|
طرب الآلة الأندلسية والمشترك الثقافي بين الحاضرتين فاس وتازة / المغرب.
عبد السلام انويكًة
باحث
الحوار المتمدن-العدد: 5030 - 2015 / 12 / 31 - 22:53
المحور:
الادب والفن
تراث الموسيقى الأندلسية أو طرب الآلة كما يفضل ذلك المرحوم محمد الفاسي، هذا جانب مشرق من جوانب حضارة وثقافة فنية مغربية أصيلة. وللمغرب فضل الحفاظ على جزء كبير من هذا الارث حتى يضل صافيا نقيا وأصيلا، ولطرب الآلة كما في علم فاعلين ومهتمين وباحثين في المجال، امتداد واسع شمل حواضر مغربية عتيقة عدة بنوع من التفاوت منها تازة. التي اشتهرت بعلامات كبيرة وحُفاظ كبار لهذا التراث، وبعارفين كبار بأسرار هذا الإرث الثقافي المغربي الأصيل. بل هؤلاء هم من يرجع لهم فضل بقاء هذا التراث واستمراريته واتساع مجاله، حتى بلغ من الرقي والغنى والمكانة ما بلغه حاليا. فقد عمل هؤلاء ليس فقط على إغناء طرب الآلة ، إنما كذلك على نشره بمدن أخرى غير مدينتهم الأصل تازة، منهم نذكر محمد البريهي أحد نوابغ هذا التراث الذين كرسوا حياتهم للدفاع عنه. وهذا الأخير الذي توفي في 15 شتنبر1945، تلقى تعليمه الموسيقي على يد أبيه الفنان عبد السلام البريهي. قبل أن يتحول الى موسيقي كبير يحفظ غير قليل من هذا التراث الأندلسي، ويتقن أدواره ومستعملاته. فكان عازفا ماهرا على آلة الرباب. أكثر من هذا عمل محمد البريهي على ترسيخ طرب الآلة والتعريف به، ولتحقيق ما كان يرومه أسس جوقا ضم نخبة ممن لقنهم أصول هذا الفن الأصيل الأندلسي. والى جانب هذا العلم التازي الذي كان بصدى في هذا المجال ولا يزال، بفضل ما كان له من عمل واجتهاد فني نافع. هناك محمد التويزي ولبزور التازي وغيرهم. وقد ذكر الحاج محمد بلمليح رئيس جمعية هواة الموسيقى الأندلسية بالمغرب، وهو من مواليد فاس 1918 وأحد فقهاء المدينة الذين أخذوا من القرويين ومن الزاوية التيجانية، وممن استفادوا كثيرا من مخالطة كبار أعلام طرب الآلة. فقد أورد في حديث له عن هذا المجال في علاقته بمدن مغربية أصيلة على عهد الحماية الفرنسية بالمغرب، أن هذه الفترة تميزت بخمول موسيقي وبقلة البيوتات التي كانت تهتم بموسيقى الآلة في بعض المدن، مؤكدا على أنه الى جانب كل من وزان وطنجة كانت هناك تازة. مع أهمية الاشارة الى أن فاس خلال بداية أربعينات القرن الماضي، كانت قبلة لعدد من عشاق طرب الآلة القادمين من مدن الشمال. فالمرحوم محمد العربي التمسماني كان يتردد على حاضرة المغرب العلمية، لتعرف على فنانين كبار بها أمثال أحمد التازي، وكان قد تم الترحيب به كعازف في جوق البريهي أنذاك. وطرب الآلة الذي يجمع بين الأدب الرفيع والنغم البديع، كان ولا يزال ولع المغاربة الأول والأصيل الى جانب طرب الملحون. وهما معا سلوة أنفاس وقوت أرواح وبهجة مجالس وأفراح، لما يقومان عليه من نغم وموشح وزجل وتوشية..