|
الوزير والجَرَّة - كتابة ساخرة
إبراهيم رمزي
الحوار المتمدن-العدد: 5028 - 2015 / 12 / 29 - 16:11
المحور:
كتابات ساخرة
قرأت الرسالة "النصية" - على هاتفي - مرات ومرات، ودققت في اسم مرسلها .. ثم قفزت كالملسوع، غادرت غرفتي، وقفزت قفزا، حتى وصلت باب المطبخ .. تمالكت نفسي آنذاك، وحنحنت، حتى إذا التفتت رفيقتي نحوي، بدأت أمشي أمامها كالطاووس .. اتهمتني بالمس .. فقلت بنبرة صارمة: - لا يحق لرفيقة الوزير أن تتكلم هكذا. لزمت الصمت، وحدقت فيّ بعينين واسعتين، من القمة حتى الرجلين، كأنها تبحث في ذاتي عن سبب لـ"جنوني". أطلعتها على الرسالة التي وصلتني: "تم تعيينك وزيرا في تشكيلة الحكومة المقبلة. مع تهانئي - فلان .....". قالت رفيقتي بفتور: ربما يمازحك؟ وزير؟ بأي حقيبة؟ قلت: الحقيبة لا تهم، المنصب هو المهم. عدت إلى غرفتي، وبدأت أشرّق وأغرّب، أسجل الخطط والبرامج، والملاحظات، والتطلعات، والتغييرات، والتقويمات، والميزانيات، ... دخلت علي رفيقتي لتخبرني أن العشاء جاهز .. فراعها ركام الأوراق المتناثر حولي .. واستنكرت هذه الفوضى العبثية .. طمأنتها أنني كنت أكتب رؤوس أقلام، مصارعا الزمن، حتى لا تهرب الأفكار مني .. سألتني عما أكتب الآن. قلت: إعداد التصريح بالممتلكات، لأنه إجباري. قهقهت ساخرة مني: وماذا تملك غير عدد من الأفكار الجهنمية؟ قلت: الأمر كما قلتِ، ولكن عندما أستحضر تجارب الآخرين ممن "أسعدتني" الظروف بالاستماع إليهم وهم يحكون عن خدعهم وتحايلاتهم للفوز بأكبر قسط من "الكعكة، وعن أساليب تملصاتهم الضريبية، و"قفشاتهم" ونكتهم لمداراة المواقف "العصيبة" .. أجدني تلميذا فاشلا أمام "نجاح تجاربهم الرائدة". ما رأيكِ في لائحة الممتلكات هذه: فيلا في العاصمة الإدارية. فيلا أخرى، وعمارة من أربع طبقات في العاصمة السياحية. "كوخ" في المشتى الثلجي. "كوخ" في الشاطيء الخاص. محترف لصنع الملابس الجاهزة، ضيعة لإنتاج الحوامض وتربية الأبقار، مأذونية صيد في أعالي البحار، رخصة استغلال منجمي، أربع سيارات، رصيد بنكي محترم، مجوهرات وحلي وتحف وأسهم تقدر بالملايين .. شقة بعاصمة أوربية .. ؟ قاطعتني رفيقتي: أنت تهرف وتخرف لتصرح بما لا تملك؟ قلت: إني أصرح بما سأمتلك مستقبلا، حتى إذا كانت هناك محاسبة أو متابعة، كان تصريحي غير بعيد عن الواقع، وما لم أصل إليه سأدّعي أنني بعته. قالت: وكيف ستمتلك كل ما ذكرتَ، وأنت شقيق الاحتياج؟ قلت بحماسِ الفاهمِ الذكي المتيقظ المستفيد من "دروس السابقين" وقد صار يعرف من أين تؤكل الكتف: سأبدأ بنوّابي، لتكون تهنئتهم لي بمبلغ "مقبول" في كل زيارة أو مناسبة أو عيد، وسأراجع التعيينات والمهام والمكافآت والتعويضات والسفريات والعلاقات .. وسأتدخل في المشتريات والتجهيزات والعتاد وحظيرة السيارات، وسأعقد صفقات الوزارة - وفق القواعد القانونية - حتى تناسبني .. لتسخير المقاولين والحاصلين على تعاقدات لتوفير ممتلكات لفائدتي، ... قاطعتني رفيقتي: كفاك وسواسا و"نهبا" في أحلام اليقظة. قم لتتعشى. قلت: أزهد في العشاء