أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - سندس القيسي - بريطانيا الحب والملاذ والعتب الكبير














المزيد.....

بريطانيا الحب والملاذ والعتب الكبير


سندس القيسي

الحوار المتمدن-العدد: 5042 - 2016 / 1 / 12 - 23:37
المحور: القضية الفلسطينية
    


بريطانيا الحب والملاذ والعتب الكبير

في أول مجيئي إلى بريطانيا، التي وقعت في حبها قبل أن تقع عليها عيناي. وبينما كنت أتسكع في شوارعها وبناياتها التي تحكي قصة عظمتها وعراقتها. كانت تنتابني تساؤلات، وربما شعور بالذنب لشدة حبي لها. إذ كيف يعقل أن أحب البلد، الذي لم يحتل بلدي فقط، بل أضاعها مني "إلى الأبد" على ما يبدو.

كيف أقبل على نفسي بريطانيا بالفور؟ ولكن تفكيري المتواصل قادني إلى استنتاج أن البدايات والنهايات مرتبطان ببعضهما البعض، فكل نهاية هي بداية، والعكس صحيح. ولذلك قمت بفعل العمل الأسهل؛ ألا وهو رمي إرثي الثقافي وراء ظهري. إذ أنه كان يتحتم علي الآن إلتقاط الحياة الجديدة بكافة حواسي.

ولم يكن مجديًا حقًّا الحديث مع أي أحد عن فلسطين ووعد بالفور، إذ أن الجميع كانوا يتنصلون من الخوض في هذا الموضوع، إما لعدم معرفتهم بهذا الحدث التاريخي المهم لنا، أو لأن أبناء بريطانيا اليوم لا علاقة لهم بالإحتلالات البريطانية السابقة، وبوعد بالفور هذا لأنه حصل في زمن أجدادهم وليس زمنهم، فلماذا يقلقون أنفسهم بهذه الأمور؟

فيما قام الأشخاص المنتمون للطبقة العاملة بإلقاء اللوم على الطبقة الأرستقراطية والبرجوازية، وبرروا الإحتلالات البريطانية على أنها صراعات طبقية لا أكثر ولا أقل.

ولأني فقدت الأمل، كل الأمل في إيجاد حل عادل وجذري للقضية الفلسطينية في ذلك الوقت، قررت آنذاك أن أمشي للأمام دون أن ألتفت إلى الخلف. وقلت لنفسي أنا سأدافع عن شيء آخر؛ ألا وهو وجودي على هذه الجزيرة الرائعة والذي أردت له أن يكون وجودًا فعّالًا وحقيقيًا. ولعلّي إذا فهمت عقلية هذا البلد، وهي بلا شك عقلية عصية على الكثيرين، فربما أنجح في فك رموز وطلاسم الأبواب المغلقة في وجهي.

لم يكن طموحي أن أكون المهاجرة التي تقبل الشفقة والحسنة. بل أردت أن أكون واحدة من الربع وأن أصعد إلى أعالي السماء كالصاروخ.

وطالما تذكرني أمي بأنه كيف ومنذ نعومة أظفاري، وأنا أردد لها بأني أريد أن أذهب إلى لندن عندما أكبر، وأصبح صحفية، وأشتري "كارافان". وكانت أمي تضحك وتقول كلمتها الشهيرة لي: "إحلموا بالصيف، ثم ابتسموا". لكنها فيما بعد لطالما استخدمت هذه الكلمات لتنشلني من حالات الإحباط الي أشعر بها من وقت لآخر.

وكلما مررت بمرحلة مظلمة وحالكة في حياتي. كانت أمي تقول لي بصوت عالي: "أنا ابنتي شجاعة لا تقبل الهزيمة، أينك؟ أين ابنتي تلك؟ أين الطفلة التي كانت تردد لي بأنها ستذهب إلى لندن وتصبح صحفية وتشتري "كارافان"؟ هذه هي ابنتي، هل تذكرين؟"

أنا بالطبع لا إذكر هذا الأمر، لكن أمي هي التي تذكرني على الدوام، ممتلئة بالفخر، فأجيب بعد أن أضحك: "بقي علي أن أشتري الكارافان".

وفي الحقيقة، فإن لندن برغم قساوتها وصعوبتها، فقد استقبلتني بذراعين مفتوحتين، إلى حدٍ ما. ومنذ اليوم الأول شعرت بالإنتماء لها أكثر من باريس وبروكسل. وأكثر ما تعلق به قلبي هو نهرها الذي كنت أزوره مع بزوغ كل شروق أثناء ممارسة رياضتي الصباحية.

وكانت الأيام الأولى رائعة ككل البدايات رغم القساوة والبرد والغربة وافتقاد اللغة والموسيقى العربية. لكن أصدقائي كانوا دومًا يذكروني بأني في أفضل مدينة في العالم كلما اشتدت علي برودة المدينة وقساوتها.

