مراد سليمان علو
شاعر وكاتب
(Murad Hakrash)
الحوار المتمدن-العدد: 5044 - 2016 / 1 / 14 - 11:08
المحور:
الادب والفن
(بابل)
مراد سليمان علو
وصلت إلى بابل الخربة، وقد أنهكني المسير. جلست على أشلاء أطفال، وأمهات، وشيوخ لم يقدّر لهم إنقاذ أجسادهم يوم الحريق الكبير، وصرت أتأمل بقايا معابد المدينة الكبيرة إلى المساء.
ولمّا أرخى الليل سدوله، دخلت الطمأنينة إلى نفسي التي نوت ارتداء ثوب السكينة مع كل ما يحيط بها، وكأنني شربت للتو من الخمرة المعتقة لأهلي، والمقدمة للإله مردوخ في عيد أكيتو، ومع كل جرعة كانت الأرض تهتز، وكأنها تخضوضر من جديد، ثم تحركت مدفوعا بقوة الخمرة إلى داخل المعبد الرئيسي واستقبلني كاهن، وهو ينشد تسبيحه مصاحبة بأنغام ناي بعيد، وعندما اقتربت منه قبّل يدي، وسجد أمامي متسائلا: "هل حافظتم على الأمانة!؟. أمانتي التي أودعتها في قلوبكم قبل الرحيل، وما هو الشيء الثقيل الذي هدّ حيلكم وأشغل بالكم هذه الأيام لتعود إليّ؟"
فقلت متعجبا: "ولكن هذا هو سؤالي الذي جئت من أجل البحث عن إجابة له"، فقال الكاهن الأعظم: "سأريك ما لم يره إنسان. سأريك كل ما في المدينة الكبيرة لتحكم بنفسك".
وبدأ كل شيء يتحرك، ورأيت كل شيء. رأيت ما لا أقدر على وصفه، وسمعت كل شيء. سمعت ما لا طاقة لي على إعلانه. رأيت الأفواج الهاربة إلى الشمال، ورأيت مجزرة لا توجد أختها في كل زوايا، وكهوف الجحيم المظلمة. رأيت النيران تلتهم كل شيء: المعابد، والمنازل، والبساتين، فأخذتني رجفة، وألتفت إلى الكاهن قائلا: "من منا دعا الثاني أيها المبجل؟" فسرّ في أذني وهو يبتسم: "أعلم إنكم ابتعدتم كثيرا، ولكنكم سترجعون يوما؛ لأني دعوت بهذا قبل رحيلكم، ثم قبّل جبيني للمرة الألف، وهو يردّد: "جميعنا نتبادل الأدوار".
توجهت إلى الشمال ثانية، وأنا أحمل البشارة لأهلي؛ ليكفّوا عن التعلّق بالقناعة.
#مراد_سليمان_علو (هاشتاغ)
Murad_Hakrash#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