رغم كل هذا الزخم من الحداثة والتقنية واللحن. وكما حال عدد من مدن المغرب العتيقة والمحتضنة لهذا التراث الأصيل، لمدينة تازة من الأثر والعلامات ما يحيلها على زمن أندلسي بهي، من أزقة وأحياء ومساجد لا تزال تحمل اسم الأندلس. مدينة كانت خلال فترة الحماية قبلة لشخصيات ذات خبرة موسيقية، كانوا بأدوار وتأثير ملموس في شأن الفنون وبخاصة الموسيقى. لما أدخلوه على المجتمع التازي من أثر ولما حملوه معهم من تراث غنائي وأساليب طرب وتقنيات إحياء الليالي في فني طرب الآلة والملحون. وعلى سبيل المثال نذكر أنه مع بداية خمسينات القرن الماضي، نزل بمدينة تازة "البشير لغرايري" أحد المولوعين بالمالوف قادما إليها من تونس. والى جانب ما حضي من ترحاب وعناية خاصة عند أسر تازية أصيلة، كان حافزا لتكوين عدد من هواة الموسيقى التازيين، ضمن مجموعة ضمت عناصر منها محمد بنصاري محمد بناني محمد بنويس..وضيف تازة هذا لسنوات محدودة، كان يلقي دروسا في الموشحات والأناشيد الغنائية. خلال نفس الفترة وبعد رحيل هذا الأخير الى بلاده لأسباب لها علاقة بأحداث وطنية، استمر الاقبال على طرب الآلة إنما عبر أحد أبناء فاس هذه المرة. ويتعلق الأمر ب. ادريس بلشهب الذي كان واسطة، من أجل زيارات أسبوعية لموسيقيين فاسيين الى تازة منهم مثلا ادريس السغروشني. وخلال نفس الفترة التي اعتبرت ذهبية بالنسبة لطرب الآلة في تازة، قدم الى المدينة عدد من الفاسيين المولوعين بهذا التراث، من أجل الاحتماء وخوفا من متابعات سلطات الحماية لهم. منهم نذكر بلعيد السوسي والهادي بركًم ..هذا على إثر اتصالات قام بها التازي أحمد الشراط، حيث ضل هؤلاء بتازة الى حين حصول المغرب على الاستقلال. وكانت مع نهاية خمسينات القرن الماضي قد تأسست أول مجموعة موسيقية تازية، ضمت كل من أحمد الشراط وامحمد بن حدوش والهادي فنيش ومحمد بنصاري ومحمد بناني....هذا قبل أن يحصل تحول نوعي في المشهد الموسيقي بتازة، بفضل "الخليفي" أحد الفاسيين العازفين المتميزين أنذاك على آلة الكمان مع بداية ستينات القرن الماضي. وقبل أن يبدأ اسهام إسمين تازيين يُسجل أنه كانا بفضل في إغناء الحركة الموسيقية بالمدينة، وفي هيكلتها وانفاتحها أكثر ويتعلق الأمر بالمرحوم الحسين الأمراني والحاج الطيب بن عصمان أحاطه الله بالصحة والعافية وأطال عمره. وكان إحداث معهد موسيقي بتازة مع بداية سبعينات القرن الماضي، وتعيين مدير بكفاية عالية مهتم بالتراث المغربي الأصيل ومولوع بطرب الآلة، وهو ذ.عبد الله الخراز قادما من تطوان مدينة مغربية شمالية أندلسية بامتياز. بحيث خلال هذه الفترة ساهمت عدة أسماء فاسية في ترسيخ علمي لطرب الآلة بتازة، من خلال ما كانوا يقدمونه من دروس وما كانوا يحرصون عليه من تلقين وحفظ لصنائع وتعليم لعزف على آلات موسيقية. منهم نذكر الأساتذة محمد بريول وأحمد اطراشن، ومصطفى العامري ونجيب العمراني وأحمد شيكي. زخم علمي وتكويني أول بالمعهد الموسيقي، شكل أرضية لفترة موسيقية ذهبية غير مسبوقة في تاريخ المدينة، ارتبطت بفترة تدبير وإدارة للمعهد الموسيقي من قبل أحد أبناء تازة، ممن تميزوا بكفاية علمية موسيقية عالية وغيرة على الثقافة والتراث، وممن كانوا بشخصية إدارية قوية وهيبة فنية وأخلاقية و"كاريزما" خاصة، ويتعلق الأمر ب.