وحتى النوم هذه الليلة .. لن أهدأ قبل وضع مخطط كامل ومتكامل، فيه تحسُّب لكل الحالات والطواريء .. حياتنا ستتغير، حتى جيراننا سيودعون التسيب الأمني بالحي، لتواجد البوليس - الساهرين على حراستي، باستمرار -، على مقربة من عمارتنا. سأتشبث بالبقاء في شقتنا، رافضا الانتقال إلى سكن "الدولة"، كما سأرفض الخادمة والطباخ والشغالين .. لا أريد جواسيس في بيتي .. انسحبت رفيقتي بهدوء، وتركتني أهذر وأثرثر كما أشاء .. في الصباح .. بدأت في أخذ أهبتي ليوم جديد ومتميز في حياتي .. اتخذت كامل أناقتي .. وكنت أذرع الصالون جيئة وذهابا متمرنا على المشية اللائقة والنظرة المناسبة .. وبين الحين والآخر أطل من الشرفة لأعرف هل جاء السائق بسيارة الوزارة أم لا؟ توقفت سيارة للبوليس، فهرعت نحو الخارج، قلت لمن كان فيها بصوت صارم: أنا "الوزير فلان ..."، تأخرتم؟ أين سيارة الوزارة؟ نظروا في وجوه بعضهم البعض، ثم قال أحدهم بأدب جم: اعذرنا، نحن سنوصلك. ركبت، حاولت وضع رجل على رجل ولكن المجال لا يسمح. توجهت السيارة نحو مخفر الشرطة. عندما نبهتهم إلى خطئهم، قالوا: لا عليك. هي مسألة روتينية تقتضي بضع دقائق فقط. وأنا أسير معهم في ممر طويل كان على جانبه حوالي عشرة أشخاص، صاحوا جميعا: ها هو النصاب المحتال، أرْجِعْ لنا أموالنا. عرفتهم، فقلت بلهجة آمرة: كفى رغاء، شققكم جاهزة، وستسلم لكم عما قريب. ألا تعلمون أنني قد عينت وزيرا؟
نختم بخبر لا علاقة له بما سبق: مغربيتان - حفظهما الله من المحاسبة والمتابعة والمناكفة و"ضريب الطر" وتمريغ سمعتهما في "....."، وليس في الطين-. واحدة - تقلد تكشيرة القرد grimace de singe - وترى أن تقاعدا بعد "عمل" لبضع سنوات بثمانية ألف درهم لا يعادل إلا "(2) زوج فرنك"، والأخرى - امرأة حديدية - "تقدّر" عبء المسؤولية، وتشتغل 22 ساعة في اليوم !!!!!!!!! وبهذا تتجسّد "المصداقية" الوزارية.
الجرة: القُلَّة. كما تعني في الدارجة المغربية - أيضا - المدلول الفصيح: الجَرِيرة. والنص صيغة "محدَّثة" لحكاية معروفة: "الراعي والجرة".
#إبراهيم_رمزي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وقال أشرف فياض
-
مهاجر: أما آن لهم أن يخجلوا ...؟
-
نكتة رئيس الحكومة المغربية
-
نكحُ حوريةٍ، عمرُها: عمرُ الأزَل
-
التطرف ونماذج من المعيش اليومي
-
من يوميات الشيطان
-
باسْم السيف وباسم الكوثر
-
-السيخ- بغدادي
-
على هامش مقال للأستاذ كامل النجار
-
الوقاية من وباء التعالُم
-
هوية
-
قليل من الوقاحة
-
جَنة وجَنة
-
تعقيب على: خطأ إملائي.
-
بأية حال عدت يا عام؟
-
الفحش في المؤلفات
-
من أرض لوط
-
دستور .. يا عالم، دستور
-
رسالة إلى دعوي: لا تكن إلهي
-
مقعد إسلامي دائم في مجلس الأمن
المزيد.....
-
-هواة الطوابع- الروسي يعرض في مهرجان القاهرة السينمائي
-
عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا
...
-
-أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب
...
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|