قراءة فى تجربة التجمع الوطنى الديمقراطى - السودان فىالعمل المعارض المسلح ..
ورقة مقدمة لسمنار تقويم واصلاح التجمع الوطنى الديمقراطى
المنظم بالشبكة العالمية - فبراير / ابريل 2001
مهداة الى روح الشهيدة
المقاتلة : زهرة عبد القادر
وكل جماهير منطقة مينزا
تمهيد :
بدعوة كريمة من القائمين على ندوة تقويم واصلاح التجمع الوطنى الديمقراطى ؛ اساهم بهذه الورقة المتواضعة ؛ حول التجمع الوطنى الديمقراطى وتجربة العمل المسلح خلال العشر سنوات الماضية . وقد تبدو هذه المساهمة غريبة من طرف شخص مثلى ؛ اعلن استقالته جهرا من صفوف التجمع الوطنى الديمقراطى . الا ان الغرابة تزول ؛ لمن يعلم بان الاستقالة انما كانت احتجاجا على واقع الاشياء فى التجمع ؛ وبحثا عن بدائل جديدة لتفعيل المعارضة الوطنية ؛ وها ان هذا السمنار يقدم فرصة جديدة لمخاطبة ناشطى الحركة الوطنية السودانية ؛ لاعادة ترتيب اولويتهم واوجه نشاطهم . اننى هنا احيى شجاعة القائمين على امر هذا السمنار لدعوتهم لشخصيات معروفة بنقدها لمسيرة التجمع ؛ للمساهمة فى سير النقاش ؛ كما اتمنى ان يستخلص السمنار بعض الحكمة الكامنة من مراجعة تجربة التجمع ؛ بعد اكثر من عقد من الزمان ؛ وان يتوصل الى النتائج الصحيحة ؛ التى تدفع وتستنهض وتواكب مسيرة شعبنا ؛ من اجل السلم والحرية والعيش الكريم .
مقدمة
ظاهرة جديدة وتهميش متعمد :
اختيار ثيمة العمل المعارض المسلح ؛ كمادة للنقاش ؛ لم يات اعتباطا من طرفى ؛ وانما حكمته عدة اسباب شخصية وموضوعية . فاما الشخصى فيكمن اهمه فى التزامى ضمن اطار حركة سياسية – عسكرية ؛ هى حركة التحالف ؛ والتى جعلت من الانتفاضة الشعبية المسلحة تكتيكها الرئيس ؛ وكانت من المبادرين فى تجربة العمل المسلح فى شمال السودان ؛ ولا تزال . هذا الواقع يفترض تقديم كشف حساب منطلقا من هذا الالتزام ؛ ومن واقع دعوتى الى/ ودفاعى عن تكتيكات المواجهة العنيفة مع النظام ؛ منذ اوائل التسعينات . واما الموضوعى فيتمثل فى ان تجربة العمل المسلح فى مواجهة نظام 30 يونيو ؛ ورغم انها ليست الاولى فى تاريخ العمل المسلح فى السودان ؛ الا انها فى مواجهة هذا النظام قد اخذت اشكالا جديدة كل الجدة ؛ وطرحت جملة من القضايا الفكرية والسياسية والاخلاقية الحادة ؛ الامر الذى لم يتم التطرق له ؛ بما يستحقه من الاهتمام ؛ فى الادب السياسى السودانى . هذا التجاهل لتجربة العمل المسلح المعارض ؛ سواء اتى من طرف القوى السياسية السودانية ؛ او المهتمين بالشان العام السودانى من الصحفيين والمحللين وناشطى الحركة السياسية و المدنية ؛ انما يعكس فى جزء منه ظاهرة العفوية وضعف النظرة النقدية – التحليلية فى الحركة السياسية والفكرية السودانية ؛ وفى جزء اخر منه يعكس الرغبة فى تهميش الظاهرة ؛ وتحجيمها ؛ سواء اتت هذه الرغبة من خصومها المعلنين ؛ او بعض انصارها المحتملين .
ان الشروط التى وضعها منظمى السمنار لحجم الاوراق المقدمة ؛ يفترض معالجة قضية العمل المعارض المسلح كاقصى ما يكون من الاختصار ؛ والبعد عن التفاصيل ؛ والتركيز على العام . ان هذه المعالجة ستضعف فى راينا قطعا من قوة تحليل واستنتاجات هذة الورقة ؛ الا اننا نعد بالرجوع الى الموضوع فى مرات اخرى ومنابر جديدة ؛ كما نطمح الى نشر مساهماتنا السابقة حول نفس الامر ؛ واستكمالها بملاحظات جديدة ؛ خلال النقاشات فى هذا السمنار . الامر الذى يمكن ان يؤدى الى ايلاء بعض االاهتمام ؛ لهذه الظاهرة القديمة كما ؛ والجديدة نوعا ؛ فى مسيرة العمل السياسى السودانى .
