|
عضو في لجنة حقوق الإنسان يدعو للعنف
مها فهد الحجيلان
الحوار المتمدن-العدد: 1370 - 2005 / 11 / 6 - 10:55
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
نستغرب أن نجد عضواً مُعيناً في لجنة حقوق الإنسان السعودية ممن يزدي حقوق الإنسان ولا يقيم لها وزناً. نعلم أنّ لكل إنسان ميوله ونزعاته الخاصة به؛ وليس كل شخص مهيأ لكي يكون معنياً بأمر قد لا يحسنه أو لايتّفق مع نزعاته السيكلوجيّة؛ وليس بوسع أحد إجبار شخص معيّن على الإيمان بمالا يوافق هوى ذلك الشخص. لكن الأمر المدهش هو أن يكون هناك عضو في لجنة حقوق الإنسان لا يعير الإنسان قيمة ولا يملك الشعور الإنساني البسيط الذي يفترض فيه التعاطف مع مصائب الناس ومشكلاتهم. وتبرز المشكلة بوضوح إذا علمنا أنّ لجنة حقوق الإنسان التي ينتمي إليها هذا العضو تمثّل الحكومة وتبرز سمعتها في الداخل والخارج. ومما لاشك فيه أن رأي هذا العضو حتى وإن زُعم أنه رأي شخصي إلاّ أنّه يعبّر بوضوح عن نزعاته الشخصيّة التي لا تؤهّله لأن يكون ممثلا لحقوق الإنسان.
بعد إعصار كاترينا الذي أهلك ودمر مدينة "نيوأورلينز" الأمريكيّة في الأشهر الماضية؛ نشر هذا العضو مقالة في أحد مواقع الإنترنت المشبوهة والتي عُرفت بنشر أفكار الإرهابيين والتحريض على العنف والتطرف في بلادنا. في تلك المقالة أعلن فرحه لمقتل الناس المدنيين من نساء وأطفال وعجائز في أمريكا بسبب هذا الإعصار؛ ويتعجب ممن يراعي مشاعرهم، يقول الدكتور حبيب بن معلا اللويحق المطيري في مقالته تلك: "بعض هؤلاء الأبناء يستكثرون على الأمة أن تفرح لواقعة من قدر الله تقع على أمة من أمم الكفر تعيث في الأرض فسادا وتجري دماء المسلمين أنهارا في كل حين ويعدون هذا مخالفا للإنسانية ويدبجون في الأسى على تلك الأمة الطاغية المتجبرة المقالات والخطب والمراثي.. ولا أدري ماذا يريدون!!"
ويلاحظ أن عضو لجنة حقوق الإنسان ومدرّس الأدب الإسلامي هذا لا يعرف التفريق بين الشعب البريء وبين القيادة السياسيّة؛ فهو يتوهّم عن طريق التعميم الخاطيء بأنّ الشعب الأمريكي وبخاصة سكان "نيوأورلينز" السود الفقراء هم الذين قتلوا المسلمين وبالتالي يرى أنّ المصيبة التي حلت بهم إنّما هي انتقام منهم وتحتاج إلى فرحنا وغبطتنا بمأساتهم. وهذا منطق غريب في الربط والاستنتاج يكتبه شخص يزعم أنه أكاديمي يحمل درجة دكتوراه!. وبغض النظر عن إطلاقة حكم الكفر على تلك الأمّة هكذا بدون نقاش، فهو يريد تغيير مفهوم الإنسانيّة بحيث يصبح الشر والعنف بديلا للتعاطف والمواسأة. إنه من أعجب العجائب أن نسمع بمن يريد من الناس أن تُصبح قلوبهم غليظة قاسية لا تشعر بألم الغير ولا تشارك البشر ما يمرون به من معاناة ومصائب. ومعلوم أن إطلاق مثل هذه الأفكار بين الناس مدعاة للعنف حينما يُحوّل الشخص المخالف لنا إلى عدو وكافر يجب الفرح لمصيبته.
