|
دموع بيترا فون المريرة 1972 راينر فاينر اسبندر):فيلم عن الشيء المختلف في مسيرة فاسبندر كلها
بلال سمير الصدّر
الحوار المتمدن-العدد: 5032 - 2016 / 1 / 2 - 23:44
المحور:
الادب والفن
دموع بيترا فون المريرة 1972 راينر فاينر اسبندر):فيلم عن الشيء المختلف في مسيرة فاسبندر كلها بيتر فون(Margit Carsten sen) تعامل خادمتها مارلين بسلطوية واضحة (Irm-Hermen) وهي تعيش في شقة ضيقة الشيء البارز فيها صورة كبيرة لرجال في عراء كامل... فيلم (بيترا فون) هو الاكثر اختلافا والأكثر خصوصية من بين كل افلام فاسبندر ،فيه شيء من اسلوب مسرحي ولاعجب في ذلك،لأن الفيلم مقتبس عن مسرحية من كتابة فاسبندر نفسه،والشقة المذكورة هي المكان الوحيد الذي تدور فيه كل الأحداث القليلة نسبيا،فعالم الفيلم مغلق على حوار تكثيفي يخص مشاعر المرأة تحديدا،والأحداث في الفيلم تمر من خلال حوار يعتبر اهم شيء في الفيلم حتى قبل الحبكة وقبل أداء الممثلين مع وجود مارلين التي لم تنبس بأي كلمة خلال الفيلم... إذا هذه القصة التي حتى لو كانت من كتابة فاسبندر نفسه،فيها شيء من عالم أدبي مسرحي بعيد شيء ما عن الميلودراما التي كان فاسبندر يصيغ فيها أفلامه،والفيلم نسوي بامتياز يعمل على تشريح مكثف للمرأة في فيلم لاوجود فيه للرجل سوى في الصورة المذكورة-التي لاتبدو لي لوحة قوطية على الاطلاق- التي اذا كانت هي الصور الأبرز فالرجل بالتاكيد يحيط بظلاله على هذا العالم النسوي المغلق... هناك انتقاد واضح من بيترا اتجاه علاقتها بزوجها الأول،والانتقاد يحمل طابع موضوعي فلسفي ان كان يخص رؤية بيترا للحياة نفسها والحيز الذي تحمله كلمات الحوار قد يكون نقطة ولكنها اساسية واسعة من الممكن ان تحمل الكثير من الجدل والنقاش،فالحوار هو سيد الموقف ويمتاز بلكنة ادبية واضحة واحيانا يبو بأنه حوار بين اشخاص يمتازون بثقافة عالية... هناك نقد عام لعلاقة الرجل بالمرأة من خلال الزواج،فبيترا كانت فاقدة الأمل بالحب وتقريبا كالعبدة،ومن ثم طلبت الطلاق.. الانطلاقة بالتأكيد هنا مختلفة،فمن الواضح ان فاسبندر متأثر نوعا ما ببيرغمان والطرح النسوي الألمودفاري،بحيث عندما عرض الفيلم شكل صدمة للجمهور مع اثارة استغراب حول ابتعاد فاسبندر عن ملهمه الأول(دوغلاس سيرك). إذا جنوح بيترا الى الطلاق كان لقتل روتين التصرفات،فالرفض كما يبدو ليس رفضا تقليديا،بل فيه شيء اساسي من رفض العلاقة الزوجية وفي نفس الوقت هو-اي الفيلم- لم يغوص في عمق كافي لنقول عنه(فلسفي)،وان كان يحمل طابع (التحليل الوجودي) ولكن ما يحدث هو: نقد الفكرة واحالتها الى افكار وتصرفات اخرى هي افكار وتصرفات (بيترا نفسها). وعندما تدخل كارين الى حيز الموضوع(هانا شيغولا) –وهي فتاة تتبناها بيترا وتصنع لها شهرة كبيرة-يمتد الحوار ليطرح موضوعات كبرى وشاملة عن نظرة كاملة لهذه الحياة من اعين المرأة نفسها،وبالتالي هو الفيلم الأول الذي يعمل فيه فاسبندر على تصوير مشاعر المراة بهذه الكثافة غير المتوقعة،وان عاد لاحقا ولكنه لن يكون في مثل هذا الطرح ولافي مثل هذه الكثافة لأن الحبكة سوف يكون لها دور كبير هناك... صفة التشويش المألوفة في شخصية فاسبندر والتي