جدل العسكرى والسياسى
فى الحركة السياسية السودانية :
أن انطلاق العمل المعارض المسلح ضد نظام الجبهة الحالى ؛ لم يات من فراغ ؛ وانما سبقته تجارب مماثلة فى مواجهة الاستعمار والديكتاتورية ؛ شكلت جزءا من الرصيد النضالى للشعب السودانى ؛ ومصدرا للاستلهام والتجربة والعبر .
ان اول هذه التجارب فى تاريخنا الحديث ؛ تذهب الى الثورة المهدية ؛ والتى كانت بحق حرب تحرير شعبية ؛ ضد حكم اسرة محمد على فى السودان ؛ والمدعوم من مختلف المراكز الغربية ؛ وعلى راسها الامبراطورية البريطانية . ان الثورة المهدية ؛ وبغض النظر عن ايديولوجيتها ومآلها ؛ والطابع التسلطى لحكم الخليفة فيها ؛ فقد كانت فى انتصاراتها وانتكاساتها ؛ مصدرا للفخروالاعتزاز والاستلهام للعديد من الاجيال السودانية .
كما ان السنوات اللاحقة لانهزام الثورة المهدية ؛ وبداية توطيد الحكم الانجليزى المصرى ؛ قد شهدت العديد من التمردات المسلحة فى العديد من مناطق البلاد ؛ والتى استندت على قاعدة دينية او قبلية ؛ وان كان مضمونها وطنى ؛ من انتفاضات قبائل الشلك والدينكا فى جنوب السودان ؛ والنمم فى جبال النوبة ؛ والمساليت فى دارفور ؛ والحلاويين فى وسط السودان ؛ وغيرها من الانتفاضات التى تجاهلها التاريخ الرسمى .
الا ان المثال الاكثر بروزا وجاذبية يكمن فى ثورة 1924 ؛ والتى كانت اول حركة وطنية حديثة ؛ قامت على اسس مدنية وسياسية ؛ وتحقق فيها جدل العسكرى والسياسى باكثر ما يكون من الايجابية . حيث اقلح قادتها فى خلق تنظيم وطنى وحركة شعبية ملتفة حوله ؛ فى زمن قياسى ؛ وعندما اقتضى الحال ؛ برز جناح التنظيم العسكرى ؛ وواجه قوات المستعمر فى معركة غير متكافئة ؛ وسجلت الثورة رغم هزيمتها ؛ مثالا نادرا للوطنية السودانية الجديدة ؛ لا يزال ينتظر الاستكمال والانجاز والتحقيق .
ان فترة النضال ضد الاستعمار ؛ قد شهدت مواجهات شعبية حادة ضد قوى المستعمر ؛ وسقط فيها شهداء ؛ الامر الذى جعل بعض العناصر الراديكالية تدعو الى رفع السلاح ضد المستعمر ؛ فى اوخر الاربعينات واواخر الخمسينات ؛ الا ان سيطرة الاحزاب الطائفية على الحياة السياسية ؛ وضعف القوى الثورية فى المجتمع ؛ قد جعل من الصعب تحقيق هذه الفكرة .
ان فترة الحكم الوطنى قد شهدت بروز ظاهرتين للعمل المسلح ؛ الاولى هى الحرب الاهلية المندلعة فى جنوب البلاد طوال فترة ما بعد الاستقلال ؛ وان بانقطاعات متعددة ؛ والثانية هى ظاهرة الانقلابات العسكرية ؛ الناجحة والفاشلة ؛ والتى دشنت مسيرة العنف فى السودان المستقل كآداة لادارة الصراع السياسى . اننا بقدر ما نرى من اسباب وشرعية فى المقاومة المسلحة لابناء الجنوب والمناطق المهمشة الاخرى ؛ ضد بنية الدولة المركزية المعادية لتطلعاتهم ؛ فاننا ندرك حجم العذاب والمعاناة التى جلبته الحرب الاهلية لابناء تلك المناطق ولعموم البلاد . وبقدر ما نرفض العمل الانقلابى فى الحركة السياسيية ؛ كوسيلة غير ديمقراطية للوصول الى السلطة ؛ الا اننا ندرك انه ظاهرة ونتيجة لازمة الحركة السياسية ؛ والكيان السياسى السودانى المأزوم . كما اننا ورغم الموقف المبدئى الرافض للانقلابات ؛ فاننا نفرق بين تلك التى اطاحت بالنظام الديمقراطى ؛ واقامت انظمة ديكتاتورية عمقت مشاكل البلاد؛ وسامت الشعب العذاب ؛ وبين تلك الانقلابات التى كانت موجهة ضد السلطة الديكتاتورية ؛ والتى تضاف الى سجل النضال الوطنى ؛ ويضاف شهدائها الى شهداء النضال ضد الاستعمار والتسلط .