وفي غضون شهور، تحولت إلى إمرأة لندنية بحتة. وأصبح الجميع يعتقد أني مولودة في لندن. ومن أظرف ما حدث معي هو أني كنت كثيرة المشي في شوارع العاصمة البريطانية. وفي ذات مرة، سألت الشرطة عن المكان الذي أريد الذهاب إليه، فدعوني بكل لطف وأدب إلى توصيلة الأمر الذي كان مدهشًا للغاية لأنهم في العادة لا يفعلون هذا مع أحد. وعندما أبلغت أصدقائي، ضحكوا، وقالوا: "يا لك من محظوظة".

وقد سكنت في عدة أماكن في لندن في السنة الأولى، ما بين الشرق والغرب. وفي أحد الأيام، مشيت مسافة طويلة، تتجاوز العشرة كيلومترات، من مكان سكني في شرق لندن البعيد إلى مكان مقر الجامعة، التي أصبحت فيما بعد جامعتي. وقررت أن هذه الجامعة هي هدفي المبتغى. وبالفعل، بعد شهور أصبحت طالبة على مقاعد هذه الجامعة.

ولم تكن أيام الدراسة ممتعة كما يجب، إذ كان علي أن أوفق بين العمل والدراسة، لكن الجامعة فتحت آفاقي الذهنية أيضًا. وحينما كان زملائي يسألونني عن ديانتي الإسلامية، كنت أسأل: "ما هذا السؤال الغريب؟ " إذ لم يكن من عادتي أن أسأل الناس عن ديانتهم.

ومن ثم أطلقت علي صديقتي البهائية لقب العربية ذات الخلفية الإسلامية. هي قررت لي ذلك ولو أني كنت أمانع الخوض في الدين، لأنه موضوعًا شخصيًا.

لكن بعد عقدين من الزمن من الحياة في بريطانيا، أصبحت أنا بدوري الآن، أسأل الناس عن أصلهم العرقي وديانتهم، بل والطائفة التي ينتمون إليها.
وأصبحتُ أصرّ أنه لا يوجد في الواقع دولة علمانية في العالم. وكل دولة لها دين، تحتفل بأعياده كل عام.

وهنا أعود إلى أيام الدراسة الجامعية، حيث تغلبت في العثور على سكن مناسب. وفي آخر المطاف، وبسبب خوفي من الحرية الهائلة والمتدفقة كشلال، حبست نفسي في سكن طالبات صارم، تابع لدير راهبات كاثوليكي. وكانت الراهبات جميلات ورائعات. وكانت الأخت ألبيرتا الإيرلندية عاشقة للأراضي المقدسة. وكثيرًا ما كانت تتحدث معي بعطف وتعطيني النصائح. فكانت تقول لي: "لا أحد يستطيع أن يعيش كجزيرة نائية. (يعني مقطوع من شجرة)، ولا أعرف كيف استطاعت أن تستنتج أني كنت هاربة من نفسي لأنها كانت تقول لي: "لا تستطيعين أن تهربي من نفسك إلى الأبد."
ولغاية الآن لا أفهم ما تقصد غير أني دوما هاربة إلى الأمام.

وفيما بعد فهمت أن الإيرلندي الكاثوليكي فلسطيني، والإيرلندي البروستانت إسرائيلي، أو هكذا يتردد ويقال لي أن أعلام فلسطين مرفوعة في مناطق إيرلندا الكاثوليكية، فيما تقابلها الأعلام الإسرائيلية في إيرلندا البروتستانت.

ورغم أني رحلت آلاف الأميال عن واقعي، إلا أنه ظل يلاحقني كظلي، ومهما حاولت أن أترك إرثي الثقافي خلفي، أجده واقفًا أمامي كالشبح.



#سندس_القيسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الارهاب والكباب وشارلي ايبدو
- العربي الأوروبي
- الأوروبي البدوي!


المزيد.....




- أمريكا تكشف معلومات جديدة عن الضربة الصاروخية الروسية على دن ...
- -سقوط مباشر-..-حزب الله- يعرض مشاهد استهدافه مقرا لقيادة لوا ...
- -الغارديان-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي ل ...
- صاروخ أوريشنيك.. رد روسي على التصعيد
- هكذا تبدو غزة.. إما دمارٌ ودماء.. وإما طوابير من أجل ربطة خ ...
- بيب غوارديولا يُجدّد عقده مع مانشستر سيتي لعامين حتى 2027
- مصدر طبي: الغارات الإسرائيلية على غزة أودت بحياة 90 شخصا منذ ...
- الولايات المتحدة.. السيناتور غايتز ينسحب من الترشح لمنصب الم ...
- البنتاغون: لا نسعى إلى صراع واسع مع روسيا
- قديروف: بعد استخدام -أوريشنيك- سيبدأ الغرب في التلميح إلى ال ...


المزيد.....

- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان
- تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020- / غازي الصوراني
- (إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل ... / محمود الصباغ
- عن الحرب في الشرق الأوسط / الحزب الشيوعي اليوناني
- حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني / أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
- الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية / محمود الصباغ
- إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين ... / رمسيس كيلاني
- اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال / غازي الصوراني
- القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال ... / موقع 30 عشت
- معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو ... / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - سندس القيسي - بريطانيا الحب والملاذ والعتب الكبير