أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله عنتار - شبح الجفاف














المزيد.....

شبح الجفاف


عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .


الحوار المتمدن-العدد: 5026 - 2015 / 12 / 27 - 20:08
المحور: الادب والفن
    



منذ أربعة أشهر لم تهطل الأمطار، القرويون مازالوا ينتظرون، منذ سبتمبر الماضي سقطت بعض القطرات، فاستبشروا خيرا، وسارعوا لشق الأرض وزرع الحبوب، ها هي السماء قد شحت، نبات الصبار تلوى في مكانه ، حتى أشواكه تجمدت ما عادت سهامية وطالها الذبول، الشمس صارت لهيبا حارقا يبعث الشؤم ويوحي بسنوات عجاف، الحقول التي أينعت بعد الأمطار الأولى طالتها صفرة مقيتة، أما الأبقار فتحولت إلى هياكل عظمية، لم يبق لها سوى الدوم تنهشه في رحلتها الطويلة عبر المراعي الكرزازية، بني كرزاز التي كانت تمتد إلى الأطلسي لم تبق سوى جزر تشارف وادي النفيفيخ، خالي المكي رجل طاعن في السن حدثني عن طفولته، إذ لم يكن هذا الانحسار الذي نعرفه الآن، كان يقود المواشي بين الغابات والمراعي والضفاف حتى بني شقشق على الأطلسي، فلم يكن أحد يمنعه من ذلك، مازالت هناك مدرسة قروية في بني عامر تحمل "بني كرزاز"، وبعد ثمانية عقود أصبح مطوقا في عقر داره من طرف الإقطاعيين وشركة ريفير التي استولت على أراضي الدولة (الدافع) وحرمت الرعاة والصيادين والمتنزهين والحطابين منها، بني كرزاز لا مستقبل لها، ها نحن نكتب موتها، ونتلو كلمات الوداع المرتسمة على شفتي كلب يبحث عن كسرة خبز في هذا الموسم القاحل. الأهالي باتوا يخافون من كل شيء، فارقوا نومهم وطعامهم، أمي تقول : ( أن البرنامج الذي يسكن عقلها هو أن السنة منقسمة إلى "الليالي" وهو موسم البرودة الشديدة التي تسح فيها الأمطار، و"الصمايم" أي موسم الحرارة). نحن الآن في "الليالي" ولم يسقط المطر، هناك مشكلة ما في نظرها تجعل الأمطار لا تسقط، تراهن على الله. لكن الله خيب أملها في صلاة الاستسقاء، وراحت تراهن على أسطورة البقرة السوداء، تعود إلى الله وتقول أنه لن يخيب أملها، (المشكل في البشر الذين يغشون وينافقون ولا يتحدون على المصلحة العامة )، أشرح لها أن المشكل طبيعي راجع لتركز ثاني أكسيد الكربون في الجو، فأصيب العالم بالاحترار بسبب المصانع والمعامل والعوادم، فاختل التوازن البيئي، ولم تهطل الأمطار في وقتها، أقول لها : (أين الآبار والعيون التي كنا نجلب الماء منها ؟ أين وادي النفيفيخ الذي يفيض خمس مرات في السنة ؟ )، تقول لي : (ما عاد البشر يؤمنون بالله) . لم تفهم كلامي، أرد عليها : ( لماذا في سويسرا بلاد "الكفار" يخرج الناس شبه عراة والأمطار لا تتوقف عن السقوط ؟؟")، ترد علي : (لا هذا غير صحيح !! )، ( سلي ابنك جمال الذي يسكن البلاد الأوروبية !) . يخيب ظنها في كل شيء، ما عادت تثق في أحد، عيونها دائما مركزة صوب السماء، تمر السحب تلو السحب، وكلما مرت سحب سوداء تضرعت إلى السماء، تهب الرياح تلو الرياح، إذا هبت رياح الشمال التي تسمى محليا "بصيقل" تكدر وجهها، لكن تستبشر بقدوم رياح الغرب المسماة "غديقة"، وها قد مرت أربعة أشهر، كل شيء طاله السراب، نبات "البرواك" الذي أينع هاجمته بشراسة دودة تدعى "بوزغيبة"، وراح الأهالي يتخوفون من القراد والجراد ولفيف الكلاب التي شمت رائحة الموت المعتملة في المواشي النخرة. وبينما كنت مترحلا عبر المراعي الجرداء، هدني العياء وجلست تحت شجرة ظليلة، فوجدت راعيا يدعى المصطفى، بدا حانقا على الوضع، فسألته عن الجفاف، وعلى الفور رد قائلا : (الإمبرياليون اجتمعوا في باريس من أجل التفاهات. لماذا لم يتقيدوا بمقتضيات اتفاقية كيوطو ؟ هل خفضوا من نسبة ثاني أكسيد الكربون في الجو ؟ لماذا الأهالي هنا يخربون الغابات ويحرقون الدوم مثلما تخرب مافيات العقارات الغابات وتنفث مصانع الإمبريالية الدخان في الجو ؟ لماذا الأهالي باعوا أصواتهم في سوق النخاسة الانتخابي بمئتي درهم ويتهافتون على أبواب الإقطاعيين من أجل الصدقة ؟ لماذا يسكتون على شركة ريفر التي حرمتهم من غابات الجموع ؟ ولماذا لا يطالبون الآن بمياه السدود وتخفيض العلف والتبن ؟ لماذا يسكتون عن ميزانية البرلمانيين والقصر ورئاسة الحكومة ؟ أتمنى من الجفاف أن يدوم خمس سنوات لكي يكسروا صمتهم ويتخلصوا من عقلية القطيع نحو عقلية المواطنة. لم يحولنا الجفاف إلى شظايا، سنصير كذلك حينما يهدنا الجوع وتنشر الأمراض، ونأكل بعضنا، وترتفع السلع، هنا يمكن أن نفكر في إنسانيتنا الضائعة التي اقتادتها التماسيح إلى مغاراتها المجهولة، هناك يلتمع رعب الجفاف ويبث الخوف فيها ) .
ع ع / 27 /12 / 2015