الأستاذ عبد اللطيف لمزوري الذي يُشهد له بما كان عليه من اجتهاد وفضل في هذا المجال. فترة ذهبية بكل المقاييس علما وتعليما وإقبالا ونوعا وجودة وإشعاعا محليا ووطنيا ودوليا. فترة ازدهرت فيها كل أشكال الموسيقى، من موسيقى عربية وموسيقى غرفة غربية كلاسيكية، وطرب آلة احتل مكانة خاصة في تازة بشكل غير مسبوق. ويكفي للتاريخ فقط أن المعهد الموسيقي بتازة كان دائما حاضرا بطلبته في مباريات وطنية، لنيل شواهد عليا بالرباط تحت اشراف وزارة الثقافة. ويكفي أن تازة كانت حاضرة بجوقها لطرب الآلة، في مواعد فنية موسيقية تراثية وطنية كبرى. فقد شاركت تازة في ملتقى الأندلسيات الخامس عشر بمدينة شفشاون خلال يوليوز 2000 ، موعد كانت ولا تزال تحتضنه وزارة الثقافة. تحفيزا للفرق الوطنية الفاعلة في هذا المجال، وخدمة وحفاظا على التراث الأندلسي الموسيقي الأصيل. وكان هذا الموعد الفني التراثي الوطني الذي أثار فيه جوق تازة لطرب الآلة، إعجاب من حج إليه من فنانين ومولوعين وباحثين من مختلف جهات البلاد، قد جمع فرقا وطنية وأجواق عريقة بحفاظ وعازفين ومنشدين كبار عن مدن رائدة انذاك ولا تزال، مثل فرقة سلا برئاسة عدنان السفياني وجوق فاس برئاسة محمد بريول، وجوق شفشاون برئاسة محمد اغبالو وجوق تطوان برئاسة أحمد شقارة، وفرقة بلابل الأندلس برئاسة عبد الكريم العمارتي وجوق جمعية فويتح للموسيقى الاندلسية برئاسة أحمد الزيتوني، والفرقة النسائية بشفشاون برئاسة عائشة أبراق وجوق مكناس للموسيقى الاندلسية برئاسة محمد الهواري، وجوق الرباط لطرب الآلة بالرباط برئاسة أمين الدبي وبمشاركة كل من باجدوب وعبد الرحيم الصويري وأخيرا الفرقة الأندلسية لمدينة تطوان برئاسة محمد الأمين الأكرمي. مع أهمية الاشارة الى أن ملتقى الأندلسيات الخامس عشر الذي شارك فيه جوق تازة لطرب الآلة، كان قد تضمن حفل تكريم أحد أقطاب ورموز الآلة الأندلسية المغربية والمغاربية ويتعلق الأمر بالمرحوم محمد العربي التمسماني. وإسهام تازة في هذا الموعد التراثي الكبير دليل على فترة ذهبية كان عليها المعهد الموسيقي، ودليل على ما بلغته الآلة الأندلسية بالمدينة بفضل ذ. أحمد شيكي، من ازدهار وتكوين وخبرة واشعاع. وجوق المعهد الموسيقي لطرب الآلة الذي كان يتكون من خريجي المعهد وأساتذة مكونين، والذي شارك في هذا الملتقى الوطني بشفشاون بحصة فنية من ميزان رصد الذيل. بدأ نشاطه سنة 1992 باسهامت محلية، شملت مهرجانات ثقافية وسياحية وأمسيات تراثية تكريمية وانسانية. وعلى إثر شلل تام ضرب المعهد الموسيقي بتازة منذ بداية الألفية الثالثة على امتداد حوالي العقدين من الزمن، ويبدو أنه لا يزال بنفس الحال وربما قد يظل منتكسا الى حين. وأمام الشتات الذي أتى على كل شئ من الإنجازات، منذ تأسيس هذه المؤسسة الثقافية التربوية والفنية، بما في ذلك جوق طرب الآلة الذي كان مفخرة المدينة. أمام كل هذا المصاب للأسف الشديد