|
عبدالباقي شنان في: تخصيص تحكم الذات، بمساق تفاعل الإلحاق
جعفر كمال
شاعر وقاص وناقد
(تôôèô ؤôéôم)
الحوار المتمدن-العدد: 5018 - 2015 / 12 / 19 - 16:56
المحور:
الادب والفن
تقدمة: شهد جيل الستينات في العراق أهم كتاب القصة القصيرة أمثال " محمد خضير، وسميرة المانع، ومحمود الجنداري، وجليل القيسي، وديزي الأمير، وخضير عبدالأمير، ومهدي علي الراضي، وعباس عبد جاسم، ومحمود عبدالوهاب، وإرادة الجبوري، وإبراهيم أحمد، وحنون مجيد، وإبراهيم سبتي، وموسى كريدي، وأحمد خلف، وحسبا الله يحيى، وعبد عون الرضوان، وفرج ياسين، وعلي حداد، فكان أغلب هؤلاء قد تأثروا بمعتقدات حزبية اختلفت باتجاهاتها السياسية. فمنهم الشيوعي، والبعثي، والقومي. وتلك الأحزاب كانت تتصارع وتتناقض في مفاهيمها الفكرية، مع أنَّها بِكَمِها تصب في حقل الاتجاه اليساري التقدمي، لم تكن تلك التراتبيّة الحزبية تؤثر سلباً بالنهج الذي تبناه هؤلاء القصاصين من تنوع أثبت تميزه بثرائه، فاستفاض التنافس فيما بينهم تطوراً نوعياً، حين اجتهد كل واحدٍ منهم بوضع الاتجاه المجدد الممتلئ بالنضج والحماسة، بما أفاد هذا التغيير من نضجٍ على المستويين الفكري والإبداعي، فكانت أعمالهم الكتابية تُنْتَجُ مساقات نوعية من أحداث ثورة فنية توجهوا بها إلى تناص فكري مع الحركة الأدبية الأوروبية، "كالوجودية، والعدمية، والفوضوية، والتروتسكية، والغنوصية، والمانوية، كذلك تلقحت تجربتهم بمؤثرات كومونة باريس، ومحصلة شعبية تشي غيفارا" الثورية، وتطورات أشكال القصة الأوروبية الحديثة التي فجرها "آلان دوب، وناتالي ساروت، وإدغار آلان بو، وكلود سيمون، ومشيل بوتور، وصموئيل بيكيت". وعلى أساس هذا التنوع أخذ رواد ذلك الجيل يبحثون عن الاختلاف إلى خضع إبداعاتهم على مدار مفتوح يغني خصوصية التدبير الفني، الذي يتقن حركة المضامين الباطنة المعبرة عن مقومات دلالية وجمالية كالاختزال والإيحاء والخاتمة المقنعة، وتجلي الرؤية في الدور، خاصة عند محمد خضير، وسميرة المانع ومحمود الجنداري.، لأنهم كانوا يعتبرون الكتابة القصصية التجديدية تمثل لهم السعي إلى رمزية تحميهم من جلاد سلطة عارف الأولى، ومن ثم أنتقل القمع إلى الموت الأحمر بمعية حزب البعث الإجرامي، فامتلأت سجون العراق وأحواض التيزاب والمقابر الجماعية بأهل العراق، وهذا مما دعا النخبة من هؤلاء الكتاب إلى الانصراف نحو تجريد النص من المطلب الثوري، ثم انتهكوا وتجاوزوا الافتراض الخاص بالواقعية، وألبسوه التجنيس الرمزي المعقد بواسطة أسلوبية التصحيف، أي أن تكون البنية القصية حذر وضوحها، على مبدأ إيَّاك وشرطة الأمن العام، ومن أجل هذا نجدهم قد أسسوا لمفاهيم انتماءاتهم وثقافاتهم المختلفة أنْ تميل إلى إغناء النص بالرؤيا والأفكار المحايدة، بسقاء بعيد كل البعد عن التخصيص السياسي، الذي هو مطلب القارئ. توصل القاص النوعي في جيل الستينات إلى أن يُفَعلَ صلته بإنتاج يؤرخ الأحداث بمستوى ما يضع يده على تطورات ومستجدات شغف الكتابة المعاصرة، لتكون الصورة القصية تجسيداً جدلياً يساقي الضمير الإنساني متعة إيمانه بالتطورات الحاصلة في العرض والجوهر، عبر الموجودات الأدبية الحاصلة في أجواء المحيط الأدبي من حولنا وفي العالم، وهكذا أصبحت مشاريعهم القصصية يَتَشَيَّعْ منتجها من لدن معايشة أغراض الناس من فعلٍ بعينهِ، وتلك المعاشرة كانت تُتَوج بفاعلية الحاسة المعنوية التي تتصل بمسرتهم وهم يتطلعون إلى صناعة الجديد، حتى أخذت أفكارهم تتبنى صورة الشيء المحاكي للتمثيل الذاتي الحاصل بأجوائه الجمالية، وهو ما يتعلق بفواعلها القيمية التي تؤطرها التحديات المدركة لجوهر المجتهدات المطورة لمعتقدات المذهب الإبداعي عند الكاتب، بمستوى تخليها عن تحديات البيروقراطية الطبقية، وغض النظر عن مشاع الاستغلال التوسعي القمعي الذي أسسته المخابراتية البعثية، من طغيان وعبودية حتى جعلوا من الحقيقة ظُلمَة شيطانية. يقول فالنيتوس مؤسس الغنوصية "أن بؤس الإنسان ناجم عن سجنه في المادة المظلمة*" ومن أجل هذا أخذ الكاتب يتعاطى مخدراً اسمه الرمزية بكل فنونها وحججها ومراميها، من واقع حساسية الصفات المُشَبَّهَةُ بأفقها النوعي الخالص، حتى أصبح القاص أشبه بالطبيب النفسي، يداري المفاعيل الخلاقة التي أخذت تتمحور بالفطرة، كون طبيعتها المتجددة تبحث عن خلاص الإنسان العراقي من همومه وعذاباته اليومية، فأصبحت الكتابة عندهم تقتضي المُسَوّغ الجمالي، الملبي لطموح يفي بحاجة من حاجات الفرد المعنوية، أي الكشف عن واقعية البطل النوعي الضائع في متاهات ومسالك الدكتاتورية البغيضة، بعد أنْ خلصوا لمشاركة معاناة الإنسان اليومية، وجعله يتحسس قربه الذاتي منهم، ولسان حالهم يقول له أمانيك نعرفها، ونشعر بها، ونحن من سنفعلها لأننا معك. فما كان من هذا وشبيهه حتى ولد جيل السبعينيات وبعده الثمانينات، بتشكيلة ميزت ذاتها بتشخيص اختلف وضوحه عن الجيل الذي سبقه، فأخذ جماعة هذا الجيل يؤسسون لامتيازات أدبية متقدمة في نبوغ تفاعلها اللغوي والفني، بمصاحبة ما هو معيون من جدلية تُظهر الإجمال بإزائه الجزئي الإضافي، على أنه إبانة النسبة الكليَّة، وخاصة في تشذيب شعرية القصة القصيرة، حتى أنهم أزادوا مبعث التجلي التخيلي الرومانسي، برؤى وخيالات نضجت بفعل الأساس المتين الذي وضعه جيل الستينات من منابع افاضت بثرائها المقبولية المعقولة، بهدف التأثير في قناعة ذات القارئ، فهم من وضعوا للبنى السردية حداثية أكثر تطورا وتنوعاً. فتفننوا بوضع ركائز ذات متانة نوعية تفيد حكم الوصف، بمعيون فصاحة ما يبتغيه الكاتب بما اسماه وعالجه بواسطة صواب فصاحة السرد، الذي يصب بتقنين حيوي في معالجة الحوار المعني بالحالة، بمزية تستحسن صَفوَة الاختصار والتكثيف في الحبكة واللغة والمعنى، فاعتمدوا اللقطة الفنية المفعلة بدلالات التجنيس من جهة الحدث مع ما يتلاءم بتقنين الحبكة الناظرة. ولهذا كان روادَ هذا الجيل أكثرهم خبرة بما متعوا المفهومية فصاحة التلقي، ومنهم: " جنان جاسم حلاوي، وعبدالله طاهر، وفرج ياسين، وحميد المختار، ووارد بدر السالم، والياس الماس محمد، وعبدالستار البيضان، وأسماء محمد مصطفى، وميسلون هادي، ونجمان ياسين، وهدية حسن، ولؤي حمزه، وعائشة عطية التميمي، ونزار عبدالستار، وزيد الشهيد". ومن بين هؤلاء برز الأديب عبدالباقي شنان الذي نحن بصدد تناوله، فهو من اعتنى بقدرة متفوقة تستحسن الرؤية الارتكازية على هوى الإبداعية الذاتية. فأزاد بدرايته التوليدية تفقد النظم بصحته، فاتسمت قصته بمنزلة الإحساس بوزن الشعر، فأخذت تستولد تأويل المعنى على فصل اللفظ عن الاتجار بفلسفة اللغة غير الضرورية، والابتعاد عن ما يحتاجه طابع السبك القصصي، لأن المراد من سبكه هو أن يراعي ما يصلح البنية اللغوية كي تلاقح الجملة السردية بمثيلاتها، وجعلها مفتوحة على الزمن بتسلسله المكاني، بوحدة تتسم عناصرها بموضوعات تحاور الاحتمالات التي يتحد فيها التفجير الذاتي مبتغاه، متجاوزا الصدمة المخلة بالنظم والنحو، واتباع تجليات ذات رؤية أكثر وضوحا، وبهذا الميل يحقق الكاتب تفنين أسلوبية تشهد المفاضلة بنوعها وكمها، باعتباره اعتمد أمور تدرك بالفكر والاحصاء، ليحدث التمييز المقنع في مستوى اللغة والتعبير، فتكون صلاته الذَّاتيَّة المُشَبَّهة بهموم مجتمعه ترتقي إلى طفرات إبداعية طورت أدواتها إلى متسع أكثره مواءمة مع الحداثة، بتفجيرات حادة في تجديد الفن القصصي، وهذا يعبر عن دليل انتمائه إلى وسطه الشعبي من الفقراء والمظلومين، ولذلك سعى إلى استبدال التعابير البالية بقدمها إلى تطورات تعتني بالمجاز المركب، الذي يسود التزاحم المغاير الثقافي إلى ما بعد مُجاهَدة مُجَانَسة الواقع، وبهذا تتواصل الرؤيا الروحية إلى محمول المتخيلات المخالفة، تلك التي تُفَعل الوقوف على محاكاة تكشف عن معرفة أسرار الانفعالات والمكائد والفوارق، التي يفصلها الكاتب بأسلوبية تُنَوع تطورات اتجاهها. حتى أخذ هذا المبدأ التجديدي يتفاعل بإدراك موضوعي، يحتمل تعريض الأحداث بواسطة تعزز من تغليب رؤية الحالة المطلوب تناولها، على مستوى تعيين مناشدة نقل حكم القراءة التي تتفاعل مع قوَّة الذهن الملبي للإضافة الخاصة بتحويل غير المألوف إلى المألوف، كما هو الحال في نص "الطنطل*" فيكون هو البطل وهو العقل الملبي بجعل التأثير الانفعالي الذي يقيس متغيرات تبغى مواضع مختلفة في النص، كاللجوء إلى الإيماءات المتخلفة بالجن ومثيله، على أساس الاعتقاد الخاطئ، حيث يبدأ بتعريف التكلف النفسي حتى يتصدى له، بواسطة أدوات تقدمية العقل المادي المؤسس الحقيقي للمعرفة التي تبسط معاينة الكم والتورية لتحسين تطورات نموذجة تُطرَحُ على أنها تمثيلات تنتج مواضعة المهارات الذكية، تلك التي تساقي وصفات الحدث في مجال التغاير القائم على أساس الحواس. كما هو الحال في قصة "بالمقلوب*" التي عالجت مراتب مخارج عدم التركيز على الاناقة. وفي هذا يقول ابن عربي في رسائله: " أنَّ سر الثبات به يعلم حقائق الأمور، وبه يدبر ويفصل ويولد ويزوج ويعبر على سر الرمزيات وفك الطلسمات وأصول الأشياء الظاهرة والباطنية والحقيقية وغير الحقيقية، وله إقامة الجدار من حاله وكشفه*" فالدلائل والمعجزات التي تبناها ابن عربي تصب كلها في مفهوم العرفان والتجلي للخلق بتمثيل يراد به الوصول إلى جهابذة المتصوفة بالعشق للذات الإلهية، لكنه نجح في القليل من آراءه التي تصيب كالعبارة التي عبرت عن مفهومنا للترميز.
