|
الْعَدَالَةُ وَالتّنْمِيَة وَاخْتِبَارُ صَنَادِيقِ التّقَاعُد
خالد التاج
(Khalid Ettaj)
الحوار المتمدن-العدد: 5027 - 2015 / 12 / 28 - 17:58
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
على بعد أقل من سنة على نهاية ولاية الحكومة الائتلافية التي يقودها حزب العدالة والتنمية بزعامة السيد ابن كيران، فقد وجدت الحكومة نفسها أمام ملفات ومطبّات صعبة على مستوى التدبير وليس أكثرها وأهمها صندوق المقاصة وما يكتسيه من أهمية استراتيجية على مستوى التوازنات الماكرو اقتصادية أو دعم وحماية القدرة الشرائية للفئات الهشة والمعوزة. وإن جاز لنا القول بأن اختبار التدبير الحكومي لملف صندوق المقاصة ولاسيما تحرير أسعار المحروقات قد تم اجتيازه بنجاح نسبي مستفيدا بذلك من انخفاض كبير في أسعار المحروقات في الأسواق الدولية بفعل وفرة المعروض و انكماش الطلب، وهو الملف الذي لطالما أرقّ حكومات متعاقبة وارتأت تأجيله وعدم الخوض فيه بالنظر لحساسيته و تعقيداته، لكن تجد التجربة الحكومية الحالية نفسها أمام اختبار لا يقل صعوبة وتعقيدا عن سابقه، إذ يتعلق الأمر هذه المرة بملف صناديق التقاعد المهددة بالإفلاس بغض النظر عن حيثيات و أسباب ذلك سواء بفعل سوء التدبير أو اختلالات بنيوية أخرى، في غضون أقل من ست سنوات من الآن كما أقر بذلك تقرير المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و رئيس الحكومة و غيرها من التقارير والدراسات التقنية ذات الصلة. فنحن إذن أمام حتمية الإصلاح مع ضرورة الاستعداد لدفع ثمنه والامتثال لمتطلباته! ،،حفاظا على استمرارية نظام التقاعد,,,, لكن يحق لنا التساؤل عمّن سيدفع الثمن... هل هم فقط النصف مليون موظف الذين تحدث عنهم السيد ابن كيران في معرض حديثه عمّا اعتبره "وصفة الدواء المُرّ" حول إصلاح صناديق التقاعد أمام البرلمان يوم الثلاثاء 23 دجنبر الماضي 2015 والذي سيتجرعونه وهم في غالبيتهم من الطبقات الاجتماعية الهشة والذين سيجدون أنفسهم رغمًا عنهم أمام اقتطاعات تتراوح بين 500 درهم و1500 درهم وما قد ينجم عن ذلك من تداعيات على القدرة الشرائية والسلم الاجتماعي بالنظر إلى ارتفاع أسعار المواد الأساسية بالإضافة إلى تمديد سنوات الخدمة إلى 63 سنة... أمام السجال الحالي والذي لا يمكن بأي حال من الأحوال تجاهله أو تبني الصمت المطبق عنه حول معاشات البرلمانيين والوزراء والتعويضات الكبيرة التي يتقاضونها في ظل الظرفية الاقتصادية الراهنة، والتي بدأت تُسيل الكثير من المداد سواء عبر المنابر الإعلامية الوطنية أو الدولية، المقروءة منها و المرئية، مقابل واجباتهم الوطنية التي تعهدوا بها أمام ناخبيهم، ربما كان من الأولى للسيد ابن كيران أن يضع خطة متكاملة لإصلاح منظومة الأجور برمتها في الوظيفة العمومية و كافة أسلاك الدولة والتي تعرف اختلالات هيكلية و فوارق كبيرة بين أدنى الأجور وأعلاها وبين قطاع حكومي وآخر وبين درجة و أخرى ،بالإضافة إلى علامات الاستفهام العديدة عن الجدوى و المردودية المبتغاة منها على المجتمع و الصالح العام في ظل الحديث عن مفهوم "الحكامة الجيدة" و"محاربة اقتصاد الريع". ربما كان من باب الضروري، تبني حزمة من الإصلاحات والتدابير الهادفة إلى حماية القدرة الشرائية لصغار الموظفين و الطبقات المتوسطة ،والحفاظ على مقومات السلم الاجتماعي بالتزامن مع إطلاق خطة الإصلاح الحتمية و الضرورية، كما أنه يبدو من الضروري كذلك التحلي بروح المواطنة و انخراط جميع الفاعلين السياسيين في ورشة الإصلاح الاستراتيجية بما في ذلك الوزراء و البرلمانيين، لأنهم ليسوا أقل وطنية وحرصا على المصلحة العليا للوطن والتوازنات الماكرو اقتصادية واستمرارية صناديق التقاعد من صغار الموظفين و الطبقات المتوسطة على ما يبدو، إسوة برئيس الوزراء البريطاني David Cameron الذي قام بتجميد راتبه و رواتب وزراءه كمساهمة منهم في تأدية الدين العام و تقليص عجز الموازنة، أو حكومة Alexis Tsipras في اليونان أو حكومة الأردن. وحدها