|
لا حرية للنساء بعيداً عن حرية الرجال
إيمان أحمد ونوس
الحوار المتمدن-العدد: 5040 - 2016 / 1 / 10 - 11:24
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
لا تزال قضية تحرر المرأة من القضايا الأكثر أهمية على مختلف المستويات، مثلما تحتل المرتبة الأولى في أجندات الحركات النسوية ومختلف منظمات المجتمع المدني المعنية بحقوق الإنسان، إضافة إلى أنها تأخذ حيّزاً لا بأس به من برامج ونشاط الأحزاب العلمانية واليسارية التي تؤكد على أن تحرر المجتمع لا يتمّ إلاّ بتحرر المرأة من كل ما يعيق مساهمتها الفعّالة في مسيرة التنمية والعطاء. وبالتالي فإن تقدم المجتمع مرهون بتقدم جميع أفراده من النساء والرجال. إن تحرر المرأة من ربقة موروث ثقيل من القيم والأعراف الاجتماعية والدينية التي لا تزال تقيّدها في شرنقة لا فكاك لها منها، لا يمكن تحقيقه أو الوصول إليه إلاّ عبر عدة طرق واتجاهات أهمها: 1- إدراك المرأة لذاتها واحتياجاتها وحقوقها، وأهمية دورها على المستوى الشخصي والعام، وهذا ما يتطلب منها وعياً مختلفاً عن السائد اجتماعياً قائم على رفض واقعها التقليدي أولاً وقبل كل شيء، ومن ثم امتلاك ثقافة وقناعة حقيقية جدية في النظر إلى ذاتها من خلال تلك الثقافة، إضافة إلى تبني هذا الفكر والوعي والثقافة أثناء ممارستها لمهام التربية حين تصبح أمّاً كي لا تعيد إنتاج ذلك الموروث القائم على العنف والتمييز ضدها لصالح الذكر. 2- سعيها من أجل التحرر من تبعيتها المادية والاقتصادية لذكور القبيلة، وذلك من خلال عملها المنتج الذي يعود عليها بالنفع متعدد المستويات، سواء على المستوى الشخصي، أو على مستوى أسرتها، وبالتالي المجتمع بأسره، بحيث تشعر بأهمية مشاركتها الرجل في تلبية احتياجاتها واحتياجات الأسرة، خصوصاً أننا في زمن ووضع اقتصادي بالغ التعقيد، حيث لم يعد بإمكان الرجل التفرّد والتنطّح لتلك المهام والمسؤوليات بمفرده. لكن وعلى أهمية هذا الجانب في حياة المرأة وسعيها باتجاه الحرية، فإن تحررها الاقتصادي لم يرتقِ بها بعد إلى الوضع الذي يؤهلها فعلاً لاتخاذ قرار ولو بسيط بأمر يخصها، بحكم تسلط الرجل وولايته التي أقرّ بها الشرع والمجتمع، مما دفعه للتسلط حتى على إنتاجها المادي كراتبها مثلاً والتصرّف به وفق ما يراه هو بدعوى أنها لا تُحسن التصرف أو التدبير، ولنا في العديد العديد من النساء العاملات مثالاً حيّاً نصادفه كل يوم. ولا يفوتنا مساهمة المرأة بالنشاط الزراعي في الريف بما يعزز ملكية الأسرة، لكن هذا العمل لا يمنح المرأة حرية اقتصادية أو اجتماعية بحكم الموروث والقيم والأعراف التي تحرمها من حقها حتى في الميراث مثلما يحرمها القانون حقها في نتاج أسرة قامت على خدمتها وتلبية احتياجاتها زمناً ليس بالقليل إذا ما تعرّضت للطلاق، حيث تخرج من بيتها خالية الوفاض إلاّ من قهر مزمن حتى لو كانت عاملة خارج البيت بحجة أنها لا تملك سندات ملكية. 