مظهرية صارف النص: حقق القاص العراقي عبدالباقي شنان، رؤية تتحكم في تجنيس المشاهدات اليومية من حيث احاطة النظم بشمولية منظوره بجواز قوة التركيز، فخرجت النشأة عنده تستلهم مؤديات الخيال وتصوراته بشأنه، تصفية وتخليصاً لإحكام الترقي في البنى الداخلية بتمعن عالي الدقة. بحكم إبانة تناغم اتحاد مقومات الأطوار الحاكية عنده. تلك التي تتجلي فيها لطائف الإفاقة المعبرة عن تصوراتها، التي تمتهن تخصيص جزائها الفني التقني، اللازم بربط الدليل بالمدلول بصحة الحكايات المستقلة باختلافها في منتوجه المتواصل، وهو يحاول أن يلتقط الحالات التي تتبيّن أمامه على إنها أفعال عادية، لكنه يحوَّلها إلى منظومة كتابية يشترك فيها التجسيد التوليدي، بسياقات تعتني بتوصيفات الفكرة باعتناقها الرمز المجتبى بخصوصيته، من وارد ماهية العلم الوهيب الذي لا يمسه كسب، كما يفعل جماعة التقليد، ولهذا فالنشأة عنده تطورت بواسطة منظومة بينات أفادت حاجات موسوعته الأدبية، لتكون معطى انتاجات تستولد منح خصال ذات إيماءات وتأويلات محكمة، تفرزها قدرات تميزه عن سائر كتاب القصة القصيرة، وتلك حالات خاصة تعتني بجماليات الصورة التي تتواصف صفاتها من ذاتها العارفة بالممكن القائم على الاقتضاء بالأصل، الذي يقوم على ملامسة حقائق حكمة اختصاصه المتضمنة خلق صيَّغ وغايات تتحد بمعارف تتخلق بتصوراتها متخيلات واسعة التحليق، فَتُنْتَج بعينٍ بصيرةٍ تلتقط التوصيفات من ذاتها المعلنة، عن عناصر عينية تتحرك فيها الأحداث كتدوير فجائي، يحاكي الواقع المحسوب ضمن منظومة أبعاده الحاسة، عبر محاكاة التخييل المفتوحة على مسرحة المشاهد اليومية، بمنتج يفيض اعتناء حضور الإبانة الملبية لطموح القارئ، وإن تعثرت في أماكن قليلة ذات نحو ركيك، لكن هذا الضعف الذي يصاحب المنتج الإبداعي الفني تجده حاصلاً عند الكثير من عمالقة الكتاب، وهذا لا يعني أن الخلل في مناطق معينة يُنقص من قيمة الكاتب أياً كان، فالضعف في كثير من الأحيان يتمثل بشطحات فكرية غير مبنية على التركيز التقني، وحاصلة عند الجميع، عندي وعند غيري، لكن من الضرورة بمكان يجب التطرق إليه بالتحليل والمعاينة، وسوف نأتي على هذا الضعف بتناولنا نصوص القاص، . إذا أبدينا اختلافاً بواسطة تفريغ خاصية المعلوم المعيون في لطائف الغيوب والاسرار المخزونة في مكان ما، من عالم ترقى بإحساسه المُزَوَدْ بإظهار تجلياته الحاكية بمزية التأمل، حيث نجد تأويلنا يَتَصوَّر المتلقي وكأنَّهُ أمام تعليل تكسوه حلة بنحوه، وهو ما يدلنا على إبانة المنتج الذي يُلبس الصورة خلقها، فلا أرى بدا إلاَّ أن أضع إنتاج عبدالباقي شنان بميزان يتوخى الحذر، لأن رفعة النص تدل على المصاحبة، والمصاحبة تعني البنية الذكية بأدلتها الجاذبة للفحص والمعاينة، ومن أجل هذا وضعت الكاتب ضمن حساباتي النقدية الصارمة التي لا تعترف بالمهادنة، وهو ما يعينني على بسط خصوصيتي النقدية من حذر يصاحب تفكيكي المطيعُ للمنتج الذكي، من مأخذ تُفاصل أشكال عناصر التأويل، والتي تجعلني أحرر مقدار النسبة بمحرك الفواعل المحيطة بالكلية البحثية الواجب تمظهرها، خاصة وأن أدواتي تتناول نصوص قاص كتب الرواية، وهو باحث اجتماعي، ورئيس تحرير مجلة "النافذة" الثقافية. لذا أصبحت ميزاته تتعلق بمعالجات فنية لها تصورها الإشراقي المفتوح على الدليل القطعي، المعلن بواسطة تأثير ثقافاته المتنوعة، التي وضعت له مكانة تختص بإبانة قوة منجزه، الذي يكشف لنا عن أسلوبية إقالة المحادثة المباشرة إلى المعلن النوعي، وجعلها تستولد تفاصيل ذاتية السرد المغاير، وبتقديري أنه كشفَ عن المفهوم الذي يجمع بجزائه أدلة واضحة التحكيم في النسب، والاضافة، والاختلاف، وهذه العوامل أجدها تصاهر المعنون في قدرات ذات السارد، على إثارة تحديث فصاحة الرأي وبلوغ خلق المحادثة التي تبناها هو دون غيره، تلك التي تكشف عن ما يرمز إليه الكاتب بحاصلة قَيْميّة. التي تعالج آثار المعاينة الحاصلة في تفكيك لغة الكاتب بنحو أكثر مقبولية، لا كما هو متناول عند الكثير من كتاب القصة القصيرة الذين جعلوا المراتب الحاكية مباشرة بمفاهيم لا ترقى إلى مناظرة ثقافة الفرد، ووضعها بمعيار خارج قدرات التحليل المنطقي المعرفي. إسهاما منا لتطورات منتجنا النقدي في إيضاح تصورنا الخاص، بالبحث والكشف عن الدهشة التصويرية في نصوص عبدالباقي، فيما يتساقى ويتحد بالمنجزات الحيوية في علوم اللغة، ومصبات جمالية الصوت، بمقتضى ابعاده الحاكية لجعل الخلق المعيون السردي أكثر وضوحاً، مضيتُ أحاور تفاريق المعاني تارة واتحادها تارة أخرى، في مكان يتطلب الوضوح في مزايا كنتُ حريصاً على تجديد مفاعيلها بالمواءمة، وهي أن أكون خصماً ومحبا للنص والكاتب بآن، من أجل أن امارس بصوتي النقدي اختلاف كل الأجناس الأدبية والفنية من حيث بداهتها وابتكارها المعنوي. لذا أرى لابد وأنْ يكونَ أحكام المراتب النقدية حاسمة ببعدها وتثويرها وفروقها ووجوهها وجوهرها الفلسفي الأخلاقي، وهو ما يتوافق مع اخلاصي بالالتزام على أن العلم النقدي هو تحرير لمبادئ أخلاقية وإنسانية مجردة من كل نية تضمر نفعاً ذاتياً معيناً، لذا حرصت على أنْ تكون الموازنة حاسمة بإعطاء كل ذي حق حقه في الذي ابتدآه وأنهاه النص، لتكون مؤديات العمل بأصول القوانين النقدية مُحَصلَة من ابتدائها مؤمنة بالالتزام بوعيها وخصومتها، هذا إذا وجدت أنَّ تخريجي يسعف التأويل المحاكي لتقنية أكثر تطوراً يحتاجها النص بالمعاينة الحادة، على أن يكون الرأي المنطقي قائماً بنفسه على الاختلاف، من واقع أن تكون محققاته تصب بسهل الغاية المحكم بها سعينا نحو تفكيك وقلقلة محاكات تأكيدنا على البقاء بدلالات تحكم الصيَّغ ونشأة تطورها، سعياً وراء بروز غطاء معرفي يحكم الموازنة بالدليل والغاية لأجيال وأجيال، كما فعل الآمدي، وابن مضاء، والجرجاني، وابن عساكر، وهذا يلزمني إلغاء التعميم بجواز بطلان حقائق يتصورها الكاتب على أنها نافعة ومفيدة، بشرط أن يكون تفسير الكلام دالاً على مفاهيم نقدية مطلقة الدقة تشتد فيها معطيات توخي الحذر من الانزلاق في المديح وغيره، ومن أجله نظرت باهتمام إلى هذه المزايا، فرأيت ظهورها لا يتمثل بالظن وذلك خير، وغير ذلك يكون ضارا لي وللكاتب والقارئ. التجنيس والتخصيص عند عبدالباقي شنان أجاز عبدالباقي لحقله الثقافي أن يتنوع بين الرواية والقصة القصيرة، فمد اهتمامه لأن يمتع مستقبله الأدبي بمواقف تستولد صحو إبانتها وغايات مثولها المادي، بوازع أنْ تتوسط القيم المثلى بوصالها، وهو أن يجعل من كل تخصص أدبي له معاشرته الخاصة بجناسه، لأن هذا التخصص يجعل من النص يَنْصَب في قياسٍ وسطٌي بمعنى حالهُ. وهكذا يكون عبدالباقي قد تفردَ بجنسٍ أدبي دون غيره، ودليل ذلك ما هو متناول من نصوص أظهرت استقلاليتها واختلافها، حين تنوعت بفاعلية ذاتها وقيمة نشاطها المعنوي، فأثرت بالقارئ كونها تخالق إعجازها من فيها، فلا هي تناصاً مقدراً مع الغير، ولا هي بصغائر تدل على مخطوطات لا فائدة منها، سواء كانت من ريع السلف، أو من إنتاج المعاصرة، ولهذا فقد تخصص جناسه بصفاته وميوله هو، بدلالة إصالة نبوغ إبداعه المصاغ بواقعية اختلافه، كونه تَصَوَّرٌ أصيل يستقل بدلالاته، التي تختصر العبور إلى غايتها المقبولة، الممولة لمقصد الإرادة المعبر بها عن تصوير الحدث المعيون، ونحن نعلم بالضرورة أن كاتب القصة عندما تتبنى أفكاره ميول بطله، يكون الكاتب بطلاً ملبياً لتفكير بطله، فتتحد البداية والنهاية بتجنيس عضوي واحد، وهذا هو سر النجاح الذي تبناه بالمعرفة الكلية، التي أخذت تستمد قوتها من النبوغ المسائل للحقائق الثابتة عن اليقين المؤثر بالقارئ، باعتبار أنَّ قوة بيان إرادته بتخصص ناتج عن قناعة ومعرفة إحكام أعماله. وبهذا يقول باختين: "أن الخيال هو الممول النوعي لتجانس الوظائف التي تعتني بالترميز بين ما هو واقعي، وما هو ملحوظ في العقل المتخيل*" وبقصد باختين على أنَّ الملامح الذكية المشتركة بين الكاتب وبطله، إنمّا هي مقدمة لنجاح النص بوصفه ملبياً واقعياً لخاصية السرد، على اعتبار نواياه وميوله في كشف الحقائق بواسطة وظائفها المختلفة بفواعلها، خاصة إذا تمتعت تلك الفواعل بإفاقة واقعية الذات حين تتناص مع نقاء الخيال وسهولة تناوله باتحاد الصورة الحاكية لسيرورة الأحداث.
