|
حول وحدة اليسار .. عقبات وعواقب
رياض حسن محرم
الحوار المتمدن-العدد: 5025 - 2015 / 12 / 26 - 03:16
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يرفع الكثيرمن اليساريين شعار وحدة اليسار معتبرين أن ذلك شرط وجوده وعودته الى صدارة المشهد السياسى والعنصر الأكثر فاعلية فيه وهى كلمة حق يراد بها حق، على أنه للأسف فإن كثير ممن يرفع ذلك الشعار لا يتجاوز شفاههم بل أنهم مسئولين عما نحن فيه من تشتت وتشرذم، يندفعون بحماس وراء تاريخ عريض وتضحيات وسجون وتعذيب دفاعا عن الوطن ضد التبعية وعن الفقراء ضد الإستغلال وفى مواجهة الإتجاهات النيوليبرالية والتبعية للإمبريالية والرأسمالية المعولمة وأيضا دور اليسار فى مناهضة الظلم والإنتصار لقضايا المظلومين، فما من أحد وقع عليه ظلم فى المجتمع الاّ كان اليسار نصيرا له فى إعلامه و مناضليه وحتى حقوقييه فى منظمات حقوق الإنسان التى أنشأها اليساريون، كما أن اليسار تاريخيا كان صاحب الديناميكية والتأثير الأقوى فى تجمعات الأدباء والفنانين والأقدر على تأطير وإنشاء الجماعات الثقافية والمدنية كإتحاد الكتاب ونوادى السينما والإعلام وغيرها، إن طريق وحدة اليسار لم تكن معبّدة كما هى اليوم " حتى وإن كانت غير كافية" فهل تستجيب الإرادات خاصة بعد أن تأكد الجميع أن التعددية لا تنتج الاّ فشلا وغيابا وفقدانا للتأثير. الخطوة الأولى هى وضع اليد على المشاكل الحقيقية التى تواجه اليسار اليوم والتى كشفت عنها أزمته الحالية بالفهم الصحيح للواقع من أجل تجاوزه، هى مشكلة متعددة الأبعاد ثقافيا ونظريا وتنظيميا وفى هندسة التحالفات، المقصود من البعد الثقافى يكمن فى الإرث التاريخى لكلمة اليسار والشيوعية بين الجماهير والنخبة معا، أما التنظيرى فهو عبارة عن أزمة أيديولوجية تكمن فى عدم تجديد النظرية بالشكل الكافى، والأزمة التنظيمية تتبدى فى البناء الداخلى للحزب وملاءمته لمتطابات وظروف التغيرات الداخلية والإقليمية وفقدان عملية التراكم وتطوير الكادر والتمويل الذاتى وصياغة البرامج المرحلية والإستراتيجية الملبية لحاجة الجماهير وتطلعاتها وقدرة البرنامج على إقناع تلك الجماهير بحيث تصبح هى المعبّر والمدافع عنه، برنامج ينحو للتبسيط بلغة مفهومة غير مركبة يسهل إستيعابها والدفاع عنها، كل ذلك من أجل تعبأة وتنظيم تلك الجماهير وإستنهاضها باعتبارهم القوة القادرة على التغيير، ومشكلة التحالفات هى أن اليسار يلعب دورا ذيليا فى علاقته بالأشكال التى يصنعها الآخرين، ليست المشكلة فى ركوب قطار تلك التحالفات ولكنها فى أن تحدد مسار ذلك القطار ومحطاته الهامة وتحديد محطة الوصول أيضا، علينا أن نعترف أن الحالة الجماهيرية فى وضعها الحالى هى وضعية محافظة تنحو للتنازلات والخضوع للخطاب السلطوى وتتعلق بالأمانى والوعود المأمولة والرغبة فى الهدوء وتحقيق الإستقرار على حساب قضاياها الرئيسية حول اليش والحرية والعدالة الإجتماعية التى حملت ألويتها فى لحظة الفعل الثورى، يضاف الى ما تقدم ضرورة تحليل عزوف الشباب وكثير من المثقفين عن العمل الحزبى، فى تقديرى ربما يعود ذلك الى غياب الديموقراطية الداخلية وتغليب المركزية وعدم الإهتمام بالفكر النقدى والى الروح المتعجلة لدى الشباب لتحقيق نتائج سريعة ورفضهم للنظام الأبوى، كما أن المثقفين بدؤوا فى عدم اليقين بجدوى العمل التنظيمى كما بدأت تجذبهم مسارات النجاح الفردى وسهولة وإنطلاق الكتابة الحرة وتحقيق الإنتشار عبر دور النشر أو صفحات التواصل الإجتماعى، كما لا يجب أن نهمل أيضا تراجع دور اليسار فى العمل داخل الشرائح المتوسطة فى المجتمع نتيجة تآكل المرجعية الأيدلوجية وضعف إرتباطه بالطبقة العاملة. جاء الفشل فى الإنتخابات البرلمانية ليضع اليسار مكشوفا أمام نفسه، وحاول البعض تبرير ذلك بقوانين ممارسة العملية الإنتخابية أو بالقدرات المالية لليسار أو بتحالف رجال الأعمال، وقد تكون كلها