|
مش عيب يا محمد !
فيحاء السامرائي
الحوار المتمدن-العدد: 5039 - 2016 / 1 / 9 - 02:18
المحور:
الادب والفن
مش عيب يا محمد!
ننوء بحمل همٍّ ثقيلٍ حين يطلب منّا الدكتور الجامعي المصري- البريطاني، كتابة بحث عن أديب نختاره من بين شعراء أو روائيين أو كتّاب أجانب..لم تتوفر لدينا آنذاك شبكة معلومات ألكترونية، نعتمد على الكتاب كمصدر وحيد لإنجاز دراستنا، نبحث عنه في مكتبة الجامعة أو المركز البريطاني، نجده أحياناً في سوق الكتب المستعملة في (السراي)، المتنبي حالياً..نشرع في حملتنا المعرفية وجلين قلقين، ماعدا طالب واحد اسمه محمد خمّيس، يغيظنا بهدوئه واستهانته بالحدث الجلل..يناول الدكتور ملفاً ضخماً بعد وقت قصير..نجوب بنظراتنا بين وجه زاهٍ لزميلنا محمد، وبين دهشة غير مفهومة على محيّا أستاذنا المتشدد، نلمحها تتحول تدريجياً الى سخرية رصينة: - كويّس يابني..أهنئك على أبرع نسيج حكْته من خيوط غيرك. لم نفهم مغزى تعليق أستاذنا حتى يوم نستلم فيه نتائج دراساتنا مع ملاحظاته..يخبر زميلنا، الذي يخيّل اليه أنه باحث همام وأديب مقدام، بأن ما يكتبه هو لغو رث لا بحث، ونقل محض لا نقد. - ستحصل على ألقاب كثيرة، مثل بطل "الترهيم" والـ "اللطش"، ملك الدمج والتركيب، سيد النسخ واللصق، ولكن في البحث، ستحصل على درجة صفر. يبلغنا أستاذنا لاحقاً ما ينطبع في أدمغتنا الغضة لليوم، يعلّمنا أن نكتب ما نفكر به بأسلوبنا، بجهدنا، بأصالة، بصدق..تأثرنا بغيرنا لا يحول دون بلورتنا آراؤنا بكلمات، البحث ليس نسخنا لكلمات آخرين وإقحامها في دراستنا لأن ذلك سيتضحّ جلياً حينما نضيف جملاً باسلوبنا، بأخطاءنا الإملائية، النحوية، ببناءها، تركيبها، سيتبين الفرق بين ما نكتب وبين ماننقله من الباحثين الأصليين من مصطلحات خاصة، أما التنويه الى نص لهم " بين قوسين" بين فترة وأخرى، لايشفع لنا لو نقحم في دراستنا مقاطع كاملة من جهدهم دون الاشارة الى مصادرها. - لكن هذا تناص يادكتور - ده - تلاص- يامحمد مش تناص..طيب انقل مفردة، فكرة، جملة، معلش..لكن فقرات كاملة، نصوص كلية داخل نص، ده أبعد من مفهوم الاقتباس والتضمين..أختشي شويه يا محمد..دي صفحتين بقلمك والباقي من الكتب، حرام عليك، مش كده، انت فاهم غلط. التناص أو التعالق النصي، معابثة الذاكرة، توارد الأفكار، تفاعل نص مع نص آخر، هو عملية لا واعية وايجابية لاغنى لها أحياناً في نقل الموروث..يزيد الاستاذ. شيء ممكن ومتاح أخلاقياً، أن نتبع منهج مدرسة أو قواعدها، نطبق عليها بحثنا باسلوبنا، نقتبس منها ونضمّن..أما أن ننقل عبارات، كلمات، آليات، نستولي على جزء من مؤلف ما، نستعين به لتكملة ما نريد كتابته، ننسب جزءاً من نتاج فكرى إلينا، ندّعي ملكية أفكار ونصوص لآخرين، نذوب فيها باعتبارنا من ألّفها دون الاشارة الى أصحابها، ودون تكليف نفسنا إعادة صياغتها، فذلك خروج عن حدود التناص، عن الابداع، المحاكاة، التقليد، التأثر، بالتالي ما نفعله يسمى سرقة..من غير المعقول أن تكون ثمة سرقة بيضاء وأخرى غير بيضاء كما لايمكن أن يكون هناك كذب حلو وكذب قبيح، خداع حريري وخداع خشن. اللافت، أن التناص أو حتى "السرقات" الأدبية ظاهرة قديمة حديثة، تقترن بالانسان ويشترك فيها شعراء وناثرو معظم الشعوب..