|
الأساس الروحانى لحقوق الإنسان-وجهة نظر بهائية2-6
راندا شوقى الحمامصى
الحوار المتمدن-العدد: 5039 - 2016 / 1 / 9 - 22:10
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
إن حقوق الإنسان تجد مصدرها في السنن الدينية العظيمة، فإنه ليس من المستغرب أن كاتب المسودة الأصلية للإعلان العالمى لحقوق الإنسان (UDHR)، رينيه كاسين من فرنسا، يكشف في سيرته الذاتية أن كلمة "حقوق" التى إقترحها قد تتبّع أثر أصولها إلى الوصايا العشرة. فالوصايا، بطبيعة الحال، ليست مدنية وأخلاقية فقط ولكنها أيضا قوانين روحية. فالمربون المُوحى إليهم و الذين ندين لهم بتراثنا الروحي أوجدوا سنناً هى التي قد أرشدت المجتمع البشري لآلاف السنين. و يسجل التاريخ بأنه من عصر إلى عصر قد تكلم المستنيرون وصبغوا الجنس البشري بوعي موسّع و نفخوا فيه معرفة إلهية أرفع. و كما قد لاحظنا، فإن خلف التنوع المذهل من السنن التي نمت فهناك يكمن أساسا مشتركا يتجلى في تعاليمهم الكونية و الأخروية واللاهوتية - تعاليم عن أصولنا، مصائرنا، وطبيعة الإلهى. و مرة أخرى يجب أن نؤكد على الوعى الحقيقى الذى منه تنبع حقوق الإنسان: فالأشكال كثيرة ولكن الجوهر واحد. وتتمحور هذه الوحدة الضمنية ببلاغة في النظم الأخلاقية لأديان مختلفة، كما في التعاليم التي تقول يجب أن نعامل الآخرين كما نرغب أنفسنا أن نُعامل، و المعروفة باسم "القاعدة الذهبية The Golden Rule" التى وُجدت في صيغ مختلفة، في ماهابهاراتا الهندوس، والتلمود اليهودي، و داديستانى دينيك الزرادشتى، و أدانا فارقا البوذى، و إنجيل القديس متى المسيحى، والحديث الشريف الإسلامي، و في الكلمات الفردوسية لحضرة بهاءالله: "لا تفعل فى الآخرين ما لا ترغب فعله فى نفسك، و تمنى للآخرين أيضا ما ترغب فيه و ترِدْه لنفسك، فهذا كل الدهارما". - ماهابهاراتا (الهندوسية). "ما هو مكروه لك، لا تفعله لجارك: هذا هو كل التوراة، والباقي هو التفسير." - التلمود (اليهودية). "تلك طبيعة حسنة فقط عندما سوف لا تفعل فى آخر أى شئ سئ بالنسبة لذات نفسه." داديستانى دينيك (الزرادشتية) "ما دام للآخرين، هو ما لكل واحد لنفسه، والنفس عزيزة، إذن دع الذي يرغب فى مصلحته الخاصة لا يضر آخراً." أودانا فارقا - - (البوذية). "فَكُلُّ مَا تُرِيدُونَ أَنْ يَفْعَلَ النَّاسُ بِكُمُ افْعَلُوا هكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا بِهِمْ، لأَنَّ هذَا هُوَ النَّامُوسُ وَالأَنْبِيَاءُ." – إنجيل متى (المسيحية). "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه". - حديث شريف (الإسلام). "يَا ابْنَ الإِنْسَانِ لَوْ تَكُونُ نَاظِرَاً إِلَى الْفَضْلِ ضَعْ مَا يَنْفَعُكَ وَخُذْ مَا يِنْتَفِعُ بِهِ الْعِبَادُ وَإِنْ تَكُنْ نَاظِرَاً إِلَى الْعَدْلِ اخْتَرْ لِدُونِكَ مَا تَخْتَارُهُ لِنَفْسِكَ." - الكلمات الفردوسية (البهائية). إضافة الى أنها تُبقى على إستدامة السلوك الأخلاقي، فإن جانباً محفزاً للسلام يمتد من خلال هذه السنن العظيمة بغض النظر عن مكان ووقت نشوئها. فالقاعدة الذهبية تعبّر أيضا عن جانب من جوانب الوحدة التي هي فضيلة رئيسية للدين - الفضيلة التى بسبب رؤيتنا المتصدعة للتاريخ قد فشلنا في إعلاء قيمتها. ففي رسالة عام 1985 إلى شعوب العالم، "السلام العالمي وعد حق" إستشهد بيت العدل الأعظم مقتبساً شرح حضرة بهاءالله فى أهمية الدين كأساس لحقوق الإنسان: "فقد كتب بهاءالله عن الدّين كعامل اجتماعيّ فعّال قائلاً: "إِنَّه