ان نظام 30 يونيو والذى وصل الى السلطة بقوة السلاح ؛ وجعل من قوة السلاح احد الادوات الرئيسية للحفاظ عليها ؛ ضمن ايديولوجية ظلامية تبناها وترعرعت تحتها كوادره ؛ تتبنى العنف وتبرره ؛ وترفعه الى مصاف الواجب الدينى ؛ قد نشر جرثومة العنف الى مداها الاخير ؛ الامر الذى انعكس منطقيا فى اشكال مواجهته ؛ والتى افرزت تجربة العمل المسلح المعارض وتبنيه من قبل حركات سياسية جديدة ؛ وانتشاره الى مناطق واسعة وجديدة من البلاد .
نبذة تاريخية مختصرة
التجمع والعمل المسلح فى عشر سنوات :
تاريخ التجمع فى العمل المسلح خلال العشر سنوات الماضية ؛ ملئ بالعديد من المحطات والتطورات . وقد تكون اول هذه المحطات هى انخراط احد فصائله اللاحقة ؛ وهى الحركة الشعبية والجيش الشعبى لتحرير السودان ؛ فى هذا النشاط منذ الايام الاولى لانقلاب يونيو ؛ كجزء من نشاطها المسلح السابق ؛ وان فى ظل ظروف جديدة ؛ وواقع سياسى مختلف . وقد شهد العام 1990 ظاهرتين اكدتا على امكانية توجه القوى الشمالية الى هذا الشكل من المعارضة ؛ وذلك حينما وقع جزب الامة اتفاقا مع الحركة الشعبية ؛ ينص على توحيد الجهود ضد النظام ؛ ووقف الاحتراب بين القبائل الموالية للحزب والحركة فى مناطق التماس ؛ وتوجيه بنادقها تجاه العدو المشترك .كما شهد نفس العام اعلان تاسيس القيادة الشرعية للقوات النظامية ؛ والتى ضمت قيادات الجيش المبعدة من قبل النظام ؛ وعناصر اخرى من القوات النظامية ؛ والتى اطلقت عملية انا السودان ؛ والتى انضمت لها لاحقا بعض العناصر المدنية ؛ وكان صوتها مرتفعا خلال العامين الاولين من عمر النظام .
ادى هذا الواقع ؛ لتبنى التجمع لتكتيك العكل المسلح ؛ فى ميثاقه المعدل ؛ والذى تعزز بانضمام الحركة الشعبية والجيش الشعبى الى صفوف التجمع . كما ادى فى الواقع العملى الى مجموعة من محاولات العمل المسلح ؛ كحركة ابريل 1990 ؛ وحركة اغسطس 1990 ؛ وتسريب بعض العناصر التجمعية المسلحة لداخل السودان ( قضية التفجيرات) ؛ وغيرها من المحاولات ؛ والتى كانت فى اغلبها بمبادرة وتنسيق من القيادة الشرعية ؛ وباشتراك بعض القوى التجمعية الاخرى .
من الناحية الاخرى ؛ فان اعادة تنظيم مؤتمر البجة ؛ فى اوائل التسعينات ؛ قد صحبته داخله دعوة الى العمل المسلح ؛ وحتى بعض المحاولات الفردية لاجتراحه ؛ الا ان العامل الاكثر تاثيرا فى نظرنا ؛ يكمن فى تاسيس واعلان قوات التحالف السودانية ؛ بنهاية عام 1994 ؛ ودخولها الى الساحة السياسية بقوة كحركة تطرح تكتيك العمل المسلح ؛ خارج دائرة الانقلابات ؛ وكحركة ذات تكوين غالب لاعضائها من الاجزاء الشمالية للبلاد .ان قوات التحالف قد ربطت البيان بالعمل عندما اطلقت الرصاصة الاولى فى شرق السودان ؛ فى عملية الشهيدة التاية فى مديسيسة ؛ فى ابريل 1996.
فتح الجبهة الشرقية ؛ فى نظرنا ؛ قد جاء كنتيجة حتمية لمؤتمر اسمرا 1995 ؛ والذى انضمت فيه قوات التحالف ومؤتمر البجا والتحالف الفيدرالى رسميا للتجمع ؛ الامر الذى عزز من مواقع القوى الراديكالية فيه ؛ وادى الى تبنى المؤتمر لتكتيك المواجهة المسلحة كاحد التكتيكات الرئيسية ضد النظام ؛ كما كان لاعلان استقلال دولة اريتريا والدعم الذى قدمته للقوى الراغبة فى المنازلة المسلحة دور كبير فى فترة ما بعد المؤتمر .
