|
سيرَة أُخرى 7
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 5021 - 2015 / 12 / 22 - 15:12
المحور:
الادب والفن
1 " الموساكا "، وهيَ أكلة بلاد الإغريق الشعبية، ليست سوى تحوير لاسم " المسقعة " السورية. في اليونان إذاً، يطبخون هذه الأكلة مع اللحمة المفرومة ( مثل المصريين ) ولكنهم يضيفون خلطة البشاميل فوق طبقات الباذنجان ثم يضعونها في الفرن كي تنضج، فتبدو بعدئذٍ أشبه بأكلة اللازانيا الطليانية. أول مرة تذوقتُ فيها الأكلة، كانت عند شقيقتي الكبيرة في بداية وجودي بالسويد. جارة يونانية، طيبة وطريفة، هي من علّمت شقيقتي إعداد " الموساكا " وغيرها من أكلات بلادها؛ مثل " تساسيكي " والتي هي سَلَطة الخيار باللبن، حتى أنّ اسمها محرّف أيضاً من " الجاجيك ". قبيل وصولي إلى السويد، كنتُ قد قضيت قرابةَ شهرٍ في " أثينا " الفاتنة. هناك، لحظتُ فوراً الشبه الكبير بين مطبخيّ اليونان وبلاد الشام. كنتُ أتناول الغداء في المطعم، وعلى الرغم من حلولي في شقة قريبة من مركز المدينة. أغلب المطاعم السياحية ( والشعبية أيضاً )، موجودة في مدخل الطلعة المؤدية إلى هضبة " الأكروبول "؛ وهوَ المعبد الإغريقي الأشهر. هناك، أعجبني خصوصاً الشيش كباب ( يُسمّونه: سوفلاكي ) مع السَلَطة اليونانية وعَرَق الاوزو. السلطة اليونانية، تتكوّن من شرائح طماطم وخيار وبصل أحمر مع بضع حبات زيتون وقطع من جبنة فيتا ورشة من الحامض وزيت الزيتون. ولكن، حينما يأتي النادل مع الفاتورة، فإنك ستتفاجأ بأن عليك أن تدفع لهذه السلطة السياحية نفسَ ثمن وجبة الشيش كباب.
2 السوريون، وعلى الرغم من أنهم أبدعوا في تحضير الشنكليش واللبنة المكبوسة عن طريق حفظها في القطرميزات المغمورة بزيت الزيتون، إلا أنهم استثنوا الجبنة البيضاء من ذلك. أما اليونانيون، فلديهم جبنة FETA الشهيرة والتي تُحفظ في قطرميزات صغيرة بحجم 200 غرام. هذه الجبنة، طعمها لذيذ للغاية بفضل ما يغمرها من زيت الزيتون مع نكهات الأوريغانو والثوم وبذور الشمر. في السوبرماركة، يجد المرء تلك الجبنة موضوعة على طاولة خاصة وقد غُمست بالزيت مع غيرها من أطايب المازة اليونانية؛ كزيتون الكالاماتا والدولما والأرضي شوكي. إنها مازة فريدة، أنصحُ بها كل من يُفضّل السهرَ على زجاجة نبيذ مز. المستكة، هي من أشهر النكهات المستخدمة في الأكل اليوناني. وقد كانت معروفة في مطبخ البلاط العثماني، وكانوا يجلبونها من مزارع جزيرة " كورفو " في بحر ايجة. علاوة على ذلك، فمطبخ بلاد الإغريق معروفٌ باستخدام أعشاب وثمار منطقة البحر المتوسط، وخصوصاً في تتبيل لحم الضأن والبقر والأسماك؛ كالنعنع والريحان والزعتر والديل والقرنفل والهيل وجوز الطيب وأوراق الغار. المطاعم اليونانية، منتشرة هنا في السويد، ووجباتها فاخرة ( باستثناء حلوى البقلاوة المقتولة بالقطر والقرفة والجوز! ) مثلما أنّ أسعارها معقولة إذا لم يرافقها عرَق أوزو أو نبيذ ساموس. ولكن أكثر أصحابنا الأجانب، كما لاحظتُ بنفسي، يأكلون هناك البيتزا بدلاً عن الأطعمة اليونانية. أي مثل السائح الأوروبي، الزائر لبلدان الشرق، والذي بدلاً عن تجربة أكلاتها الشعبية فإنه بفضّل الذهاب إلى ماكدونالدز.