تنعكس بوضوح على اعماله ناقصة في هذا الفيلم والتي قد تكون احيانا هي سر ابداع فاسبندر على ان الفيلم يبرز ايضا تمكنه وهدوئه في اختيار زوايا التصوير بحيث يظهر الجانب الابداعي الفني ايضا،وهو امر من النادر حدوثه مع مخرج على شاكلة فاسبندر،لأنه مخرج يعتمد على الحبكة وعلى الشخصية بشكل كبير،والعبرة في هذا الفيلم أدبية قبل ان تكون لها اي علاقة بالحبكة. ان كان الحوار بين بيترا وكارين يدور من حول محفزات الحياة،فشخصيات فاسبندر عامرة بالكآبة وبيترا نفسها تبدو فاقدة لهذه المحفزات بعكس كارين التي ترغب في صعود سلم الشهرة،وكل النساء في الفيلم يلتقين على خط ثقافي معين في تحليل الحياة عامة والحياة الزوجية،والوجهة العامة هي عدم القبول،في حين بدت الأحداث في الفيلم ضئيلة جدا،بل هي لأكمال النقاش،فالأحداث هي التي في خدمة الحوار وليس العكس.. كارين تخبر بيترا عن قصة والديها وكيف انتحر والدها بعد ان قتل والدتها،والانتحار هو هاجس يدور في خلد فاسندر ويظهر تقريبا في كل افلامه،على ان فاسبندر مختلف تماما سواء عن فيلم سابق أو حتى فيلم لاحق سواء في الطرح أو في الطريقة،متمسك بشيء من الموضوعية،فكيف نستطيع ان نتصور أن فاسبندر المشوش بعمل على تكثيف حوار مثل هذا... تقول كارين لبيترا:الناس دائما يحبوني ولكن عندما يسمعوا هذه القصة ينتهي كل شيء... ولكن وعلى العكس من توقعات كارين،فالتلاقي الفكري بين النسوة في الفيلم يجعل من بيترا تحيط كارين بحنان شديد حتى يتطور الموضوع الى شيء اشبه بالحب(الحب النسوي بمعناه الجنسي). بيترا كانت متزوجة ذات مرة زواجا سعيدا من بيير الذي قتل في حادث سيارة بسبب حماقته ،فالاحداث السعيدة كما تقول بيترا تمضي بسرعة،وحبها لكارين بشكله هذا ليس دافعه الشفقة بل هو استياء كارين من علاقتها بزوجها واستخدامها نفس الملاحظات التعبيرية التي استخدمتها بيترا ذات مرة(عبدة على سبيل المثال)،فالنزوع الانثوي نحو كارين ليس مقصوده سوى نفي الذكر. كارين تمتلك زمام السيطرة الآن،ولكنها في نفس الوقت تعترف بحاجتها للرجل الأمر الذي يجعلها تغادر وتترك بيترا غارقة في دموعها،فبيترا تبكي عندما تكتشف علاقة خيانة بين كارين ورجل امريكي اسود،وكلمة رجل هي التي تضايق بيترا بالتأكيد،فبيترا بالتعريف الدقيق للحالة تعاني من الوحدة ومن الفقدان...هي لاتفتقد الرجل ولكنها تفتقد المشاعر وهذا هو المحرك لأمتلاك كارين التي ترفص باستمرار،وبالتالي الفيلم لم يتحرك حول طبيعة العلاقة بين الانثى والانثى. وكان فاسبندرفي عالم غير مألوف أبدا بالنسبة له قريب جدا من بيرغمان...هل تستطيع المرأة ان تستغني عن الرجل؟ الالم المغلق الذي يصوغه فيه فاسبندرهذه القصة لايبدو ابدا فاسبندريا اصيلا على اي حال من الأحوال،فمن الطبيعي اذا-ضمن عوالم القصة وعوالم فاسبندر ايضا-أن تتمنى بيترا الموت وان تعاني من ألم داخلي لاتستطيع البوح به،واذا كانت بيترا تستيقظ في النهاية من نوبتها العصبية نتيجة الحب الذي كانت تكنه لكارين،وتعترف بانه كان لمجرد الامتلاك فقط،فالألم الداخلي الذي لاتستطيع ان تبوح به هو عدم قدرتها على نحو الصفة الذكورية من هذا العالم. ثم نأتي على مارلين الكائن المطيع(المحيد عن الأحداث) والذي كما قلنا لاتنبس بأي كلمة في الفيلم التي تعلق بيترا على سؤال ابنتها جابي حول معاملتها القاسية لها: هي لاتستحق افضل من ذلك...