|
لماذا يعارض الليبيون حقي في التعبير؟!
وفاء البوعيسي
الحوار المتمدن-العدد: 5030 - 2015 / 12 / 31 - 15:02
المحور:
المجتمع المدني
دأب عددٌ من القرّاء على مناقشة مقالاتي بنية رفض مسبقة، ومنهم من يأتي للنقاش مع فزاعة طيور صنعها لنفسه، يتعارك معها على وقع المقالة، أو يناقشني في تفسيراته هو لا فيما طرحته أنا، وكم تلقّى محرر موقع ليبيا المستقبل الذي أنشر فيه، شتائم قاذعة طالته في عرضه ووطنيته وإيمانه، ودائماً يطالبه البعض بمنعي من النشر لسببين إثنين برأيهم، أنني أعتدي على الإسلام وأن المجتمع الليبي محافظ وله خصوصيته، وفي زمن ما بعد إزاحة الأنظمة الديكتاتورية، وتوسّع النشر الإلكتروني غير المرَاقب، صار لزاماً مناقشة هاتين المسألتين بشكلٍ صريحٍ وحاسم اليوم. كيف نفهم الإعتداء على الدين؟! إن حرية المعتقد وحرية التعبير، يشكّلان معاً حُزمةً حقوقيةً وفلسفيةً واحدة، لا يمكن تجزئتها حسب المزاج والمصالح، والمسلمون مستفيدون من ذلك، ومن مظاهرها بناء المساجد في الغرب، وتشكيل المنظمات والجمعيات لنشر الإسلام هناك، وتنظيم المظاهرات للمطالبة باحترام حقوقهم كأقلية، بنفس الوقت الذي يساندون فيه عقوبة الردة، وتطبيق الشريعة على الأقليات الدينية في مجتمعاتهم، ومنها مُطالبة المسلمة، بحق العمل في روضة أطفال وهي ترتدي نقاباً أسود، ورفض المسلم مصافحة موظفة البلدية أو رئيسته في العمل لأنها عورة وتُبطل وضوءه، إذ ليس هناك ما يمنع المرء ـ أياً كان ـ حسب القانون المدني الديمقراطي، من المحافظة على تخلفه الفكري والحضاري، شريطة ألا يفرضه على الآخرين، وإذا أردنا أن نقول كل شيء بالخصوص، فإن المسلم يُسيء لغير المسلمين كل يوم، بسبابه المقدس في صلواته حين يصفهم بالضالين، والمغضوب عليهم، وبالكلب الذي إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث، وأنهم كالأنعام بل الأنعام أفضل منهم درجة، والمسلم يعرف جيداً ما لذي يُفعل بالأنعام، بدأً من الركوب إلى الإستعمال وحتى الذبح، لكن أحداً لا يجرؤ أن يقول له هذا، لأنه يحترم حقه في العقيدة والتعبير. وهنا سأرفع عقيرتي بالسؤال، لماذا تجرح كتاباتي مشاعر القرّاء الليبيين بزعم أنها تُسيء للدين، بينما لا تجرح مشاعرهم أفعال إخوانهم القبيحة والهمجية، كقيام داعش بإسترقاق النساء من القومية الأزيدية وقتل الآلاف من رجالهن لأنهم ليسوا مسلمين؟ ولماذا لم تنجرح مشاعرهم لقتل امرأة سورية اتُهمت بالزنا دون وجود شريكها الزاني، وهي تتوسل الدواعش أن يسمحوا لها برؤية أولادها قبل أن تموت، ولا تحركت مشاعرهم لمقتل مئات الشيعة في سبايكر، ولا العشرات من بنات العشائر السنية بالموصل، لرفضهن نكاح الجهاد، بل لم أجد مظاهرةً واحدةً من نساء ليبيا، يعلّن فيها استنكارهن لتفشي نكاح الجهاد بشقيقاتهن في سرت ودرنة، ولا مظاهرة بأي مكان هناك