أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة أُخرى 9















المزيد.....

سيرَة أُخرى 9


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5031 - 2016 / 1 / 1 - 16:31
المحور: الادب والفن
    


1
من يقرأ أعمال الكاتب السوري، سليم بركات، سيلاحظ مدى اهتمامه بأدق تفاصيل الطبخ؛ من بهارات ومُطيّبات ومُشهيات وسلطات ووجبات. من خلال مراسلاتي مع كاتبنا الكبير، حينما كان يعيش في قبرص قبل نحو العقدين، عرفتُ أنّ مهمة الطبخ تقعُ غالباً عليه بسبب كون زوجته موظفة. في المقابل، فإنّ تلك الأعمال الأدبية ( وخصوصاً السيرة الذاتية ) كانت تعرض صورة قاتمة لبيئة الكاتب الكردية، هناك في محافظة الجزيرة. ففي طفولته، يركلُ ابريقَ الشاي غضباً، مُطالباً الوالدة بفطور أفضل. وفي رواية " عبور البشروش "، يُنوّه مؤلفها بصحّة الكردي التركيّ المتورّدة بالفاكهة والسلطات والمازة، مُقارنةً بابن جلدته السوريّ المحروم من هذه النِعَم.
المطبخ، هو المكان المفضل لسليم بركات. مع العلم، بأنه عاش في " نيقوسيا " لعقد من الزمن في فيلا جميلة تحيطها مزرعة فارهة. في روايته " كبد ميلاؤس "، ثمة وصف دقيق لبناء هذه الفيلا وحياته فيها. إنه يعمدُ إلى صيد طيور المزرعة بالبندقية، كي ينهمك لاحقاً في المطبخ بنتفش ريشها وتنظيفها تمهيداً لشيّها على جمر الفحم. في السويد، التي انتقل للعيش فيها عام 1998، يقيم سليم بركات في منزل مستقل مع جنينة منمنمة. ثمّة، على مائدة المطبخ، يبدأ أديبنا طقسَ الكتابة منذ الصباح الباكر وحتى الظهيرة. بينما غيره من الأدباء، أغلب صورهم وهم يحملون القلم في مكتب أنيق تحيطهم المجلدات. بل إنه يبدو استفزازياً لهؤلاء الأدباء ( وأمثالهم من النقاد )، حينما يظهرُ في أمسيات عامة وهوَ بقميص الشيال مثل ملاكم على الحلبة.

2
كلود مونيه ( 1840 ـ 1926 )؛ هوَ رسام فرنسي ويُعدّ من أهم الفنانين الإنطباعيين، الكلاسيكيين. صورة هذا المبدع العظيم، سواءً في شبابه أو كهولته، كافية لوحدها كي نقدّر مدى اهتمام صاحبها بصحته ومزاجه. الواقع، أنّ مونيه لم يكن ذوّاقة حَسْب، بل وأيضاً طباخاً موهوباً. إذ كان يهتمّ بنفسه بإعداد الوجبات اليومية، خصوصاً تلك المحتفية بالولائم للأصدقاء. وقد اشتهرت لوحته، التي صوَّر فيها طيوراً صادها في مزرعته. " جيفرني "؛ هيَ قرية في ضواحي باريس، لها اسم عالمي كونها تضمّ مزرعة وفيلا مونيه. هناك، عاشَ فناننا منذ أن كان عمره 43 عاماً وحتى وفاته. لقد آثرها على باريس، نظراً لحاجته كرسام إلى الهدوء والعزلة والطبيعة الجميلة.
قبل عقد من الأعوام، وفي شهر أيار تحديداً، كنتُ على موعدٍ مع مزرعة مونيه. ركبتُ القطارَ من باريس إلى محطة " فيرنون "، حيث كانت تنتظرنا حافلة سياحية أقلتنا إلى " جيفرني ". ثمّة، رأيتُ طابورَ الزوار طويلاً أمام بوابة الفيلا وكانوا بأكثرهم من اليابانيين. من نافذة مطبخ الفيلا، المُحتفظ بمعظم أدوات زمن مونيه، كان بالإمكان رؤية حديقة الخضار وأعشاب البهارات، المزدهرة، التي دأبَ هوَ على انتقاء ما يلزم منها لوجبات يومه الحافل. ثمّ انتقلتُ إلى صالة السفرة الفاخرة، وكان فناننا يستقبل فيها زواره من مختلف الشخصيات الفنية والأدبية والسياسية. يغلب على موجودات الصالة جميعاً اللونُ الأصفر ( هوَ من كان قد تولّى دهانها )، وبالأخص طاولة الطعام الرائعة، المُهيمنة على معظم المكان. يتعيّن القول، أنني تعلمتُ من مونيه طريقته الفريدة في تحضير أومليت الفطور. إلا أنني أضفتُ لهذا الأومليت اجتهاداً يتلاءم مع ذائقتي.