هي تحب هذه الطريقة وهي سعيدة بذلك هل فاسبندر يقول:ان العلاقات محكومة بين البشر على الامتلاك،كالخادم والمخدوم فقط هل عندما يقدم انتقادا واضحا للنظام الرأسمالي الذي كان سببا رئيسيا في انتحار والد كارين،هل كان يؤكد ان العلاقات محكومة لهذه النظرة... تحقر بيترا العنصر الأنثوي الموجود في كل عائلتها القادمة لتهنئتها بعيد ميلادها،وعندما تكتشف ان عنصر الامتلاك هو المحرك لعلاقتها مع كارين تتجه نحو كائن هو مملوك لها فعلا وتطلب منه شراكة حقيقية على طريقتها بالتأكيد(مارلين) التي ترفض ذلك على طريقتها الخاصة هي الأخرى بدون ان تنبس ببنت شفة،وتغادر تاركة بيترا وحيدة في دموعها الاكيدة هذه المرة،ووحدتها الخاصة في مشهد يذكرنا بقوة بلارسن فون تراير عارض الاقراص يعمل..تنظر له بيتار نظرة سريعة بعد ان تقوم بتشغيله ومن ثم يصدر منه موسيقى صاخبة مارلين تضع حقيبة كبيرة في وسط الشاشة وتتحرك جيئة وذهابا لجمع اغراضها،ومن ثم تطفأ الضوء وتغادر،ونلاحظ ان بيترا تندس تحت لحافها... فيلم دموع بيترا فون المريرة 1972 هو فيلم عن الشيء المختلف في مسيرة فاسبندر كلها بلال سمير الصدّر
#بلال_سمير_الصدّر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تاجر الفصول الأربعة 1972(راينر فاينر فاسبندر ):الحشرة الاجتم
...
-
احذر من العاهرة المقدسة1971(راينر فاينر فاسبندر):أنا دائما خ
...
-
Kalzelmacher1969(ليس من اجل لاشيء) راينر فاينر فاسبندر :فضح
...
-
الحب ابرد من الموت 1969(فاسبندر):شخصيات تعاني من برود شديد ا
...
-
عن راينر فاينر فاسبندر 1945-1982 وصعلوك المدينة وتشويش بسيط
-
تابوو 1999(ناغيسا اوشيما):عندما تخضع التابوهات للظروف
-
امبراطورية الحواس 1976(ناغيسا أوشيما):غلطة اوشيما الكبرى
-
امبراطورية المشاعر(ناغيسا أوشيما):الانطوائية الحاصلة في كل ا
...
-
امبراطورية الحواس 1976(ناغيسا أوشيما):غلطة أوشيما الكبرى...
-
أخت صغيرة للصيف 1972(ناغيسا أوشيما):فيلم متوسط المستوى الفني
...
-
الطقوس (المراسم) ناغيسا أوشيما:خصوصية ناغيسا اوشيما
-
الطقوس (المراسم) ناغيسا أوشيما:الفرد حالة اجتماعية وحالة اكث
...
-
الرجل الذي وضع وصيته في فيلم 1970(ناغيسا أوشيما):الاحتجاج ال
...
-
ليل وضباب فوق اليابان 1960 (ناغيسا اوشيما):النموذج الاحتجاجي
-
الموت شنقا 1968(ناغيسا أوشيما):R في مرحلة التكوين المعرفي ال
...
-
عن ناغيسا اوشيما وpleasure of flesh 1965
-
كوربورال المراوغ 1964:عودة مقصودة تقريبية الى الوهم الكبير
-
رقصة الكانكان الفرنسية 1954 والينا ورجالها 1956جين رينوار:هل
...
-
قواعد اللعبة 1939(جين رينوار):بدعة القرن العشرين في التوجيه
...
-
الوهم الكبير 1937(جين رينوار):رينوار يصيغ وهما كبيرا
المزيد.....
-
مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” ..
...
-
مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا
...
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|