|
الصراع بين الشرق والغرب يعيد فصوله و..لا جديد تحت الشمس
محمد دامو
الحوار المتمدن-العدد: 5046 - 2016 / 1 / 16 - 04:13
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
(لا يعيد التاريخ نفسه ،وإن فعل ،فعلى منوال مسرحية مغرقة في الميلودراما،..). باستثناء بعض التفاصيل غير المؤثرة ،فان حبكة الصراع في مسرح الشرق ،شخوصه وادواته بقيت هي ذاتها، لم تتغيَر عمّا كانت عليه قبل ألفية كاملة، اللهم إلاَ في إعادة توزيع الادوار والمسميات الشكلية بين بعض شخوصها الثانوية والتطوَر الذي لحق بادواتها ،كأن يحلَ تنظيم "القاعدة" السنية، مكان فرقة "الحشاشين" الشيعية، وتستبدل خناجر الحشاشين بالاحزمة الناسفة لانتحاريي "داعش والقاعدة" ،وكأن تأخذ شعارات امريكا حول الشرق الجديد وضرورة تطعيمها بفضائل الديمقراطية الغربية ،مكان شعار الاسكندر الاكبر في تطويع الشرق لقيم الغرب وذوبان الاثنين في بوتقة واحدة، الاروبية تحديدا. وكما كان لفرقة الحشاشين واخواتها الف لغز ولغز ،كذلك هي حال تنظيم القاعدة وربيباتها ،يحيطها غموض على الغموض. "لا جديد تحت الشمس"، على حدَ التعبير الوارد في سفر الجامعة، والمنسوب لسليمان الحكيم الذي عاش وحكم وتنبَأ في مطلع الالفية الثانية قبل الميلاد، بفلسطين قلب الهلال الخصيب وبؤرة الصراع فيه وعليه. ولعلّ العودة الى مطلع الالفية الثانية بعد الميلاد كفيل بان يوضح بعض الغموض الذي يكتنف الاحداث الدامية المروعة التي يشهدها الهلال الخصيب في يومنا هذا، ونحن في مطلع القرن الاول من الالفية الثالثة. ويكون ذلك خير دليل على مقولة "لا جديد تحت الشمس"، شمس الهلال الخصيب وجواره القريب والبعيد. نحن في مطلع القرن الاول من الالفية الثانية ،بداية توفَير وتجميع الشروط الموضوعية لانفجار الاوضاع على مسرح الهلال الخصيب، الذي بلغ اوج حدّته بوصول طلائع الجيوش الاروبية الغازية الى مشارف مدينة القدس ،وبداية الفوضى الخلاَقة التي عمّت المنطقة على مدى القرون اللاحقة ،نفس الفوضى التي أعادت صياغتها امريكا في زمننا هذا ،وراحت تبشَر بها وتسعى لنشرها في ربوع مشارق الارض ومغاربها ،انطلاقا من حريق الهلال الخصيب. كانت الدولة السلجوقية تمثَل القوة الصاعدة في الشرق ،وقد استولت على ايران الشيعية ،وعلى مناطق واسعة من الهلال الخصيب، وكان الحكم الفاطمي الشيعي على وشك السقوط ضحية التهور والضعف اللذين اصابا امراءه ورجالاته ،بعد فترة نمو وانتعاش طال زمانها وقربت نهايتها التي ستكون على يدي مؤسس الدولة الايوبية. فيما نالت الخلافة العباسية لقب "الرجل المريض" بجدارة واستحقاق ،فباتت في قبضة السلاجقة ،القبيلة القادمة من سهوب آسيا ،والتي اكتشف مبكَرا زعيمها سلجوق ومن بعده خلفه طغرل بك، منافع اعتناق الاسلام، بما يتيح الاستيلاء ـ السلمي على المدن الواقعة بين مرو وبغداد شرقا ،ودمشق والقدس غربا، بالاضافة الى التمدَد جنوبا وشمالا. هنا وصلت المنطقة الى قمة غليانها، وبدأ التحضير لانفجارها ،وفيما كان سيد روما البابا يوربان