انعكس هذا كما ذكرنا فى عمليات قوات التحالف طيلة العام 1996 ؛ وانضمام مؤتمر البجة ولواء السودان الجديد (الجيش الشعبى ) للنشاط فى الشرق ؛ الامر الذى تكرس بعملية همشكوريب الاولى ؛ فى نهاية 1996 ؛ بمجهودات القوى الثلاثة . ووصل قمته فى العام 1997 ؛ والذى شهد فى فبراير وابريل تحرير جنوب النيل الازرق بمجهودات مشتركة من التحالف والحركة الشعبية ؛ وتحرير طوقان من قبل التحالف ؛ وتحرير قارورا من قبل التحالف والبجة والجيش الشعبى . تراكم هذا النشاط بتاسيس واعلان جيش تحرير الامة ؛ وقوات الفتح (الاتحادى الديمقراطى )؛ وانخراط التحالف الفيدرالى ومقاتلى الجبهة الديمقراطية (الحزب الشيوعى ) فى معسكرات ونشاطات المعارضة المسلحة فى نفس العام .
هذه الوثبة القوية التى فاجات النظام ؛ حافظت على جزء من فعاليتها طوال عامى 1997 و1998 ؛ وان كانت قد شهدت تنافسا بين القوى المعارضة ؛ وعدم التنسيق بين جهودها ؛ وخصوصا من طرف جيش تحرير الامة ؛ والذى ما لبثت قيادته السياسية الا وبدات فى حملتها لتجيير الانتصارات العسكرية المشتركة الى مكاسب سياسية حزبية ؛ وعملت على تحجيم العمل المسلح ؛ فى مسيرة الصادق المهدى المعروفة والتى ستجد توثيقها فى غير هذا المجال . اننا نرصد هنا انه بعد العام 1998 ؛ فقد انحسرت مسيرة العمل المسلح ؛ وذلك كنتيجة مباشرة للمناورات السياسية ؛ والتى لعب فيها القدح المعلى حزب الامة ؛ وان كانت قوى جديدة قد انضمت للقوى المقاتلة ( تنظيم الاسود الحرة ) ؛ فان قوى اخرى قد انسحبت من الساحة ؛ رسميا كجيش تحرير الامة ؛ او فعليا كقوات الفتح من خلال محاصرتها واغلاق معسكراتها فى اثيوبيا ؛ كما شهدت نفس الفترة انحسار الزخم فى نشاطات مؤتمر البجة ؛ والذى ولاسباب تنظيمية وسياسية قد كانت قواته تجمعا واسعا ومتغيرا وفق الظروف ؛ اكثر منها وحدات صلبة وصغيرة ومترابطة كما فى تجربة قوات التحالف والحركة الشعبية .
الانحسار فى العمل المسلح ؛خارج مناطق جنوب السودان ؛ لا يغير منه العمليات الجريئة الاخيرة لقوات التجمع خلال العامين الاخيرين فى الشرق ؛ وخصوصا فى تحرير همشكوريب والسيطرة عليها لعدة شهور ؛ والمعارك الناجحة عند الانسحاب منها ؛ ومعركة اختراق كسلا ؛ والتى شكلت صدمة نفسية وسياسية للنظام ؛ وان لم تجد التاييد حتى من بعض اطراف التجمع . اننا ننظر الى هذه العمليات كعمليات منفردة ؛ خارج اطار التكتيكات التصالحية ؛ والتى اقرتها قيادة التجمع الرسمية ؛ وخطت فيها خطوات بعيدة .
الاسس العملية و النظرية والسياسية
لتجربة التجمع الوطنى الديمقراطى فى العمل المسلح :
اننا فى رصدنا للاسس التى ساقتها قوى التجمع ؛ لتاسيس انخراطها فى العمل المسلح ؛ نرصد العوامل التالية :
• التواصل التاريخى فى تجربة العمل المسلح بجنوب السودان : والذى كان العامل الرئيسى فى انخراط الحركة الشعبية فى منازلة النظام عسكريا . فالجيش الشعبى الذى تاسس فى 1983 ؛ ونازل النظام المايوى ؛ ولم يلق السلاح خلال العهد الديمقراطى ؛ لم يكن عليه غريبا ان يواصل المنازلة العسكرية ضد نظام الجبهة الاسلاموية؛ داعية الحل العسكرى الاولى خلال النظام الديمقراطى ؛ والقوة الاكثر تطرفا فى معاداتها للحركة وجماهير المناطق المهمشة وواقع التعدد العرقى والثقافى فى السودان .