ورغم أن السيد عضو لجنة حقوق الإنسان أطلق حكم الكفر في مقالته السابقة إلا أنه يختتمها بجملة يهدف منها لإبعاد الشبهة بأنه لاينتمي إلى الفكر المكفراتي، فيقول "إننا نعاني من إرهاب ثقافي صحفي لايقل خطرا عن غلاة التكفيريين وقانا الله شرهما جميعا" ويبدو أنّه أراد بهذه الجملة أن يوهم بأنه يمقت التكفيريين والمتطرفين، ولكنه مع ذلك لم يتوقّف عن وصف ما يكتب في الصحف ممن يخالفونه الرأي بأنّه "إرهاب ثقافي صحفي". وهذه مشكلة أخرى تسير في النمط الفكري نفسه لدى هذا العضو الذي يعمل في لجنة يفترض أنها تساند حريّة التعبير لدى الناس.
والعجائب في هذا الموضوع لا تقف عند هذا الحد؛ فهذا العضو يعرّف نفسه بأنه شاعر وقاصّ ومدرّس للأدب الإسلامي معني بقصص الطفل؛ وله مشاركات واسعة في الانترنت في مواقع دينية كثيرة. ومن المعلوم أنّ الأدب بشكل عام ذو مفهوم عالمي إنساني؛ فالمشاعر البشرية التي هي من أبرز موضوعات الأدب من خوف وحب وكره وقلق وألم وفرح وغبطة وتعاسة وإحباط ونشوة وسعادة وغير ذلك إنّما هي أمور مشتركة بين جميع البشر بغض النظر عن ألوانهم أو لغاتهم أو أعمارهم أو أجناسهم اوجنسياتهم أو دياناتهم أو المواقع الجغرافيّة التي هم فيها. وقد سعى الأدب إلى عرض تلك المشاعر علينا ونحن نتلقّاها ونتفاعل معها دون أن نتأثر بالكاتب أو جنسيّته. بيد أن هؤلاء الذين حوّلوا الأدب من مفهوم عالمي إنساني إلى مفهوم صغير محدود بقوالب وأيديولوجيّات معينة هم الذين نسمع منهم اليوم هذا الكلام العنيف الذي لايمتّ بصلة لمن ينتسب إلى الأدب الحقيقي. إنّ الذين إنّ "الأدب الإسلامي" بمعناه الأيديولوجي -وليس المعنى التاريخي الذي يشير إلى الأدب بين العصرين الجاهلي والأموي، أو المعنى الجغرافي الذي يشير إلى الأدب في أماكن معينة كالبلاد الإسلامية مثلا- مفهوم جديد ارتبط ظهوره عندنا في السعودية واشتهاره بفترة ما يسمّى بحركة الصحوة الإسلامية على أيدي أناس غير سعوديين، بعضهم مطرود من بلده الأصلي بسبب أفكاره الدينيّة المتطرّفة، وقد أتيحت لهؤلاء الفرصة للسيطرة على منابر تعليمنا وإعلامنا في فترة معينة ولعلّ عضو هيئة حقوق الإنسان هذا هو من إنتاج هؤلاء.
لقد اتّضح لنا أنّ الذي عارضوا فكرة هذا النوع من الأدب الإسلامي كانوا محقّين في رأيهم بأنّ قولبة الأدب في حجم أيديولوجي يلغي الأدب ويقضي على ما يحويه من عناصر عاطفية إنسانيّة، ويجعله يدور على نفسه يردد عبارات مؤدلجة قد تكون أي شيء لكنّها لايمكن أن تكون أدباً حقيقياً. لم تكن المعارضة للأدب الإسلامي هي بسبب الاسم، لكنها كانت بسبب التوجّهات التي يُراد للأدب الإسلامي أن يقوم بها حتى ولو كانت لا تتفق مع طبيعة الأدب نفسه، كالوعظ المباشر والخطابيّة والحث على القتل والتشجيع على معاداة الناس ومحاربتهم والفرح لمصائبهم بسبب أنهم مختلفون في الرأي أو في الدين. وها هو نائب رئيس المكتب الإقليمي لرابطة الأدب الإسلامية العالمية وعضو لجنة حقوق الإنسان يدعو الناس للفرح بما أصاب الناس في أمريكا من دمار!