تدابير مماثلة لحكومات دول عريقة في الديمقراطية، سواء أكانت أحادية الجانب أو بالتوافق مع أحزاب المعارضة التي التزمت بدورها الصمت المطبق و المريب ولم تنبس ببنت شفة عمّا يُطلق عليه في فضاءات العالم الافتراضي و الأروقة الإعلامية "بامتيازات الريع" ،ولم تقدم لحدود الساعة و لو مشروعا واحدا أمام البرلمان يقضي بتقليص أو حذف تلك الامتيازات و الانسياق وراء تلك المطالب، التي تبدو في نظر الكثير من المتتبعين ظاهرة صحية في مجتمع يطمح إلى تبوء مكانته بين الديمقراطيات الناشئة وترسيخ مساره الديمقراطي وليست ضربا من "الشعبوية" أو" نقاشات عديمة الجدوى" كما يتبادر إلى ذهن البعض. إذن فتلك التدابير التي تكتسي في عمومها بُعدا رمزيا ستكون كفيلة بدون شك بامتصاص الغضب والاحتقان الذي قد ينجم عن خطة الإصلاح التي تعهد بإطلاقها رئيس الحكومة عمّا قريب، والتي ستمس العديد من الموظفين في قوتهم ومعيشهم اليومي، كما قد تحافظ على الحد الأدنى من مستوى الثقة بين الفاعلين السياسيين وعموم المواطنين مُساهِمة بذلك في تجسيد الثقة في الوثيقة الدستورية لسنة 2011 و التي تنص في ديباجتها على مبادئ أساسية كالمساواة بين المغاربة و الحكامة الجيدة و الشفافية والعدالة الاجتماعية، في أفق الاستعداد للاستحقاقات البرلمانية المقبلة، كما قد تنقذ على الأرجح حزب العدالة و التنمية من السقوط في مهاوي الأحزاب اليسارية التي ابتعدت كثيرا عن أدبيات وفلسفة اليسار ومرجعياته الفكرية الرامية إلى الدفاع عن مصالح و هموم الطبقات الاجتماعية المسحوقة، ووسعت من الهوة بين قيادييها وتلك الطبقات، و أصبحت أكثر ليبرالية من الليبراليين بفعل قيادتها لعمليات خوصصة واسعة النطاق و تفويت لأهم المرافق الإنتاجية بالبلاد، كما فقدت الكثير من شعبيتها و رصيدها النضالي و إرثها التاريخي بمجرد تقلدها لمسؤولية التدبير الحكومي، وجسدت بذلك الممارسة السياسية الميكيافيلية بأبهى تجلياتها، وهو ما أضر كثيرا بصورتها ومصداقيتها لدى عموم المغاربة. العدالة والتنمية إذن، ومن وراءها التجربة الحكومية بعد ما عُرف بالربيع العربي و ما أطلق عليه بالاستثناء المغربي، تجد نفسها الآن في مفترق طرق وأمام تحدٍّ كبير فرضته الظرفية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الراهنة، فهل سينجح الحزب في تدبير المرحلة بذكاء وحنكة سياسية منسجما بذلك مع مبادئه وشعاراته، ومستفيدا من التجارب القاسية لسابقيه، وينساق وراء مطالب شبيبته وفئات واسعة من المواطنين، ويجتاز بذلك اختبار صناديق التقاعد بنجاح، أم أنه سيمارس سياسة غض الطرف والآذان الصّمّاء إلى أن تخفت الأصوات المطالبة بمحاربة "الريع" وتعميم المساهمة في تكاليف الإصلاح حفاظا على توازنات ومصالح معينة؟؟
#خالد_التاج (هاشتاغ)
Khalid_Ettaj#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العَلَاَقات التُّرْكِيَّة-الرُّوسِيَّة وَتَأْثِير الصَّدْمَة
...
-
بَعْدَ مُرُور 15 سَنَة عَلَى إِعْلَان الحَرْب عَلَى اْلِإرْه
...
-
روسيا بين مطرقة العقوبات الغربية وسندان التنظيمات المتطرفة
-
لنرفض التطرف و لنستفد من عبر الآخرين
-
إفلاس اليونان والتداعيات المحتملة على البناء الأوربي:
المزيد.....
-
صور بعض قتلى فاجعة اصطدام طائرة الركاب بمروحية عسكرية في واش
...
-
شاهد كيف ردّ ترامب على سؤال صحفي بشأن رفض مصر والأردن اسقبال
...
-
سموتريتش: إذا تضمنت المرحلة الثانية من الصفقة إنهاء الحرب دو
...
-
من هو محمد الضيف الذي أعلنت حركة حماس مقتله؟
-
تحليل: عندما توجه الجزائر بوصلتها نحو أمريكا كيف يستجيب ترام
...
-
الكشف عن 3 حوادث تقارب جوي سبقت كارثة اصطدام الطائرتين في وا
...
-
إنقاذ 60 شخصا في حريق شمال غربي موسكو (فيديو)
-
للمرة الخامسة على التوالي.. موسكو تسجل رقما قياسيا لدرجة الح
...
-
رئيس الأركان الروسي يتفقد قوات -الشرق- في دونباس (فيديو)
-
مصر.. حريق ضخم يلتهم السفن في السويس
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|