• طبيعة النظام الدموى واغلاق افاق العمل السياسى فى شمال السودان : هذا الامر الذى تكرس فى الممارسات البربرية والدموية للنظام ؛ ضد ناشطى المعارضة الوطنية ؛ من اعتقالات وتشريد وتعذيب وتصفية ؛ ومن واقع تصديه الدموى تجاه اى تحرك جماهيرى سلمى ؛ ومن واقع تجييشه لمهووسيه وتسليحهم ؛ سواء ان كانوا من انصار النظام فى السودان ؛ او من عصابات حركة الاسلامويين من خارج السودان . ادى هذا الى اغلاق دوائر العمل السياسى السلمى ؛ والى استفزاز عناصر المعارضة الوطنية ؛ والى قناعة البعض بثبات الطبيعة الدموية والفاشية للنظام ؛ الامر الذى يجعل العمل السياسيى السلمى تجاهه ضربا من الانتحار .
• العمل المسلح كاسناد وحماية للحركة الجماهيرية السياسية : وهذا الطرح قد جاء اساسا من مواقع الحزب الشيوعى السودانى ؛ والذى راى ضرورة الاستمرار فى النشاط الجماهيرى ؛ مع ضرورة حمايته بشكل من اشكال النشاط المسلح .
• تجربة وتاثير العمل المسلح فى نشاطات المعارضة الافريقية : والذى تمثل فى انتصار النعارضة الاثيوبية والاريترية فى تحطيم نظام منغستو فى اثيوبيا ؛ وفى وصول الجبهة الوطنية الرواندية للحكم عن طريق الكفاح المسلح ؛ واخيرا فى المارش السريع الذى قامت به قوات كابيلا على نظام موبوتو ؛ ووصولها الى هزيمته فى زمن قياسى . كما ان واقع وجود ثوار سابقين فى السلطة فى عدد من دول الجوار ؛ المعادية وقتها للنظام (الكنغو ؛ اوغندا ؛ اريتريا ؛اثيوبيا ؛رواندا) قد قدم امكانية الدعم السياسى واللوجستى وامكانيات التدريب والانطلاق لقوى المعالرضة من اراضى تلك الدول .
• العمل المسلح كتجربة اجتماعية ثورية لتنهيض وتفعيل الجماهير : وهذا طرح اضافى لقوات التحالف السودانية ؛ والتى بقرائتها لتجارب الثوراات المعاصرة ؛ وخصوصا التجربة الاريترية ؛ فقد رات فى العمل المسلح فرصة لتفعيل الجماهير فى الريف والحضر ؛ وتوحيد الاداة الثورية بما يساهم فى تقريب الشقة بين مكونات الحركة السياسية فى شمال وجنوب البلاد ؛ كما انها تاتى فى انسجام مع خطها الثورى فى استهاض وحماية القوى المهمشة وتفعيلها ؛ كجزء من عملية ثورية شاملة ؛ ترمى الى بناء السودان الجديد .
فى رصد السلبيات
النواقص واوجه القصور فى تجربة المعارضة المسلحة :
اننا من قراءة جد مبتسرة لتجربة العمل المسلح ؛ نرصد فيها نواقص خطيرة ؛ نذكر منها الاتى :
• انعدام الجدية والفاعلية لبعض اطراف المعارضة فى العمل المسلح : وهنا نذكر فى المقام الاول حزب الامة ؛ والذى ورغم امكانياته المادية والبشرية ؛ فقد تقاعس عن بناء قوة عسكرية فعالة ؛ وحاول تجيير ما انجزه الاخرين لخدمة الطموحات النرجسية لقائده المراوغ . ان نفس الامر يقال حول المساهمة الضعيفة للحزب الاتحادى الديمقراطى ؛ رغم امكانيتاته ؛ والمساهمة الرمزية للحزب الشيوعى ؛ رغم حماس اعضاؤه وانصاره ؛ واستعداد العديد منهم لخوض هذه التجربة الثورية . ان مشاركة اغلب هذه القوى فى العمل المسلح كان ناتجا عن رغبتها فى محاصرته وتطويقه ؛ والا يتجاوز حدود الضغط على النظام ؛ والا تتاخر عن الركب وتترك لغيرها قصب السبق . وقد نجحت فى خطها هذا الى حد كبير .
• نقص التاصيل الفكرى وضعف العمل الدعائى : فتجربة العمل المسلح بافاقها الجديدة ؛ لم تجد اى حظ من الدعاية لها ؛ واقناع الجماهير بها ؛ وتوسيع دائرتها وسط جماهير الريف والحضر . كما ان افاقها وتاثيراتها وانعكاساتها على مجمل التطور السياسى والاجتماعى للبلاد لم تدرس او تناقش . ان اقل القليل المتمثل فى دراسة التجارب المماثلة فى حركة الثورة والتحرر الافريقية والعالمية لم تجد الاهتمام من قبل مفكرى وناشطى الاحزاب التى" انخرطت" فى مجال العمل المسلح ؛ فظلت لذلك هذه التجربة مرهونة بحسابات السياسيين ومتغيرات الظروف الاقليمية والمحلية وبروح التجريبية الفجة والحماس المؤقت . ما ان انصارها قد كانوا سلبيين ودفاعيين فى تاسيسهم لاسباب انخراطهم فى هذا التكتيك ؛ سواء فى مواجهة الرافضين لهذه التكتيكات من مواقع معارضة ؛ او فى مواجهة دعاية النظام الذى يزعم زورا انه يدعو الى السلام ؛ بينما هو سبب الحرب وداعيتها الاول ومؤجج سعيرها الاساس .