الثاني يعدَ نصوص الفتاوى المحرَضة على قتل "الكفَار" بدل التناحر على الكرسي الرسولي ،الذي كان يريده لنفسه دون منافسيه ،كان السلجوقي طغرل بك منهمكا في تدمير الدولة الغزنوية شرقا ،لينبري بعدها غربا ويسحق الدولة البويهية ،ويتجه صوب بغداد انتصارا لخليفة رب العالمين على الارض الخليفة العباسي القائم بأمر الله ،ويدخلها ظافرا غانما. تابع السلاجقة تقدمهم في طول وعرض الاناضول وبلاد الشام ،الى ان تم لهم احتلال مدينة القدس ،وإعلان منعها من تدنيس "الكفَار الذين بغوا وقالوا: ان عيسى ابن الله"، وهي اللحظة التي كان بابا روما في انتظارها ،والتي رأى فيها اعتداء على المؤمنين وعلى حقهم في الحج الى بيت المقدس ،بل تدنيسا لقبر الرب ،وكنيسة قيامته ،ثم اضاف: ان المسيحي الخليق بمحبة الرب ،هو الفارس الذي يسعى بالنفس والنفيس ،في سبيل تحرير بيت المقدس ،واستعادة مجد الصليب الذي مات عليه ابن الرب الإله الفادي. في منتصف صيف 1096 انطلقت اولى حملات التحالف الاروبي المسيحي على الشرق العربي المسلم، معلنة عن بداية إحدى ابشع الحروب الدينية في تاريخ البشرية. وبين انطلاق طلائع الحملة الصليبية الاولى ،وبين تجمَع قوات التحالف الاروبي على ابواب القدس، حصارها واحتلالها، حدثت افظع الجرائم التي لم يعرف لها تاريخ البشرية مثيلا ،والتي ليس اقلَها أكل لحوم البشر ،بعد سلخ الضحايا وشيَها وتناولها في مآدب جماعية ،ابتهاجا بنصر اهل الايمان على اتباع الكفر والبهتان. في هذا الوقت بالذات ،كان حسن الصباح مؤسس فرقة الحشاشين ،قد اتم إعداد فرق "الفدائيين"، في معقله بقلعة (ألموت)، وأعدَ خطّة نشرهم في طول وعرض بلاد الشام واطرافها الممتدة من اقصى بلاد فارس الواقعة في قبضة السلاجقة ،الى عمق مصر حاضرة الدولة الفاطمية ،وقد وجد في قدوم فيالق الكفار الأروبيين ،فرصة لتبرير وجود فرقته الاجرامية ،التي بقيت وفيَة لهدفها الاول والاساسي ،ملاحقة واغتيال امراء الكفر والضلال ،حكَام وملوك المسلمين ،لإبتزازهم في سلطانهم اومشاركتهم في رغد عيشهم او إزاحتهم عن عروشهم واحتلال مواقعهم على رأس الامة العاجزة عن رد الاستبداد والهوان. كان الفدائي الحشّاش معدَا سلفا للانتقال ثانية، الى رحاب جنة النعيم بجوار حور العين، وقد جرى تدريبه على تنفيذ اوامر شيخه بحسب الخطّة المعدة ،وكان قد رأى الجنة بعينيه اثناء إعداده وتدريبه في قلعة (ألموت)، حيث صحب حور العين وعاينهن، و ذاق من شهد النعيم ما طاب له ،قبل ان يستفيق من هلوسته ويخرج من الغيبوبة التي انتابته بفعل جرعة تخدير تناولها بتدبير من شيخه ،وانتقاله على اثرها الى حديقة النور،التي لا يدخلها سوى المختارين من مريدي شيخ الجبل ،باعتبار تلك "الدخلة" لحظة تجريبية ،لن تتاح له ثانية إلاَ بعد استشهاده البطولي في عملية انتحارية من إعداد وتخطيط الهيئة التنفيذية في الفرقة الجهادية. وعلى هذا راح الحشاشون يتنافسون على الفوز بتكليف جهادي ،يتيح لهم العودة الميمونة الى الجنة الموعودة والخلود فيها ابدا. كان الفدائي الحشاش