وعلى سبيل المثال أخذ المتنبي من أرسطو قوله: (العقل سبب تنغيص العيش) وضمنّه في بيته المعروف: (ذو العقل يشقى في النعيم بعقله)..استعار اليوت من وليم وردزورث وسبنسر وشعراء عرب بدعوى ربط الحاضر بالماضي وإظهاره للوجود ثانية وتطويره..في حين ذهب الشاعر الإنجليزي شيلي الى القول بأن: (الفن عرَق وجهاد شاق). لا يعيب المرء شيئاً عدم امتلاكه موهبة وقدرة على الكتابة، ربما يعوض ذلك بأفكار نيّرة، بثقافة وإطلاع..ليس لزاماً على كل الناس أن يكونوا أدباء، شأنهم لن يعلو لو يصنفوا ضمن قائمة الكتاّب أو الشعراء. يبدو على نحو ساطع موجع، بأن الجهد الفكري أصبح أسهل من عمل "زلاطة" مركبّة راهناً، صرنا نرى روائيون يكتبون أكثر من روايتين في سنة واحدة، شعراء يدبّجون دواوين شعر، يستقون كلماتها من أخرين محوّرين مزيدين، كتّاب ينشرون مقالات يومية، غابة من النتاجات سمينة وغثة..الغريب أن يحظى نجوم سرقات أدبية راهناً بتبجيل واحترام لم يظفر به مبدعون حقيقيون، نجد جمهوراً كثيراً يثني عليهم ويبارك من دون تمييز أو تمحّص، ربما دون أن يقرأ ما ينتج هؤلاء، آخذاً بالحسبان علاقات اجتماعية، منبهراً بطلاسم غير منسقة مبثوثة فيها مصطلحات كبيرة، يُعجب بها خشية اتهام بالجهل..أما الأصوات الصادقة الأثيلة تبقى نادرة مترفعة. أسفي..كل شيء تقوّض وتخرّب اليوم، كل شيء أصبح متاحاً للنهب، للسرقة، للفساد..البلد والجسد والوعد.. "بُقَتْ" على الأدب يا محمد.
#فيحاء_السامرائي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
(عشاء مع صدام)........مزاوجة بين السياسة والاستخفاف
-
تلويحة وفاء
-
-غودو- الهزلي ، رؤية إخراجية جديدة
-
الى من يهمه العمر
-
على معبر بْزيبيز
-
العراق الى أين؟ الحلقات الدراسية للجنة تنسيق التيار الديمقرا
...
-
رواية -أنا ونامق سبنسر- أرشفة ذاكرة ومشتقات حياة
-
-تكفير ذبيح الله- رواشم سردية على قرابين بشرية
-
نضوب
-
يوم عادي
-
حصار الرصد الواقعي فيما سرده لنا الجبل
-
رثاثة
-
على الأرض السلام
-
هنا خازر (من أوراق نازحة)
-
عائلة الياسمين والمسرح
-
- خبال - علمي
-
إمرأة للدهشة
-
كراسي في استراحة
-
أحزان الدم
-
شيء من ذلك
المزيد.....
-
-كأنك يا أبو زيد ما غزيت-.. فنانون سجلوا حضورهم في دمشق وغاد
...
-
أطفالهم لا يتحدثون العربية.. سوريون عائدون من تركيا يواجهون
...
-
بين القنابل والكتب.. آثار الحرب على الطلاب اللبنانيين
-
بعد جماهير بايرن ميونخ.. هجوم جديد على الخليفي بـ-اللغة العر
...
-
دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
-
-الخرطوم-..فيلم وثائقي يرصد معاناة الحرب في السودان
-
-الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
-
فيلم -الحائط الرابع-: القوة السامية للفن في زمن الحرب
-
أول ناد غنائي للرجال فقط في تونس يعالج الضغوط بالموسيقى
-
إصدارات جديدة للكاتب العراقي مجيد الكفائي
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|