تستنكر جرائم داعش المخجلة. إن ما أفعله أنا بالكتابة هو ممارسة حقي بالتعبير، دون تحريض على حياة أحد، أو تسفيه من يعارض أفكاري والحط منه بنعوت شخصية حقيرة، لأن الإعتداء على الدين برأيي، هو أن أقوم بعمل مادي في العالم الواقعي، يترتب عليه عرقلة عمل يخص الإسلام، كأن أقف بباب مسجد ما وأمنع المصلين من الدخول، أو أحطم صندوق تبرعات لطباعة القرآن، أو أنزع حجاب أو نقاب امرأة بالطريق العام ..الخ. إن ما أكتبه لك أيها القارئ الليبي، هو لدفعك للتفكير قليلاً خارج الأسوار العالية، التي بناها الفكر الديني حولك من 1400 سنة بلا تجديد، وصدقني لا توجد عفاريت خلف تلك الأسوار، أو قطّاع طرق يريدون اغتصاب نسائك، ولا مؤامرة من وحش الفضاء يريد إطفاء جذوة الإسلام، فلماذا لا تفكر للحظة أن ثمة خارج تلك الأسوار، عوالم أخرى قد تُشعرك بالدهشة عند اكتشافها، وأنها مليئةٌ بحكايا أُناسٍ تعلّموا الحرية والتمرد دون أن يخسروا معتقداتهم، وتشارِكهم التجربة الإنسانية فتُغني وتغتني، لماذا تخاف من الجديد، ومن التحديات الفكرية، لماذا يخيفك الكلام في الدين إلى هذا الحد؟ ماذا تعني الخصوصية التي يريد الليبيون المحافظة عليها؟! يظل القرّاء الليبيون يرددون لي أنهم مسلمون، وأن لهم خصوصيتهم كشعب محافظ، وأنني أدعو للتحلل من الأخلاق، لكن الأمور لا تسير بهذا الشكل، فلا يوجد كاتب واحد أو بضعة مقالات يمكنها أن تفعل ذلك بمجتمع كامل، هذه مبالغة ودجل، بالضبط كما لا يوجد شعب يتوقف عن التطور، ويقول أنا محافظ ولن أتغيّر لأن لي خصوصيتي، فاليابانيون مثلاً هم من أكثر الشعوب الشرقية تمسكاً بهويتهم، لكنهم تحركوا مع الوقت حين دعت الحاجة لذلك، فلم تعد النساء هناك ينتعلن الأحذية الضاغطة على القدمين، لتشوة شكل الرجلين وتعطيهما مظهراً محدداً مع الزمن، ارتهاناً لفكرة قديمة ترى أن المرأة لا تحتاج بحياتها إلا أن تخطو بضع خطوات حول بيتها، لأنها مجرد خادمة لزوجها وأولادها، إن المرأة اليابانية اليوم تنتعل أحذيةً مريحةً، وتستقل قطار الأنفاق إلى العمل مع الرجل، وتصنع السيارات والروبوتات وتقود الطائرة والغواصة، وتبحث عن أدوية للأمراض الخطيرة، لقد خلعت اليابانية حذائها الضاغط، وسارت بهمة على طريق الألف ميل، والمرأة الليبية التي غضبت مني لأنني نعتها بالجارية، وردت عليّ بخشونة مفرطة أنها حرة، فعلت ذلك دائماً باسم مستعار، لأنها تخاف من سيدها الرجل، ولطالما كانت هي المقصودة بالكلام عن الخصوصية. عزيزتي المرأة الليبية، أنتِ قارئة مزعجة أيضاً كالرجل، الفرق أنكِ اتكالية وعاطلة عن التغيير، ترين نفسكِ مواطنةً من الدرجة الثانية، وتنتظرين أن يتصدقوا عليكِ ببعض الحقوق في الدستور، تصولين وتجولين في بعض الميادين السياسية والمدنية، وأنتِ خائفة من سوط النقد وسيف العادات والتقاليد، وتنتظرين أن يتغير