3 لبنان، هو من أجمل بلدان الدنيا، مثلما أنّ ساكنيه الأصيلين هم من أرقى شعوب الشرق. على ذلك، ليسَ بالغريب أن يكون طعام وطن الأرز متّصفاً بالفرادة والجودة. إنه ينتمي لمطبخ بلاد الشام، مع التميُّز المُشار إليه تواً. ولعلّ أكثر ما يلفت في الأكل اللبناني، هو أطباق المازة المتنوّعة والشهية. هذه الأطباق، هي ذاتها تقريباً في المطبخ السوري. إلا أن اللمسات اللبنانية، الرهيفة والأنيقة، تتجلّى بشكل خاص في أحجام وأشكال الفطائر والدولما والكبة، علاوة على سلطات التبولة والفتوش ومشهيّات البابا غنوج والمتبّل والحمّص واللبنة. تميُّز المازة اللبنانية، ربما يُعزى إلى جوّ الحرية المُتاح فيه لقوارير المُدام أن تكون سيّدة المائدة بدون منازع. كلمة مازة MEZE دخلت في قواميس اللغات الأجنبية مبكراً، وذلك بفضل أوائل مهاجري بلاد الشام ممن استقروا في دول الغرب وخصوصاً القارة الأمريكية. مع افتتاح العديد من المطاعم اللبنانية في الخارج مؤخراً، فضلاً عن السياحة، زاد اهتمام الأوروبيين بأطباق المازة لدرجة تأليفهم الكتب عنها. في ستوكهولم، وعند كل زيارة لها، يشترط الأولاد عليّ أن نأكل في المطعم اللبناني الكائن بمركز المدينة في محاذاة " سوق الهال ". ثمّة، يحصل المرء مقابل سعر مقبول على صحن ميكس من أصناف المازة الباردة مع وجبة الشيش كباب أو طاووق، الساخنة. أما " المطعم اللبناني " في مدينتنا، فإنني دخلته مرة واحدة، ولكنني لم أتناول الطعام فيه. فقد فوجئتُ عندئذٍ بأن أصحابه وعماله ( كانوا عراقيين ومصريين )، يتحدثون بصوتٍ عالٍ عن فوائد الحشيش. عند ذلك، عرفتُ لِمَ المكان خالٍ تقريباً من الزبائن.
4 المناقيش، ومع أنها شائعة في عموم بلاد الشام، إلا أنها يمكن أن تُسمّى " بيتزا لبنانية ". فهي لدينا، في سورية، عبارة عن عجينة مدهونة بالزيت والزعتر تُخبز بالفرن. إلا أن اللبنانيين لديهم طريقة أجود، بأن يتمّ تحميص خلطة الزعتر مع السماق وزيت الزيتون لعدة دقائق قبل أن يفرشوها على العجينة. وإذاً، يبدأ اللبناني صباحه غالباً بالمناقيش مع غيرها من أصناف الفطور؛ كالزيتون والجبنة البيضاء والمكدوس والشنكليش واللبنة. هذه الأخيرة، يضيفون عليها في لبنان الثوم المهروس مع النعنع وزيت الزيتون فتعطي مذاقاً لذيذاً. بقيَ أن نعرف، بأن اللبنانيين يدعون أيضاً فطائرَ الجبن والسبانخ واللحمة " مناقيش ". بالنسبة للأطباق الرئيسية، فإنها وإن كانت شبيهة لما نعرفه عن مطابخ بلاد الشام ( وتركيا إلى حدّ ما )، إلا أن اللبنانيين أكثر انفتاحاً من الآخرين على المأكولات الأوروبية، وخصوصاً الفرنسية. كذلك لا يُحبذ المطبخ اللبناني استعمال البهارات الحارّة، لكي لا تطغى على النكهات الأخرى. ولكن عموماً، فإن اللبناني يفضّل الأكلات الدسمة، المترعة بالدهنة واللية؛ كالكبة بالصينية والكبة المشوية ( الزغرتاوية )، ورق العنب والدولما، المحاشي واليخنات وغيرها. كما أن اللبناني، من ناحية ثانية، يهتم كثيراً بالحلويات؛ وهيَ إجمالاً نفسها المعروفة في سورية. ومن ذلك " القشطلية "، التي تؤكل عندهم كبديل عن الفطور. أما حلوى " ليالي لبنان "، فإنها تذكّرنا برقصة سامية جمال على أنغام مقطوعة موسيقية رائعة لمحمد عبد الوهاب بنفس الاسم. هذا الأخير ( بحسب سيرته المؤلفة من قبل جورج ابراهيم الخوري )، حينما كان يزور السيدة فيروز اعتادَ أن يأكل من يديها طبق البامية بالزيت.
