|
حياة اخرى وقصص اخرى قصيرة
منير ابراهيم تايه
الحوار المتمدن-العدد: 5035 - 2016 / 1 / 5 - 10:21
المحور:
الادب والفن
ذكرى نحيلة القد رقيقة الملامح ناعمة الشعر بلغت منتصف الاربعينات من العمر كانت تجلس على شرفة المنزل وبيدها فنجان قهوتها... عيناها تنظر الى الشارع وتفكيرها ذهب بعيدا... وجاء هو من خلفها ووضع يده على كتفها ففزعت، سقط فنجان القهوة من يدها ثم تبسمت له بصفاء بعد أن أدركت أنها يده وعادت بتفكيرها من بعيد وضحك لها فضحكت كيف فزعت من لمسة يده ؟.. اقترب منها وقال: أتذكرين أول مرة اوقعت فنجان القهوة فيها من يدك ؟ اومأت له ومازالت الابتسامة مرسومة على شفتيها وعادت بها الذكريات .. فقالت : نعم كانت تقف في نفس المكان عصر كل يوم حين كانت صبية في مقتبل عمرها وهو شاب كان يمر من تحت بيتها.. يرفع نظره إلى الأعلى ليسرق نظرة منها ثم يواصل سيره متجها الى عمله وفي يوم كانت تقف وفي يدها فنجان القهوة.. لم يكتف بالنظر هذه المرة بل رفع كفه ملوحا لها بالتحية أرادت أن ترد له التحية وكانت قد نسيت انها تحمل بيدها فنجان القهوة فوقع من يدها إلى الشارع .. ضحك هو ضحكة عالية مواصلا سيره ومبتعدا الى نهاية الشارع فيما احست هي بالخجل الشديد من نفسها .. وبعد أيام جاءت والدته تطرق باب بيتها لتطلبها زوجة لابنها .. تذكرا معا هذه الذكرى الجميلة وابتسما وقال هامسا ما زلت كما أنت تلك الفتاة الخجولة التي عرفتها منذ اكثر من عشرين عاما
وحدة بعد يوم طويل ممل جلست محاولا تمضية ما تبقى من نهار في علاج روحي عل الجلسة تخلصني مما يثقلني فتحت كتابا كنت قد بدأت قراءته وجلست لاقرأ ولم اكن اقرأ للقراءة، ولكني قرأت للوقت علَّه يمضي، قرأت لكي تأتي، لم اكن اعلم كم من الإنتظار مضى ولم اكن اعلم كم تبقى منه، لكنها كانت آخر حيلي في الإنتظار، كل صوت على الأرض كنت اسمعه صوت قدماكي حتى التفت فلا اجدك، فيتبدد، وكل صورة تتحرك امامي هي انتي حتى تقترب فلا اجدك، وتتبدد... يتساقط الأشخاص من قلوبنا كأوراق الشجر .. عبثا نحاول ان نتشبث بهم .. وفي مرحلة ما سأبقى عاريا لا املك إلا جذعي .. مظلم كل ما صنعته، حياتي يوم شتائي بطيء ، كل ما فيه معتم وخامل... يمر الوقت جارفا معه كل قواي الباقية وراويا كل قصص أيامي السابقة، كان يروي ذكرى كل ماحدث ولكن بصوتك، جعل كل الجمال انت والباقون عدم، وكل الناس انت والباقين غياب. غابت الشمس.. ولاحت في الأفق نجمة بين الشمس الناعسة والقمر المستيقظ.. تغيب الشمس وانت لا تحضرين
الامم المتحدة؟ - ما وظيفة الأمم المتحدة يا أبي ؟ - استبدال الأوطان بالمخيمات يا بني!
حلم استيقظ مذعورا من نومه.. فقد فر من حلم وجد نفسه مطاردا فيه استدار ليهرب.. كان واقفا على حافة النوم.. فاستيقظ حين وصل الى البيت عرف انه لا زال حيا.. فأبتسم
سؤال كم رغبت أن أستوقف المارة في الشارع و أسألهم: كيف تواصلون الحياة هكذا، دون متعة ، دون هدف، دون أي خوض في تفاصيل الاشياء؟ لكني ظللت أراقبهم في صمت كمن يبتلع لغم؟
قالت له: لا تحلم ان تكون عصفورا فالصيادون كثر تأوه..تأفف.. ثم نظر بعينين حزينتين وقال: سأحلم ان اكون شجرة كي ابقى واقفا في مكاني
حياة اخرى؟ الذين ماتوا هل اخذوا كفايتهم من الحياة؟ في رواية "اعراس آمنة" لابراهيم نصر الله سألت الجدة حفيدتها ان كانت اخبرتها لماذا يحلم الناس، فكان جواب الجدة ان الناس يحلمون لانهم لا يشبعون من الحياة ويحلمون كي لا يضيع عليهم شيء. اننا لا نشبع من الحياة حتى لو اتضحت قيمة الشيء الذي نطارده.. ومتى ما عرفنا قيمة اي شيء نبحث عن حياةٍ أُخرى لِنطارِد اشياء أُخرى.. يبدو اننا فعلا لا نشبع من الحياة حتى ونحن نتمنى الموت.. نتمناه لنذهب الى حياة اخرى؟
عصيان وكانت جريمتي هذا الصباح اني لم ابدأه بفنجان قهوة ، فها هو رأسي يعلن العصيان المساء هو فرصتك الوحيدة للتكفير عن هذه الخطيئة أعانك الله إلى أن يخيم المساء عليك
اهداء بكل شغف كانت تقرأ صفحة الإهداء من الكتاب،"إلى تلك التي كان طيفها يلازمني حين كنت أكتب ولم يفارقني بعد الكتابة التي تشبه البنفسج في حلاوته وأناقته وكبريائه إلى التي تسكن في كلمات الرواية وفي قلب كاتبها إليها .. وإليها فقط" أغلقت الكتاب.. كان يكفيها أن تقرأ الإهداء الذي امتلئ بالمشاعر لكي تذهب بعقلها إلى عالم آخر، عالم كان يكتب لها فيه تلك الكلمات وأغنيات وشعر .. في تلك المرة رأت رجلا طويل القامة عيناه اللتان هما بلون زرقة السماء ينظر لها ويقدم لها باقة من ورد ملون في وسطه زهر البنفسج، بينما تقف هي مكسوة بحمرة الخجل تراقب ضحكاته و دعاباته لا تجرؤ على أن ترد ليس خوفا إنما فرحة بهذا الذي جاء لها ولها فقط دون الجميع
فوبيا! أعشق القهوة .. رائحتها التي تثير جميع الحواس بداخلي، فأرى نبض القلب يرقص شوقا لطعمها و لكني لا أفرط في شربها حتى لا أفقد سحر مذاقها و عمق وقعها على القلب والروح.. أعشق المطر حتى الجنون و لكنني أفرح بغيابه حتى يكون لمجيئه طعم ممزوج بنكهة الشوق و بنشوة الفرح و جنون الإحتياج ..صحيح أنني أحتاج البحر أكثر من احتياجي للماء الذي اشربه و أحيا به .. أعشق موجه في أوج غضبه أفرح لفرحه بلقائي و أرى امتداده الذي لا حدود له يتّسع لاحتضاني و أرى عمقه اللامتناهي يتّسع لصمتي و كلامي و لكنني أحتاج بعد المسافة بيننا ليبقى إلى القلب أقرب.. وصحيح كذلك أن وجود القمر في السماء كل ليلة يؤنسني.. نوره يبعث في القلب أملا مفقودا وراحة تشعرك بجمال الكون ملامحه تمدّ جسرا بين الأرض و السماء لتلغي بعد المسافات يجمعك بنفسك بعيدا عن الآخرين بعيدا عن ضجيج الحياة و لكنّ رحيله من بعد اللقاء يسعدني لأنتظر عودته و أدرك مكانته.. مهما بلغ حبّك للأشياء فلا تفرط فيه حتى لا تفقد مكانته في قلبك و في حياتك اجعله حبّا نسبيّا ليكتمل و ينجو من متاهة النقصان و طاحونة الذوبان . اعشق فيروز .. شخصيتها.. عمق نظراتها.. هيبتها ووقار وقفتها.. نصف ابتسامتها.. غموض ملامحها.. رغم ذلك فأنا لا أكثر من سماعها أترك بيني و بينها مسافة للشوق حتى لا أقع في فخ التعود و الاعتياد .. اترك مسافة للشوق تشدّك إليه أكثر فاعتياد الأشياء يفقدها طعمها و معناها و مهما بلغ احتياجك لها تمسّك بحبال الحرمان حتى يكون لوجودها معنى و أثر يليق بها .. تجنب الإفراط في الطمأنينة؛ لإنها أول الخذلان.. وللخذلان نكهة أشد مرارة من تلك التي تصيبك من أقرب الأرواح لروحك.. وستصاب بعدها بفوبيا التعلق والفقد! و ستضع الجميع على مسافة آمنة كي لا تمنحهم صلاحية للعبث ؛ للخذلان المر أو حتى للفرح أرغم نفسك على التعايش مع كل هؤلاء الذين هم بداخلك. أجعلهم يتناوبون القيادة تباعا.. فقط تتأزم الأمور عندما لا تستطيع التحكم
#منير_ابراهيم_تايه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
محطات في فكر مالك بن نبي
-
الكواكبي.. ومئة عام من الديكتاتورية
-
شوق الدراويش ل -حمور زيادة- رواية تتكىء على التاريخ
-
الحمار/ قصة قصيرة
-
واسيني الاعرج في رواية -البيت الاندلسي- نكتب لأننا نحب الكتا
...
-
عقلية الوفرة وعقلية الندرة..!؟
-
الغريبة التي لا اعرفها/ قصص قصيرة
-
فنجان قهوة
-
عناقيد الكرز... وما تيسر من وجع!!
-
سفر..
-
-المغفلة- ل -تشيخوف- ما اقبح الفقر .. وما اجمل الفقراء!!
-
الحارس في حقل الشوفان
-
الشيوعيون العرب.. وفلسطين
-
نجيب محفوظ.. الوجه الآخر
-
دعوة على العشاء/ قصص قصيرة
-
بجعات برية رواية اجتماعية بنكهة سياسية
-
الموشحات ... شعر يحلق باجنحة الغناء
-
ضغط الكتابة وسكرها لامين تاج السر
-
قصص قصيرة بعنوان مبتدأ وخبر
-
النبش في الماضي..المورسكيون فجيعة حضارة اسلامية منسية؟؟!
المزيد.....
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|