الرجل كي يغيركِ معه، وأن يفتح لكِ باب القفص حتى تخرجي لفضاء الحرية ببركاته، لكن يا عزيزتي، أنتِ لا تدركين أن الرجل الذي يسجنكِ بالقيم الذكورية وأحكام الدين، إنما هو حارس محكوم عليه بالبقاء معكِ في نفس الزنزانة لمراقبتكِ حتى لا تهربين، غاية ما في الأمر أن كل واحدٍ منكما، ينظر للجهة التي تقابله من القضبان فقط، لهذا لم ولن تتقدم مجتمعاتنا، طالما أن نصفها مسجون، ونصفها الآخر مشغول بحراسته، وما لم تتسلحي أنتِ بالوعي، وتدركي أهمية دوركِ في عملية التحديث النوعية للمجتمع، فستظلين مسجونةً ويظل الرجل مسجوناً معكِ، وكان هدف كتاباتي دائماً، أن تمدي يدكِ وتأخذي المفتاح من الحلقة المعلقة ببنطاله، وتفتحي باب الزنزانة وتأخذيه من يده وتخرجين معه للشمس وللهواء، فإن رفض فلتغادري وحدك ولتتركيه يغني للقضبان، أو فيذهب لكوكب العبيد. إن نظريتي هي أن تحرير الرجل هو مسألة بيد المرأة، لكنكِ يا عزيزتي صدقتي أن سجنك هو لحمايتك من طبيعتك الشيطانية، وأن الرجال خارج الزنزانة ذئاب مفترسة تنتظرك عند كل منعطف، لكن صدقي أو لا تصدقي، أنتِ لن تصيري عاهرةً خارج الزنزانة كما لن تفقدي أنوثتكِ، والرجل هو كائنٌ محبٌ وكبير القلب، وداعم مهم في رحلة الحياة الشاقة، كما لا توجد مؤامرات ماسونية ستأخذ منكِ الإسلام. أخيراً! أعزائي القرّاء والقارئات، إن كتاباتي التي تتطرق للدين، هي فعل ولاء ومحبة لشعب أنتمي إليه، وأراه يغرق في الفوضى والتطرف بسبب الديكتاتورية، ومناهج التعليم، واسلوب التربية، وعدم تحملنا لمسؤوليتنا في وقف شيوخ ينتمون للقرون الوسطى عند حدهم، وعدم مبادرتنا بنقد الإسلام بوقت مبكر، وما أقدمه دائماً هو آراء شخصية، فقد تعلمت هذا من خصومي الإسلاميين، الذين أرادوا أن يرغموني على شراء الحقيقة المطلقة، بكل وسائل الترغيب والترهيب الفكري، لأن لديهم دائماً جيوشاً إعلامية ودعوية، لقد أخذوا كل اليقين الموجود في السوق، ولم يتركوا ليّ إلا الظن والتخمين وبعض الشكوك، إن شئتم خذوها، وإن شئتم تجاهلوها وتصرفوا كأنكم لا ترونها، وإن شئتم ردوا عليّ وناقشوني فيها، وصححوا لي ما وقعت فيه من أخطاء. أعزائي، أنا لن أشارك في منحكم التخدير الذي يعطيه لكم العاملون في مصانع الأفكار المعلبة، وأعني بذلك شيوخ الفضائيات الدينية والمفتين حسب الطلب، فالعاملين في تلك المصانع الدينية، هم رجال كُسالى جعلوا من الدين سلعتهم، يأكلون بلحيّهم كما تأكل العاهرة بثدييها، وقد كانت أصواتكم وأصواتهم عالية جداً معي، تشتم وتكّفر وتشيطن كل كتاباتي، وبعضها اشتكاني لأسرتي لوقف سلسلة بعض المقالات، لذلك اضطررت في بعض المرات، أن أرفع صوتي أنا الأخرى لكي تسمعوا وتفهموا قصدي. إفهموها رجاءً، أنا حين أكتب فأنا لن أعيد صياغة كلماتي من محفوظات القرآن، أو الأمثال الشعبية، أو تعاليم جدتي المولودة في 