منال شوقي
الحوار المتمدن-العدد: 5039 - 2016 / 1 / 9 - 10:53
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ردا علي مقولة الإسلام صالح لكل زمان و مكان و في محاولة لتطبيقها علي أرض الواقع في عصرنا لنختبر مدي صلاحية الأحكام الإلهية و التشريعات السماوية للعصر الحالي في ظل التقدم المعرفي و التكنولوجي و الوعي الإخلاقي و كذا نمو الضمير الجمعي .
و بالتأكيد لن يتسع المقام لمناقشة مدي ملائمة التطبيق العملي لدين ما و ليكن الإسلام كمنهج حياة و مرجعية أولي و أخيرة في كل ما يخص حياة البشر .
ففي القرأن ( والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ) أي ثلاثة أشهر بثلاث حيضات سواء أكانت الزوجة تعيش بالفعل مع زوجها أو منفصلة عنه لسنوات لسفره أو لخلافات بينهما , فما الداعي لهكذا تشريع إن لم تكن في الاساس فرصة لكونها حاملا ؟
ثم بالنظر لهذا التشريع في عصرنا و في ظل التقدم الطبي الكبير الذي يسمح بالجزم يقينا عما إذا كانت المرأة حاملا أم لا عن طريق إختبار في الدم أسـأل ماذا يفيد هنا و ما غاية انتظارها لثلاثة دورات شهرية ؟
لقد كان تشريعا كهذا مناسبا جدا لعصره حيث البيئة الصحراوية الخالية من المعامل الطبية و المعرفة العلمية التي نشهدها .
و في مسألة اللعان , و اللعان شرعا شهادات مؤكدات بالأيمان، مقرونة باللعن من جهة الزوج وبالغضب من جهة الزوجة، قائمة مقام حد القذف في حق الزوج، ومقام حد الزنى في حق الزوجة. وسُمِّي اللعان بذلك؛ لقول الرجل في الخامسة: أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ولأن أحدهما كاذب لا محالة، فيكون ملعونا و دليله في القرأن :وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ..
و الغرض منه و وجه الخير فيه الا يلحق الرجل ولد غيره و هنا أجدني - رغما عني - أقارن بين اللعان الإسلامي و مدي فعاليته و بين تحليل ال DNA الذي يثبت أو ينفي بنسبة 100% بنوة الطفل لرجل بعينه .
ثم أنه من ضرورات الحياة الأن أن تعمل المرأة و كثير من الأزواج يتشاركون نفقات الحياة بالحيثية التي معها لا يستطيع الرجل بمفرده أن يلتزم بمتطلبات المعيشة المتقشفة منها حتي بمفرده , هذا فضلا عن أن نسبة غير قليلة من الأسر تعولها امرأة بمفردها , في مصر وصلت النسبة لحوالي 40% فما موقع الأية ( الرجال قوامون علي النساء بما فضل الله بعضهم علي بعض و بما أنفقوا ) أتكون الأفضلية في تلك الحالة للمرأة إذا كان مرتبها أعلي و بالتالي هي الأكثر إنفاقا ؟
لقد كان هذا الحكم و تلك النظرة المتدنية للمرأة نتيجة وضع الإعتمادية الكامل للمرأة علي الرجل في قوتها و ملبسها و مسكنها حيث كانت الأعمال اليدوية التي تحتاج للمجهود العضلي هي مصدر الكسب الوحيد كالزراعة و الصناعات البسيطة و الرعي و التجارة , فهل مازالت تلك الحرف في عصرنا هي المصدر الوحيد لأكل العيش ؟
بالطبع لا , بل الواقع يقول الأن أنه كلما كان العمل عقليا ذهنيا كلما ارتفع شأنه و اجره في مقابل العمل العضلي و الذي لا يحتاج لكثير تفكير و ابتكار و قدرات عقلية .
ثم ان التقدم التكنولوجي جاء ليفسح للمرأة مكانا في مجالات العمل اليدوية التي تستلزم قوة عضلية حلت محلها الأله و ليس أدل علي ذلك من الجرار الزراعي الذي تقوده المرأة بكفاءة لا تقل ابدا عن كفاءة الرجل .
و في قوله ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون )
و بتطبيقك لهكذا حكم إسلامي اليوم فأنت تجرد كل من لا يدين بدينك من وطنه و إنتماءه إذ ان الغاية من الأية كانت حماية الذمي و ممتلكاته من الأعداء الذين قد يغيرون عليه باعتبار انهم لم يكن مسموحا لهم الإلتحاق بجيوش المسلمين , فما هو الحال إن أنت طبقت ذلك الأن و أي وحدة وطنية تتحدث عنها و أنت تنزع الوطن من داخل كل ذمي !
و أي ألفة و محبة و احترام متبادل إن كان القرأن نفسه قد حدد بشكل صريح شرط تذلل الذمي عند دفع الجزية للمسلم !
