أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - حدث في قطار آخن -30-















المزيد.....

حدث في قطار آخن -30-


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 5041 - 2016 / 1 / 11 - 21:59
المحور: الادب والفن
    


"أن يقول أحد الموظفين في حديث رسمي أو في دائرة حكومية: ليس الأمر بهذه البساطة! فإن لهذا الجواب-التعليق معان مختلفة باختلاف الجغرافيا، في الشرق يتمتع كل شيء بمرونةِ قابلية الحل، بينما تعني هذه الجملة في الغرب: سأساعدك وأقدم لك الاِستشارة، لكن الموضوع غير قابل للحل والنتائج واضحة.
ذهب إلى موعده مع شركة التأمين الصحي لمساعدة صديق. عرضَ المشكلة على الموظفة المختصة بإسهاب. سمعته حتى النهاية. طرحتْ عدة أسئلة، ثم قالت: الأمر ليس بهذه البساطة!
فهمَ جوابها تماماً، ولكي يصدقه من أخذه معه لمساعدته والذي لا يجيد اللغة بعد، رجا الموظفة لإعطائه الإجابات مكتوبة وكذلك كل التعليمات والشروحات المتعلقة بموضوعة التأمين.
بعد أكثر من ساعة ونصف قالت الموظفة: كلفة القسط الشهري لتأمينه هي 359 يورو بالإضافة إلى مايعادل حوالي 75 يورو تكلفة تأمين جانبية عناية وما شابه، هذا فقط في حال استيفاءه للشروط المطلوبة... ثم تابعت: لكن صديقك لا يحقق الشروط المطلوبة، وكما قلت لكما منذ البداية: الأمر ليس بهذه البساطة! التي تظنونها دائماً.
شكرها بحرارة، وَدَّعها وخرج... أما صديقه فقد عاد إلى بيته ونسيَ حتى أن يقول له: شكراً لوقتك! كأَنَّ شيئًا لم يكن، ليست هي هي المرة الأولى لا معه ولا مع غيره، ولن تكون المرة الأخيرة مع شرقيّ... تعزم الشرقيّ أحياناً وتتكلّف عليه وتُقّدم له كل ما عندك، ومع هذا يُعاملك وكأنَّ ما فعلت لأجله هو واجب عليك، كَأَنّك خَلَّفته ونَسيته...
شكراً، هي كلمة من أبسط وأعمق وأهم المفردات اللغوية المستخدمة بكثافة في المجتمعات العلمانية، عندما يغيب هذا اللَّفْظُ الرائع يَذبُلُ العشِق الثنائي الخاص وَيدبّ فيهِ اليُبْسُ وكذا يشيخ الحُبّ الأسروي-الصداقي العام، على الشرقي، ذكراً وأنثى ومن كل الأعمار، أن يقولها في كل حالة عطاء روحي أو ماديّ، كي يَتَّفتّح العشِق، كي تُزْهِر أشجارُ الحُبّ، كي لا يَصْفَرَّ وتذَهَب نَضارَتُهُ. حتى الشاعر درويش انتبه للحالة وقال: لم أسمع أبداً عاشقين يقولان شكراً!"


أشعر ببرد وخوف غريبين، يا الله أبعد عَني السُّوءَ والْبَلاَءَ، هل سأعود سليماً معافىً كما كنتُ قبل أن أصعد إلى قطار آخن؟ لِمَ لَمْ يأتِ الطبيب بعد! قال أحمد.

أحضرت سابينه مناشف ثلاث صغيرة، بَلَّلَتها بالماء الساخن، رشَّت فوقها الغبار الأبيض، فركتها بين يديها، ناولتها لهينلوري، مسحت هينلوري بها وجه أحمد، عنقه، صدره، أكثر في منطقة القلب، تمسح صدره وتقرب المنشفة من أنفه، يستنشقها بعمق وكأنَّه يريد أن يبتلعها، مع كل شهيق تعود ضربات قلبه إلى ما يشبه الانتظام، تستبدل هينلوري المنشفة بمنشفة أخرى وتعيد الكَرّة... تتناول سابينه المنشفة الثالثة وتمسح بها فخذيه وربلة باطن الفخذ وتنزل بالمنشفة إلى العضلات الخلفية من ساقيه.

