أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - ياسر العدل - !!دكتوراه.. للبيع














المزيد.....

!!دكتوراه.. للبيع


ياسر العدل

الحوار المتمدن-العدد: 1370 - 2005 / 11 / 6 - 10:40
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


بمؤهلات تنطع واحتيال وتدليس، اشترى بعض رجال الأعمال والسياسة والكتاب والفنانين، شهادات مضروبة تدليسا بدرجات دكتوراه فى العلم والأدب والسياسة، أوراق يلوون بها ألسنتهم فى شاشات العرض العام، يديرون بها رؤوسهم فى حانات الرقص وشقق اللهو وصالونات الأدب ومعاهد العلم، فعلوا ذلك دون أن يتفحصوا رغبات أمثالى ممن يعرضون للبيع شهادات دكتوراه كبيرة، أصيلة النسب، فاضحة الحمل، عسيرة الولادة.
فى العهد الأول، كان جدى الأكبر فرعونا من أهل مصر، آمن بحب الحياة وحب البشر، لم يشأ أن يجعل إيقاع حياته أساطيرا مقدسة تلوكها الكهنة عند تدبير الصلوات والمؤامرات، ولم يشأ أن يحبس مومياته فى بطون الأهرامات يدوخ ورائها الورثة واللصوص، ولم يشأ أن يترك اسمه نقوشا تبهت على جدران المعابد وظهور الجعرانات، وأصبح جدى الأكبر فرعونا يمد يده المعروقة ويبنى الحياة مع أهل مصر، أنجب قبائل من الآباء، ينقشون حياتهم على رباط الخيل وأجنحة الطير ونياط القلوب، يعاقرون الشمس والماء والطين، يحصدون الزرع ويحلبون الضرع وينثرون ذرياتهم داخل الأرحام.
فى العهود التالية، كان أبى يؤمن أن الحياة أعطته خيرات كثيرة، زوجة وفدانا من الأرض ودارا من طين يعلوها حطب الخبيز، تعجّ ساحتها بخلفة من بنين وبنات وحمار ودجاج وحمام وأرانب، كان أبى حريصا على أن يرد كيد الحاسدين بعيدا عن دارنا، يصبح إلى الشغل قارئا الأوراد والتسابيح، ويمسى إلى الدار حاشرا سراديب جلبابه بما يجلبه لنا من لحم وبلح وسمك وبرتقال، وكانت أمى تخرق عيون الحاسدين على أعتاب دارنا، تنشر فى أرجاء الدار كفوفا خماسية الأصابع مرسومة بالجير والحناء والروث، كانت أمى عرافة تجيد قراءة علامات الجوع على وجوه صغارها من الأطفال والفراخ، وتتحسّس فى الجميع ملامح السّعادة كلما عاد أبى للدار منتفخ الجلباب.
فى طفولتى المبكّرة، كانت الدجاج والبط ضخمة يبلغ حجم الواحدة منها نصف جسدى، تتماوج حولى بحثا عن الطعام وتشاكسنى وسط الدار، فصارعتها عاريا ممسكا بلقيمات خبز ممسوسة بالسّكر تعوّدت أمى أن تلقيها فى حجرى كلما شغلتها عنا أمور غسيل أو طبيخ، أحيانا أنجح فى المصارعة والتهم فتات الطعام مختلطا بالتراب وما علق به من أفواه المهاجمين، وأحيانا ينجح المهاجمون فى اغتصاب طعامى ونقر جسدى، ويفضحهم بكائى كلما حاولت فراخ البطّ نقرى فى أماكن العفّة، من يومها تعلمت مطاردة الدّجاج ومارست كراهية البطّ، لكننى أحببت الأرانب، أرانبنا جبانة لا تشارك فى الصراع، فى الوقت المناسب تراقص أذنها وأنوفها وأفواهها، وتحوّل بكائى إلى ضحكات وحبور.
فى طفولتى المتأخرة، حملت سبات البوص محشوة بالخبز الحاف والجبن القريش والبيض المسلوق، أنتقل من مدرسة إلى مدرسة، ومن قرية إلى مدينة، أدرس الكتب وأحفظ النصوص فى ضوء الشمس وبصيص لمبات الكيروسين، أملأ أحلامى بحكايات قريتنا تنثرها الجدات على حجر القرية كل مساء، كان نجاحى فى سنوات الدراسة غير كاف لإثبات تفوقى بين أقرانى، فحين توطنت البلهارسيا فى أجساد أهلنا يخرجون بعض بولهم دما، أصبحنا أطفالا نملك بطولات خاصة يكسبها كل طفل يتبول أمامنا قطرات أكثر من الدم.