تُعلق كثير من الآمال على دار السماع، التي تم إحداثها مؤخرا بتازة العليا المجال العتيق، مستفيدة من دعم المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. والأمل يعلق تحديدا على بادرة تأسيس جوق لبزور التازي لطرب الآلة، برئاسة ذ. عز الدين لحرش، جوق يملك مؤهلات فنية وبشرية بقيمة مضافة عالية، من شأنها استعادة زمن جميل وتألق كان عليه جوق المعهد الموسيقي لطرب الآلة، بل استعادة مجد فترة ذهبية واسهامات بصدى وطني ودولي.ومن لا يتذكر تلك المشاركة المشرفة لجوق تازة لطرب الآلة ممثلا للمغرب في مهرجان إكسبو 2000 ب.هانوفر بألمانيا. بعض فقط من أوجه فعل فني وتراثي وموسيقي مشرق كانت عليه المدينة الى عهد قريب، الى حين أوراق أخرى تنويرالناشئة من عاشقين جدد. بقلم : عبد السلام انويكًة
#عبد_السلام_انويكًة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تازة :تربية وتكوين التدبير الجيد وهيئة التدريس من أسس التميز
-
الخرجة العيساوية السنوية، تراث ممتد وفرجة صوفية في زمن عولمة
...
-
ملتقى إغزران الثقافي بالمغرب.... الإمكان الترابي والنماء الق
...
-
تجارة العظام البشرية في التاريخ أو قضايا البحث الشائكة.
-
جرسيف: فعاليات المعرض الجهوي للكتاب
-
تازة: لعبة السعادة أوالذكاء الاجتماعي عند فرقة مسرح التأسيس.
-
التأسيس والتربية على الذكاء الاجتماعي مسرحيا.
-
تازة...الشتات المبدع يجتمع قبل مناظرة الشأن الثقافي.
-
التربية على الإبداع في الوسط المدرسي أي وعي/ فعل تشاركي ??
-
تازة في المعرض الدولي للكتاب بالدار البيضاء
-
تكوين..رقميات..وحقوق الإنسان.
-
حديقة معلقة...توقف..هناك تازة.
-
سماع مغربي ... رحلة عناق بين تازة ومسْقط.
-
الإذاعة....والإرث الفني الجميل. رقراق ..لحن ..ومزهر?
-
سؤال تجويد الفعل التربوي بالوسط القروي المغرب نموذجا??
-
بين الشعر وسحر المكان.....مغارة افريواطو بالمغرب
-
ابن بطوطة وباقي خيوط الترابط بين المغرب والصين?
-
من تاريخ الإعلام السمعي بالمغرب إذاعة فاس والكل في فاس.
-
المغرب :افتتاح ورش روائي تاريخي لفائدة الذاكرة الجماعية.
-
الفعل الروائي والسينمائي والذاكرة الوطنية بالمغرب أسئلة الكا
...
المزيد.....
-
صحفي إيرلندي: الصواريخ تحدثت بالفعل ولكن باللغة الروسية
-
إرجاء محاكمة ترامب في تهم صمت الممثلة الإباحية إلى أجل غير م
...
-
مصر.. حبس فنانة سابقة شهرين وتغريمها ألف جنيه
-
خريطة التمثيل السياسي تترقب نتائج التعداد السكاني.. هل ترتفع
...
-
كيف ثارت مصر على الإستعمار في فيلم وائل شوقي؟
-
Rotana cinema بجودة عالية وبدون تشويش نزل الآن التحديث الأخي
...
-
واتساب تضيف ميزة تحويل الصوت إلى نص واللغة العربية مدعومة با
...
-
“بجودة hd” استقبل حالا تردد قناة ميكي كيدز الجديد 2024 على ا
...
-
المعايدات تنهال على -جارة القمر- في عيدها الـ90
-
رشيد مشهراوي: السينما وطن لا يستطيع أحد احتلاله بالنسبة للفل
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|