ميساء البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 5038 - 2016 / 1 / 8 - 22:49
المحور:
الادب والفن
إني أرفضكم
خذوا هواءكم العكر عني .. خذوا موجات التصفيق البلهاء والشعارات المدوية .. خذوا علامات الاستنكار وملامح الاستهجان والاستفهام والتعجب .. خذوا قصائد النحيب والعويل واللطم على خديِّ التاريخ .. خذوا كل شيء عني ودَعُوني .. إني أرفضكم .
ماذا لو أني أُضِفتُ رقماً مبهماً في عِداد الأموات ؟! ماذا لو أنهم قالوا هنا يرقد ضريح هذا الغريب ، المجهول ، المسكون بكل الأرواح والأشباح ؟! ماذا لو قالوا أيضاً إن روحه كانت تزأر عند كل مساء ؛ فتتزلزل في داخلها براكين الغضب ، وتنفث رياحها السوداء على وجه الغيم ؛ فتسقط شظايا من مطر ؟
هل أخيفكم أنا ؟ هل يخيفكم وجهي المحترق حين يطلُّ عليكم من نوافذ الأخبار ؟ هل تخيفكم ملامحي الذائبة ، المتآكلة من عوامل المد والجزر على شطآن الهلاك ؟
إني أرفضكم .. قلبي المحاصر بين هذه الضلوع المهشمة يرفضكم .. عينايّ الغائرتان المنغمستان في وحل الدموع ترفضكم .. بقايا أناتي المتيبسة والمتجذرة في قاع هذا القلب ترفضكم .. خثرات الدم الرابضة في شراييني ترفضكم .. صوتي ، همسي ، نشيدي ، دعائي ، بكائي ، صلاتي ، كلها ترفضكم .
هُجِّرت من بيتي ؛ فألبسوتني خيمة!
نُفيت من أرضي .. من تل الزعتر والياسمين .. من حدائق بابل وعشتار ؛ فَسَرحتُ في الوديان الجرداء .. تسلقتُ الهضاب العارية .. اعتليتُ متاريس القمم .. تشردتُ في صحاري الدنيا .. شربتُ من ماء المطر .
لا زمزم لكم يا سادة .. لا معبود لكم سوى تماثيل هبل !
فلماذا بعد كل هذا أنا لا أرفضكم ؟!
تشيحون بوجوهكم إن لاحت لكم من بعيد إحدى صوري .. تتمتمون بازدراء فاضح .. تضحكون كمن مسته الشياطين .. تقهقهون من غلٍّ دفين .. وتنغمسون في رذائل القول والفعل .. تهللون لأجنة الغدر .. تكبرون لفضاءات من العار والخزيِّ .. وتقدسون الطعن من الظهر والعنق .. ثم تصرحون : إنه ينطق عن الهوى .
إني أرفضكم .. خذوا هواءكم الفاسد عني ودعوني أرتدي الكفن .. فلتغب وجوهكم الكالحة عني .. لتختفِ عن ناظري .. لا أريد لعيني أن تكون صوركم آخر ما تراه .. اغربوا عن وجهي ولا تتلوا على روحي آيات الذكر الحكيم .. بل اتلوا على أنفسكم سورة الفلق .
إني أرفضكم
#ميساء_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