امين يونس
الحوار المتمدن-العدد: 5027 - 2015 / 12 / 28 - 22:00
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في إحدى قصص الروسي الكبير " تشيخوف " وَرَدَ :
( منذ أربعينَ عاماً ، عندما كنتُ في الخامسةَ عشرة ، عثرتُ في طريقي ، على ورقةٍ من فِئة جُنَيه ... ومنذ ذلك اليوم ، لم أرفع وجهي عن الأرض ! .
أستطيعُ الآن أن أحصي مُمتلكاتي ، كما يفعل أصحاب الثروات في نهاية حياتهم .. فأنا أملكُ 2917 زُراً ، و 3472 دبوساً ، و12 سِن ريشة ، و13 قَلَماً ، ومنديلاً واحِداً .. وظَهراً مُنحنِياً ، ونَظَراً ضعيفاً ، وحياةً بائِسةً ) .
...................................
منذ التغيير ومنذ إرتفاع أسعار النفط ، بصورةٍ مُضطرِدة ، ومنذ تحكًم أحزاب الإسلام السياسي والأحزاب القومية ِ، بِكُل مفاصِل الحُكم من صفوانَ إلى إبراهيم الخليل ... قفزَ راتبي ، أنا العِراقي ، بِشكلٍ ملحوظ ، وتسابَقتْ الأحزاب الحاكمة المتنافسة ، على رشوَتي ، بِرُتَبٍ مُزّيَفة ، من أجل تأييدهم .. وقّدموا لي فُرَصاً عديدة ، للتحايُل والحصول على الفُتات من هنا وهناك ، شريطة إنتخابهم ، وإستغلوا قِلَة وعيي وغبائي ، فَرموا لي حَبل الأوهام ، فتشبثتُ بهِ .
تركتُ حقلي ومزروعاتي ، حتى بارتْ الأرض .. فما الحاجةُ بعد ، للزراعة والكَد ؟ وأنا أعيشُ في رَغَد ؟ .. أستلم في نهاية الشهر ، عِدة رواتب ، والأسواقُ مليئةٌ بِكُل انواع البضائِع التي أحتاجها .. والحمدُ لله والحمدُ لحكومتنا الرشيدة وقادتنا الكِرام .
تركتُ مصنعي وإرتحتُ من بَذل الجُهدِ والتعب ... فبفَضل حِكمة زُعماءنا ، لم أعُد أعمَل .. فمجموع واردي مما أستلمهُ من الحكومة ، يكفيني ويزيد .
واليوم .. وبعدَ مرور 12 سنة ، بِمقدوري أن اُعّدِد مكاسبي وأحصي مُمتلكاتي واُلّخِصَ وضعي : تعودتُ على الكَسل والإتكاء على الحكومة / أعيشُ وسط أزماتٍ مُتفاقِمة ، بل في دوامةِ أزماتٍ تنشطِرُ واحدة من أخرى / لم أستلم الراتب منذ أربعة أشهُر / الخدمات وعلى رأسها الكهرباء ، في أسوأ اوضاعها / مساحات شاسعة من الوطن مازالتْ تحت إحتلال الفاشية الداعشية / الفساد السرطاني منتشر في كُل أوصال البلد ، وبالطبع أنا نفسي ، بإرتضائي لهذا الوضع خلال السنين الماضية ، أكون جزءاً لا يتجزأ من الفساد / وأخيراً وكما قالَ طيب الذكر تشيخوف : فلقد أصبح ظَهري مُنحَنِيا ونظري ضعيفاً وحياتي في مُنتهى البُؤس ...
كُل ذلك .. لأنني طالما كنتُ لا أرفع وجهي عن الأرض آملاً في العثور على جُنَيه .
فكَمْ نحنُ بِحاجة إلى أن نرفع رؤوسنا .. وننظر الى الأمام والى فَوق .
#امين_يونس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