لابد من الإشارة إلى أنّ من حق هذا الشخص وغيره التعبير عن آرائهم الخاصّة بما لا يؤدي إلى الإساءة أو الاعتداء أو تبرير العنف والتطرف أو الدعوة إليهما. ولاشك أن مقالة السيد عضو لجنة حقوق الإنسان ليست مقالة مسالمة بقدر ما حملت من تحريض وعنف ضد المخالف. علاوة على أنّه عبّر عن رأي يمثل شخصيّته ونزعاته الكامنة، وهي شخصيّة لا تتفق مع المنصب الذين عُيّن فيه. ولعلّ من رشَحوه لهذا المنصب لم يطّلعوا على فكره الحقيقي من خلال سيرته ونشاطاته المختلفة. وهذا يدعو إلى القول بأنّ التعرّف على من يريد تقلّد منصباً مهماً يمثل فيه حكومتنا أمر ضروي لأنّ هذا الشخص لايمثل نفسه فحسب بل يمثل كذلك توجّه حكومته. ونحن نعلم أن حكومتنا العزيزة ذات موقف إنساني نبيل من المتضررين من الكوارث الطبيعيّة سواء في أمريكا أو في غيرهما من بقاع العالم. والكلّ يتذكّر موقف الملك عبدالله الإنساني في العام قبل الماضي ضد من رفض تقديم معونات لمتضرري الزلازل في إيران بحجة أنهم مخالفون لنا في المذهب الديني. ومما يجدر ذكره هنا أنّ ديننا الإسلامي دين يقوم على روح التعاون والمواساة والعدل ونشر الحب بين الناس ولا يمكن أن يكون ضد البشر وضد المشاعر الإنسانية النبيلة مهما تشدق بعض منتسبيه بالعنف والكراهية.
#مها_فهد_الحجيلان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مثقفونا الفقراء
-
ماذا يحصل في إدارة تعليم الزلفي؟
-
ظاهرة المحاكمات الفكرية ضدّ الكتّاب
-
المجتمع الصحي يتكامل فيه الرجل والمرأة
-
كيف تدعم المراكز الصيفيّة التي تقيمها وزارة التربية والتعليم
...
-
لماذا لا تُسند المراكز الصيفيّة إلى مؤسسات أهليّة؟
-
التعدّي على الخصوصيّة الفرديّة في المجتمع السعودي
-
أسلوب التعبير عن الاختلاف في الرأي عند الإسلاميين
-
العنف وثقافة الموت في مدارس البنات
-
كيف يدعم الإنترنت الإرهاب في السعودية؟
المزيد.....
-
-قريب للغاية-.. مصدر يوضح لـCNN عن المفاوضات حول اتفاق وقف إ
...
-
سفارة إيران في أبوظبي تفند مزاعم ضلوع إيران في مقتل الحاخام
...
-
الدفاعات الجوية الروسية تتصدى لــ6 مسيرات أوكرانية في أجواء
...
-
-سقوط صاروخ بشكل مباشر وتصاعد الدخان-..-حزب الله- يعرض مشاهد
...
-
برلماني روسي: فرنسا تحتاج إلى الحرب في أوكرانيا لتسويق أسلحت
...
-
إعلام أوكراني: دوي صفارات الإنذار في 8 مقاطعات وسط انفجارات
...
-
بوليتيكو: إيلون ماسك يستطيع إقناع ترامب بتخصيص مليارات الدول
...
-
مصر.. غرق جزئي لسفينة بعد جنوحها في البحر الأحمر
-
بريطانيا.. عريضة تطالب باستقالة رئيس الوزراء
-
-ذا إيكونوميست-: كييف أكملت خطة التعبئة بنسبة الثلثين فقط
المزيد.....
-
واقع الصحافة الملتزمة، و مصير الإعلام الجاد ... !!!
/ محمد الحنفي
-
احداث نوفمبر محرم 1979 في السعودية
/ منشورات الحزب الشيوعي في السعودية
-
محنة اليسار البحريني
/ حميد خنجي
-
شيئ من تاريخ الحركة الشيوعية واليسارية في البحرين والخليج ال
...
/ فاضل الحليبي
-
الاسلاميين في اليمن ... براغماتية سياسية وجمود ايدولوجي ..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
مراجعات في أزمة اليسار في البحرين
/ كمال الذيب
-
اليسار الجديد وثورات الربيع العربي ..مقاربة منهجية..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
الشباب البحريني وأفق المشاركة السياسية
/ خليل بوهزّاع
-
إعادة بناء منظومة الفضيلة في المجتمع السعودي(1)
/ حمزه القزاز
-
أنصار الله من هم ,,وماهي أهدافه وعقيدتهم
/ محمد النعماني
المزيد.....
|