راسم عبيدات
الحوار المتمدن-العدد: 1374 - 2005 / 11 / 10 - 10:19
المحور:
القضية الفلسطينية
المشهد السياسي الفلسطيني مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية يبدو شديد التعقيد والتركيب والتداخل , ونحن سنعتمد في تحديد قوى المشهد السياسي الفلسطيني على نتائج المراحل الثلاثة للانتخابات البلدية والمجالس المحلية بالإضافة للعديد من استطلاعات الرأي التي أجرتها وتجريها المؤسسات البحثية المحلية وقبل الغوص في صلب الموضوع , وحتى يتم قطع الطريق على أي قوه سياسية للقول بأن النتائج لا تعكس حقيقة حجمها ووجودها وحضورها في الشارع الفلسطيني فإن هذا الاعتراضات و التشكيكات قد يكون لها وجاهيه إلى حد ما إذا ما جرت الانتخابات التشريعية وفق نظام الانتخابات السابق " الدوائر والاغلبيه المطلقة " وهذا النظام الانتخابي عدا عن كونه يعزز من نفوذ وحضور وتكريس العشائرية والقبلية والجهويه ويضعف التماسك القومي بالاضافه كونه لا يضمن تمثيلاً عادلاً لمختلف ألوان الطيف السياسي الفلسطيني , أما وان نصف الانتخابات " نصف المقاعد " ستجري وفق القوائم " التمثيل النسبي " فإن ذلك لا يعطي أي ذريعة لأحد للقول بأن هذه الانتخابات غير دقيقه أو مقياس للحجوم , وخاصة إذا ما جرت في أجواء ديمقراطية وشفافية ونزاهة , وهذا لا يعني أن هناك عوامل اخرى تتدخل في التأثير على النتائج العملية الانتخابية من طراز العملية السياسية واتجاهاتها وتطوراتها مثل موقف إسرائيل من مشاركة حماس في هذه الانتخابات ورفع وتيرة القمع ضدها أو حدوث انفراج في العملية السياسية مثل إقدام إسرائيل على إطلاق سراح عدد كبير من الأسرى وتحديداً من القدماء ......... الخ .
وبالمجمل فإن ما يمكن قوله ان معركة الانتخابات التشريعية هي معركة سياسية هي استفتاء على برامج ورؤى الأحزاب والتنظيمات الفلسطينية وهذه المعركة قد تقود إلى تغيرات دراماتيكية في الخارطة السياسية الفلسطينية وكل المؤشرات تشير إلى ان الخارطة السياسية ستشهد ميلاً واضحاً نحو اليمين وتحديداً الاسلام السياسي " حماس والجهاد " على الرغم من ان حركة الجهاد الإسلامي حتى اللحظة الراهنة تؤكد على موقفها الرافض للمشاركة في الانتخابات التشريعية وفي إطار الإعداد والاستعداد لهذه المعركة فإن حركة فتح وهي حزب السلطة الرئيسي تعتبر هذه المعركة مصيرية بالنسبة لها وهي تتعلق بوجودها ودورها القائد في الشارع الفلسطيني ومن هنا وبعد نتائج الجولة الثانية من الانتخابات البلدية والقروية والتي سجل فيها تقدم واضح لحماس وتآكل في شعبية حركة فتح .
شرعت الحركة في القيام بحالة واسعة من الاستنفار لطاقاتها وقواعدها وكادرها وأخذت بلملمة أوضاع الحركة وإعادة هيكلتها ومركزتها بعد أن شعرت أن زمام الأمور قد يفلت من يدها وقامت بتجميد خلافتها الداخلية مؤقتاً لمواجهة الأخطار المحدقة بالحركة . والتي يعني استمرارها فقدان الكثير من المصالح والامتيازات والمواقع لأعضائها وبالتالي جاء تشكيل اللجان القيادية للمتابعة والإشراف على اختيار ممثلي حركة فتح للانتخابات التشريعية وأيضاً ما تبق من انتخابات للمجالس البلدية والقروية , وعلى هذه الخلفية عقدت حركة فتح اجتماعات مكثفه في غزه والضفة لقادتها وكادراتها السياسية والعسكرية , بما يدلل أن فتح لن تسمح لأي من أعضائها وقادتها من التغريد خارج السرب , وقد لمسنا في نتائج انتخابات المرحلة الثالثة للمجالس البلدية والقروية تراجع عدد الكتل المحسوبة على فتح لنفس المجلس البلدي أو القروي إلا في إطار ما سمحت به فتح وبما يخدم مصلحتها ومن هنا جاء تقدم الحركة في انتخابات المرحلة الثالثة من الانتخابات البلدية والقروية والتي جرت وفق نظام التمثيل النسبي .