- أين الجوارب الصوفية التي أهديتك إياها ليلة أمس؟ أين هي كنزتا الصوف؟ أين هي السراويل والقمصان الداخلية؟ سألته سابينه.
- لم استخدمهم كلهم، تركتهم في الحمام على الكُمُدينا. أجاب أحمد.
- أحضريهم من فضلك يا هينلوري.
- ما اللون الذي ترغبه يا أحمد: العسكري أم البني؟
- العسكري! ردّ أحمد. ثم خاطب نفسه: الآن أفهم سرّ الهدية!

ألبسته سابينه الجوارب الصوفية الدافئة، ألبسته هينلوري قميصاً داخلياً دافئاً وفوقه كنزة الصوف العسكرية.

- أشعر بالجوع. قال أحمد كطفلٍ.
- ضعها في فمك. قالت سابينه بعد أن ناولته قطعة شوكولاه.

خاطب نفسه: "الآن فقط أفهم ما الذي دفع سابينه لشراء كميات هائلة من الشوكولاه في محطة قطار منشنغلادباخ. يجب أن أغادر هذا المنزل بأسرع وقت، أشعر كأنهم يريدون تشريحي حياً في هذه الغابة، لعلهم يرغبون ببيع أعضاء جسدي، لعلهم قد صوروا لي معهم أفلاماً سرية."

نعم لثقافة التبرع بالأعضاء بعد الموت، لكني سأهرب قبل أن أموت!
أن يساهم أحد أعضاء جسدك في إنقاذ حياة آخر فهذه أعلى درجات الإنسانية، لكني لن أتبرع مكرهاً.

- لماذا تأخرتما بالمجيء؟ ما الذي شغلكما عني؟ من هم الرجال الثلاثة الذين عبروا من النافذة؟ هل لديكما مختبر سري في هذا المنزل!؟
- أنت تهلوس يا أحمد، قالت هينلوري.
- لم يكن في البيت أحد سوانا، كنا في غرفة النوم نختار ثياباً بديلة لمتابعة الاحتفال، كنا نعيد ترتيب زينتنا، قالت سابينه.

لن أبقى في هذا البيت لحظة واحدة، سأغافلكما بأقرب لحظة وأهرب، لن أُدَفِعّكما الثمن غالياً، سأغادركما بهدوء قبل أن يأتي رجال الليل عبر النوافذ لشق جسدي وسرقة أعضائي.


- شارفت الساعة على الثالثة صباحاً، علينا أن ننام! قالت سابينه.
- سأحضر لك غطاءً لتنام على الأريكة يا أحمد، الوقت تأخر، جسدك يحتاج للراحة! قالت هينلوري وذهبت لإحضار الغطاء.
- لا تتركيني وحيداً يا سابينه، أشعر بالخوف، هناك رجالٌ في البيت! قال أحمد ثم أمسك بيد سابينه.
- يجب أن تنام وحيداً يا أحمد، لا أستطيع أن أكون معك في كل وقت، هذا ما يجب أن تتعلمه! عليك أن تتعلم أن تكون مرناً بالمقدار نفسه الذي تكون فيه لدناً.

"اللدونة والمرونة من الخواص الميكانيكية الهامة في علم هندسة المواد وخواصها، هما صفتان إبجابيتان تمثلان أساس العافية النفسية والأساس السليم لكل عمليات التعلم والتربية في حياة الإنسان، إنّهما القاعدة الأساسية للاستجابة للمتغيرات والمُثيرات المجتمعية والتكيُّف معها بعد مقاومتها... إنّهما الخاصيتان الأجمل للمرأة والشعر."

زحف أحمد إلى الأريكة، غَطَّته المرأتان، تمنيتا له أحلاماً هانئة وغادرتا.