#عبد_الله_عنتار (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- منزلنا الريفي (96)
- منزلنا الريفي (95)
- منزلنا الريفي (94)
- منزلنا الريفي (93)
- منزلنا الريفي (91)
- منزلنا الريفي (92)
- منزلنا الريفي (89)
- منزلنا الريفي (90)
- خواطر على الشاطئ
- منزلنا الريفي (88)
- منزلنا الريفي (87 )
- أفياء كرزاز
- سفيرة عزرائيل
- إعتراض على إنشاء منتجع سياحي خاص للقنص السياحي بأراضي القناص ...
- قتلتك يا جلادي
- حنين إلى جسد عاهرة
- منزلنا الريفي (85)
- اختفت كلماتي
- منزلنا الريفي (84)
- منزلنا الريفي (83)


المزيد.....




- الكويت ولبنان يمنعان عرض فيلم لـ-ديزني- تشارك فيه ممثلة إسرا ...
- بوتين يتحدث باللغة الألمانية مع ألماني انتقل إلى روسيا بموجب ...
- مئات الكتّاب الإسرائيليين يهاجمون نتنياهو ويطلبون وقف الحرب ...
- فنان مصري يعرض عملا على رئيس فرنسا
- من مايكل جاكسون إلى مادونا.. أبرز 8 أفلام سيرة ذاتية منتظرة ...
- إطلالة محمد رمضان في مهرجان -كوتشيلا- الموسيقي تلفت الأنظار ...
- الفنانة البريطانية ستيفنسون: لن أتوقف عن التظاهر لأجل غزة
- رحيل الكاتب البيروفي الشهير ماريو فارغاس يوسا
- جورجينا صديقة رونالدو تستعرض مجوهراتها مع وشم دعاء باللغة ال ...
- مأساة آثار السودان.. حين عجز الملك تهارقا عن حماية منزله بمل ...


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله عنتار - شبح الجفاف