3- أهمية نشر الوعي في المجتمع حول وضع المرأة ودروها في الحياة وضرورة الاعتراف بهذا الدور، من خلال التقليل ما أمكن من حدّة العنف والتمييز الممارس ضدها بسبب تبني ثقافة تقليدية- دينية- قانونية تعزز تبعية المرأة دائماً كما تعزز اضطهادها ودونيتها، وذلك في المناهج التعليمية لكافة المراحل، بغية تثبيت حقوق المرأة وتجذرها في عقول الناشئة والشباب من الجنسين الذين يقع على عاتقهم تغيير المفاهيم والقيم التقليدية السائدة. 4- غير أن كل ما تمّ ذكره أعلاه لا يمكن الوصول إليه مادام الرجل مثقلاً بقيم ومفاهيم تقليدية تكبّل تطلعاته إن كان يصبو فعلاً لتحرر المرأة وضرورة مشاركتها له في الحياة بكل تجلياتها وأبعادها. فالرجل في المجتمعات الشرقية ومنها العربية- الإسلامية شئنا أم أبينا متخم إن جاز التعبير بموروث ديني واجتماعي يمنحه كل السلطات مقابل سجن المرأة أبداً في شرنقة التبعية له، وبالتالي نراه إمّا لا يريد وعن قناعة متجذّرة في وعيه ولا وعيه التخلي عن تلك السلطة التي فوّضته القوامة والولاية على النساء مما يمنحه إحساس أزلي بأنه ملك غير متوّج في كل مناحي الحياة الاجتماعية والدينية والسياسية والقانونية ووو ... الخ، بحيث يغدو من الصعوبة البالغة جداً إقناعه بحق المرأة في مساواتها أو ضرورة مشاركتها له مسيرة الحياة. أمّا في حال أراد الرجل واقتنع بأهمية دور المرأة وضرورة مساواتها له في الحقوق والواجبات كإنسانة كاملة الأهلية والوعي الذي يؤهلها لذلك، فإننا نجده غالباً ما يتبنى جميع الأفكار والرؤى الداعمة للمرأة، ويعمل جاهداً على محاولة نشرها في المجتمع من خلال مناقشاته المطوّلة سواء في أوساط النساء خاصة الناشطات في مجال حقوق المرأة، أو في أوساط المثقفين أمثاله، وكذلك في تعامله مع أخواته وزميلاته وصديقاته. لكن، وحين تقتضي الضرورة والواقع منه اتخاذ موقف جديّ وحقيقي تراه يتخبط حيناً في اتخاذ قرار جريء وحاسم نتيجة تقييده بالموروث الذي حمّلته إياه التربية على كافة المستويات، وحيناً آخر يتخاذل ويتراجع عن جميع آرائه وطروحاته السابقة بحجة وذريعة أنه لا يستطيع الخروج على قيم المجتمع، لأنه إن فعل فسيغدو منبوذاً فاقد الرجولة، وهو ولا شك صادق في هذا إلى حدٍّ ما، وذلك إمّا لأن قناعاته الأولى عن تحرر ومساواة المرأة غير متجذّرة ولا أصيلة في فكره ولا وعيه، وبالتالي كانت مجرد تنطّح ظاهري يتيح له التميّز والظهور ليس إلاّ، أو لأنه عاجز وخائف من مواجهة وخسران المجتمع بمختلف سلطاته وقيمه رغم صدق قناعاته تجاه مسألة تحرر ومساواة وحقوق المرأة. من هنا، ومن كل ما تقدم، نجد أن كل الجهود المبذولة في السعي لتحرر المرأة ووصولها إلى حقوقها المهدورة كافة، يجب أن تتوجه بالقدر ذاته، بل وأكثر إلى تحرير الرجل المُثقل والمقيّد بموروث ينبذه إذا ما تجرأ عليه في تعامله مع مثل تلك القضايا، وهذا ما هو مطلوب من الدولة والمجتمع المدني بكافة هيئاته ومؤسساته. غير أن ذلك لا يمكن الوصول إليه إلاّ عبر تبني الأجيال الجديدة من الشباب ثقافة حقيقية متجذّرة وأصيلة في نظرتها لقضايا ومشاكل المرأة، وضرورة مساواتها للرجل في الحقوق والواجبات، وقبل كل هذا، تبني ثقافة تربوية جريئة وفعّالة مغايرة للسائد من حيث تخليها عن جميع القيم والعادات البالية التي تعزز التمييز والعنف ضدّ النساء في المجتمع الذي لا يمكنه الوصول لتحرره إلاّ بتحرر جنسيه معاً(المرأة والرجل)
