|
رواية -فانتازيا- لسمير الجندي
محمد عمر يوسف القراعين
الحوار المتمدن-العدد: 5042 - 2016 / 1 / 12 - 19:23
المحور:
الادب والفن
محمد عمر يوسف القراعين رواية فانتازيا لسمير الجندي
صدرت رواية "فانتازيا" للأديب المقدسيّ سمير الجندي، أواخر العام 2015 عن دار الجندي للنّشر والتّوزيع في القدس، وتقع الرّواية التي يحمل غلافها الأوّل لوحة للفنّان التّشكيلي العراقيّ فاخر محمد، في 152 صفحة من الحجم المتوسّط. وطني ليس حقيبة، وأنا لست محارب، هكذا قال محمود درويش. ولكن في الحقيقة، نحن نحمل الوطن وهموم الوطن في حقائبنا أنّى رحلنا، إذ لم أقرأ طيلة العام الماضي رواية لأديب فلسطيني، إلا والوطن يتجسد فيها، كله أو جزء منه، ريفه وحضره. وهكذا مع فنتازيا، التي هي في العامية فنطزية. نقول واحد مفنطز، يعني ولا على باله، سواح من الشرق للغرب يجري وراء خيالاته، كدون كيشوت في رواية سيرفانتيز، الذي يحاكي ولو بتهكم فرسان القرون الوسطى، وهو على حصانه الهزيل، وخلفه تابعه سانكو بانزا على جحش، في أولى مغامراته، يحارب طواحين الهواء، لإنقاذ حبيبته من المردة الذين يحتجزونها.
إلا أن فارسنا سمير الجندي يبحث عن الحرية، في امرأة يتخيلها، يتخذها ذريعة في تجواله وهو يبحث عن القيم الإنسانية، التي تكون ذائقة أي مجتمع على هذه الأرض، فلا صدق ولا أمان في قريته، وتغلب على معظم سكانها الأنانية البغيضة وحب الذات. لكنه يستدرك وهو يحاور نفسه، ليقر أن الحقيقة لها وجوه كثيرة، فالمطلق ربما موجود عند أفلاطون في جمهوريته، والموجود عندنا نسبي، قد يكون في أول الدرجات أو أعلاها، لذلك عليه أن يبحث خارج قريته، التي يغادرها في رحلته بادئا بالقدس. كان عليه المرور بكل أحياء البلدة القديمة حيث الأصالة والتاريخ، إذ ربما تكون حبيبته في حي أو زقاق من أزقتها. بدأ من باب الأسباط إلى باب الخليل، ليرى جنودا بعيون رمادية، يخلخلون بأنفاسهم هواء المدينة، مما يدلل أن رحلته كانت زمن الاحتلال، ولو تخطى باب الخليل لكان في زمن آخر، ولوصف لنا بيرق الخلايلة، الذي كان يبدأ عند بركة السلطان، ثم يلتقي مع بيرق النباولسية في المسجد الأقصى، لتبدأ احتفالات موسم النبي موسى لمدة أسبوع أيام عيد الفصح. يكمل صاحبنا المشوار، فلا يترك معلما من معالم القدس، من حارات وزوايا وتكايا وخانات حتى درجة الطابونة، التي يعرف موقعها الراسخون في العلم، والأولياء الشيخ لولو والشيخ حسن والشيخ ريحان والشيخ شداد، وحتى المطهر أبو دان، وقصص الشيخ معروف وشيخ زاوية الهنود، وخديجة بائعة العنب، والفتاة الجميلة، التي أبدى إعجابه بها أمام رفيقها الرياضي الذي سكب عليه الكتشاب، فأدرك صاحبنا أن الأمر سقط من يده، ولم يعد بمقدوره الاستمرار. أرسل لحبيبته عصارة حبه، فأجابته أنها في الأسر، وكم هي تتوق إليه. عصفت به الذكريات، لو كانت الدنيا دنيا كما في عهد الرشيد، الذي قال للغمامة: أمطري أنى شئت، فخراجك يعود إلي! ولكن سايكس وبيكو وبعدهما كونداليسا رايس غيروا الميزان. مع ذلك لا بد من زيارة عاصمة الرشيد، عله يجد فيها مراده، فتكون حبيبته "مع عيون المها بين الرصافة والجسر".
بغداد تثير المواجع الآن، إنها بلد العتبات المقدسة والنهر الخالد دجلة، الذي مرت عليه حكايات ممالك بائدة، وحضارات سومرية وبابلية وآشورية، كما شهد مولد شعراء وقصائد وأغنيات. عندها تعود ذكريات الرصافة على ضفاف دجلة، التي زرعها فيه أستاذ العمرية، حيث وقف معروف الرصافي يناجي العلم العربي قائلا: عش هكذا في سمو أيها العلم فإننا بك بعد الله نعتصم. أما الحلاج فبعد أن وضع رجله على دينار أخذ ينادي: أيها الناس، إن معبودكم تحت قدمي هذا فتنطلق عليه الشواريخ، ويستمر القتل والدمار في الشوارع وأماكن العبادة وفي كل مكان، والجنود بأسلحتهم، لا يسمحون للهاربين من جحيم الأنبار بدخول دار السلام إلا بتصريح، حتى لا يكون بينهم خلايا نائمة. وهكذا لم تعد بغداد الهوي، فالربيع غاب في نيسان، فقرر الرحيل إلى تونس.
