|
طريقٌ أم طرق ؟
هاشم تايه
الحوار المتمدن-العدد: 1371 - 2005 / 11 / 7 - 04:32
المحور:
كتابات ساخرة
هناك من يأبى إلاّ أن يأخذنا ، دون أنْ نسأله ، ( أخذ عزيزٍ مقتدر ) إلى فردوس لا يقع ، كما يزعم ، إلا في نهاية طريقه المعزولة جيّداً بإصرار عجيب عن طرق الحياة التي لا يفكّر إلاّ في إبادتها عن بكرة أبيها ، إنْ لم يكن اليوم فغداً . إنّه موكولٌ بنا ، ومصيرنا الكاسف يُؤرّق دمه ، وإنّ في جلبابه نيّة طيّبة ـ أحياناً ! ـ نيّة محرقة ترانا سادرين في طرقنا ( المنكرة ) فتزيّن له القيام بدورٍ مرهق يتحوّل فيه إلى راعٍ يضطلع بمهمّة خطيرة لا تقوم لها قائمة إلاّ بثلاث: قطيع طيّب لا أمل له إلاّ أنْ يُقاد فيطيع ، وعصا يَقِظَة لا يفلت منها الطريق مهما ادلهمّ الظلام ، وهاجت الأعاصير ، ومرعى مكتوب منتظر … إنّ راعينا الطيّب الهائم بنا ، الذي وجدنا غرضاً عريضاً لصبابته العسيرة ، قَدَّر أنّه وحده ، وليس أحدٌ غيره ، مَنْ تَبَصَّرَ فأبصر الطريق الواحدة الوحيدة التي لا تبدأ إلا حيث تقف قدماه ، ولا تنتهي إلاّ حيث يشخص حلمه الأثير في المرتع السعيد الذي لابُدَّ أنْ يسوقنا إليه شئنا أم أبينا ... لا طريق غير هذه الطريق ، لا أمل إلاّ على جادتها ، لا خلاص إلاّ في مرتعها البعيد ... وما على راعينا المهموم بنا الذي لن يتخلّى عنّا ، إلاّ الإخلاص لهذه التي وجدها سالكة مثل أنثى بلا حول ، تنتظر قدميه الشريفتين ، وقطيعه المطيع ، وعصاه الحارسة إخلاصاً هو فرضُ عين . الطريق ، كما رآها الراعي ، في اليقظة وفي النوم ، تدعمها، كما يرى، أرضٌ وسماء بإشارات وكلمات غالبة لا سبيل إلى قهرها ، وهي محدّدة مكتملة واضحة تسطع على هامتها الأضواء فلا تُخطئها إلاّ عينٌ مارقة يتعيّن سمْلُها. إنّ الرّاعي الذي ابتلي ، لسوء حظّه ، بمدينة وتاريخ في وجودٍ (لَعينٍ مبقّع بالدّنس)، لم يجد مناصاً من أنْ يحوّل نفسه حاكماً فرداً ، وعصاه بندقيةً تُحسن إطلاق الرصاص ، حتى عندما لا تكون هناك دواع ، وقطيعَهُ المغلوب رعيةً مُذعنة تُتقِنُ الانقياد والتسليم ولا تحيد عن المرسوم ، ولا تفكّر إلاّ بعقلٍ مصلوب في دائرةٍ لا تدور ... طريق عزلاء وحيدة ، لا ترى غير جادّتها ، يجرّها يقينٌ بارد ، مكتوبة بكلمات مقفرة بمدادٍ شاحب ، محرومة إلاّ من متاعٍ قليل يُؤمّن العبور الكارثيّ وحسب ، بلا أملٍ لغناء قلبٍ يبتهج ، ولا لرقصة روحٍ تنتشي ، ولا للونٍ يتجرّد عن حجابه الغريب ليُصرّح بفتنته العميقة الآسرة التي فَطَرَهُ الله عليها . وإذا كانت هناك طرقٌ أخرى فهي ( عاصية ) وراعينا مرغمٌ على السّماح لها بالوجود مؤقتاً ، لهذا السبب أو ذاك ، ولكنّه مكلّفٌ تكليفاً لا ينفكّ ، بمراقبة ما يجري فيها عن كثب بحملات مداهمة لا تفتر ولا تستكين هدفُها ، كأسابيع للنظافة ، تجريد ( الشياطين المارقين ) من ألعابهم ووسائل عصيانهم وخروجهم عن الطاعة وحرمانهم منها بأي وسيلة ، بالسوط ، بالسيف ، بالنار ، بالتيزاب ... فالمهم سحق الغريزة ، وإبادة الهوى ، وإطفاء الشهوات وردم الغليل ، هذه هي المهمة الكبرى التي تحفظ للوطن عافيته وأمنه وأمانه ، وتصون استقلاله وتطرد عنه الغرباء الجاثمين على تُرابه ... المهم جدّاً ردع ( الشياطين ) وتقويض دروبهم ( العكرات ) لكي يكبتوا الأهواء الآثمة، ويصوموا عن الألعاب صوماً لا عيد بعده ... ! ويكونوا على استعداد للندم لكي يلتحقوا بالركب المسافر على تلك الطريق التي قرّرت أن تكون وحيدة يسوسها الراعي الوحيد الذي يظنّ أنّه مَنْ رأى وأبصر كلَّ شيء وما على البلاد إلاّ أن تُغنّيَ بذكره بلا لحن ولا موسيقا تمجُّهما أُذناه ... راعينا المتأهب الآن ليدقَّ أعناق الطرق ( العاصية ) سيخسر نفسه وسيخسرنا لأنّه لم يُقدّر جيّداً حقيقة أنّ الإنسان يفضّل الذهاب إلى السعير وهو حرٌّ طليق على أن يُقاد مغلولاً بلا حريّة إلى الفردوس ... ولم يُخطئ من قال : ( سيّئات الحرية خيرٌ من محاسن الاستبداد )
#هاشم_تايه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الرؤية الكونكريتية
-
التشكيلية السورية هالة الفيصل الأنثى بعين الجسد
-
أسمال ليست طاعنة في السن
-
بصوت هادئ حمّال الأسيّة !
المزيد.....
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|