• انعدام الاستراتيجية الشاملة والموحدة لعمل المعارضة المسلح : فاطراف المعارضة فى تكتيكاتها المختلفة كانت تنظر الى العمل المسلح من زاوية رؤاها الحزبية الخاصة ؛ ومصالحها العاجلة . فمن جهة كانت هناك قوى ترى فى العمل المسلح مجرد وسيلة للضغط على النظام ؛ ولذلك لم تكن حريصه على تطويره وتوسيعه ( الامر الذى يفسر الرفض القاطع لفتح الجهة الغربية من قبل القوى ذات النفوذ هناك) ؛ وقوى اخرى كانت تؤمن به كوسيلة للتحرير ؛ وقوى اخرى كسند للانتفاضة ؛ الامر الذى جعل جهود هذه القوى تذهب فى اتجاهات مختلفة ؛ بل ان الخطاب المعارض قد اتسم بالتناقض فى تصنيفه للظاهرة ؛ فمن اسماها بكفاح مسلح ؛ الى من اضفى عليها عليها طوابع دينية (تهتدون ودعوة الصادق الى هجرة ثانية ) ؛ الى من اسماها بالانتفاضة الشعبية المسلحة ؛ ومن دعاها بالانتفاضة الشعبية المحميةبالسلاح ّ!
• واقع الشتات والتشرذم فى مجهودات المعارضة المسلحة : فالقوى المختلفة قد بنت معسكراتها المستقلة ؛ وتنافست فى استقطاب جماهير المعارضة ؛ ولم تمل الى توحيد جهودها ومؤسساتها وقيادتها ؛ الامر الذى اهدر الكثير من الموارد واضاع العديد من الفرص . ان هذا الواقع قد فرضه ميل بعض القوى الى الاستئثار بثمرات العمل المسلح ؛ وروح المنافسة والحلقية السائدة بين احزاب التجمع ؛ وقبل كل شى انعدام النظرة الاستراتيجية الموحدة والتعامل مع النظام من مواقع العنترية ؛ دون ادراك لقوته الحقيقية ومقدراته على المناورة والتجهيل وتجييش البسطاء والمهووسين .
• تناقض السياسيى والعسكرى فى عمل المعارضة : فقوى المعارضة لم تمتلك القدرة على ربط النشاط العسكرى بالعمل السياسى ؛ واسناد كل منهما للاخر ؛ بل دابت على وضع تناقض مفتعل ما بين النشاطين ؛ فاما اهملت الاول ؛او تجاهلت الثانى . كما ان النشاطات العسكرية قد وظفت سياسيا بطرق جد مختلفة ؛ لم يصب اغلبها فى تصعيد النضال . كما فشل الجناح السياسى فى توفير الدعم المعنوى والدعائى والمادى المطلوب لقوات التجمع ولجماهير المناطق المحررة التى انحازت الى صفوف المعارضة .
الكفاح المسلح الى اين ؟
واقع العمل المعارض المسلح اليوم :
• مصاعب العمل المعارض المسلح الآنية :
يعانى العمل المعارض المسلح من مصاعب جمة ؛ ليس اولها انسحاب قوى رئيسية من صفوفه ؛ كجيش تحرير الامة وقوات الفتح ؛ والميل الى تهميشه وحتى ادانته من بعض قيادات التجمع ( مواقف الميرغنى بعد معركة كسلا ونصوص اتفاقه الاخير مع الصادق ) ؛ والذى ياتى كنتيجة طبيعية لموقف هذه القوى المذكورة السلبى من تجربة العمل المسلح ؛ المسكوت عنه حينها ؛ والمنطوق به الان .
كما ان العمل المسلح يعانى من مصاعب لوجستية خطيرة ؛ وخصوصا فى منطقة النيل الازرق ؛ حيث اغلقت الحدود الاثيوبية ؛ و لا تزال مناطق اعالى النيل فى جزء كبير منها تحت سيطرة النظام وحلفاؤه ؛ كما ان الحرب الاريترية الاثيوبية قد القت بظلالها القاتمة على خطوط امداد وتموين وتدريب قوات التجمع ؛ وتبقى المشكلة الاساسية هى فى انعدام الدعم المالى لقوات التجمع ؛ وللجماهير فى المناطق المحررة .