5 بعد حديثنا عن لبنان، علينا أن ننتقل إلى مكوّن آخر لمأكولات بلاد الشام. هنا أيضاً، يمكن الحديث عن تميّز وفرادة المطبخ الفلسطيني في بعض الأصناف من مشهيات ووجبات وحلويات. فالمعروف، أنّ الفلافل يرتبط جودتها في دمشق بذلك المطبخ، كما في محلات " المصري ". حتى في غربتنا، فإنّ الأصدقاء الفلسطينيين اعتادوا أن يدعونا إلى فلافلهم اللذيذة علاوة على أطباق الغداء من ملوخية ومقلوبة وغيرها، وكذلك حلوياتهم الشهية كالقطايف والمقروطة ( معمول التمر ). قبل ذلك، في موسكو، تذوقتُ الكنافة النابلسية لدى زميل فلسطيني من الضفة. آنذاك، لما عبّرتُ عن مدى اعجابي بطبق الحلوى، قالت لي زوجة زميلنا: " نحن من مدينة نابلس، فكيفَ لن تكون الكنافة على أصولها؟ ". " المسخّن "، هوَ أحد الأكلات الفلسطينية المنذورة للمناسبات وتتكوّن من دجاج مشوي مع خبز مقلي بالبصل. اسم الأكلة، ربما له علاقة بكونها تحضَّر في وعاء فخاري يوضع بالتنّور ( يدعونه الطابون ). وأعتقد بأن هذه الأكلة مستوحاة من المطبخ المغربي، " الطنجية ". كذلك الخبز المقلي بالبصل، هو من ذات المطبخ؛ " المطلوع ". فلسطينيو دمشق، كانوا حتى فترة متأخرة يُحضّرون خبزهم الخاص بالمنزل ثم يأخذونه إلى الفرن لإنضاجه. أما في أوروبا، التي هاجروا إليها مبكراً بسبب النكبة، فإن الفلسطينيين افتتحوا العديد من المطاعم في مدنها الرئيسة. ففي ستوكهولم، يُعدّ مطعم JERUSALEM بفروعه العديدة من أشهر محلات الأكل الشرقية. هناك، يُقدَّم صحن ميكس يحتوي على المازة مع الشاورما، أو الشيش كباب، وبسعر معقول. حينما دبّ الخلاف بين أصحاب هذه المطاعم، فإن أحدهم حوّل محله إلى بيع الفلافل وبسعر رخيص جداً للسندويش وذلك لجذب زبائن أخوته.
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أمثولتان
-
مجنونة الجبل
-
سيرَة أُخرى 6
-
الحكايتان
-
من أمستردام إلى مالمو
-
سيرَة أُخرى 5
-
حكايات
-
أمستردام
-
سيرَة أُخرى 4
-
مراهق
-
حكايتان
-
ثلاث حكايات
-
سيرَة أُخرى 3
-
مجنون عبّاد الشمس
-
قانون فرعوني
-
مثير الغبار
-
سيرَة أُخرى 2
-
الطليعي
-
البطة الطائشة
-
أدباء وعملاء
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|