3
مطبخ شعب من الشعوب، شرقاً أو غرباً، لا يمكن فصله عن ثقافته وتاريخه. وربما لاحظ كثرٌ من الأصدقاء، أنني دأبتُ هنا على التعبير عن عدم رضاي فيما يخصّ المطبخ المصري. الحقيقة، أنّ اهتمامي بموطن النيل يعودُ إلى كونه أحد منابع ثقافتنا المشرقية؛ وهوَ الإهتمام، الذي عبّرتُ عنه بمقالات كثيرة في الصحافة، أدبية وفنية وسينمائية وتاريخية وحتى سياسية. على ذلك، فإنّ قراءاتي ومتابعاتي لهكذا حقول كان لا بد أن تكون غير قليلة أيضاً. من مطالعة أحد المؤلفات ( القاهرة في عصر المماليك للمستشرق جاستون فييت )، أدركتُ لِمَ المطبخ المصريّ منكودَ الحظ. إذ كانت العادة هناك، وعلى مرّ العصور، أن يشتري الناس الأكل من الشارع لا أن يطبخوه في بيوتهم. وقد بقيت هذه العادة متأصلة في كثير من المصريين؛ فنراهم منذ الصباح الباكر يتجمعون أمام بائعي الفول، أو عند الغداء والعشاء أمام بسطات الكُشري والطعمية والكبدة.
يمكن إسقاط نفس الأمر على مطبخنا الكرديّ، المنكود الحظ إلى هذه الدرجة أو تلك. إذ المعلوم أننا بالأساس شعبٌ رعويّ، أقامَ منذ آلاف السنين في جباله العصيّة قبل أن ينساح مع الوقت باتجاه السهول. فالكرديّ، كان قديماً يفتخر ببداوته الجبلية ويمحضُ مهنة الزراعة الاحتقارَ والإزدراء. يقال، في هذا الشأن، بأنّ اسم المسيحي بالكردية... محوّر عن العربية ( الفلاح )؛ كون من عملوا بالزراعة زمنئذٍ كانوا بأغلبهم من اليعاقبة والنساطرة والأرمن واليونانيين. إلا أنّ البداوة، من ناحية أخرى، جعلتْ من الكرد بِجْدَةَ مهنة التجارة بالمواشي والألبان. على ذلك، لم يكن غريباً أن يكون المطبخ الكردي غنياً بأكلات اللحوم ومشتقات الحليب. أما وقد تغيّر الزمن، وصار بنو قومنا أهل زراعة وساكني مدن، فإنّ الأمرَ انعكس على مطبخهم فأضحى أكثر غنىً وتنوّعاً وجودة.