#إيمان_أحمد_ونوس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سوريا وأطفالها في نفق مظلم
-
الاستثمار في النساء يحفّز التنمية..!!*
-
المرأة تحارب خطط صندوق النقد الدولي
-
لا تُبنى الأوطان إلاّ بسواعد شبابها
-
عيوب الماضي مناقضة لمفاهيم الحاضر
-
طاقات الشباب بين متاهات العولمة... والواقع
-
الرجولة.. مفاهيم أم مواقف..؟
-
ما بين الحاجة والواقع المرأة عماد اقتصاد الأسرة
-
نساء سوريا طرّزن وشاح الجلاء وتحملن اليوم أسمال الحرب
-
التحوّلات السياسية الطارئة وآثارها على المرأة
-
البطالة والفقر والتهميش تخلق مناخات العنف والإرهاب
-
الشرعة الدولية واتفاقياتها ومعاهداتها في مهب رياح الأزمة الس
...
-
أمراء السعودية يشرّعون الاتجار بالقاصرات السوريات
-
قرار أممي جائر بحق اللاجئين السوريين في الخارج
-
الحكومة تعتمد جيوبنا المهترئة رافداً أساسياً لخزينتها.
-
منظمات المجتمع المدني(الأهلي) ضرورة هامة للارتقاء بالمجتمع و
...
-
هل انفرط عقد السوريين الاجتماعي..؟
-
التعاطف الإنساني الاجتماعي
-
التعاطف الإنساني الاجتماعي ترياق الأزمات ومرارة الواقع
-
ما الإعمار في وطن أبناؤه مهشَّمون ومهمّشون..؟
المزيد.....
-
تفاصيل صادمة.. شاهد كيف وصفت ممرضة فلسطينية إخلاء إسرائيل مس
...
-
الادعاء الأمريكي: إدانة رجل أحرق امرأة حتى الموت في قطار أنف
...
-
نضال الكلمة السورية من قلب المعتقلات إلى فضاء الشهرة
-
مصر.. تحذير جديد من عقار يؤدي للاغتصاب
-
مقتل امرأة بحادثة طعن في إسرائيل
-
نجم الأهلي السعودي يفاجئ صديقته بطلب الزواج في الملعب (صورة)
...
-
المغرب: تقييد تعدد الزوجات يثير ضجة
-
منحة المرأة الماكثة بالبيت بالجزائر anem.dz شروط التقديم وخط
...
-
السجنة 15 عاما لامرأة متهمة بالخيانة في القرم
-
العثور على رفات 100 امرأة وطفل كردي في مقبرة جماعية بالعراق
...
المزيد.....
-
الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات
/ ريتا فرج
-
واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء
/ ابراهيم محمد جبريل
-
الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات
/ بربارة أيرينريش
-
المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي
/ ابراهيم محمد جبريل
-
بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية
/ حنان سالم
-
قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق
/ بلسم مصطفى
-
مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية
/ رابطة المرأة العراقية
-
اضطهاد النساء مقاربة نقدية
/ رضا الظاهر
-
تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل
...
/ رابطة المرأة العراقية
-
وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن
...
/ أنس رحيمي
المزيد.....
|