تأويل المعنى بجواز القياس لا يوجد إجماع على تفسير النص حتى إذا كان بالاحتجاج، فالتأويل أولى بفك الدلائل الغامضة أو المتناقضة كالاستدلال على صحة التعريف بين الهوية والآنية، لأنَّ الاختلاف يتوقف على الدال في معرفة إيضاح التراكيب الجوهرية الباطنة للمعنى وخاصية نسب القياسات، وهذا ممَّا يَردُ في الرأي القاطع بجواز قدرة القارئ على التقريب بين التحليل الذكي، والقراءة العابرة، لأن الموازنة بين ما هو مؤثر، وبين ما هو مرفوض، يكون العرض يقتضي الاختلاف بالجوهر، لأنك قد تتصور في قرارة نفسك إنك إنْ أجمعت النسب المختلفة بتقديراتها في دائرتك الظنانة، تعتقد أنك أمسكت بناصية الصواب، أمّا وإذا لم تقدم الدليل القطعي الذي يجني اشتراط تفسير المستدل عليه من مقومات بيانه، يكون الخطأ قد سبق التحليل، وإن اجتمعت السرائر على بنية تدل على خواص النص ذاته، لأنها تكون قد بنيت بالمقدار المخصوص تقديره، الذي تولى التحليل بدون معرفة تذكر، يقول أبو حنيفة النعمان في هكذا سياق، وأيدهُ الغزالي: " أنَّ ما ثبت بخبر الواحد لا يكونُ إلاَّ ظنيَّاً في سنده*" والذي يقصده النعمان بمفهوم "الواحد" يعني الفرد الواحد. ولا يقصد بهذا اسم الجلالة، إذن لابد من الاختلاف في التفسير والمعاينة للتأويل في صحة مقومات تخاطب السرد، وذلك بألقاء الضوء على إعادة تأكيد القيم الإنسانية المتصلة بالمجتمع الجمعي، لأن النجاح في الوصول إلى المستويات المثلى في باطنية النص إنَّما تعني ما يفترض أن تكون مقنعة، بمنعها توضيح المخالفة في الاجتهاد الخاطئ، وربما نسميه بالنقص القائم على التثبيت غير الصحيح بالمبحوث عنه، لأنه لا يجوز أنْ تؤول المعاني بغير جواز قياسها، لآن القياس شرط بنيوي يعمل على تمكين أدوات الكاتب اليومية من تحريك الاتجاهات وجعلها تتصل اتصالاً جدلياً بمجتمعه، سواء كان بواسطة الرمز وجعله المحرك الأساسي لمفاعيل لغة الأحداث، أو بواسطة خلق الأفكار الملبية لمتخيلاته وجعلها تعتني بالمجازية والموائمة، وللحق نقول أن عبدالباقي عمل في ذلك على إثبات صحة التأول الذي اعتمد المهارة لكي تكشف عن جوابات وخبايا وحجج النص بمرآة بصيرته، واحساسه، وتفاعل علم النظر في ثقافته، التي تجمع الدلائل المعنوية بمنجزها المختلف، ففي قصته: "عبود ونخلة فريال" تتحكم الأفعال بمفاعيلها الوسيطة بين المعتقدات الطبقية العليا، وبين الطبقة المسحوقة من عوائل لا سكن لهم، ولا عيش رغيد، هذا ما هو مقروء في بداية القصة، التي أجاز لها الكاتب أن تلقي الحجة على مصاب الفقر والعوز، وبالتالي يرى صديقه الذكي المبدع بأنه أصبح بلا فائدة، لأن أحواله ساءت بفعل المقترن الطبقي الفاصل، لذا فإنَّ ما أفيد بالتمييز أن عبود ضحية الفرق المادي، أي أنه جاء للحياة مقيدا بعوامل اجتماعية قاهرة، وهو ما يصح وصفه بالحد عليه بالضِّدِّ الواقعي، حيث وضعه هو المختلف عن وضع من أحب، وهذا ما حدده القاص وبينه لنا في بنيته الحاكية، باعتبارها خلاصة بدء لتفكيك لحالة مجتمعية موجودة خلف الأبواب لملايين من العوائل في العالم الثالث، وإذا عدنا إلى الوراء نجد كلاً من فرويد وماركس أثارا مبدأ: "الأخوة الإنسانية وفكرة خلق مجتمع لا تفرق أجزاءه التعصبات الطبقية*" وهو ما نبينه بأن السياق الأسلوبي يجب أن يقوم على مبدأ عقيدة تتبنى الفهم الدينامي لحركية المجتمع، لأن الكاتب خاص والمجتمع عام كما قال ماركس، وهذا التأويل لا يؤخذ بالظن أو بالنية، إنما يُطلق على فعل مخصوص يحتمل الفروق الواقعية بدليل المستوى المعرفي، ومنه قول الشاعر: "وكم لظلام الليلِ عندَكَ من يدٍ - تُخبَّرُ أنَّ المانويةَ* تكذب"
فالخبر هنا معيون تأويله بالمعاينة، لأن المعنى قائم بالنظر المعبر عنه بالمجاز والتفسير، فالصدر في هذا البيت الشعري قيس بالمجاز، والعجز قيس بالتفسير، فالظاهر يعتمد الصواب في تحليله لمدخل الخصوص، وهو أن يكون تأويله معلوم بضرورة التلقي الصحيح، ويكون دحض ذلك بحالتين: الحالة الأولى: أن يكون هو جزءاً من تصوُّر ماهية اكتسابه المعنى. الحالة الثانية: يعلم بالضرورة إنه يحسن مواضعة التحليل في جواز المعنى.