ان واقع انخراط ابناء قوميات بعينها فى العمل المسح (النوبة فى جنوب كردفان ؛ ابناء الجنوب فى جنوب السودان ؛ البجة والرشايدة فى شرق السودان ) وكون وحداتهم تقاتل فى مناطقها ؛ وتمارس الى جانب النشاط العسكرى (المتفرق كما فى حالة مؤتمر البجة والاسود الحرة) بعض من نشاطاتها الانتاجية العادية ؛ يحل جزءا من المشكلة ؛ الا انه لا يحلها بالنسبة الى القوات ذات الصفة العسكرية الصلبة ؛ وذات التكوين القومى المختلط (قوات التحالف ؛ لواء السودان الجديد فى شرق السودان) . وتبقى امكانية الحل فى ضرورة الدعم العاجل لهذه القوات ولجماهير المناطق المحررة من قبل ناشطى المعارضة والمهاجرين السودانبين ؛ وفى انخراط هذه القوات التام فى المحيط المحلى وتجييشه بصورة ثورية ( الامر الذى افلحت فيه قوات التحالف فى جنوب النيل الازرق فى مناطق مينزا وجنوب الدندر )
• امكانية الحل السياسى وجدوى العمل المسلح:
ادى طغيان اطروحات الحل السياسى ؛ الى ان يتسائل الكثيرون عن ضرورة العمل المسلح الآن؛ وعن مغزى جدواه وفاعليته . ان هذه التساؤلات لا تعنينا عندما تاتى من مواقع استسلامية واضحة ؛ تصل الى مراحل الخيانة ؛ كما فى تصريحات الصادق المهدى بعد معركة كسلا ؛ وانخراط وحدات من جيش الامة فى هذه المعركة الى جانب النظام . الا انها تعنينا عندما تاتى من طرف عناصر وقوى مرتبطة بالنضال ؛ وتحاول ان تبحث عن اولويات جديدة فى ظل الظروف المتغيرة .
ان الحقيقة التى يجب ان تقال هو ان الانفراج السياسى ؛ والتراجعات فى مواقف النظام ؛ والتصدعات فى صفوفه ؛ انما ترجع فى جزء اساسى منها ؛ الى واقع العمل المسلح نفسه ؛ والى الهزائم التى منى بها النظام على هذه الجبهة ؛ والخسائر التى منى بها فى كوادره وعتاده ؛ الامر الذى ادى الى انهيار احلامه فى تصفية المعارضة السودانية ؛ والتوسع العدوانى تجاه دول الجوار . ان التعامى عن هذه الحقيقة الواضحة انما هو جزء من الدجل والخداع ؛ تمارسه بعض القوى عن قصد ؛ لتبرير استسلامها وانبطاحها ؛ والبعض الاخر يمارسه عن حسن نية ؛ تحت ضغط الدعاية المضادة والمصاعب التى يواجهها العمل المسلح حاليا .
الا انه تبقى حقيقة انه قد اتسعت مواعين العمل السياسى بالداخل ؛ وادى انشقاق الجبهة الترابية الى تصدع جبهة النظام ؛ كما ان التغيرات الاقليمية والمحلية قد جعلت من العسير الاستمرار فى صيغة العمل المسلح بشكلها القديم ؛ واتجه مركز الثقل السياسى الى الخرطوم . ان القوى الوطنية الجذرية فى معارضتها للنظام ؛ والساعية حقا الى تصفيته والاطاحة به ؛ ينبغى ان تضع هذه الحقائق فى عين الاعتبار .
• اعادة توزيع الاولويات فى نشاط قوى المعارضة الوطنية :
اننا ندعو لضرورة استمرار العمل المسلح ؛ جنبا الى جنب مع النشاط السياسى والدبلوماسى المعارض ؛ لدعم وانجاز الانتفاضة الشعبية . الا ان استمرارية العمل المسلح مرهونه بضرورة تطويره الى اشكال جديده ؛ ونقله تدريجيا الى مناطق الوسط ؛ ليكون طوقا واقيا للانتفاضة الشعبية . ان النظام ورغم ضعفه ؛ لا يزال شرسا ومتربصا بالجماهير ؛ ان اى انتفاضة لا تدعمها قوة السلاح ؛ سوف تكون انتحارا جماعيا ؛ وفى هذا لا يجب ان يداخلنا الشك . ان كاتب هذا المقال يرى دورا خطيرا لقوى المعارضة المسلحة وكادرها فى حسم نتيجة الانتفاضة .
ان قوى المعارضة يجب ان تلقى بكل ثقلها الى داخل البلاد ؛ وان تنتهز فرصة التصدعات فى جبهة النظام ؛ لتسديد الضربة القاضية اليه ؛ ان مختلف المحاولات للتحالف مع احدى اطراف النظام ؛ يجب ان تدان بشدة ؛ من قبل قوى المعارضة الوطنية .