السّبب الأعظم لنَظْم العالم واطمئنان من في الإمكان". وأَشار إلى أُفول شمس الدّين أو فساده بقوله: "فلو احتجب سِراج الدّين لتطرَّق الهرج والمرج وامتنع نَيِّر العدل والإنصاف عن الإشراق وشمسُ الأمن والاطمئنان عن الإِنوار." والآثار البهائيّة تُقرِّر في تَعْدادها وحَصْرها للنتائج المُترتِّبة على مثل هذا الفساد بأنَّ "انحراف الطّبيعة الإنسانيّة، وانحطاط السّلوك الإنسانيّ، وفساد النُّظُم الإنسانيّة وانهيارها، تَظْهر كلّها في مثل هذه الظّروف على أبشع صورة وأكثرها مَدْعَاةً للاشمئزاز. ففي مثل هذه الأحوال ينحطّ الخُلُق الإنسانيّ، وتتزعزع الثّقة، ويتراخى الانتظام، ويَخْرَس الضّمير، ويغيب الخجل والحياء، وتندثر الحشمة والأدب. وتعوجّ مفاهيم الواجب والتّكاتف والوفاء والإخلاص وتَخْمُد تدريجيّاً مشاعر الأمل والرّجاء، والفرح والسّرور، والأمن والسّلام". على مدى العقود القليلة الماضية فإن معرفتنا بأديان العالم، بثرائها وتنوعها، قد نمت بشكل كبير. وقد لعب فرع المعرفة في الدين المقارن دوراً خاصا في زيادة الفهم والتعاطف مع تقاليد دينية مختلفة. و أن حقل الدين المقارن فى صراع الآن مع مسألة كيفية إستيعاب الممارسات الروحية المتباينة تماما داخل نفس الإطار العام للفهم. في الواقع، بناءاً على هذا المسعى فقد تكون الجدوى (قابلية الحياة و النمو) لأخلاقيات عالمية وممارسة حقوق الإنسان. و يجب علينا أن نفهم كيف أن الأديان تتفق فى الأساسيات الروحانية بحيث يمكن أن هذا الوعي يخدم كأساس لقانون ذى سند ديني لحقوق الإنسان. و في هذا الإستخدام، فإن "دينياً" لا تعني أي دين معين، وإنما هى توليفة من أساسيات تشترك فيها الأديان كقواسم مشتركة، مثل ما هو الحال فى القاعدة الذهبية. ويلفريد كانتويل سميث، أحد علماء الدين المقارن، يقول أننا بحاجة إلى النظر في التقاليد الروحية في العالم بطريقة جديدة. و يقترح أنه "لم يعد من الممكن فهم كل دين كنظام ثابت". و علاوة على ذلك، يلاحظ سميث أن التاريخ المتشابك للأديان، وكذلك تقارب و إلتقاء الإنسانية الحديثة في مجتمع واحد، يجعل من المرغوب فيه أن نتحدث عن تاريخ واحد للدين و الذى يوجد فيه فروعاً متعددة. و عالِم آخر، جون هيك، أمّنَ على أن جميع الأديان في العالم تشكل طرقاً مختلفة لخبرة، و تصور، واستجابة لنفس الحقيقة النهائية: "نفس الحقيقة الإلهية النهائية هذه التى تُلمَح من وجهات نظر مختلفة، و يُعرب عنها من داخل تشكيلة غنية من ثقافاتنا البشرية. وعلينا أن نأمل بأن ما كان واضحاً جداً للعديد من العرفانيين من تقاليد مختلفة سوف يتزايد قبوله من قِبل المؤمنين العاديين، وفي نهاية المطاف من قِبل قادتنا الدينيين المهنيين و العقائديين الرسميين". إن النظم الدينية في العالم، تتطور كما قد حدث في أوقات مختلفة وتحت ظروف متنوعة، تجسد ترانيماً عديدة ومتنوعة لإحساس الإنسانية الفطرى لمن هو المتعال. إلا أنها تشترك في الكثير، بما في ذلك التواصل التاريخي الذي أُنتجت فيه الترانيم المختلفة. وقد تم الكثير من العمل لجمع الفكر الدينى المتنوع معاً بما في ذلك الشروع في الحوارات الدينية، وبناء نماذج من التسامح، و فلاحة التسامح الديني، واعتماد أخلاقيات مشتركة لحقوق الإنسان. و هانس كونغ، بشكل مقتضب ولكن مع بلاغة غير قابلة للطعن، إلتقط أهمية التفاهم المشترك بين الأديان بهذه الصيغة: "لا يمكن أن يكون هناك سلام بين الأمم بدون سلام بين الأديان." إن نهج العقيدة البهائية بشأن مسألة وحدة الأخلاقيات