ياسين لمقدم
الحوار المتمدن-العدد: 5022 - 2015 / 12 / 23 - 09:02
المحور:
الادب والفن
بعد جدال أخذَ منهما أصيل النهار كله، قال الثاني وقد تأكد من جدية عزم الأول: كاد أن يَملسَ الظلام، إذن هلمّ بنا إلى منازلنا، ولنا نظر في الموضوع بعد العشاء حين اجتماعنا في المقهى.
أومأَ الأول بالإيجاب وفي نفسيته سعادة لا توصف بعد أن التمس نوعا من التوافق حول فكرته مع أول شخص يعرضها عليه.
ولج سعيد إلى بيته مسلوب الذهن بعد أن طغت عليه فكرة استيطان قمة جبل ريش الحمام. تناول من مكتبة غرفته بضع أوراق بيضاء وقلم رصاص ومسطرة. وجلس إلى مائدة الطعام، وازدرد عشاءه بسرعة وبنهمٍ. ثم أفردَ أوراقه أمامه.
بدأ سعيد بوضع تصميمه الأولي مُبتدئً برسم التضاريس الكبرى، وهو يعتمد على صور ذاكرته للجبل، باحثا بينها عن الأماكن التي قد يراها سالكة وآمنة في الصعود والنزول.
لم يكتف سعيد برسم خطاطة لطريق واحد، بل وضع عدة احتمالات على اعتبار حالته في صعوده إن كان مُحمَّلا بثقل ما، أو حالة الطريق تحت الأنواء.
وبعد ساعة من التفكير والرسم، جاءته رسالة من صديقه عمر عبر هاتفه الخلوي تُذكِّره بموعد اللقاء، فجمع أوراقه في ملف كارتوني، وتوجه بها إلى المقهى.
رغم الظلمة والحُفر، مشى بخطوٍ متسارع والأفكار صافناتٌ على باب ذهنه، متحفزة للوثب إلى ميدان التطبيق الفعلي. ومن أجل أن يختصر الطريق إلى المقهى المتواجد في الشارع الرئيسي، ودون شعور، وجد نفسه يمر عبر المقبرة المظلمة التي تتوسط المدينة. فكر في الرجوع، ولكن هاتفا في داخله كان يحثه على المضي قدما، مذكرا إياه أن مُبتغي التسامق لا يعقل أن يهاب الحفر.
في سبيله بين القبور الساكنة، آنس خيال شخص يمتد إليه أمام شمعة يتمايل نورها عند باب الضريح. اقشعر جلده، وشعر بطاقة كهربائية وقف لها شعر رأسه. وأحس ببرودة تلتف حول ركبتيه وكأن شيئا ما يسحبه إلى باطن الأرض. صرخ صرخة واحدة وانتزع بكل قوة قدميه من شللهما، ثم أطلق رجليه للريح لا يلوي على شيء. عَدَا بكل قوة ولكن شواهد القبور كانت تسقطه في كل مرة، فينهض ويواصل الركض وصوت الشبح يتعقبه "سحقا لكم يا خنازير البراري، تسرقون الناس أحياء وأمواتا...".
يتبع...
#ياسين_لمقدم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