النظر في مستوى التمييز واختلافِهِ: إذا قلنا أن عبدالباقي شنان وسَعَ من انتاجه من لدن ثقافته الخاصة، بمستوى تحقيق مَزيَّة مقاصد فتح باب المعرفة على انتاجه، بما في ذلك أنهُ حدد التفرقة بين ما يجده يفيد سعيه وراء طلب المعرفة، وبين ما يجده غير نافع إذا لم يكن المعلوم الخاص حقيقة، وهذا دليل نجاح يحسد عليه، خاصة وأنه اشتغل على موضوعة التمييز والاختلاف، أي أنهُ لاقح ذاته الإبداعية بالتمهيد إلى شق طريق خاص يمثله، يخلص للضرورة التي يُحسن فيها بيان السرد، والاهتمام الذي يستحصل القيمة الاعتبارية بكونها تمثل الاتجاه الإبداعي، بالتقدير الذي تكشفه إبانة المعرفة عنده، وهذا نافع على وجهين: الأَوَّل: إنهُ جعل من النص يتبنى الضرورة المحكية في مجمل الصيَّغ التنورية، وهي أنْ تختص بالكلاميَّات التي تبتعد عن المخاتلة التنظيرية. الثاني: أنَّه جعلَ من بنية الحكاية تتصل بالواقع الدلالي، أي من لدن الجو المحيط المحفز بالتمييز لشخوص الحكاية، أنْ تحاكي أحداثاً تلزم مناشدات الخبر بمعناه، خاصة في روايته "نزوات آباء" التي سوف نأتي على دراستها في الفصل الثالث. لذا وجدنا أنَّ ما يعمل عليه عبدالباقي يوجب الاستغناء عن التحديد، ويطلق فنية الاختصار بمثال حقائق مبنية على المواضعة والاصطلاح، وما عُرِفَ من ذلك على أنَّ مفهوم السرد قد يكون حالة كلامية لا تعتني بالحد والنظر، ولا بالخبر، وقد قال في هذا الجبائي وهو من المعتزلة، "أن الخبر هو الكلام الذي يدخله الصدق والكذب*" إذن فالسعي وراء مفهوم الخبر ضروري ونافع بآن، كون السرد القصصي يوافق ما يجري ضمن وحدة البناء الحاكي لمجريات الأحداث، وهو ما نسميه خيارات النص، غير أنّنا ومن ناحية أخرى لا يمكن أن نغض النظر عن تقلبات العوامل الاجتماعية المختلفة والمتضادة، من حيث مستوياتها التشخيصية الفكرية والحقوقية والثقافية المتصلة بمستوى الفرد الذي يقع عليه تحديد العوامل البنائية من لدن سياقه الخالص، ومن أجل هذا وجب التعامل مع الفرد بكونه مساحة قابلة للتفاعل والتطور والمخالفة، ككيان يصحّ إيراد تصوراته لتخليق تجربة مسؤولة عن إنجاح تبينه الصورة المختلفة، تبعا للتّغيّرات والتّبدلاّت المجتمعية، التي تجد أصداءها مقروءة بوضوح يغني عن الخوف والتوجس، من قدرية الاتجاه المعلن في الطروح والبناءات المتطورة بمسعى الخيار المكشوف النابع من الخبرة والتجربة والتقصي، وهذا يجب أن يكون قياساً في العوامل التالية: أولاً: ليس السعي وراء الكتابة الفنية بحد ذاتها مطلباً مجتمعياً، بل هو تقدير إبداعي، وبما أنه هكذا وجب على المبدع أن يتحقق من لزوميات الفحص والمعاينة والمسائلة، لتحقيق معيَّة تحكم القدرات النوعية بفنية تخط باستقلالية مفيدة له ولقارئه، وطبعاً هذا يتم بواسطة التصوَّر الحرفي الذي ينبئ عن معطيات يرسمها الكاتب من خلال تفاعلاته الداخلية الوجدانية، تلك التي تبوح النموذج المميز الذي يحرز مكانةً نافعةً. ثانياً: يجب معاينة الخلط بين التجربة الإبداعية المزودة بالإلهام، وبين التجربة الحياتية للكاتب التي لها مقومات الاستدلال الأكاديمي، على أن تكون الاستفادة مبنية على أساس العامل الايجابي، خاصة في الحالة الثانية وهي "التجربة الحياتية" كون تأثيرها على الحالة الإبداعية إمَّا أن يكون تأثيراً سلبياً وهذا ما يجب معالجته، وأمّا أن يكون التأثير ايجابياً وهو المطلوب تطوره. ثالثاً: النظر في حجج الكاتب، واستظهار المحاسنة في كيفية روايته، وما يتعلَّق بسردها من أحداث تعالج بنية اجتماعية معينة، يكشف عن أحوالها الكاتب نفسه. إذا قلنا أنَّ لكل حكم يقتضي جواز ثبوته بحجج تكشف عن دلالات مقنعة على خلاف العموميات، فهذا يبطل حالة التخصيص، فيكون التحليل يبدو ناقصاً في تأويله، ففي كل محاولاتنا النقدية اعتمدنا مخاطبة النص بعينه قبل مخاطبة الكاتب، أي الكاتب الذي له أهليَّة النظر الإبداعي القائم بالضرورة على صناعة تخترق القاعدة السردية المتعارف عليها في النص التقليدي، ليكون مفعول النص بانتظار قارئه المختلف في الزمان والمكان، وعليه أولينا عنايتنا للكشف عن الحرفية الإبداعية للخلق التنويري، في مقدار تميزه وتأثيره ومقبوليته، من جهة مجال الخلق المعرفي الأدبي، وطبعا فأنّ الفضل يرجع في هذا إلى الكاتب الذي أبدع فوضع بين متناولنا البحثي أفقاً يوظف محدودية الاستعارة، وجعلها لا تتضارب فيها العوامل المتعارضة في بنيتها ومقدارها. نتناول قصة: عبود، ونخلة فريال "لم أره منذ أربعـةِ أيام، ذهبتُ إليه بعد العشـاء لعلني أجده في بيت خاله، لكنه لم يكن هناك، عدتُ إلى بيتي وأمرَّهُ يشغلني. وفـي تلك الليلة زارنـي أحد أصحاب البسـاتين المجاورة لبستان أمِّي. جاء يخبرني وقد بدا عليه الاستغراب، من حالة يجدها غريبة على مجتمعنا، قال :" صديقك عبود هاشم يـذهب أثناء الليل إلـى بسـتانكم، وهناك يقف بجـوار النخلـة الفـرعاء الوحيدة، عندها عـرفت سـر غيابه عني، انتظرتُ رحيلَ المتطفل ِ الثقيل، لكنه أدام جلوسه حتى منتصف الليل، وفي الحال قصدت البستان، وجدته بذات الحال التي وصفها ليّ البسـتاني، دنوت مِـنْ النخلة ذاتها، اتَحكَمَ بخطوي بحذرٍ شـديد، فالحيـرةُ والتـرددُ هما السـبب الذي يكمن وراء الأكـمة، وبينمـا أنا على هذه الحال لـم يعـد يفصلني عنه سوى بضعة أمتار، توقفت يقضاً خلفه، فكرت بطريقةٍ تشـعره بوجودي دون أنْ أثير فيـه فزعاً يفاجئه فالليل تَدَجَّى عمقه، وجدته يقفٌ كسائلٍ حائرٍ بجوارِ النخلةِ الفرعاءِ، طويلاً بقامتـه المديـدة، وكأنه وثنٌ. يتمعن الليل وحيداً كناسك طرده الإله من معبده، يتكسر ظله على مياه شطِ العرب الباردةِ، يقف في عمق الظلمة بجوارِ النخلةِ التي امتدت قامتها على حافة جرف النهر، والليلُ ينحدرُ مِنْ الأفقِ الجاثـم وراء المدينـةِ القابعة علـى ضفة النهر الغربيـةِ، فيما بدا الشط يغـرق بتأملاته، بينما الأفق النائية تبدو وكأنّها غابةٌ كثيفةٌ، يغطيها ليلٌ داجيٌ، وأفقٌ كئيبٌ وغيومٌ ثقيلة. اهتديتُ إلى فكرةٍ بعد أن دامَ وقوفي عدةَ دقائقٍ، وفكرتي هي أن أرمي بحجر فـي مياه الشـط، وفعلت، غير أن حجري كان صغيراً ومتردداً، لم يثر فيـه انتباها. كـررت فعلتـي بحجـر أكبر، وجدته قد أحدث في سقوطه ارتطاما على صفحة ماءِ النهر، وصوتٍ راح يتلوى كشخير في الظلمة الساكنة، حتى تخيل لي أنني سمعت شكوى الماء، ومع ذلك فصاحبـي لـم يسـمع، ولم ير وكأنَّ بينه وبين الحجـرين الذين سقطا على سـطح الماء بوابةً منيعة. عادت حيرتـي تُلازمنـي كما عـاد السـكونُ، مـرت دقائـقٌ أخـرى ثقيلـة ثقلَ الجبال، وحالي أشبه بجزئية استجلبت لسكونِ معين، وبينما وجدتني في هكذا حيرة، هبت رياح ارعشت حفيف سعف النخلةِ تلك، وجدت الغيـومُ تتفكـك لحمتها، فأدركتُ أنها لـن تجئَ بالمطـرَ، لكن الغيومَ أوشـكت أن تخبرني عَنْ دجى شارد في أسى، عندها تمنيت أن أمدّ لصديقي ذراعي، لكنني لم أتمكن إلى ذلك سبيلا، فيما الدقائـقُ كانت تـمـرُ بطيئـات مثقلات تاركـة خطاهـا الرتيبات على الساترِ الترابي الذي يمنع ماءَ المدّ من التدفق إلى بساتين النخيل، حيث كان السكون يغمر كلَّ ما حوله." انبعثت القصة "عبود، ونخلة فريال" تحاكي تطورا خلافياً على مستوى تقنية مزج السياق الواقعي بين حالتين: أولاً: موضعية الحكاية في مكان محدود. وثانياً: تداعيات عاطفية تعيد تصوراتها بقياس لا تخرج عن المجانسة التفاعلية. وذا نسميه سقاء هندسية حاصل التوليد المظهري المشبه بمزاج التعبير المدور، الذي يعالج التخصص النوعي للسرد على أن تعتني الحكاية بمستوى يتصل بقناعة الكاتب السريالية، المهتمة بمعالجة تورية العقل العاطفي، الذي يمنحنا تصورات تبحث في ما يمكنه من بسط تبيان أهواء النفس الكلية، التي تعالج مشكلة العاطفة المتضادة بوضوحها، وكأننا نقف وسط تداور رمزية تتمظهر وتتصاعد اساليبها التعبيرية التشكيلية لتحاورية تبسط الهيام الروحي المعتني به. فيكون المدخل الذي أراده الكاتب في تناوله للبطل النوعي، أن يخلق توازناً مقنعاً بين ما يبتغيه العقل من الرفاهية العاطفية، وبين ما يرتضيه الوعي التفكري من الحصول على مشاعر فريال، لتكون قناعتها به محط تقييم يرضي ذات عبود الحزينة، لأنه أي عبود بتأثير عشقه لفريال أصبح أشبه بالذي أصيب بالإجهاد والاكتئاب والقلق، وذا ما ساقه المؤلف من واقع مؤديات تتسع مداخل تستوى تأثير خصوصيتها على موضعية لإنتاج عمل روائي حصره