انتحاريا مسلّحا بالخجر ،رمز الخوف والرعب ،ينفّذ جريمته امام الملأ جهارا نهارا ،يقضي على ضحيته التي عادة ما تكون من مشاهير القوم وعينا من اعيانهم ، ثمّ يسلّم نفسه لسيوف الحرس والعسس، وهو يكرَر رسالة اميره "شيخ الجبل"، والتي تدعو اصحاب الحل والعقد من حكّام وامراء، الى مخافة الله، بحسب ما يدعو اليه الشيخ ويراه، وتوصي بقية المؤمنين الى الاستجابة لتعاليم "الشيخ" وتلبية حاجاته الجهادية ،خدمة للدين القويم ومرضاة لرب العالمين. وفيما كانت المنطقة تحترق، ورؤوس الاهالي تتطاير، والدماء تنزف من جراح الجنود في الصف الاروبي المسيحي ،وفي الجانب المشرقي المسلم خاصة، راح امراء الطرفين يتفاوضون سرا مع سفراء شيخ الجبل ،ويتنافسون على شراء خدماته وتوظيف مقدراته في القضاء على قادة الاعداء المزعجين في الطرف الآخر ،بل وفي تصفية القادة المنافسين بالصف الواحد ايضا، حتى باتت شهرة الحشاشين وقد ضربت في الآفاق ووصلت حواضر وقصور اروبا قاطبة ،واستقرت لفظة "حشاشين" ومشتقاتها في قواميس لغاتهم ،واصبحت اساليب وخطط الحشاشين واحدة من ابجديات سياساتهم. ترى هل هناك من جديد تحت الشمس؟..ام ان التاريخ يعيد نفسه بأشكال اكثر مأساوية ووحشية ،مستفيدا من تطور ادوات القتل والدمار ،وازدهار فنون الحماقة البشرية وتعدّد سبل الطغاة في الهيمنة والاستئثار ،والهوس بسراب العظمة والعنفوان.
#محمد_دامو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
انحراف الساسة وانحطاط السياسة في الجزائر.. علائم الضعف والهو
...
-
وداعا الدا الحسين أو..رحيل آخر أباء الوطن
-
الجزائر بين إلزامية -التعريب- فرضا.. وضرورة -استعادة- المورو
...
-
الأصل في الصراع الأزلي بين الشرق والغرب
-
اتهام صنصال بالسرقة الادبية .. رواية الأعرج الأكثر رواجا وتس
...
-
التاريخ ..دراسة وتدريسا
-
آفة الحرف المسيئة و..ليلة القضاء على ماسح الاحذية
-
مزامير حروب الشرق و..الامر المحسوم سلفا
-
الملكية الفكرية او..أكسير الخلق والابداع
-
هيئة الامم ..سلبا وإيجابا
-
الهلال الخصيب في..زمن عقوق ونكران بني الانسان
-
-دياسبورا- الهلال الخصيب و..متطلبات الشرق الاوسط الجديد
-
العربية في..اسفار المأساة اللغوية الجزائرية
المزيد.....
-
لثاني مرة خلال 4 سنوات.. مصر تغلظ العقوبات على سرقة الكهرباء
...
-
خلافات تعصف بمحادثات -كوب 29-.. مسودة غامضة وفجوات تمويلية ت
...
-
# اسأل - اطرحوا أسئلتكم على -المستقبل الان-
-
بيستوريوس يمهد الطريق أمام شولتس للترشح لفترة ثانية
-
لندن.. صمت إزاء صواريخ ستورم شادو
-
واشنطن تعرب عن قلقها إزاء إطلاق روسيا صاروخا فرط صوتي ضد أوك
...
-
البنتاغون: واشنطن لم تغير نهجها إزاء نشر الأسلحة النووية بعد
...
-
ماذا نعرف عن الصاروخ الروسي الجديد -أوريشنيك-؟
-
الجزائر: توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال
-
المغرب: الحكومة تعلن تفعيل قانون العقوبات البديلة في غضون 5
...
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|