4
سبقَ أن قلت هنا، أنني حتى سنّ العشرين كنتُ شبهَ نباتيّ. السمك، كان أكثر ما أكرهه في صغري. إذ كانوا في البيت يطهونه قلياً، مما يجعله ذو رائحة منفّرة وطعمة زنخة وشكل بشع. على عتبة المراهقة، رافقتُ صديقَ العُمر ذات مساء إلى مطعم " أبو وليم " في باب توما. هناك، طلبَ هوَ فرخاً من السمك المشويّ مع العرَق، فيما أكتفيتُ من ناحيتي بالمقبلات. جاء الفرخُ فكان منظره شهياً وينبعثُ منه عبقاً رائعاً، على غير ما تعوّدته من طائفته المقلية. منذ ذلك الوقت، صرتُ زبوناً للمحل المشهور وجاره الآخر؛ مطعم " قصر البلور ". في هذا الأخير، تذوّقتُ لأول مرة أفخاذ الضفادع المقلية وكانت ذات طعم فريد ولذيذ.
كنتُ محظوظاً، لأنني خدمتُ عسكريتي في مدينة اللاذقية. إلا أنّ مطاعم السمك هناك، في المقابل، كانت تقدم أطباقاً سيئة مع مقبلات لا تفتح حتى نفس الدّب. عند الشاطئ الأزرق، أكلتُ سمكاً مشوياً مع زملاء الخدمة، وأيضاً لم يكن ليقارن بما سبقَ وتناولته لدى العم أبي وليم. هنا في السويد، دُعيت مرات عديدة لدى شقيقتي الكبرى على السمك. كانت تُعدّ الفرخ الكبير من السمك ( ربما من نوع السلطان ابراهيم ) بطريقة الحشي، ثمّ تضعه في الفرن. إلا أنني تعلمتُ منها طريقة تحضير سمك السلمون، وأيضاً إعداد الطرطور الخاص به. كلاهما يمكن تعلّمه وتجربته بسهولة، وعلى الأخصّ بالنسبة للرجل العازب أو المتزوّج من امرأة شبه نباتية.

5
في المغرب، كنتُ محظوظاً بمعرفة أنواع جديدة من ثمار البحر وأكلاته. الكالامار، وهوَ الاسم الفرنسي لأخطبوط البحر، كنتُ في البدء أحيّده جانباً عن طبق البيتزا أو طبق الشواء. ولكن، ذات مرة في السويد سألتُ النادل في المطعم عن عدم وجود الكالامار بالبيتزا، فقال لي أنه غالٍ جداً. في ماكدونالدز مدينة " طنجة "، تذوقتُ لأول مرة هامبرغر القريدس ( الجمبري ) وكان لذيذاً جداً. الثمار الأخرى، مثل بلح البحر والمحار والسرطان ( الكابوريا )، كنتُ أراها في سوق السمك بمدينة " الصويرة ". إلا أنني بقيتُ أتجنّب أكلها، مكتفياً بالتمتع بمنظرها المثير وهيَ ما تفتأ حيّةً ترزق.
المغاربة، وبسبب وقوع بلادهم على المحيط الأطلسي والبحر المتوسط، فإنهم برعوا في التفنن بثمار البحر المختلفة. وكذلك، لتأثرهم الشديد بتقاليد المطبخ الفرنسي. القريدس والكالامار، تشوى عادةً قبل الأنواع الأخرى من السمك كي تُقدّم مع المقبلات. حنكليس البحر ( السمكة الشبيهة بالثعبان )، المتميز بكثرة الحسك فيه، يطبخونه مع الطاجين. أما السردين، وهوَ أكثر أنواع السمك شعبيةً في بلاد الأطلس، فإنه يحضّر بطريقة الشوي كما والقلي. من ناحيتي، وبسبب ذكرى قديمة سيئة، ظللتُ أكره السردين سواءً كان معلباً أو طازجاً. الأصدقاء في " الصويرة "، تغامزوا على بطَري بالنعمة ذات مرة عندما رأوني أرمي أفراخ السردين المشوي لقطط المطعم. هنا في السويد، أعدت أم الأولاد يوماً طاجينَ السمك. على المائدة، رحتُ أمتدح النكهة الرائعة والطعم اللذيذ. وإذا بها تفاجئني بالقول ضاحكةً: " ما تأكله في الطاجين هوَ السردين الطازج ".



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المُخلّص
- سيرَة أُخرى 8
- مجنون الكنز
- الحكايات الثلاث
- سيرَة أُخرى 7
- أمثولتان
- مجنونة الجبل
- سيرَة أُخرى 6
- الحكايتان
- من أمستردام إلى مالمو
- سيرَة أُخرى 5
- حكايات
- أمستردام
- سيرَة أُخرى 4
- مراهق
- حكايتان
- ثلاث حكايات
- سيرَة أُخرى 3
- مجنون عبّاد الشمس
- قانون فرعوني


المزيد.....




- سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
- -المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية ...
- أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد ...
- الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين ...
- -لي يدان لأكتب-.. باكورة مشروع -غزة تكتب- بأقلام غزية
- انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
- مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب ...
- فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو ...
- الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
- متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة أُخرى 9