محمود الخطيب
الحوار المتمدن-العدد: 5047 - 2016 / 1 / 17 - 05:32
المحور:
القضية الفلسطينية
صيف العام 1982
بعد أيّام من القتال الضاري في جنوب لبنان، انكفأت قواتنا تحت وطأة الإجتياح الإسرائيلي. ووصلت معلومات الى بيروت مفادها أن قائد القوات المشتركة، الحاج اسماعيل، أخلى مركز القيادة في صيدا وتوجّه مع مرافقيه للتمركز في البقاع. وانتشرت هذه المعلومات بين الناس، فتعدّد التأويل وعمّ الغضب، واتهموه بالفرار لينجو بنفسه. وكان للإخلاء المفاجئ تأثير سريع في تشتيت المقاتلين في البراري والجبال، الأمر الذي سهّل للغزاة التوجّه الى صيدا والشوف بغية الوصول الى بيروت من محورين.
وفي خطوة استباقية، سارع اللواء السوري، المتمركز على سفح عرمون - الشويفات، الى حزم متاعه وعتاده والإنسحاب تحت جنح الظلام دون قتال، سالكاً طريق الجبل (عرمون-بيصور-عاليه-ضهر البيدر). غير أن انسحابه افتضح، فلاحقته الطائرات الإسرائيلية ودمّرته تدميراً شاملاً في سهل البقاع.
* * *
بعد فترة وجيزة، التقيت بالحاج اسماعيل في بلدة برّ الياس البقاعية. كان واقفاً أمام مبنى استخدم مركزاً للقيادة، متأنّقاً بملابس الميدان، ويتحدّث مع رجلين لا معرفة لي بهما. صافحته، فسألني عن الوضع في بيروت. قلت:
- الناس غاضبون، ويتهمونك بالتخلّي عن رجالك.
تبٍّم وقال:
- الناس لا يعلمون.
ومدّ إصبعيه في جيب قميصه، وسحب ورقة مطويّة، وأضاف:
- هذه برقيّة "تلكس" من القائد العام "أبو عمّار" يأمرني فيها بالإنسحاب.
صدّقته. لا بدّ من وجود قرار من القائد العام، وإلاّ لحوكم ميدانياً، ولما كان طليقاً على هذا النحو.
لكن ...
ثمّ فكّرت قليلاً بيني وبين نفسي، فوجدت أن لا جدوى، الآن، من تذكيره بأن واجب ربّان السفينة الغارقة هو أن يكون آخر المغادرين، وليس أوّلهم.
___________________
كانون الثاني (يناير) 2016
#محمود_الخطيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