و قوله ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم ) و تخيل ألاف من المعاقين مبتوري اليد و الذين سيشكلون عبئا جسيما علي حكومة البلد الذي تطبق هذا الحكم فأي عملا شريفا سيجد اللص السابق ذو اليد المبتورة ؟
ألن تتكفل به الدولة ؟ أليس من الأفضل أن يوضع في السجن لفترة ما يتم تأهيله خلالها نفسيا و مهنيا لعمل شريف يتقوت منه بعد انتهاء مدة عقوبته ؟
ثم نأتي لمسألة تحريم التبني و لست في حاجة للاستشهاد بأطفال الشوارع و لا بالمعاملة السيئة التي يلقاها الاطفال في الملاجئ و المقارنة بين كارثة انسانية كتلك و بين السماح بتبني طفلا يكون من أهل البيت شكلا و موضوعا , فماذا كانت العلة الإسلامية في تحريم التبني ؟
يقولون حتي لا تختلط الانساب و قد امرنا الله بحفظ انسابنا و لكيلا يرث المُتبني و لدرأ محرمات كالرؤية و المصافحة و ما الي ذلك .
و لا أعلم أي اختلاط للانساب قد يُضير الله هنا ؟ هل يخشي أن يتزوج المُتبني أخته أو امه بالتبني مثلا ؟ أم ان الله سيتضايق إن لم يتزوج شاب مُتبني من أخته في التبني و قد كان يجوز لهما إن لم يكن أبويها قد تبنياه ؟!
ما المشكلة هنا في أن يتزوج من أخري و قد نشأ علي اعتبار أخته في التبني أختا حقيقية له ؟ ألا يوجد غيرها ؟ هل البشرية ستصبح مهددة بالإنقراض مثلا ؟
ثم إن الأطفال الذين ينشأون علي أنهم أخوة يصبحون كذالك فعلا و لا تقل ابدا عاطفة الاخوة عندهم عنها في الاخوة بالدم فأي أحقاد قد تنشأ بينهم بسبب احقية اخيهم بالتبني في الميراث و قد نشئوا معه و تجمعهم به ذكريات و حياة كاملة !
هذا فضلا عن أن التبني محرما حتي علي من لا ولد له و لا بنت وبالتالي فالخوف من ضياع الانساب و الخلاف علي الميراث ليس مطروحا من الاساس .
اما عن الرؤية و المصافحة و ما الي ذلك فأذكر هنا أن عاطفة الابوة و الامومة و البنوة تنمو منذ لحظة تبني الطفل و تكبر معه و الإنسان السوي لن ينظر بعين الشهوة لإبنته أو ابنه حتي و لو كان مُتبي فقد رأه يكبر أمامه يناديه أبي أو أمي و دارت بينهما أحداثا كتلك التي تدور بين الاب و ابنته و الام و ابنها فضلا عن أن ( زنا المحارم ) و هو ليس نادرا بالمناسبة خير دليل علي أن رابطة الدم ليست كافية و لا تصلح لنعول عليها كمانع يمنع ابا من الاعتداء علي ابنته او اخا من الاعتداء علي اخته او امه
و اذا قارنا المصلحة التي يرجوها المُشرع من تحريم التبني مع اضراره فخذ عندك اطفال الشوارع وهم في مصر مثلا بالملايين يعيشون كالكلاب الضالة تحت سمعنا و بصرنا و كيف كان حالهم سيكون اذا كانت القوانين عندنا تسمح بالتبني كالصين و دول الاتحاد السوفيتي سابقا و التي تسمح بتبني الاطفال الذين ليس لهم عائل لعائلات في دول اخري كالولايات المتحدة و كندا و بعض دول اوربا و قارن حال طفل الشوارع الذي يأكل من القمامة و يفترش الارض و يمرض فلا يجد من يرعاه و ينحرف فيصبح شمام كُله و لص و قاتل و مغتصب عندما يكبر بطفل صيني تبنته عائلة كندية فوفرت له الطعام الادمي و الرعاية الصحية و التعليم ليصبح إنسانا ناجحا سويا تتقي - علي الاقل - الشرية شره ان هو تربي في الشارع و للعلم فإن ستيف جوبز مؤسس شركة أبل كان إبنا بالتبني لعائلة أمريكية بعد أن تخلي عنه والده السوري و أستطيع أن أتخيل المستقبل الذي كان ينتظره إن كان قد وُلد في مصر و ليس في أمريكا التي لا تُحرم التبني .
و أخيرا و ليس أخرا , هل منع تحريم التبني إغتصاب أطفال الشوارع ؟
هل منع الإعتداء عليهم بدنيا و نفسيا في الملاجئ ؟
كيف هي حياة اللقيط ربيب الملجأ بعد أن يكبر و يخرج للحياة بلا عائلة ؟
.
عفوا يا سادة فقليل من المنطق يقول أن لكل عصر ظروفه و أحواله التي يجب أن توضع في الاعتبار قبل أن نقرر بالكلام المجوف الخالي من أي دليل أن قوانين و تشريعات وُضِعت للبدو من 1400 عام تصلح لأن نطبقها اليوم و إلا فلا تغش و لا تلعب علي الحبلين و عش كما عاش هؤلاء تماما و بالحرف و أترك استخدام كل ما جد و لا ينتمي لعصر نزول القرأن و كفاكم محاولات بائسة لتفصيل فتاوي علي مقاس القرأن لم يُنزل ربكم بها من سلطان .
#منال_شوقي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