عماد شمو
الحوار المتمدن-العدد: 5041 - 2016 / 1 / 11 - 15:28
المحور:
الادب والفن
احلام حقيقية
كان جالسا كعادته ,محني الظهر ,سنارته غامسة في الماء ,ونظره متجه الى حيث دبدوب احمر صغير ,على رقبته شريط وردي ,مربوط بعناية ,كان يتلاطم على اطراف قارب مقلوب منذ زمن , لكنه ﻻ-;- يراه ,كانت مخيلته تطوف الدنيا 80 عاما قضاها محبوسا في هذه الدنيا ,احتاج الى دقائق كثيرة حتى تتباين عيناه , وتميز الدمية الحمراء التي تصارع الغرق .
فزع سليم على اصوات حركة وصراخ اشخاص ,يفرك عينيه براحتيه ثم يلتفت الى زوجته النائمة في السرير العلوي ومعها ابنتهما ايمان ,كانت كابينة صغيرة في العبارة التي ستاخذهما الى جدة ,كان الكفيل لطيفا معه على غير عادته ,ناوله نقودا اضافية حتى يجلب عائلته من مصر.
ما الخبر لما الصراخ ,كان للتو قد اغمض عينيه بسبب ضجيج المحركات والرائحة النتنة التي تفوح من المكان , يطلق صرخة باعلى صوته عندما يرى الماء يتدفق من فتحة الباب الحديدي , سنية ايمان قوموا انهضوا , كارثة ,مصيبة .تقفز سنية من سريرها ويتلقف هو الفتاة الصغيرة ويهم بالخروج تبكي الصغيرة ,كانت تريد دبدوبها الاحمر ,كان قد ارسله لها سليم من السعودية عندما بلغت الثالثة ,يتردد ثم يعود الى الوراء ليناولها دبدوبها الاحمر .
يفتح الباب ليغادرالكابينة ,فيتدفق سيل من المياه المتراكمة في الممر الخارجي ,يرفع ابنته عاليا ويقبض على ذراع زوجته والماء يصل الى صدرهما ,يصعدا الدرج مسرعين ,كان سطح العبارة مكتضا بالمسافرين ,تميل العبارة يمينا ويسارا ,كأنها تراقص الامواج على انغام موسيقى صاخبة ,يتمايل الجميع مع تمايلها ,لكن الموج الاكبر كان يلوح في الافق ,ها هو يقترب اكثر فاكثر ,يارب سترك ,يا رب ,تتعالى الاصوات بالدعاء حينا وبالصراخ والبكاء احيانا كثيرة .
تضرب الموجة الغاضبة جانب السفينة فترفعها من سطح الماء ,تتعالى اصوات الصراخ والبكاء والدعاء والتوسل بالمساعدة ,يحاول الجميع ان يصل الى الطرف العلوي من السفينة هربا من الماء ,الذي بدأ يلتهم السفينة من اسفلها .يصرخ سليم على بكاء زوجته , حتنزل ماتخفيش ,الموجة راحت ,لكن الطرف المرتفع يزداد ارتفاعا والطرف الاخر يغوص في الماء ببطء سخيف ,كانه يريد ان يمعن في تعذيبهم يبطئ في عبورهم بوابة العالم الاخر . امسكي الحديد يا سنية وانتي يا ايمان لفي ايديكي حول رقبتي امسكيني كويس يا حبيبتي ,تفعل المسكينة ما طلب بصمت عجيب ,كانت تمسك دبدوبها الاحمر بقوة كانت قد لفت شريطه الوردي على كفها ,لا تريد فقدانه ,ارميه يا بنتي ,ترفض , ارميه يكرر ,لكنه لا يريد ان يقسوا عليها ,لم يقسوا عليها فيما مضى ,وقد تكون هذه اخر لحظاته معها.
تغطس العبارة ,وتصل المياه عند سليم وسنية ,اتركي الحديد يا سنية ,حتغوصي معاها ,وهي ترفض اتركي الحديد ياسنية ,ترخي يديها وتمسك في يد سليم .كان سليم يجيد السباحة ,لكن يمسك مين فيهم ,حيرة عظيمة ,يضع صغيرته على ظهره ,امسكيني كويس يا ايمان ,ويمسك سنية في يده ويضرب الماء في يده الاخرى .يهزمه التعب , لا يستطيع المقاومة , يبكي ويصرخ ساعدوني ,انا بعرضكم ,بنتي ومراتي حيروحوا مني ,كانت الناس تغوص في الماء امام عينيه , ومن يجيد السباحة كان يبتعد عن السفينة ,يصرخ سليم مجددا ,قبطان ,بحارة ,لكنهم كانوا اول القافزين ,واول الهاربين ,كان عليه ان يبتعد ايضا عن مكان السفينة الغارقة .كان نزولها الى جوف البحر يعني شفط الميا ه وما عليها , يكرر صراخه وبكاءه وتوسلاته ,لكن لا من سميع ولا من مجيب .
تتحرك المياه بسرعة رهيبة الى الاسفل ,لا يستطيع سليم مقاومة التيار ,تترتخي يد زوجته ,يراقبها وهي تغوص بعيدا في الاعماق وهو مخنوق من الالم والحسرة ,لكنه صامت , فقط دموعه كانت تنهمر لتسقي ماء البحر الغادر ,ينقلب مع حركة المياه الهائجة ,فيغوص عميقا , لكنه يلكم البحر بقوة ,فيهزمه ويرتفع ,يتحسس رقبته ,ايمان ,بنتي ,يصرخ ويثور ويطلق اعلى صرخة تخرج من اعماقه ,صرخة عظيمة ,ايمان ,ايمان راحت يا ناس , يزداد عويله ,ويضرب الماء بكفيه , يبكي باعلى صوته ,لم يستطيع كتم الامه وحزنه على بنته ,يبكي ويبكي ,ويصيح لكن كلماته لم تعد مفهومة ,يلتفت باحثا عنها ,يصرخ ثم يسكت من تعب الصراخ ,ينصت الى مواساة الاخرين من حوله ,بصوت خافت ,مسكين خسر ابنته وزوجته ,يسأم من سماع اصواتهم ,من نحيبهم . لم يبقى له شئ في هذه الدنيا ,يتلفت حوله بهدوء , كانه يريد ان يرى العالم لاخر مرة ,ثم يغوص في الماء هربا منه ,باحثا عن سنية وعن اميرته الصغيرة ايمان عله يلمحهم ,فيغوص عميقا ويبكي ويغوص . يوخزه عقله ,اصعد الى الاعلى ,اوكسجين , ستختنق , لكن وجدانه وماسيه والامه وحزنه ,يدفعانه بعيدا الى الاسفل ,يدفع الماء بيديه ,هيا الحق بمن تحب يغوص ويغوص ,ثم يرتخي جسده وهو يبتسم , لعله وصل اليهما .
يصرخ سليم صرخة مدوية ,وينهض مذعورا من الفزع ,يجلس على فراشه مبللا من العرق كابوس , حلم فضيع , اللهم اجعله خير .
كانت سنية تجهز حقائب السفر ,وايمان تربط الشريط الوردي برقبة الدبدوب ,وتذاكر العبارة على الطاولة
#عماد_شمو (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