و الرؤية قد إنطوت في مفهوم تتابع الظهور التصاعدى التدريجى للأديان. فالأساس لإقامة السلام الدينى وتعزيز حقوق الإنسان هو قبول الوحدة الجوهرية لمؤسسي جميع الأديان. فكل واحد منهم هو وريث و مصدق على من سبقه و مبشر لمن يأتى من بعده. و من خلال هؤلاء الرسل، والذين ظهروا في فترات تاريخية مختلفة وفي مناطق مختلفة على الأرض، فإن الخالق الواحد الحق قد بلّغَ مشيئته و غايته للبشرية، ومنح على التوالي المزيد من فيض الحقيقة الدينية وتكفل بفهم أكمل على الدوام عن الإلهى. ولكن في جذورها و عميق جوهرها فإن الرسالات التى بلغوها هكذا هي واحدة. إنه فقط من خلال إنشاء نظام عالمي لحقوق الإنسان، يتجسد فيه فهم الحقيقة الكامنة و وحدة جميع الأديان، يمكننا أن نأمل في اقامة سلام حقيقي ودائم. فالتحدي الماثل أمامنا هو تعزيز الظروف التي فيها كل أديان العالم يمكن حقا أن تعمل معاً في وئام أكبر، و إنسجام مع مبدأ "وحدة فى تنوع وتنوع فى وحدة." ووفقا لهذا المبدأ فقط يمكن لنظام مشترك من الحقوق والقيم أن يتطور. كما تنبأ به إنجيل القديس لوقا المسيحى: "وَيَأْتُونَ مِنَ الْمَشَارِقِ وَمِنَ الْمَغَارِبِ وَمِنَ الشِّمَالِ وَالْجَنُوبِ، وَيَتَّكِئُونَ فِي مَلَكُوتِ اللهِ." أدرك الملهمون و المفكرون المثقفون من قرون بأن الإنسانية تتمتع بتراث روحى مشترك و الذى يمكن أن يخدم كأداة للوحدة العالمية والتعاون وحقوق الإنسان. فما هو مطلوب هو منهاج عولمى نحو الأديان، يحدد القواسم المشتركة ويرسم الأرض المشتركة. إن مثل هذا التقنين للحقائق المشتركة بين جميع الأديان يشكل قانوناً عالمياً للأخلاقيات يدمج مُجسداً كل ما هو أفضل في رحلة البشرية الروحانية. في النهاية، إن ما تم بحثه هو رؤية موحَّدة ومتكاملة للعالم والتاريخ البشري. وحدة بهذا المعنى ليست فقط سياسية وإجتماعية، أو إقتصادية، بل هي وحدة ضمير ووجدان عميقة الجذور و الأفق والمعتقد.
#راندا_شوقى_الحمامصى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأساس الروحانى لحقوق الإنسان-وجهة نظر بهائية 2-6
-
الأساس الروحانى لحقوق الإنسان - وجهة نظر بهائية 1-6
-
يونس والحوت
-
نظرة على قصة سيدنا نوح وسفينته
-
الوحدة الإنسانية من منظور روحاني3-3
-
الوحدة الإنسانية من منظور روحاني2-3
-
الوحدة الإنسانية من منظور روحاني1-3
-
التحوّل الروحاني للإنسان
-
هل البهائية دين
-
اتركوا التقاليد والموروثات وتحرّوا الحقيقة
-
العلم والدين هما الجذور والأصول والسلف الأساسى والحقيقى للمد
...
-
التعايش بين الأديان
-
الإنسانية اليوم في مرحلة المخاض
-
العدل الركيزة الأساسية لوحدة الجنس البشري2-2
-
العدل الركيزة الأساسية لوحدة الجنس البشري1-2
-
مزج الماديات بالروحانيات لخلق المدنية الإلهية2-2
-
مزج الماديات بالروحانيات لخلق المدنية الإلهية1-2
-
الميزان الصحيح لإدراك حقائق الأشياء
-
لكل أمةٍ أجل ولكل أجلٍ كتاب (7-7) -عبدالبهاء -
-
لكل أمةٍ أجل ولكل أجلٍ كتاب (6-7) - - بهاءالله -
المزيد.....
-
القائد العام لحرس الثورة الاسلامية: قطعا سننتقم من -إسرائيل-
...
-
مقتل 42 شخصا في أحد أعنف الاعتداءات الطائفية في باكستان
-
ماما جابت بيبي..استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة بيبي وتابعو
...
-
المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح
...
-
أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202
...
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|