لم أستطع أن اماشي الفارس في تأملاته هناك، إذ بدا أنه يكثر من الألغاز.. الوحدة العربية التي تحققت في قصة البحار عن صديقه الذي اختفى، فوجده بين أربعة أشخاص، مسحل وهبيد بن الصلادم ومدرك بن واغم ولافظ بن لاحظ، كأن الوحدة المنشودة هي التي تتم عند الحج في الديار السعودية! وبحثه عن الحقيقة الغائبة التي لو كانت امرأة شهوانية، لكان الرجال التهموها التهاما على موائدهم المخملية. الأمور ليست بهذه البساطة، فالحقيقة مغيبة لأننا نستسيغ في ثقافتنا المتراكمة، أن نعمل ما نرغب بعمله، ولا نفعل ما علينا فعله. وكما قلت لكم أن الواحد منا يحمل الوطن في حقيبته أنى رحل، فها هو فارسنا يعود بالذاكرة إلى ما يحدث في فلسطين من مآس، مفترضا أن مشكلتنا هي مشكلة العرب جميعا. اترك يا صديقي التونسيين يكملون ربيعهم الذي نجحوا في تصويب مساره، وهذا ليس غريبا عليهم، فهذه بلد عقبة بن نافع فاتح القيروان، وقبله هنيبال القائد القرطاجي الفنيقي، الذي غزا روما بأفياله عن طريق إسبانيا وجبال الألب. وأخيرا غلب على صاحبنا الظن بأن حبيبته صارت جزءا من الحراك الحضاري، الذي حمل شعلة النور التي تضيء دروب العرب في كل العواصم، فقرر الرحيل إلى القاهرة، عله يجدها هناك.
في قاهرة المعز، كان محتارا من أين يبدأ، هل من التاريخ بدءا بأحمد بن طولون قبل المعز الفاطمي، فصلاح الدين بعده ومعركة حطين، فالظاهر بيبرس وعين جالوت، أم بعبد الناصر فالوحدة والاتحاد، أو بلد الفن الرفيع والأدباء والشعراء، وقصيدة أميرهم ومطلعها: لمصر أم لربوع الشام تنتسب هنا العلا وهناك المجد والحسب. غير أنه لم يجد القاهرة كما كانت، حيث حان منع التجول، وهو يسير في شوارع المدينة الخالية، ففرش كوفيته قرب مدرعة. أدرك أن الهواء ملوث برائحة غريبة، لم يأت بها الهكسوس ولا إخوة يوسف، بل كانت رائحة بطعم الحقد الوقح. تجول في كل ميادين مصر الجديدة وحارات القاهرة القديمة، التي تتداخل فيها أصوات الباعة بتناغم كما في القدس القديمة. من على كوبري قصر النيل، أرسلت له حبيبته رسائل بدت غريبة أولا: لا تشق النيل، وهو لن يجرؤ على ذلك، فالنيل هو مصر لأنها هبة النيل. موسى شق البحر هربا من ظلم فرعون، وقد حرم الله الانشقاق، وفي الثانية إن الشمس تقترب من القمر، الذي يقف في مكانه يستشعر الدفء المنعش. فكر أن يقترب منها، كيف وهذه الجماهير الغفيرة العائمة المهولة! ثم تناول عنقودا من معرشات الكرمة، وأسكنه فوهة جرة من الفخار لينز. راقب النزف الذي كان صامتا فصار صارخا، وكان مكبوتا فغدا فرحا، وكان يائسا فصار ضاحكا، وكان أسيرا فصار حرا طليقا. ارتوى وارتوت الأحلام، وانتعشت الأمنيات (كما حدث في مصر أيضا )، وأخيرا استلم رسالتها الخالدة، أن كل شيء ذهب أدراج الرياح، فرحل الأمل وتبدلت الأفراح، فعرف ساعتها أنه لن يجد حبيبته في القاهرة أم العشرين مليونا، فقرر الرحيل إلى عمان، حيث الفرق شاسع في كل شيء تقريبا، انتقال متوقع من الفوضى إلى النظام، ومن الفلتان إلى الأمن والأمان. عمان مدينة المخيمات، النكبة والنكسة، حرب لبنان والعراق وسوريا واليمن وليبيا، فمن غير المتوقع تواجد حبيبته في هذا الزحام، إذ لم يصل البيع بعد. قرر فورا بعد الوصول العودة إلى قريته، لأنه متفائل أن يلقى حبيبته في القدس.
#محمد_عمر_يوسف_القراعين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رواية-رولا- والمجتمع الذّكوريّ
-
رواية-يقظة حالمة-ووصف الأحاسيس
-
رواية غفرانك قلبي- والتّمسّك بالأرض
-
زمن وضحة وبداية التّنوير
-
سأحاولكِ مرة أخرى ....أنا جنونك - ريتا عودة
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|