1890، بل سأكتب كلمات امرأة تفكر وتحلم بمنطق هذا القرن، لأن الخلاصة التي وصلت إليها بعد الأحداث الدامية في ليبيا، هي أن قمة الهرم السياسي والديني هناك، ليس من مصلحتها تغيير الأوضاع، لأن منفعتها قائمة على بقاء الفساد والإرتزاق من معاناتنا، كما أن أي تغيير اليوم، يجب برأيي أن يبدأ من الشارع، والمجموعات الصغيرة ستكبر مع الوقت، وأنا أعشق الكتابة ونَفَسي طويل كما ترون، وأنتم حين تطالبون بمنع مقالاتي، فإنكم ترتكبون خطأً مضحكاً، لإن ثمة غيركم من القرّاء الليبيين وغير الليبيين، ممن يتابع كتاباتي ويتفاعل معها بإيجابية عالية، فلا تحاولوا احتكار الساحة لكم لأنها من زمان صارت تتسع لكل التوجهات، ولأنه إن مَنَع الأمين أو غيره نشر مقالاتي، فسأفتح موقعي الخاص بالبلاش وأنشر منه بكل بساطة، وإن قمتم بقرصنته فسأفتح غيره دائماً وبكل بساطة، وإن أسكتموني أنا، فلن تستطيعوا إسكات المئات من الأصوات الشابة الجديدة، ممن يؤمنون مثلي بأن الثورة قد بدأت الآن فقط.
#وفاء_البوعيسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كيف نُنهي الإرتزاق بالإسلام؟!
-
نظرة في الشذوذ الجنسي
-
الإقطاع الإلهي في أورشليم
-
خديجة تكشف أزمة الإسلام
-
محمد ينقلب على خديجة
-
مفاهيم سيئة السمعة (6) الإسلام صالح لكل زمان ومكان الجزء الث
...
-
مفاهيم سيئة السمعة (6) الإسلام صالح لكل زمان ومكان الجزء الث
...
-
مفاهيم سيئة السُمعة (5) الإسلام صالح لكل زمان ومكان
-
مفاهيم سيئة السُمعة (6) الإسلام صالح لكل زمان ومكان
-
مفاهيم سيئة السمعة (5) الإسلام هو الحل
-
مفاهيم سيئة السمعة (4) الإسلام السياسي
-
مفاهيم سيئة السمعة (3) ثوابت الإسلام
-
مفاهيم سيئة السمعة (2)
-
المرأة والدين
-
مفاهيم سيئة السمعة
-
على هامش مقالات الإسلام ليس منهم براء
-
الإسلام -ليس- منهم براء (2)
-
الإسلام -ليس- منهم براء (1)
المزيد.....
-
نتنياهو وغالانت والضيف: ماذا نعرف عن الشخصيات الثلاثة المطلو
...
-
زاخاروفا تعلق بسخرية على تهديد أمريكي للجنائية الدولية بشأن
...
-
ما هو نظام روما الأساسي الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية؟
-
كيف ستؤثر مذكرات الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت على حرب غزة ول
...
-
إسرائيل تقصر الاعتقال الإداري على الفلسطينيين دون المستوطنين
...
-
بين فرح وصدمة.. شاهد ما قاله فلسطينيون وإسرائيليون عن مذكرات
...
-
عشرات آلاف اليمنيين يتظاهرون تنديدا بحرب الإبادة في غزة ولبن
...
-
2024 يشهد أكبر خسارة في تاريخ الإغاثة الإنسانية: 281 قتيلا و
...
-
خبراء: الجنائية الدولية لديها مذكرة اعتقال سرية لشخصيات إسرا
...
-
القيادي في حماس خليل الحية: لماذا يجب علينا إعادة الأسرى في
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|