ان سودان مابعد البشير ؛ سيواجه مشاكل خطيرة وتهديدات جدية ؛ من قبل الاجنحة الاصولية المختلفة ؛ والمسلحة حتى النخاع . وفى هذا فان وجود قوة رادعة ؛ ملتزمة بالديمقراطية ؛ ومتمرسة بالنضال ؛ وقادرة على مواجهة اى ارتداد ؛ اكبر ضمانة لامكانية التطور الديمقراطى السلمى ؛ المستند على قوة شعبية هذه المرة ؛ والقادر على الدفاع عن نفسه تجاه مختلف المغامرين والارهابيين .
نظرة تقويمية ونقدية
لحال المعارضة المسلحة بعد عشر سنوات :
ان نظرة تقويمية ونقدية لتجربة العمل المسلح ؛ فى مسيرة التجمع الوطنى ؛ توضح فيها اوجه قصور ضخمة ؛ لا تقل عن اوجه القصور فى المجالات السياسية والدعائية والدبلوماسية ؛ وان كان القصور فى العمل العسكرى يكون فادحا ؛ حيث ان ثمنه ارواح ودماء .
ان التجمع فى راينا ؛ قد اهدر بتردده وعدم انسجامه ؛ وسيطرة الاطراف التقليدية على موقع القرار فيه ؛ فرصا ضخمة لتطوير العمل العسكرى ؛ وتهديد مواقع النظام ؛ وتحويل العمليات العسكرية الى نشاطات سياسية وتنظيمية فى ساحات المعارك ؛ وخلف خطوط العدو ؛ وفى المدن الرئيسية . ان التجمع لم يستفد من الظروف الاقليمية والعالمية وواقع حصار النظام شبه الشامل ؛ فى اعوام 1995-1999. وجاهزية جماهير عريضة من الشباب السودانى للانخراط فى معركة منازلة النظام بكل الوسائل ؛ بما فيها العمل المسلح .
اننا نزعم ان القوى الطائفية فى التجمع ؛ فى سعيها لتطويق اى نشاط جماهيرى عريض ؛ وتهميش اى نشاط خارج اطار سياسات الصالونات والمناورات والموازنات الاقليمية والمحلية ؛ قد عملت عمدا على تحجيم وتهميش آلية العمل العسكرى المعارض ؛ وهى آلية اقرتها رسميا فى وثائقها وتكتيكاتها ؛ بل نزعم انها حاربت ؛ سرا وعلنا ؛ القوى الجذرية التى عملت على تنفيذ هذه الآلية. كما نزعم ان الحزب الشيوعى ؛ ولاسباب ايدولوجية محضة ؛ وتمسكا بممارسات وتكتيكات وشعارات قديمة ؛ لا تستجيب لواقع الحال وطبيعة النظام ؛ قد اهدر الامكانيات المتوفرة وسط جماهيره واعضائه ؛ للانخراط فى هذه التجربة الثورية ؛ واكتفى اما بوضع كوادره رافدا لقوى تقليدية ( كما فى تجربة القيادة الشرعية ) او اكتفى باثبات الوجود والمشاركة الرمزية ( كما فى حال تنظيمه لمقاتلى الجبهة الديمقراطية ).
ان نقدنا ايضا يذهب للقوى والتى التزمت بحق بهذه الآلية الثورية ؛ ونقصد هنا الجيش الشعبى ؛ قوات التحالف ومؤتمر البجة ؛ والتى رغم نضالاتها وتضحياتها ؛ فقد عجزت عن توظيف انتصاراتها العسكرية الى انتصارات سياسية ؛ كما فشلت فى حل تناقضاتها الداخلية فى شكال مؤسسى وديمقراطى ؛ وعجزت او تقاعست اطراف منها ؛ عن بلورة وحدتها الميدانية ؛ فى وحدة سياسية ببناء حلف ثورى لقوى السودان الجديد .
ان تجربة العمل المسلح قد اظهرت من الناحية الاخرى ؛ حجم روح الوطنية والفداء الكامنة فى روح الشباب السودانى ؛ وروح الثورة والبحث عن الجديد ؛ الكامنة فى جماهير شعبنا فى المناطق المهمشة . ان ابطال وشهداء الكفاح المسلح ؛ وتضحيات واستبسال جماهير المناطق المحررة ؛ وتضحيات ومعاناة ابناء شعبنا فى كل مواقع القتال ؛ لتستحق ان تسجل باحرف من نور ؛ فى سجل التاريخ السودانى ؛ مضافة لسجل شهداء المهدية ؛ وابطال اللؤاء الابيض ؛ وشهداء معارك الاستقلال والنضال ضد الديكتاتورية ؛ وكل شهداء الحرية والديمقراطية والعدالة فى بلادنا .
عادل عبد العاطى
14مارس 2001
وارسو – جمهورية بولندا .