الكاتب في قصة قصيرة، مع أن هذه المنسقة تمثل سقاء يمتع النص فاعلية على مدى أكثر متعة إن كانت رواية، حيث تتصاعد حالاتها السردية فتمد احداثها من زمن يتسع لتحريك مثل هكذا معالجة تتصف بالذوق ومقاييسه الواقعية المجتمعية منها والاقتصادية، وظروف البلد الداخلية والخارجية، وفي هذا نجده يعالج على مستويين: أولهما: المكانة الثقافية التي اعتبرها الكاتب مادة الحياة، وهي التي أصبحت تحدد تجاوز الفترة العاطفية عند المثقف المغلوب على امره. ثانيهما: المجاهرة بتحدي صورة المجتمع بتأثير تطورات الإنسان الفذ الجديد، بعد أن أخذ يواجه العشيرة وتجار المادة والدكتاتورية المحبطة. وهذا ما يقيم دلالات التوليد البنائي على علاقات تفضي إلى منجزات حيوية نحسها ونلتمسها بتلقائية حوار المخيلة، تلك التي تضع المحاكاة بسياق مكثف تكون اللغة فيها سلسة الفطرة والبديهية، يتواصل بآفقها الناتج عن فتح مدى يتيح لأسئلة القارئ جوابات التلقي المحسوس والمطلوب تأثيره، وهو ما يتفاعل مع مبدأ يفيد بأن الوعي الفكري عند الكاتب يؤسس لمنتج يعكس فائدته على عموم الحركة الأدبية المميزة بتمثيلها الأكثر حداثة، لِمّا تمثله رؤية الكاتب المجددة لنقلة تساهم بفتح تداعيات واسعة العطاء، تشتغل على معاينة حوار يتبنى أسلوبية تنوعت بخصوصيتها الجادة، تلك التي تمنح المتلقي متعة شاملة بإفاضة مفيدة، وبدراية نوعية تفيد باختراق تميزت أهميته على الكثير من المعالجات السردية في قانونية القصة القصيرة العربية، وهنا نلتمس الحوار الذاتي يداني الإحساس الذي يروي لنا الحكاية على أنَّ قناعة "القاص الراوي" احكمت الجدل الذي يحقق الوجود العيني بواسطة مساقات أفادت تأملاته، التي تُباري خيارات الوعي الذي يكشف عن مركز الحوار المعلن بالصمت القائم بين الراوي والبطل عبود، ومن خلال هذا التشذيب يمنحنا الكاتب قناعة مفادها أن البطل عبود ينظر إلى أن الأمور التي يراها معقدة في نفسه، يعتقد أنه يحلها بوحدته، أو أنه يرى بأن معاناته ستحل عقدته، أمَّا الحقيقية فهي أكثر تعقيداً مما يظن هو، لأن وحدته الصادمة جعلته أسيرا لمقارنة تحدد مداه العاطفي ببعد النخلة أو قربها منه، خاصة وأن تلك النخلة هي الأخرى قد ابتعدت عن بقية جنسها من النخيل، أمّا البلاغة في هذا النظم من حيث ما حققه الكاتب من مجانسة ذات ملقحة واضحة في رؤيتها ودلالاتها المعنوية، أن عبود هاشم يعيش بوحدته المغلقة تحت نخلة تعيش بوحدتها اليتيمة. يمكن لنا النظر إلى هذه القصة على أنها امتداد معنوي لذكرى تمتد إلى عمق كسير لزمن مضى، فالتداعيات واضحة في سيرورة النص الإنساني، أي أن خابرا إبداعيا يخبر القاص متسائلاً عن المصير الذي آلت إليه حياة عبود هاشم، البطل الصامت في عشقه لبنت الأغنياء، وهو ما جعله معذبا ملاما وحيدا بنفسه على عشق ليس له مستقبل يؤتي بواقع ايجابي، وقد يبدو التذكر غير مستهلٍ في سبقهِ، لأحداث ذلك التاريخ الذي ركزَ على حكاية أصبحت شبه منسية عند أهل الحي ممن عرفوها، لأن الحدث الواقعي يكون تأثيره ملتصقاً بحكاية تتجذر ذكراها بالعقل، خاصة عندما يكون المعني يصيب الواقعية بِمَ عظَم التفاوت بين حالتين، وخلق التباين بينهما، خاصة وأن عبود واحد من أبناء الحي، وأن البساتين المحيطة بالحي كانت تشكل له الملاذ الذي يهرب إليه من الواقع الطبقي بينه وبين من أحب الأماسي معها، نجده هو العنوان وهو الحدث وهو المادة المحركة لعناصر السرد، وهو التراث الغرامي، وكل هذه العوامل تدلل على وحدانية الذات المنقولة من صلب بلاغة الرؤية المؤثرة على انطباعات تمثل الموقف الضعيف، باعتبار الوجود الذي بني عليه أفكاره كان مستمدا من طبيعة وحياة البطل المثيرة والمؤلمة، فعبود هاشم كما تروي لنا القصة عاش حياة فقيرة ومعدمة، وبسبب هذه الحياة كان أشبه بالمريض المصاب "ب Depuration" أي الكآبة الدائمة" وبالتالي نتبين من خلال بحثنا أن البطل الوحيد المعرف بهذا الاسم قد افضت حياته المتعارف عليها بين الناس، على أن الرجل غامض منطو على نفسه. أن اختراق الوعي الروحاني الكائن بين المبصر والبصير يحتاج إلى وعي أكثر حجة نسميه "العارف"، أي أن يكون ملاء المعرفة عنده يجمع الصفات الحذقة، البصيرة بأمر المطلوب الوقوف على أحواله، فيكون وكأنه يترجم ما يدور في ضمير الموصوف، بعناية تختزل كل ما يدور بالحواس العاطفية، لأن المشهد العشقي المُفَعَلْ بالنقيصة التي يحسها البطل أصبحت أمراً واقعيا، والوصف الحقيقي له نسميه المنبوذ في نفسه، خاصة في الجانب الطبقي، وهذا بكل دقة ما نلمسه من موصوف شامل ومعلل من الاحاطة بالرموز والنمائم والمنزلة والسلوك العارف المبان بنفسه، مما تقدم به سر لا يريد للآخر معرفته، فيبوح به إلى كائن غير ناطق، أسماه الكاتب "عبود، ونخلة فريال"، وبجوار تلك النخلة تثار مشاعر عبود وتضئ تخيلاته الشعرية بالوهج الروحاني، وكما يقال: "من عرف نفسه، عرف ربه" فالتجلي المنفرد مع العاشق بذاته هو مريد لذات ليس بواقع قدرته المعروفة من الأخرين أن يطول ما تتأمل له مشاعره واحاسيسه، إنما هو التمني غير المنطوي على واقع معيون. سوى أن الراوي دلنا على ما يفكر به عبود بنواياه وتقديراته وآماله ورغباته، فجعل من مشاعره المتولدة في داخلة تظهر تأثيراتها على الشكل يفعلها الخيال المحسوس، لتكون تأملاته منظورة على المدى الخاص البصري، وهذا سر النجاح البنيوي في النص القادر على التوضيح والتوصيل والقبض على القارئ بتجاوب تثيره على المحنة والتعاطف الايجابي مع البطل عبود. يقول القاص بمتابعة ذكية: "مخاوف عبـودِ كانت مبررةً، فهو يعرف ُ جيـداً إمكانية تضحية فريال، يعرف حَجْم حُنْوِهـا الكبير، يعـرف نبل ضميرها، يعرف شعورها بالواجب تجاه أبيها، كما يعـرف أنَّها عصفورةٌ في مصيدة، عصفـورةٌ تـرفرفَ وترفرفُ محاولةً التخلص مِنْ المصيدة ثم ما تلبث أنْ تستسلمَ. هكذا انحنت فريالُ أمامَ الأحداثِ الثقال، وزُفتْ إلى الأمير الطاووس المزهو بريشه. وهكـذا حقق الحبُ هزيمةً أخـرى كما عودنا، هـزيمة تضاف إلى هزائمه العديـدة عبـر تاريخه الطـويل، وضـاع حلمَ عبـود الذي كان ينسلُ عبر ظلامٍ داجن ضاع الحلمُ وسـاد الظلامُ، وظل عبـودٌ طافياً على سطحِ بحر هواجسه بالقربِ مِن النخلةِ التي سبق وأحبتها فريال. لقد أحبت فريال النخلة الفارعة منذ زيارتها الأولى إلى بستانِ أمِّي، حيث حصل ودعوتهما هـي وعبـود لزيارة البسـتان في موسـمِ الرطبِ، فأحبتْ فريالُ النخلةَ الفرعاءَ المنعزلة، وكانت كلما زارت البستانَ بصحبةِ عبود، إلا وحامت حول نخلتها المحبوبة، فأسمى عبودُ تلكَ النخلة الفرعاء "نخلةُ فريال " والآن عليّ أنْ أنتزع عبـودَ من نخلة فريال، علـيّ أنْ لا أتـركه يعاشر وحدته مع نخلة حبيبته وصورة فريال تختفي في صميم الليل، مع إنها ما تزال طريةً فـي نفـسِه، يقتضـي ألا أتـركه يناجي خيالا لم يعد موجودٌ، سوى بعض هواجسٌ مسعورةٌ، وقد توسوسُ له ببطلانِ الحياةِ، في الوقت الذي هو في أمس الحاجةِ كـي يعقد هدنـة مع نفسـه، ويعود إلى واقع أيامه القديمة. عله ينسى حُبَّه لحبيبته التي رحَلوها إلى رجل آخر، كان عبود أشبه بأسطورة حمقاء ولكن هـل أستطيع؟ هل بمقدوري فعل ذلك ؟ أن أجعله ينسى على الأقل نخلتها ؟ أم أن له أمـلٌ بعـودة فريال إلـى نخلتها، وهزيمة الطاووس الأمير!؟" يرى مينكوسكي: "أن الانطواء الذاتي يتمثل في الهروب من الواقع، مع سيطرة الحياة الداخلية، نسبياً أو اطلاقاً*". وما نقرأه في هذا التعريف هو تعبير حقيقي عن شخص تمثلت فيه حقيقة الاكتئاب، فأصبح منفصلاً عن مجتمعه وأهله، لذا فهو بتحصيل حاصل يرفض الواقع ويبعده عن تفكيره، كونه فقد ذاتيته المجتمعية ولم يعد يتصرف مع الأخرين إلاَّ على هوى وجهة فصامية، وبهذا نجده يتجاوب مع تصرفه الداخلي، بالجزء الخاص الذي يمثل الوعي غير الواقعي عنده، فيكون تصرفه في منتهى الغرابة، لاعتقاده بأن كيان تفكيره المنعكس على تصرفه هو الأصح، وكيانات الآخرين تتعارض معه بتمثيلات لا يرضاها لأنها تقلق تلقيه الروحاني، وهذا ما عبر عنه البستاني للبطل خريبط بقوله: "صديقك عبود هاشم يـذهب أثناء الليل إلـى بسـتانكم، وهناك يقف بجـوار النخلـة الفـرعاء الوحيدة" إذن فعبود أصبح معروفا عند الأخرين على أنه رجل انطوائي، وهذه الحالة تظهر عند الفرد إذا كان هناك ثمة ما هو مدفون بقسوة في دواخله، وهو لا يتمكن من حله، فيكون وعيه منقادا من عدم ثقته بقدرته على تجاوز تلك المحنة، التي أصبحت مادة سهلة لتبادل أحاديث أهل قريته بها، فقد شاع الخبر بين الناس وأصبح معيونا، بأن الحالة الخفية التي جعلت من عبود رجلاً انطوائيا ومعقدا، هو أن هذا الأمر الواقع عليه حاصل بأثر علاقة حب غير واقعية بينه وبين ابنة المليونير، تلك العلاقة التي لم تؤسس لها قواعد ترتبط بالإيمان المنطقي الذي يقرب الحبيبين من بعضهما البعض، وليس هناك من بنية سلوكية تطور الحالة العاطفية بينهما على اساس مبدأ الكيانات المتمدنة، فهو يعيش في بيئة متخلفة عن بيئتها، فبيئته فقيرة ليس لها علاقة بالحضارة ولا بالتمدن، وكلما تقدم بالسن تضيق عليه تلك الدائرة، في حال فأن فريال تتمتع بحياة فيها بحبوحة مجتمعية متطورة ومفتوحة على الحضارات العالمية، باعتبارها تعيش في تدفق مالي لا ينضب، تقضي نصف حياتها تتجول في المدن الأوروبية يرافقها الخدم في كل خطوة. ولكن هل فعلا أن عبود هاشم الشاعر الشفاف المؤدب قد أثرت فيه ميوله الغريزية العاطفية فأيقظت البدائية البدوية التي كادت أن تنتهي؟ فصار يهيم بنفسه كروميو مثلاً، فيجمع الوحدة بالحزن والندب والتذمر والتقرب إلى الحبيب بواسطة الخيالات الفارغة من محسوساتها التوليدية، وهذا المنشد النفسي إلى أين يأخذ عبود؟ وهل ستبقى حياته تحددها غايات نفسية مضطربة، تنازعه بظاهرها الأليمة، وتنعكس على معنوياته فتغلق عليه الفضاءات الشبابية الحالمة، التي من المفترض أن تؤسس له مستقبلا يجعله ذا حظوة تعلي من مستواه الحضاري والاقتصادي، بعيدا عن تلك القوانين الضاغطة التي لا يستطيع المعني بها تجاوزها أو حلها، فيكون ملبيا وناشدا لتلك الخواص الظالمة وتأثيرات أدواتها القاسية بفوارقها الغبية عليه، أما الحالة الحبية المختلفة كما اشرنا إليها التي جعلته أكثر شرودا وهروبا من واقعه البائس، كانت دون إرادة منه، فقد ابعدته عن دراسته الجامعية، وجعلته كما هو مرهوناً لها، وتابعا ذليلاً لديناصورات المال، لا تميزه بعلمه ولا تغير في الأمر شيئاً خاصة برغباته الإنسانية، بل تزيده انغلاقا على بعضه، فالحياة الجامعية تحتاج إلى الظهور بالمظهر المتقن بشخصية تجعله يتساوى ولو بالقليل مع الأخرين، على الأقل هذا ما تبينه واقعية الحكاية. أما ما يضمره المضمون الإنساني عند السارد الذاتي، والذي جعل من أسلوبيته المكانية تعتمد المخاتلة التوليدية التي تطرح النوايا، من واقعية التركيز المستفاد من الإثبات والنَّفي بأتَم يداري النفس الرحمانية بمعتقدها، أو بناقص لتلك النفس الحاملة لصور الموجودات بمراتبها العليَّا أو واطيها، تقرأ على أنها تشبيها بما ترمز إليه المعاني العقلية من أحوال ترتقي برؤيتها تارة، وتارة تستحيل، لأن الكاتب تفاعل بمقبولية على أن التنكير يمثل الوجه الثالث للإنسان الغني: ان الإنسان الثري بما تحدثه نفسه من واقعه: أولاً كونه غني، وثانياً كونه ينتمي إلى طبقة اجتماعية خاصة جدا، والثالث: هو الغني الذي ينكر الفقير. وحال هكذا سرد يكون ذات حصر يعيد التضبيطات السياقية للنسق الذي يحاكي مقايسة ما ينتقيه التدوير من مجاذبة قدسية تفردت بمحاكاتها الإنسانية، عبر تحديث مناقلات تحاكي نزوع بيان الحالة النفسية على صاحبها، من حيث أنَّ الشي الذي هو في وارد معالجته إنمَّا يقلق البطل على نحوٍ خاص في مكانه الذي وضعه فيه، فيكون التأثير المعنوي وكأنما يدل على حالة مرضية كالتخيلات السادية، أو الاضطراب العاطفي، وسبب هذا كله ينحصر في عزلته الشاذة. ولهذا لو تمعنا جيدا في القراءة الثالثة نجد حالنا أمام ابتكار وظيفي مختلف، تحقق ضمن معطيات منحت الدلالة تأويلات منفتحة على إبانة ذكية تفسر البنية الموحدة، لأن الفصام لا يولد العاطفة الذكية، إنما العكس، فالشاعر يحتاج إلى التركيز والاحصاء والمعاينة العاطفية، وتلك العناصر تبعد الشاعر عن التشتت والضياع، المنبعث من أهم الأعراض التي تصاحب المصاب بالاكتئاب، لكن هذا قد يحدث احياناً، وحال الفرد تقع بدائرة ألم أو انحسار نفسي معين، دون أن يكون واضحا على الدوام، والراوي اشتغل على هكذا مشاعر واحاسيس دون أن يبين الاضطراب المعنوي بشكل مباشر عند عبود، إنما جعل الغرابة في الذات "أنا" غريبة على تمثيلها الشخصي، لذلك وفي الوقت نفسه نجد فريال غريبة بعلاقاتها مع الآخرين، وفي هذا التصريف نقرأ المدفون في أعماق النفس يتخذ حالة اللاوعي الغريزي، بل هو منفي في وعيه إلى متخيلات قد لا تتحقق، وفي هذا نقرأ تصورات العاشق عن حبيبته فريال بقوله: " يعرف حَجْم حُنْوِهـا الكبير، يعـرف نبل ضميرها، يعرف شعورها بالواجب تجاه أبيها، كما يعـرف أنَّها عصفورةٌ في مصيدة، عصفـورةٌ تـرفرفَ وترفرفُ محاولةً التخلص مِنْ المصيدة ثم ما تلبث أنْ تستسلمَ. هكذا انحنت فريالُ أمامَ الأحداثِ الثقال،". لاشك أن التثوير النفسي الذي دلنا عليه الكاتب هو تصويب أسلوبي يعتمد المهارات المتقنة التي تجعل من السرد مقبولا وغير مملٍ، مع أن ما يطرحه الكاتب أشبه بتناص اعتاد عليه العرب بحكم التقاليد المجتمعية المتخلفة منذ قدم الزمان، فهو يضعنا أي عبدالباقي شنان أمام حالة هيام يحاصرها الزمن بتحقيقها أو التخلي عنها، يقول التشكيلي سالفادور دالي: " أنا مجنون، إلاَّ في مسألة واحدة، وهي أنني مجنون*" فالجنون هنا مفتوح على أساس الاعتقاد لا على مبدأ الظن، أي أن الاعتقاد تَخَيّلْ يصيب، بينما الظن تخيّل لا يصيب في أغلب حالاته، وقولنا مصحوب بحالة جديدة تتناص بالشكل وليس بالمضمون مع حالات كثيرة متشابهة بدءا من "قيس وليلى" حتى يومنا هذا. قصة:
خيزرانة خريبط
"كان الخريف يجر ذَيَعان أيامه الأخيرة، وجدته وقد فاقم الكآبة في تفكيري فعكر مزاجي، على غير العادة، مَلَّكَها مني حتى أخذت ترهقني أيما إرهاق، لذا قررت أن أجعل من يومي أن لا يلبي دعوة الحزن إلى نفسي، ليس لأني معتاداً على هكذا صراع ذاتي، بل حتى لا يقال أن فتىً لم يبلغ الحلم بعد، شيع: "إنه مصاب بالكآبة!" نعم هو ذاك ما سوف يقال، مع أنني اِرْتَضَيْتُ العيشَ تحت جنح زوج أمي دون مَسرَّة. العيش الذي لم يجعلني أرى من تلك الحياة إلا نورا هزيلا معتلَ الصحة، على الرغم من الوهج الذي يشع في الجو المحيط، والأب بغضبه الدائم معي أبعدني من اللهو وممارسة فترة الصِبَا التي ارتضاها ربي لي، في تلك الأثناء وجدتني مضْطِرباً، وقلبي يؤلمني، قررت أن أنسل من بين أفراد أسرتي إلى جنح الظلام الذي يحيط بمنزلنا، في ليلة قيدت حريتي، حيث اعتادت العائلة السهر في الكوخ الكبير المخصص نصفه للعائلة، والنصف الآخر للأبقار، لم أعد أحْتَمِل. كنتُ خائفاً، وفي داخلي قلق أقوى مني، أرتعدَ من شدةِ الخوف. فخوفي المضطرم وضعني في حالة تقاطع مطلق مع الذات. وجدتني أشعر بالذعر بمجرد التفكير بمواجهة الحقيقة التي أجدها تؤرقني." لاشك أن الكثير من القصاصين والروائيين العرب اوغلوا في دائرة النص الذاتي، عاشروه وأعلوا من قدرته بمفعول محاكاة الواقع البيني، والمشار هنا إلى أن البعض منهم نفخ بالنص حتى أصبح التلازم التقني غير واضحٍ في فنيته، مع أن البعض منهم يؤكد أن ما يقصه يعتمد التلازم الواقعي بواسطة ملقحة النسيج القصصي، فيتخذ من الأعراف والنظم أن تحاكي المتلقي بمقدار ما يراه هو مفيداً ومقبولاً، وجعله يجذب القارئ إلى مفاهيم غير واضحة لا تلقي تقبلاً ولا مسرة، وكأن مثل هكذا كتاب أخذوا يجمعون النص بضدين كل واحد منهما يسير باتجاه مغاير للآخر، وهو ما لا يستطيع أن يمسك بخيوط أفكاره المفترض أن تنسج بعناية فائقة الدقة في مسار الحبكة، عندها نعلم أن هذا الكاتب يتشذب عنده السياق بمحاكاة وجه لا يشبه الوجه المقصود وبهذه الحالة يكون المتلقي في حالة رفض وقد انقبض قلبه، وزمزمت نفسه كراهية لما يقرأ، عندها نعلم أن الإنكار وقع على القارئ موقعا صادما ليس له غاية فيه. ولكن وفي الوقت ذاته نقرأ لقصاصين عرب كما ذكرت في بداية دراستي لهم المكانة المثلى بتشذيب الأسلوبية الاستثنائية في محاكاة النبوغ المعرفي في النص الذاتي، بوازع إبانة تلاحق المفارقات الذكية تلك التي تتوزع فيها المباني السردية الماهرة بعناية فائقة، ومن هذه القصص وددت أن أضع بين متناول القارئ هذه القصة التي تعتني بالوحدة الخاصة، المفتوحة على الإبانة والتنوير وهي: "خيزرانة خريبط"، ومن أجل هذا التميز نجد كاتب هذه القصة عبدالباقي شنان وقد احتضن القارئ فجعل منه ناقداً منصفاً وملازما لكتاباته، وجعله