غَفَا حزيناً وهو يتذكر صديقته مانويلا التي وقفت إلى جانبه في السنتين الماضيتين وما زالت، بينما هو يخونها مع نساء من كوكايين.
غَفَا نادماً على محاولات انفصاله الأخيرة عنها، غَفَا راجياً أن تتاح له فرصة الاعتذار منها، أن تقبل اعتذاره، تُسامحه وتعيده إلى حظيرة أمانها، كانت دائماً معه في كل إخفاقاته و إرهاصاته.

أين أنتِ يا أَرْمَلة القَشّ؟ يا أَرْمَلة العشب.
أين أنتِ يا بذرتي؟ يا قلبي.
بدونكِ أشعر بنفسي كالقَشّ الجاف، أين أنت يا عروس القَشّ؟
يا الصبية التي تنتظر طفلاً دون أنْ تتزوج بعد!
يا من ستضعين أكليل القَشّ على رأسكِ يوم الزواج.
أين أنت يا من تعتقدين أنك تنتظرينني؟
أين أنت يا من تظنين أنني سافرت للعمل في موسم الحصاد؟
يا من تصدقين بأنني أكسب رزقي لأعود إليكِ محملاً بالهدايا!
لا تكوني مثل مارتي التي تشكو زوجها في الجزء الأول من مسرحية فاوست التراجيدية، للمسرحي الألماني يوهان فولفجانج فون جوته:
"... ربي سامح زوجي حبيبي، لم يعاملني جيداً، إنه يسافر في أنحاء العالم ويتركني أمكث وحيدةً على القَشّ..."

أما أنتَ يا أحمد فلستَ إلا رَجُلاً من قَشّ!
تَتعلّق بأي شيءٍ مهما كان تافهاً لإنقاذ موقفك، خوفاً من النَّار في الْهَشِيمِ.



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حدث في قطار آخن -29-
- حدث في قطار آخن -28-
- حدث في قطار آخن -27-
- حدث في قطار آخن -26-
- حدث في قطار آخن -25-
- حدث في قطار آخن -24-
- حدث في قطار آخن -23-
- حدث في قطار آخن -22-
- حدث في قطار آخن -21-
- حدث في قطار آخن -20-
- حدث في قطار آخن -19-
- حدث في قطار آخن -18-
- حدث في قطار آخن -17-
- حدث في قطار آخن -16-
- حدث في قطار آخن -15-
- حدث في قطار آخن -14-
- حدث في قطار آخن -13-
- حدث في قطار آخن -12-
- حدث في قطار آخن -11-
- حدث في قطار آخن -10-


المزيد.....




- باللغة العربية.. تعليق -هزلي- من جيرونا على تصدي حارسه لثلاث ...
- ميكروفون في وجه مأساة.. فيلم يوثق التحول الصوتي في غزة
- عبد اللطيف الواصل: تجربة الزائر أساس نجاح معرض الرياض للكتاب ...
- أرقام قياسية في أول معرض دولي للكتاب في الموصل
- ” أفلام كارتون لا مثيل لها” استقبل تردد قناة MBC 3 على الناي ...
- جواهر بنت عبدالله القاسمي: -الشارقة السينمائي- مساحة تعليمية ...
- لم تحضر ولم تعتذر.. منة شلبي تربك مهرجان الإسكندرية السينمائ ...
- بقفزات على المسرح.. ماسك يظهر بتجمع انتخابي لترامب في -موقع ...
- مسرحان في موسكو يقدمان مسرحية وطنية عن العملية العسكرية الخا ...
- مصر.. النائب العام يكلف لجنة من الأزهر بفحص عبارات ديوان شعر ...


المزيد.....

- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري
- هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ / آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
- توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ / وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
- مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي ... / د. ياسر جابر الجمال
- الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال ... / إيـــمـــان جــبــــــارى
- ظروف استثنائية / عبد الباقي يوسف
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل ... / رانيا سحنون - بسمة زريق


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - حدث في قطار آخن -30-