مذكرات امرأة

ميساء البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 5043 - 2016 / 1 / 13 - 20:11
المحور: الادب والفن
    

مذكرات امرأة
تقتلني ساعات الفراغ الثقيلة .. تمضغني عقارب الوقت بأنيابها الحادة ثم تلقي بيَّ جثة هامدة إلى صندوق الذكريات .. رائحة الذكريات تملأ رئتي ، تتسلل إلى خلاياي ، تقتحمها ، تجبرني على استقبالك في تلك الزاوية من زوايا الذاكرة التي غادرتها قبل موعد القِطَاف .. ولم يمرَّ بها من بعدك إنسٌ ولا جان ولم يحتضنها إلاغبارُ الذكريات .
تحملني رياح الحنين إليك .. تقدم إليَّ على طبق من الذكريات صوتك المخملي النسمات وكيف اهتزت له أوتار قلبي وشبابيك البيت .. كيف دارت بي الأرض ساعتها وتاهت مني الجدران فالتصقت بمرآتي أسألها : هل ترَينَه معي ، أم أنني على مفارش الحلم ؟!
أذكر ساعتها أنني جلست كقطة سيامية في ركن قصي .. أسترق النظر إليك وأنت تنتقل من حديث لآخر .. قلبي يدور معك .. عيناي تلمعان كنجمة صيفية يكاد بريقها يخطف الأبصار ويلفت إليَّ الأنظار .
جافاني النوم لليالِ طِوال وأنا أتسكع على أرصفة السؤال .. أتقلب على جمرات البعد والاقتراب .. لم أهدأ من فوضى الحواس إلا حين مَنحتُ قلبي وعداً بأنه سيكون لنا في الغد لقاء .
في السهرة توسلت إلى النجوم أن ترافقني وأنا أستجمع قواي الخائرة وأحثها بملء الفؤاد أن تثبِّت عينيها في عينيك .. أن تغرس نظراتها في محياك .. أن تطيل النظر إليك لو لثوانِ هاربة من الوقت .. ورفعت عيناي إليك فجأة فوجدتك تغازل القمر !!
حين أزفت ساعة الرحيل .. وقفنا جوار الباب كتمثالين من الشمع ، آخذين في الانصهار ، نظرتُ إليك ، نظرتَ إليَّ ، نظراتنا كانت مسكونة بالحب .. بالبعد .. بالحرمان .. بلهفة السؤال .. سمعت في حينها أناشيد الحب ترتلُّها عيناك .. ولحن الصمت تتلوه عيناي .. لكني تركت يدي بين يديك في آخر لحظات الوداع .
أذكر أنك عدت بعد أعوام وكان يقتلني الفراغ .. يصهرني الوقت .. تذيبني عقارب الساعات .. لكني لم أفكر للحظة الاستنجاد بك كي تبدد من حولي مساحات الفراغ .. لم أستعن بك كي تقطع أنياب الوقت .. لم أستجر بك من قسوة عقارب الزمن .
أذكر أنك حضرت بعد طول غياب .. وقفت أمامي كما تقف الأصنام .. ملامحك باردة .. كلماتك جافة .. أنتَ كما أنتَ لم تتغير .. حتى خصلات شعرك لم يغزها المشيب .. حضرت أنتَ .. وحدَكَ .. لم تحضر معك أيامي التي لحقت بك .. رحلت معك .. لكنها غادرتك حين ضبطتك تغازل القمر .

#ميساء_البشيتي (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات