|
تجربة كوزموبوليتانية :عندما يكون للمدن مركزية جذب وعبقرية حياة ؟؟
سيار الجميل
الحوار المتمدن-العدد: 1372 - 2005 / 11 / 8 - 11:46
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
معنى " الكوزموبوليتانية " : تمتع بعض مدن العالم بالجمع بين مركزها السياسي وحيويتها الاقتصادية لتغدو اماكن جذب ساحرة للناس ومركزا تعشقه الحياة .. وكان منها : جمهوريات المدن الايطالية ومدن غربي اوروبا وامريكا ومدن التنين الاسيوي مؤخرا .. في سنوات بعيدة مضت ، ثمة اماكن عربية كان لها حيويتها وإشعاعها وتأثيرها سياسيا وثقافيا قد تحقق في القاهرة او بيروت او بغداد ، ولكن تبقى الكوزموبوليتانية نوعا آخرا من عبقرية المكان وسحره . وهذا ما لم تنله اي مدينة عربية باستثناء دبي في النصف الثاني من القرن العشرين ومن قبلها بيروت في النصف الاول منه ... وخصوصا امتلاك اكبر قدر من الجاذبية والسحر والاناقة الجغرافية ! فمن دواخل التجربة تخرج التصورات والمفاهيم التي تدلُّ حيويتها على الجديد في هذا العالم العربي الكسيح الذي لم يطّور من حياة مدنه ولم يسع الى ان يغدو مالكا لاكبر مراكز الجذب علما بأنه يمتلك اهم موقع جغرافي يتوسط الدنيا . لقد انتعشت عبر تاريخ حضاري طويل عدة كوزموبوليتانيات عربية جاذبة في نظر العالم كله : مدنا كانت قد وظفت عبقرية امكنتها وابتكرت نضوجا حضاريا ، مثل : البصرة والاسكندرية وتونس وقرطبة ووهران وكازابلانكا والموصل وحلب .. وغيرها اذ لعبت أدواراً أساسية في تغيير الذائقة الحضارية والاقتصادية العربية ، وكان العالم كله يتعطّش لها بفارغ الصبر نظير قوتها الاقتصادية وتأثيرها في التجارة وصنع الحياة والثروات والبهجة والتقدم . ان العرب - ويا للاسف الشديد - لم يولوا عنايتهم بمدنهم وجغرافياتهم كما لم يولوا اي عناية بتطور انتاجهم ونمو قوتهم الحضارية .. لقد انشغلوا بالهيجانات السياسية وبالانقلابات العسكرية والثورات الدموية والاحزاب والايديولوجيات واستيراد المفاهيم الفضفاضة التي لم يدركوا معانيها ، وعاشوا طوباويات لم تتحقق ، ونالت منهم الحروب التي فشلوا في ادائها فاكتسحتهم الاوبئة السياسية والموروثات العقيمة وتخلفوا عن ركب العالم وحّلت الاوضار والمتاعب في مدنهم التي غدت عقيمة وبائرة وقبيحة ومكتظة .. ولم يعد من السهل مقارنتها بنظيراتها في العالم ، بل ولم يعد لها بريقُ الوهلة التاريخية الأولى. وكم كان رائعا على تلك المراكز الحضرية التي بقيت حية في الذاكرة العربية ان تغدو صورةً من صور الحرية بكل قواها الحية . لقد كان للقاهرة وبيروت وبغداد ودمشق والقدس والجزائر وتونس .. ادوارها الرائعة في النصف الاول من القرن العشرين ، ولكنها انتكست جميعها انتكاسات مريرة .. في حين نضجت على مهل كل من الكويت ودبي وابوظبي والشارقة والعين وجدة والرياض ومسقط والمنامة والدوحة وغيرها من مدن الخليج العربي في النصف الثاني من القرن العشرين .. لتغدو مدينة دبي اقوى مدينة كوزموبوليتانية عربية عند مطلع القرن الواحد والعشرين نظرا لما حققته من انجازات اقتصادية ومكاسب حضرية فضلا عن كل من ابو ظبي والكويت والشارقة .. وكلها كوزموبوليتانيات تسودها اليوم الدهشة والرغبة في المغامرة فكراً وحياة وقوة اقتصادية وحركة استقطاب تجاري مؤثر ، وستبقى هذه العواصم اماكن جذب حقيقي ليس للبشر حسب ، بل لرؤوس الاموال والشركات متعددة الجنسيات وقوى الانتاج . يمكنني القول أن المكان العبقري بتطوره وكوزموبوليتانيته بات جزءاً من الحياة الحقيقية ، ولم يعد للمدن التعيسة المختنقة أي وجود، ولا دور في وقائع الحاضر. وهنا لابد ان ادعو كل البلدان العربية ان تأخذ بتجربة دولة الامارات العربية المتحدة التي برزت بفضل التخطيط والحكمة في توظيف عبقرية المكان ليغدو جاذبا مراكز المحيط . لقد نجحت كوزموبوليتانية دبي نجاحا باهرا كقوة جذب حقيقية لكل الموارد الحضارية والقوى الاقتصادية . لقد تفوقت ايضا كل من ابو ظبي والعين والشارقة تفوقا نوعيا وصنعت من امكنتها جذبا حقيقيا للعالم وخلال فترة زمنية قياسية لا يمكن ان تقارن ابدا مع اعمار دول المدن الاخرى في التاريخ .. فهل استوعب العرب في كل مكان دروس الابداع في كوزموبوليتانيات المدن الجاذبة ؟؟ انني اسأل الان دولا عربية كبيرة وثرية مثل العراق ومصر والجزائر وسوريا وليبيا : ما الذي جعل مدنها اليوم بائسة وهي لم تحافظ حتى على ما خلفه المستعمرون فيها منذ خمسين سنة ؟ علما بأنها دولا متمكنة ولها قوتها البشرية ولها مواقعها العبقرية ؟ ما الذي يخّلص مدن العرب اليوم قاطبة من فجائعها القادمة سواء من سوء هوائها او من اكتظاظ سكانها او من بشاعة مناظرها او من بؤس شوارعها او من كون بناياتها الكسيحة القديمة علب سردين محشوة بالناس البائسين ؟ ما الذي تتطلبه حاجات هذا القرن وضروراته من العرب ؟ انني انادي بثورة مدينية عربية حقيقية من اجل اعادة الحياة لمدننا قاطبة والتي شهدت ادوارا عملاقة في التاريخ . ان العطب ليس في المكان بذاته ، بل يكمن الخلل في الانسان والمجتمع والدولة .. فهل سيبدأ العرب نهضة كوزموبوليتانية من اجل خلق مدن ساحرة جميلة رشيقة يعشقها العالم كله ؟؟ ان الكوزموبوليتانية مستقبلٌ وحياة يخّلص مجتمعاتنا من كآبتها وسكونيتها وخمولها ومن بقاياها المعاقة ومواريثها العقيمة !! انها ستمتلك فرادة تاريخية لأنها في قلب العالم ؟ وأنَّ أيَّ اكتشاف ، مهما كان، لم يعد اليوم دهشةً ولا تغوّراً، لماذا بتنا وكأننا نعيش بلا مستقبل، وأسرى بهرجة الماضي ، والحاضر كسيح وهو أشبه بمنظور نُطلُّ منه على غد جوّال. أنعيش، نحن العرب، على عكس المجتمعات الطبيعية، الأوروبية مثلا، التي حققت ماضيها على نحو تعيش معه حاضراً، بوصلتُه مستقبلٌ الحنينُ، ليس نكوصاً ؟ كيف كانت مدننا العربية تتحرك في الماضي ؟ ولماذا هذه السيرورة إلى مستقبل مختوم بالشمع الاحمر ، وليست سيرورة نحو الانفتاح إلى حقل معلوم من التجارب والعبر التي يزودنا بها العالم ؟ فهل استوعبنا التجربة ؟ هذا ما اردت اثارته اليوم عسى تنفع الذكرى .
#سيار_الجميل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحرة عراق: درس متطور في الاعلام المرئي
-
رسالة صريحة في نقد خطاب السيد فاروق الشرع
-
صرخة أعلنها للملأ : الخلايا النائمة تستيقظ بشاعتها
-
ثقوب سوداء بين عالمين : دعوة ليست للتشاؤم
-
نزهة عند ضفاف التايمس بصحبة نيازي وسميرة
-
متى يتعلم العرب الأشياء الثمينة ؟
-
كيف نبني فكرا سياسيا جديدا ؟؟
-
صدام حسين في قفص محكمة الجنايات
-
فاجعة العراق بين الرصافة والجسر
-
كنا ننتظر دستوراً
-
العرب في سجن مؤّبد !! متى يهندسون تفكيرهم وزمنهم ومصيرهم ؟؟
-
العرب يقتلون العرب .. لماذا ؟؟
-
الليبرالية القديمة والليبرالية الجديدة : المعاني والمبادئ وا
...
-
أسئلة ما بعد الانتخابات العراقية
-
نعم لقد انتخبنا أخيراً ! الدرس العراقي الرائع للعرب
-
لمناسبة اربعينية الراحل التونسي محمود المسعدي :الموحيات الخل
...
-
الاعلام العربي :دعوة تحّولات من بشاعة المؤامرات الى خصب الشف
...
-
معايدة سياسية وفكرية لغسان تويني لمناسبة العام الجديد 2005
-
أدونيس : الشاعر السوري الغامض : مشاركات في المرافضات والتحول
...
-
دعوة صريحة من اجل غلاسنوست عراقي
المزيد.....
-
الأمن الأردني يعلن مقتل مطلق النار في منطقة الرابية بعمان
-
ارتفاع ضحايا الغارات الإسرائيلية على لبنان وإطلاق مسيّرة بات
...
-
إغلاق الطرق المؤدية للسفارة الإسرائيلية بعمّان بعد إطلاق نار
...
-
قمة المناخ -كوب29-.. اتفاق بـ 300 مليار دولار وسط انتقادات
-
دوي طلقات قرب سفارة إسرائيل في عمان.. والأمن الأردني يطوق مح
...
-
كوب 29.. التوصل إلى اتفاق بقيمة 300 مليار دولار لمواجهة تداع
...
-
-كوب 29-.. تخصيص 300 مليار دولار سنويا للدول الفقيرة لمواجهة
...
-
مدفيديف: لم نخطط لزيادة طويلة الأجل في الإنفاق العسكري في ظل
...
-
القوات الروسية تشن هجوما على بلدة رازدولنوي في جمهورية دونيت
...
-
الخارجية: روسيا لن تضع عراقيل أمام حذف -طالبان- من قائمة الت
...
المزيد.....
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع
/ عادل عبدالله
-
الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية
/ زهير الخويلدي
-
ما المقصود بفلسفة الذهن؟
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|