فى معظم شبابى، تصالحت سنوات مع البلهارسيا والانكلستوما وسوء التغذية، وانتسبت سنوات للجامعة أدرس علوما وإدارة وقانونا، وحصلت على شهادات ودكتوراه فى إحصاء الناس وعد الأرزاق، ووجدتنى أشغل منصبا جامعيا أنجب معرفة أروجها بين مئات من طلاب العلم مؤمنا أن بلدى هى كل مصر، وناسها أهلى فى كل دار.
فى شيخوختى المعاصرة، جمعت أوراق شهاداتى، وأحصيت تواريخ جهودى، فعرفت أن أهل مصر يعيشون ثلاثة أمصار، أولها مصر البلد، حيث غالبية الناس يدبون فى حياة فقيرة يسألون الناس اللقمة والهدمة، لا تطعمهم دكتوراه العلم خبزاً أو سكّر، فالعلم يهرب من جوع كافر ولا يبين مع صوت مكتوم، وثانيها مصر المحطة، حيث يعيش أناس قلقون متعددو الولاء يروجون لثقافات ترعى أنانية مصالحهم، انتهازيون يتاجرون فى الأقوات والأفكار والقيم، يحتالون فى محطة سفر ليرحلوا بعيدا عن أهل مصر البلد، وثالثها مصر الكّفر، حيث يسكن مماليك جدد فى كفور مسيّجة وقصور مشيدة، يدلسون الحقائق على الجميع، يعيشون على جوع أهل مصر البلد، ويشجعون انتهازية أهل مصر المحطة.
يا تجار الاحتيال من أهل مصر المحطّة، وأثرياء التدليس من أهل مصر الكّفر، إنى من أهل مصر البلد، أبحث فيكم عن مشترى يملك جاها وسلطة، أعطيه من تاريخى الباهر شهادات مختومة بالميلاد ومحو الأمية والدكتوراه، شهادات تزين طلعته بين الأحياء، وتضيف لجثته ألقابا بين الأموات، أعطية دكتوراه أصيلة لا تطعم بين الجهلاء فما، ولا تكسى بين الفقراء قميصا، مقابل أن يمنحنى بئرا من مال أو بنكا من نفط أو كتبا فى السحر أو نتفا من لحم ابيض، كى أبدو عربى الشأن عظيم السلطة، أتزوّج من ألف فتاة وفتاة ومن ما ملكت أيمانى ومن كل الولدان، أنجب ولدانا وشعوبا وقبائل، تصادر قلوبها مفاتيح كل حرية، وتغلق عقولها أبواب كل علم، وتحشر أدمغتها بنصوص عصمتى وعلاء أمرى بين الناس



#ياسر_العدل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- !!الرقص .. على حافة البئر
- !!ويغتالون بحر النيل.. يا كبدى
- البيات الحضارى
- !!صناعة دماغ.. ثقيلة
- !!.. للشهامة ضوء أحمر
- موت إبن الملك
- موت ابن الملك
- !!صاحب الهوى.. الديمقراطى
- !!دراساتنا العليا.. بلا وكسة
- !! .. موائد اللئام
- !!التلوث .. بالصمت والأمونيا
- !! فسادنا .. ثقافة فقر
- !!.. عملية إختيار مدير عام
- !! التسعة جنيهات.. ياخرابى
- !! .. حرب المعيز
- !! .. شحّاتين الّطرب
- مطرب .. بالصدفة!!
- !!.. ورم تلفزبونى خفبف
- الموت .. فى عبوات مزركشه
- حظك00 يا برج الحمار


المزيد.....




- هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب ...
- حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو ...
- بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
- الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
- مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو ...
- مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق ...
- أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية ...
- حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
- تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - ياسر العدل - !!دكتوراه.. للبيع