أما حماس فإنها حاولت أن تقطف ثمار اندحار الاحتلال عن القطاع , عبر سلسلة من المظاهر أولها أنها التنظيم الرئيسي الذي لعب الدور الأبرز في دحر الاحتلال وقامت بنشر أسماء قادتها العسكريين الميدانين ودورهم في المقاومة وكذلك نشرة بيان قالت فيه أن 68% من شهداء القطاع , هم من حماس وأنها نفذت 56% من عمليات المقاومة في القطاع وأخذت تعد نفسها لكي تكون البديل للسلطة وفي كل مناحي وشؤون الحياة , وقامت باستعراضات واسعة كان أخرها استعراض حاشد في جباليا , هذا الاستعراض أحدث انعطاف في شعبية حماس , ففي هذا الاستعراض انفجرت عدة صواريخ بطريق الخطأ مما أدى إلى استشهاد 21 مواطن وجرح أكثر من 100 آخرين , وما سبقه من انفجار في حي الشجاعية , ولاحقاً قصف مقرات الشرطة بالقذائف في مخيم الشاطىء وتخبط الحركة في التعاطي مع هذه الأحداث ومحاولتها تحميل إسرائيل والسلطة مسؤوليتها , جلب نتائج عكسية على الحركة وجماهيرها . فعندما قامت بقصف سديروت بصواريخ القسام , أعلنت تخليها عن التهدئة جاء الرد الإسرائيلي بشن عمليات وغارات واسعة على القطاع وفي والوقت الذي عادت فيه حماس بعد يومين لتعلن التزامها بالتهدئة , كان رد القيادة الإسرائيلية بأن قواعد اللعبة تغيرت , ووقف إطلاق الصواريخ على " سديروت " لا يعني وقف العدوان على غزه وقال موفاز بكل , صلف , أنه إذا استمر الزهار وهنيه بإطلاق الصواريخ سنرسلهم حيث يسكن الشيخ أحمد ياسين والرنتيسي كما أن الاحتلال استغل رد حماس ليشن حملة اعتقالات واسعة في صفوف الحركة والتي كانت حوالي 500 من عناصر وكادراتها وقادتها السياسين وعلى رأسهم الشيخ حسن يوسف ومحمد نزال ولم يقف الأمر عند هذا الحد , بل أن الحكومة الإسرائيلية قالت أنها لن تسمح بإجراء الانتخابات التشريعية إذا شاركت بها حماس , بالمقابل فإن السلطة حملت حماس مسؤولية أحداث غزه الأخيرة والتي أدت إلى استشهاد ثلاثة مواطنين وتدمير ممتلكات عامه .
أما قوى ما يسمى بالحالة الديمقراطية , فرغم أن نتائج الانتخابات البلدية والقروية بمراحلها الثلاث لم تعط أكثر من 10% , فإنها بقيت تعيش أوهام أمجادها السابقة . وكأن حال قادتها يقول " عنزة ولو طارت " ناهيك عن حالة التشظيه والتجزئة التي تعيشها وتبعثر تعبيراتها السياسية والتنظيمية فواضح أن أقسام منها ستغادر غرف الإنعاش المكثف إلى الموت والاندثار وهذا ينطبق على قوى مثل النضال الشعبي حركة فدا جبهة تحرير فلسطين , المبادرة الوطنية وإلى حد ما حزب الشعب والقوى الأخرى مثل الديمقراطية وإلى حد ما الشعبية ليست مسافة بعيده جداً بينها وبين هذه الخانة , إذا لم تبادر إلى بناء قطب ديمقراطي تكون مركزه ، وبحيث تلتف حولها قوى وشخصيات مجتمعية ديمقراطية لها حضورها ووجودها في المجتمع الفلسطيني , وهذا طبعاً يجب أن يترافق مع إيجاد حلول لمشاكلها المالية والتنظيمية المستعصية , والقدرة على تغيير بناها التنظيمية المستجيبة للواقع , والقادرة على لم شمل القوه الديمقراطية في حركة جديدة حيث أن تجارب التوحد والاندماج وأحياناً التنسيق بين هذه القوى كانت تؤول إلى الفشل بل وحتى خلق حالة واسعة من الإحباط واليأس في صفوف قواعدها وما حصل للأحزاب القومية المصرية يجب أن يكون بمثابة ناقوس خطر لهذه الأحزاب , حيث ظهرت حركة كفاية المصرية على أنقاض تلك القوى والأحزاب .
إذا لوح المشهد السياسي الفلسطيني مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعي الفلسطيني تشير إلى أن الصراع بين القطبين الرئيسيين فتح والسلطة من جهة وقوى الاسلام السياسي وتحديداً حماس من جهة أخرى سيستمر للسيطرة على الشارع والقرار الفلسطيني وهذا طبعاً له ارتباط بما ستؤول إليه العملية السياسية من حراك سيفرز الفرق أو يقلصه بين القطبين و منوط أيضاً بجدية ما تقدمه إسرائيل لابو مازن من تنازلات من أجل تعزيز حضوره وسيطرته على الأوضاع من طراز حل قضيت المعابر ، انسحابات من المدن إطلاق جدي لأعداد كبيرة من الأسرى .......... ألخ .
وختاماً لا بد من القول أنه لربما في الانتخابات التشريعية القادمة تستمر بعض القوى الديمقراطية في تشكيل " بيضة القبان " بين القطبين الرئيسيين ولربما تحقق فتح أيضاً الأغلبية المطلقة مستفيدة من احتلالها لأماكن المال والأعلام والسلطة .
#راسم_عبيدات (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