مبررات سببت جزءا من ذلك الفشل ولكنها لا تتماس مع الأسباب الحقيقية التى تكمن أساسا فى ضعف تنظيمات اليسار وعدم تأمينها قاعدة إنتخابية مستدامة والعمل المستمر لدوام الإرتباط بها وتطويرها وخلق كوادر جماهيرية إنتخابية يتم تفريغها تماما من أى مهام حزبية داخلية للتحضير المستمر للمهام الإنتخابية فقط وإدارة المقار الحزبية للإستفادة القصوى منها فى تجميع الشباب وتحريكهم، إن قضية وحدة اليسار قد تجاوزت الدعوات لتشكيل تحالفات يسارية بلا جدوى ولا العمل الميدانى المشترك فى بعض القضايا الجماهيرية فكل تلك الأشكال قد تم تجريبها وجاء وقت العمل باتجاه شكل تنظيمى موحد لليسار. لعل قيادات اليسار فى ظرفه الراهن لم تعد تسعفها أية حجج لتبرير حالة الإنقسام والتشرذم القائمة ولا تسوّغ رفع العتب أو إبراء الذمة فما نحن فيه أكبر من كل تبريرات أو حجج فالقضية ليست ملك مجموعة معينة مهما كان شأنها النضالى ولكنها قضية شعب بأكمله يحلم بالعدالة الإجتماعية والتوق الى الإنعتاق من الإستغلال والظلم، وهى أيضا قضية مجموع قوى اليسار وحلفائهم الذين يرون أن وحدة اليسار لم تعد مطلبا ملحا بل ضرورة نضالية فى ظل تغول الرأسمالية كقائد للثورة المضادة وإصرارها على القضاء على كل ما يمثل ثورة 25 يناير، إن اليسار لن يستطيع لعب دوره كاملا طالما أنه منقسم وتراثه النضالى يخبو وفعله الثقافى الرائد يتآكل وليس أمامه الاّ أن يتجاوز أمراضه السيكلوجية وتضخم الذاتيات الفوقية والركون الى خلافات الماضى ولا الإدعاء بأن الخلافات بين تلك التنظيمات ذات طبيعة أيديولوجية عميقة يستحيل القفز عليها لتحقيق الوحدة، لم نعد نملك ترف النقاشات الدوّارة فى الغرف المليئة بدخان السجائر حول قضايا قتلت بحثا أو إستحضار خلافات قادة الحركة الثورية العالمية تاريخيا وإعادة تدويرها، علينا أن نعمل بشكل جاد وموضوعى فى طريق الوحدة والاّ قطعا سنصحو يوما على واقع مغاير بدون يسار.
#رياض_حسن_محرم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حول الصراعات القبلية وإنتفاضة الأورومو فى أثيوبيا
-
تقرير جنكيز- فار -المراوغ- والموقف البريطانى من الإخوان
-
محدودية المواجهات الفكرية مع الإرهاب
-
فى سوريا.. العجلة بدأت تدور
-
اليسار .. وذلك الدرس المؤلم
-
المرابطون .. تنظيم القاعدة فى المغرب العربى وشمال إفريقيا
-
عن داعش ودابق وأحاديث آخر الزمان
-
خليل كلفت .. كيف تحمّل الجسد الضئيل كل كل ذلك العناء؟
-
العلاقات المصرية الأمريكية..سكة اللى يروح ميرجعش
-
على هامش نتائج الجولة الأولى ..هل بدأ عصر أفول الإسلام السيا
...
-
سوريا .. بين المستنقع ولعبة المصالح
-
روسيا .. الأكثر جذرية فى مواجهة داعش
-
نظام سلطوى بملامح فاشية
-
قراءة جديدة لإتفاقية كامب ديفيد
-
بعد إنتخاب -جيرمى كوربين-.. حزب العمال لليسار در
-
تحليل دور الإسلام السياسى واليسار والقصر فى الإنتخابات البلد
...
-
أردوغان يعالج أزماته الداخلية خارج حدوده
-
هل تحولت روسيا الى دولة إمبريالية؟
-
دعوة للمراجعة
-
بين داعش والصهيونية .. مقاربات أيديولوجية وممارسات وحشية
المزيد.....
-
تعهدات مكتوبة بخط اليد.. شاهد ما وجده جنود أوكرانيون مع كوري
...
-
إيمي سمير غانم وحسن الرداد بمسلسل -عقبال عندكوا- في رمضان
-
سوريا.. أمير قطر يصل دمشق وباستقباله أحمد الشرع
-
روسيا ترفض تغيير اسم خليج المكسيك
-
عائلات الرهائن الإسرائيليين يدعون حكومتهم إلى تمديد وقف إطلا
...
-
أثر إعلان قطع المساعدات الخارجية الأمريكية، يصل مخيم الهول ف
...
-
ما الذي نعرفه حتى الآن عن تحطم طائرة في العاصمة واشنطن؟
-
العشرات من السياح يشهدون إطلاق 400 سلحفاة بحرية صغيرة في ساو
...
-
مقتل اللاجئ العراقي سلوان موميكا حارق القرآن في السويد
-
من بين الركام بمخيم جباليا.. -القسام- تفرج عن الأسيرة الإسرا
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|