أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - مذبحة 2016














المزيد.....

مذبحة 2016


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5038 - 2016 / 1 / 8 - 00:28
المحور: الادب والفن
    


مع مطلع كل عام جديد أقوم بأكبر جريمة خيانة أكررُها كل عام. أندمُ عليها بضعة أيام، أو أسابيع، وربما شهور، شأنَ كل مجرم، وكل خائن، وأنا أهمس لنفسي: “لن أكرر جريمتي، الخيانةُ لا تليق بي!" ثم لا ألبثُ أن أفكر في معاودتها، مع نهاية العام، وأخطط لها جيدًا، شأن عتاة المجرمين، ثم أنفّذ الجريمة بدقة وبقلب بارد، مع الساعات الأخيرة من كل عام.
ولأنني أكتبُ مقالي للاعتراف والتطهّر، ونشدانًا للغفران، أسوق لكم قصة طريفة تُنبئ عن الخبر.
ذهب "جورج برنارد شو"، الكاتب الأيرلندي الجميل، إلى مكتبة لبيع الكتب المستعملة، فوقع بصرُه على أحد كتب مسرحياته القديمة. فتح الكتابَ؛ فتذّكر على الفور حكاية تلك النسخة. كان قد أهداها إلى أحد أصدقائه، وكتب بخط يده إهداءً يقول: "إلى مَن قدّر الكلمةَ الحرّةَ حقَّ قدرها، إلى صديقي العزيز، مع أحرّ تحيات برنارد شو."
اشترى شو النسخة، ثم كتب تحت الإهداء الأول، إهداءً جديدًا يقول: "جورج برنارد شو يجدِّد تحياتِه الحارةَ إلى الصديق العزيز، الذي يقدّر الكلمةَ حقَّ قدرها." ثم أرسل الكتاب بالبريد المسجّل إلى الصديق "الخائن".
خائن! هل قلتُ: خائن؟! إذن أنا أحد الخونة العُتاة في درب الخيانة، إذا ما اتفقنا أن التخلص من الكتب المقروءة خيانةٌ. هي خيانةٌ دون شكّ لكن تبًّا لضيق الأمكنة وأنين المكتبات تحت وطأة ما تحمل من كنوزٍ وأفكار ورؤى ونظريات وفلسفات وجنون! ليس بوسع الإنسان أن يحتفظ بكل ما قرأ من كتب، وبما يجب ألا يخلو منه بيتٌ من أمّهات الكتب وعيونها. لابد أن يسكن الإنسانُ قصرًا منيفًا، يخصص قبوَه الواسعَ لهذا الكنز النابض الحيّ: الكتب.
الشاعر المصري شعبان يوسف كتب قبل أعوام مقالا طريفًا عنوانه: "إهداءاتٌ على الرصيف". رصد فيها عشرات الكتب التي أصدرها أصدقاؤنا أدباءُ مصرَ وشعراؤها، وأهدوها إلى أصدقائهم من أدباء مصرَ وشعرائها، لكن المُهدَى إليهم تخلّصوا من الكتب، ربما بعد قراءتها، وربما قبل ذلك، فكان مصيرَها "سورُ الأزبكية"، الشهير ببيع الكتب المستعملة، حيث عثر عليها صديقنا الشاعر، فقرر، في دعابة قاسية، أن يفضح الخونة. سكنني الرعبُ ورحتُ أفكّر في كل كتابٍ خرج من مكتبتي ولم يعد! تُرى في يد مَن الآن؟ تُرى متى أرى اسمي في مقال "يفضح خيانتي"؟ ومَن بدوره "خانني" وتخلّص من كتاب أهديتُه له ويرى عابرٌ إهدائي مُلقًى على الرصيف؟
وبعيدًا عن تلك النظرة الرومانتيكية للأمور، وبعيدًا عن الذات المتضخمة لدى الأدباء ورفضهم أن يتم التخلص من كتبهم تحت أي شرط، كأنما يرى كلُّ كاتب كتابَه "سِفرَ الأسفار"، دعونا نعيد الأشياءَ إلى أسمائها الأولى. الكتابُ: يُكتَب لكي يُقرأ. فيصبح زائدًا عن حاجة قارئه، لكنه يظلُّ "حاجةً ماسّةً"، لمن لم يقرأه. فلماذا يقبع "ميّتًا" في مكتبة مكدّسة، بينما يحقّ له أن يطير ليسكنَ مكتبةً شاغرةً في بيت قارئ جديد ينتظرُ أن تعمرَ بيتَه الكتبُ، وعقلَه نورُ الكتب؟
كان لابد من ارتكاب جريمتي، وتنفيذ مذبحة 2016 لأفسح مكانًا بمكتبتي لمجموعة "مثنوي"، بأجزائها الستة الضخمة، لمولانا جلال الدين الرومي التي اشتريتها مؤخرًا من المركز القومي للترجمة في يوم المترجم.
الحقَّ أقولُ لكم: أقيموا مذابحَكم، وخونوا الكُتّابَ والكتبَ، وأهدوا ما قرأتم لغيركم.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنتم تحاكمون الخيال!! 2/1
- شجرةٌ صنوبر وشيءٌ من الفرح
- دبي الجميلة.... سلامتك!
- أسوأ صورة في 2015
- قُبلةُ حبيبي
- الموءودة
- كيف قرأ الغيطاني الخديوي إسماعيل
- مثل الزهور سرعان ما يذبل
- شهاداتُ الفارس محمد أيمن
- داعش أمام المحكمة الأوزورية
- الغيطاني ونوبل
- حينما الفقرُ والبطالة طريقُك للبرلمان
- هذا نجيب محفوظ، وهذه جدتي
- نجيب محفوظ... لقاء أول... لقاء أخير
- أسعد امرأة في العالم
- ضد مجهول ضد الإنسانية
- المرأة وخلط الدين بالسياسة
- حكاية الرجل الشرير
- في ذكراها الأولى: صباح الخير يا صبوحة
- إنهم يكرهون المادة 53


المزيد.....




- قبل إيطاليا بقرون.. الفوكاتشا تقليد خبز قديم يعود لبلاد الهل ...
- ميركل: بوتين يجيد اللغة الألمانية أكثر مما أجيد أنا الروسية ...
- حفل توقيع جماعي لكتاب بصريين
- عبجي : ألبوم -كارنيه دي فوياج- رحلة موسيقية مستوحاة من أسفار ...
- قصص البطولة والمقاومة: شعراء ومحاربون من برقة في مواجهة الاح ...
- الخبز في كشمير.. إرث طهوي يُعيد صياغة هوية منطقة متنازع عليه ...
- تعرف على مصطلحات السينما المختلفة في -مراجعات ريتا-
- مكتبة متنقلة تجوب شوارع الموصل العراقية للتشجيع على القراءة ...
- دونيتسك تحتضن مسابقة -جمال دونباس-2024- (صور)
- وفاة الروائية البريطانية باربرا تايلور برادفورد عن 91 عاما


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - مذبحة 2016