراءة نقدية للعرض المسرحي (الناجي)
-
عراة وحفاة
-
قراءة نقدية للنص المسرحي (دوران)
-
قراءة نقدية للنص المسرحي (فلا انا بلقيس ولا فيكم نبي
-
جرأة حالمة وتجوال خيالي في نقد النص المسرحي المتوهج (سنة حلو
...
-
من صدام حسين الى نوري المالكي الكواسج تبعث من جديد
-
نقد المنجز المسرحي .. ثنائية العرض المزدوج
-
تاويلات نقدية وفلسفية لمسرحية مدارات تاليف الكاتب المسرحي مي
...
-
نص مسرحية(مدارات) للكاتب ميثم السعدي
-
لا تعبث برماد ذاكرتي
-
شيلني واشيلك
-
مسرحية جمال الليل _ مقالة نقدية
-
دراسة نقدية للمسلسل العراقي الحب والسلام
-
شيل ده عن ده يرتاح ده من ده
-
مسرحية القمامون
-
قراءة نقدية للنص المسرحي المونودرامي (النبا الاخير)
المزيد.....
-
عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا
...
-
-أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب
...
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|