ينطق عن حقيقة أن ما يقرأه يعتني بالمشاهد الواضحة، منها من تتمثل بالمعالجات التي تعتني بمشاعر القارئ، فهو من أنجز أسلوباً اتسم بالعمق المجازي، وعمق من تجذير الأصالة والملقحة الخصبة، ولنقل أنه اشتغل على بنية لها خصوصية واستقلالية تجدد في المبنى القصصي سرعة البعث الروحي، لمحاكاة جعلها تكشف عن حالة فكرية منتظمة في معالجة سير الحياة اليومية، فاحتل بذلك مكانة تميزت بقوة النشاط والتنظيم المعنوي بين اقرانه من الأدباء العرب، وبهذا أكسب أعماله القصصية والروائية احتراماً مؤثراً في الوسط الأدبي العام. في القصة "خيزرانة خريبط" يروم القاص عبدالباقي شنان إلى اتجاه معنوي خالص، متأثراً بغاياته الإنسانية المتصلة بإحساسه العميق، متحداً باستقلاليته المبنية بواسطة ثقافته الخاصة، التي اعتنى بها لشخصه، لتكون فيما بعد وقد حققت له تفرده الإبداعي بالمعتقد أن الإنسان يمثل ذاته بفرادتها لا بتبعيتها للآخر مهما كان، حتى أصبحت أسلوبية التخاطب عنده تمنح لغة الكلام فصاحتها وقوتها الغالب عليها المهارة الحاكية، الثائرة على مناهج الظلم والتجني والمعاداة، لذا نجد كل هذا انعكس على نصه وهو أن يجعل من الذات شرطا تحريرياً لتبيين المعالجة المكشوفة على واجهة الشرح، الذي يهدف لأن يضعنا أمام ملمس تعبيري يتصل بالمضمر المُشَبَّه به، بإيجابية مصاهره القيمة المعنية بخلق عالم جمالي قائم بحد ذاته، المفسر عن المفعول المطلق الذي يؤدي جواز فعله إلى نكوص ما في العلاقات الخاصة للوحدة الصغيرة "العائلة"، وهي التي تناولها الكاتب، فجعل منها صورة مكشوفة لتصرفات الأب التي لا تتسم بالمساواة، تلك التي ميزها بتوليدية خاصة ربما أراد لها أن تتجه الاتجاه التوليفي المجازي، الذي استخلصه من أدوات وصيغ الواقع المعيون، فوظفه باتجاه حالته غير المستقرة، التي أصبحت المحور الذي تدور حوله الأحداث، بمزيج يقتني الدافع الاجتماعي المرتبك، مما جعل تحريك العوامل المتصلة بالضمير الإنساني تختلف بسلوكياتها واهدافها، وأهمها أنه بنظر والده ليس له تمثيل مؤثر في قرارات العائلة، أي أنه خارج التأسيس الواقعي بانتمائه الحقيقي الواضح، لكن طبيعة البطل المشاكسة مكنته من تحدى القرارات الصادمة التي بنيت على أساس صناعة جو عائلي تفرق اجزاءه التعصبات والميول والأهواء، حيث نجد الكاتب يقودنا إلى قص رؤياه المحالة إلى الترميز المتمثل بالخيزرانة والأفعى، التي سوف نأتي على تضمينها بالشرح والمعاينة والتعليل، وبسبب حالة بطل القصة، أنه يعزز التآخي بينه وبين زوج أمه بقدر ما يستطيع إلى السلم سبيلا، فتكون الذات تستهلك الزمن عبر مراعاة الأنا الحاكية، الباحثة عن الخلاص الشخصي من التهميش الواقعُ عليها، بواسطة الهروب إلى الظلمة التي تحيط بمنزل العائلة، تلك التي كانت أشبه بالمأوى المقنع له، وقوله: " في تلك الأثناء وجدتني مضْطِرباً، وقلبي يؤلمني، قررت أن أنسل من بين أفراد أسرتي إلى جنح الظلام الذي يحيط بمنزلنا،". يتواصل القاص عبدالباقي بتفعيل حكايته إلى المستوى الوصفي الذي اعتاد عليه الروائيون الأوربيون، ولا غرابة في هذا الاتجاه لأن الوصفية المكانية تشكل مثاراً يترقى البناء فيه إلى الإعجاز، خاصة إذا تطلب السرد إلى ذلك عناية المزية. بحاصل أن الوصف يكشف لنا عن سحر بساتين النخيل الواقعة على ضفاف النهر المعروف بجماليته لأنه يفصل بساتين فلاحين شط العرب عن المدينة من الجهة الثانية، فنجده يوسع معنى الحياة بأنه يضيف إلى مشتغله تأثيرات الطبيعة على الإنسان في قوله: "كان منزلنا يَقبّع وسط بستان مُكتَظٌ بالنخيل، تتشابك سُعُوفَهُ، وكأنما كثافتها تحجب عنا رؤية السماء، فيبدو المكان حال صمت مطبق بظلاله. والظلام يلف المنزل المكون من خمسة أكواخ يعيش فيها أفراد الأسرة والحيوانات معاً، وعنبرين لجمع المحاصيل الزراعية حتى بيعها، وتخزين بعضها للموسم القادم، وكذا أعلاف الحيوانات، كان المنزل محاطاً بدغل كث، عبارة عن مجموعة من النباتات المتسلقة كالعليق والنغنيان، وبعض النباتات المزروعة كاليقطين. وبذلك يبدو البيت في الظلام مرعباً ومثيراً للفزع حتى على ساكنيه." إذن بالرغم من القسوة التي يعيشها البطل الذاتي ضمن ظروف محبطة، إلاَّ أن وضوحه المستمد من قوة استقلاليته يجد المتسع من الوقت للهو والتمتع بجمالية بستانه، فيعتبر نزهته نشاطاً لمرحلة لا تتكرر ثانية رغم ظلمة الجو المحيط به، فهو حريص على أن يجعل من مراحل حياته تقاوم المعاناة والمآسي، حيث نجده يعد الانتقال من كوخ الكراهية إلى بستان أوسع فسحة، تتساوى فيها المتعةً والإبداع، لأن الفكر الحيوي يبنى بالعناية الذكية على الأصل من مأخذ يريده الكاتب أن يستقل بكيانه، كونه واثقا من نقل وجوده إلى أبعد من محيط امتلاكه، وبهذا الفعل فهو يراعي النفس بمعرفة يخاطب بها عظمة الإنسان، خاصة وأنه أتاح لتصوراته أنْ تتغذى من مطالع ثقافات السلف بأحكامها وفروقها وتعدد وجوهها، من مبدأ مبتدأ العلم بالشيء، سواء أكان في قوة الظهور المعلن في ثقافته، أو كونه مطلعاً على تطورات الآداب العالمية منذ الصغر، وهكذا تبينه معرفتنا بأنه مسلحاً بسبك اللفظ الدال على معانيه، ولذلك نجد السارد يقود البطل إلى خلاصه من الوحشة القائمة بينه وبين والده بالتبني، لأن التصور الذي يرسمه لنا الراوي وكأن الحدث واقع فعلاً أمام أعيننا، حيث تتجسد الصوّر كمنظور واقعي ييسر للقارئ اندماجه مع أفكار البطل "خريبط" فتلك جوابات الروح التي تحاول بقوة أن تبعد الظلمة قدر المستطاع عن ذاتها، محاولاً أن يعالج الأمور بروية تجعل الأب المستعار راضياً عنه. فالسرد يضعنا نحن القراء أمام اكتشافات مثيرة ومؤلمة بآن، تجعلنا نتأمل في ذواتنا محنة الحال المعقد الذي يفصل الحياة العادية عن الحياة الخفية بجدار يعمق ثبوت الوحدة الخاصة "العائلة" عن بعضها بالوعي المعلن في ذات البطل، وباللاوعي غير المعلن في عموم العائلة، فتكون النفس محاطة بنوايا تُخنق تارةً بالصمت، وتارة بالعلن، يقول فرويد: "افتحوا الأبواب على الحلم، افسحوا مجالاً للتلقائية، نريد أن نرى الإنسان غير مصطنع وهو يتمثل بالأفكار والعواطف النبيلة، سنصبح طليقين تماماً واحراراً، سنجرؤ بعد اليوم على وعي رغباتنا*" الذي دلنا عليه فرويد لا يعرفه العرب مع أنه الأساس للتمتع بالخلق الإنساني، لأن ما قاله فرويد يدلنا على الفائدة، وهو المطلب الحقيقي للحياة، أن نَتَجَشَّم في تلقي معارف الفكر البليغ، فالوصف يقاد بالتمكن الحريص على بلوغ الحكمة، وفي الوقت نفسه فأن الحلم يغذي الروح بالنشاط والمتعة في مصاحبة الواقعة، وهي تنتقل من مكان إلى آخر للتعبير بكل حرية ممكنة، بنشاط فكري أشبه بالسحر الذي سلب منه، وبهذا يبعد التوتر عن الزخم النفسي المضطرب الذي صاحب البطل، مع أننا لا نعرف اسم المربي وانحدار عائلته. "عمر أخي الصغير حسن عشر سنوات، طفل جميل، ذكي الملامح، عيناه سماويتان تسيطران على أحاسيسه، ونظراته يلمع فيها النهار، ولكنها تنبئك بأشياء غير ما هو عليه، خاصة حينما تنزل مصائب الأب على رأسي كما المطارق الغليظة، حينها تتصارع الأفكار في رأسه فينزوي في كوخه، ويبكي لأجلي، وكنت أدرك أن الصغير حسن في تلك الأيام لم يترك أذية من أبي لي تمر دون رد عنيف منه، يعاقبه بطريقته الخاصة، وبما ينسجم مع قواه العقلية والجسدية، وحاله حال دجاجة تجرُ محراثا! غير أنه كان يفعل ذلك بما يراهُ مقنعاً ولازما، وهذا ما يجعل مشاعره تتحد في قيمتها المعنوية معي كاتحادَ العصافير في عشها." يتجه القاص بحكايته ليعلي من شأن النسق الذي اختصر على السرد الذاتي، المحصور بكيفيات البطل المعيون، المسند من الكاتب ذاته بمقتضى أن السبب يفيد الاختلاف، مع أن هكذا أسلوب غير مشاع بين الوسط الأدبي في السبك المقبول تأثيره، ولكن الكاتب أخذه من نواحيه، فكوَّن السياق بمجاز يحرر المعاني التي أشارت إلى وقوع الشمول القصي، لأن حسن الطفل هو أحد أفراد العائلة، والكاتب أختل بوصفه من الناحية الجمالية الشعرية حين قال: "ونظراته يلمع فيهما النهار" فلو قال: "ونظراته، يلمع فيهما الليل" لكان الوصف أكثر جمالية وبلاغة في شاعريته، لماذا؟ لأن النهار هو بطبعه يلمعُ، وإعادة وصف الموصوف خطأ لأنه لو يضف المختلف الجديد، وهكذا فهو أخذ بطرفي حياة أخيه الذي لا يريد لها أن تقضي بوقوع التضمير، وهنا أراد الكاتب أن يجعل من حكايته تأخذ التخصص وتفيضه بشمول الحبكة الناطقة، ومثل هكذا مزية تحسب للكاتب قدرته على صناعة التوليف الذكي المحصور في مساق تنظيمي مدوَّر، وهذا نعتبره نظيراً يحاكي التنزيل في سياق متصل، والقرآن يقول: "وفجرنا الأرض عيوناً*" لأن الاتصال يفيد بما يدل عليه الحدث، كون ما ساقه العرض تمثل في سياقات شتَّى، بوصفها تحويلات في مكانية الملقحة الوظيفية للخصائص المختصة بمساق الأحداث، متنقلاً بها بين الأب وعدد الأكواخ وشكلها والبستان وكثافته. ولكن في فم الراوي ريحانه يود أن يزرعها في تربة المساق المدور بذاتيته، وهو أخاه الأصغر منه "حسن" وهنا نقرأ الاسم الثاني في هذه القصة، مع أننا لا نجد شيئاً متصنعا، إنما هي حكمة الكاتب أن يكشف عن الشخصيات كلا حسب زمانه ومكانه وطبيعة دوره، لذا فهو دعانا أن نتعرف على شخصية أخيه، ذا الميول المحرضة على الفوضوية، ابتغاءً لشن هجوم ثأري ضد والده من أجل أخيه خريبط، فالوالد لا وصف له، سوى أنه زوج أم "البطل الراوي"، من هنا نتبين نوايا حسن الصغير الدفينة التي لا يكشف عنها بالكلام، وقوله: "غير أنه كان يفعل ذلك بما يراهُ مقنعاً ولازما"، وفي مكان آخر يقول: " كان حسن ينسل من المكان فيكون قريباً من أبيه، يراقب تلك الثورة العارمة فنجده يتفاعل معها على طريقته الخاصة، وكأنه ينظر إليها من مسافة بعيدة، وفي كلّ مرة يسبب إزعاج أبيه". ولو قرأنا مزايا الطفل حسن نجدها تتجانس من حيث واقع تصرفاته وهي تتحد في حوارين: الحوار الأول: مع والده نجده مطيعاً وملبياً لكل ما يطلبه الوالد منه. والحوار الثاني المتمثل بحب أخيه والدفاع عنه شكل تعاطفا روحياً لحمايته. مع أن أخاه "الراوي" كان وريثاً لكل المصائب التي تؤذي والده، لأن الأخير كان يعتقد أن استقلاليته وحريته هما ما يروم إلى معرفة الحياة من خلالهما بمفصل عن العادات والتقاليد الموروثة لتلك العائلة. وفعلا يبدأ خريبط يكتشف تدريجياً عن قوة إدراكه تمنح العقل السلطة المطلقة لتفوقه على أبيه المفترض، وسوف ينحصر رفضه الدائم لمتطلبات والده بازدراء دائم له، لكنه لا يبالي بجعل التمرد أن يكون غايته ومنشده الذي يستهويه بمؤثرات ذاتية، تنعكس سلباً على العائلة وخاصة على امه. "أخذ حسن يفكر كيف ينال من كلّ الأطراف التي تؤدي إلى هذه العذابات، كانت تلك مهمته الجديدة التي يراها تحدد انقاذي، ففكر واهتدي، وفعلاً استطاع إقناع شقيقته الصغيرة على أن: تنسل الطفلة تسرق الخيزرانة وتطير بها لأخيها حسن، إلى الطرف الشرقي من البستان، وحسن بفعله ذاك أستغل غياب الأب، قال حسن للطفلة: - هناك سنلعب أنا وأنت، خذي الخيزرانة إلى هناك ولا تدعي أحدا يراك. وهكذا فعلت الطفلة، انسلت دون أن يراها أحد، حيث ينتظرها اخوها في المكان الذي حدده لها، وهناك استطاع حسن أن يصطاد أفعى من إحدى سواقي البستان، ووضع الخيزرانة والأفعى على كومة حطب جهزها وأشعل النار فيها." معاينة التقديم والتأخير: قد ترى في أول السرد أن السارد أبقي الأمر محصوراً في دائرة بداهة الذات الراوية، وهو يرمز إلى ابتداء تفجير الاحساس المعنوي لأن يخلق الهوة في داخل يقين البطل، بأسلوبية ذات حصر للمصير غير المعلوم لخريبط، ونشير هنا إلى جواز "الأدب العجائبي المحض*" الذي أشتغل عليه إدجار الآن بو، مع أن عبدالباقي يبتعدُ عن سياقات التنظيم السردي عند الأسلاف والمعاصرين من الروائيين العرب والأوروبيين، فجعل من شخصية الطفل حسن تنتظر دورها الذي سيقلب الحكاية على افادات تشبه الخيط الوسيط بينه وبين والده بحالتين: الحالة الأولى: احكم الإضافة القيمية بتلقيها الأحداث التي أصاغت استمرارية السرد بمعالجة تؤدي تفسيراً سريالياً اسميه الحكواتي المفسر غير المألوف. الحالة الثانية: جعل من مدخل الإضافة لا يبدو غريباً بتمثيلاتها أو طبائع حالاتها، بل جعلها تتساوى بملقحة طبيعية. وهذا ما نسميه بالمزية، لأن الكاتب بعد أن أحس أن السرد قد وصل إلى حدود الروتين، أدار البوصة إلى محور مشوق أخرج البينة من سباتها وفعلها بما أوجبَ تبسيط الأحداث، لأن تفتح سرديتها إلى إضافات أكثرها إثارة ومتعة، فجاء بالطفل حسن وأخرج المستعار من قمقمه، وفعل المجاز ومنحه حرية توليفات مغايرة لأحداث تصنع النظم الخيالية العجيبة على طريقة حكايات الجنيات، لكي يدق رهصتا فاعلية التوريد التوليفي للأحداث، التي تواصلت بفاعلية ذكية ذات استطابة غيرت من سياقات الرواية، إلى دلالات أكثر طوعية لقبول التواصل المقروء، حتى صارت الأحداث تجمع ذاتها بالموصوف الذي يشابه واقع الفلاحين، وهذا يداني المقصد الحقيقي الذي كان يجري وراءه الكاتب، وهو المسك بخيوط المسلكية التي أبانت الحكاية على أنها واقع يطاوع الحقيقة في أمور معيونة. ووسط ردود أفعال حانقة من الوالد على خريبط بعد أن شاهد ألسنة النار تلتهم البستان، في مكان حساس جداً، "هرع الوالد يركض باتجاه الحريق" كان تفكير الأب يرى أن شيئاً يجري مجرى الإهمال، فيجد البطل أن اللوم سيقع عليه، وهو في براء، بقوله: "وفي الوقت ذاته بدا حانقاً عليَّ لأني لم أكن الحارس اليقظ" وكما تقول الحكمة عند علي بن أبي طالب "التقديم على نيَّة التأخير" والمعنى اللافت لأهمية تنداح بالذكاء والتصويب على غرض يساوي جمع الخطورة والأذى الذي تسببه الخيزرانة للإنسان هو ذاته الذي تسببه الأفعى، كذلك ضم الزيادة في الدلالة الشكلية، وهو الجمع العيني بين مشي الحيَّة، والضرب بالخيزرانة حيث نجدها تتطوح وتلتف على المكان المراد أذيته، أي أن مصاحبة فعل الأفعى وجمعها مع الخيزرانة "العصا" بموقد واحد هي دلالة حكمة تنم عن عبقرية الطفل حسن، أمَّا الاشارة إلى الطريق التي لا تنفذ إلى ما يَجْنُهُ الليل، وما يسرح به النهار، سيبقى الحال ممولاً بالسطوة الظالمة، إن خرجت من التأجيل أي ما يفكر به الوالد، تخرج من القرب ما يقع على خريبط، وغير هذا مما يندرج في استثناءات الحياة الإنسانية، فالذي يخرج عن المساوات بين أفراد عائلته، كما الذي يخرج عن نفسه، وبهذا كان حسن يمنح أباه طريق تكشف عن الإنسانية بدون أن يعصب عينيه، فلا يرى الطريق على حقيقتها، بالمقدار ذاته فالأمر ينطبق على خريبط اتجاه مربيه، بقول بليغ بما معناه، أنا منك ومن معرفتك، فأمرك يسري حنوة في جسدي، وطوعي عرفان يلبي قدرك.
جوابات المستعار الرمزية : بلغت هذه الحاصلة النوعية استدراج الرمز "الأفعى" لتكييف المعالجة الصاخبة، التي أدخلها القاص إلى الموصول، واخرجها من الموصوف، وأعني بأن لا ندخل مساحة النطاق الشائع، فلو كانت كل الرموز وظائف واشارات لأشياء تصطبغ وتتشرب بالطاقة الشاذة، فإن الافعى او الثعبان رمز للطاقة نفسها – وللقوة الخالصة المنبعثة من روحانيات مقدسة، فالرمز استثنائي غرضه الوحيد هو المشابهة بالفعل، واغفال الحياة القائمة في العلم الفسيولوجي للحيوان، بتفعيل المجانسة المراد منها مد المقارنة لكي تغذي ما هو حقيقي ملموس، أو بما هو عمل خارق فوق الطبيعي، لأن قطرات دم الأفعى التي تحترق بالنار، تحترق وهي تمتد على قائم الخيزرانة فيختلط دم الحيَّة والعصا تتلوى فتسقط، وهنا ينبثق سبب آخر لتنوع المعنى الرمزي للأفعى وتعدده بالنظر الى اعتبار كل النوايا متعلقة بالسلوك المجزأ بصفاتها الروحانية، وبهذا يكون الكاتب قد جعل من المجاز يتحد بالواقعي المفسر، لإنتاج حقيقة مرئية يدركها العقل بالمقبولية، وهذا النوع من القصص التي تمتاز بأدب الفانتازيا المحض، جعلها الكاتب تعلي من قدرة النص السردي، لأنه حقق نموذجا متفرداً بوازع من استقلاليته الخالصة، وذلك بتحريك فني يتناص مع الحكايات الخارقة التي يصفها السندباد البحري، على أنها واقعية كالثعابين التي تبتلع الأفيال، والحصان الذي يلتهم الريح بجريانه، على حد تعبير j –n- Solaf. وبما أن المجاز حاسة ظنيّة يشرك العقل البشري المتخيل بمعتقدات التصوف والتمذهب، وربما أوهام ليس لها بنية وموجودات تربطها بصلة وثيقة بالملموس الحياتي اليومي، ولكنها بوارد المعتقد عند العشائر العراقية، تمثل الرؤية التي يتصورها البعض حاصلة رومانسية ذهنية لا غير، تنطفئ ساعة غياب المتخيل عن الفكر، لأنه لا يتمثل بالاعتقاد الجازم المطابق للواقع، مع أن المجاز مشتهى تصورات الفانتازيا، خاصة في منظور الحكاية العجائبية المتخيلة على أنها واقع، أو هكذا تصوّر لهم من ملاك قادم من السماء أو خارج من جوف الأرض يعتلي السماء بقامته فيسقط الجبال بضربة واحدة من كفه، بيد أن الرمز الذي استعاره القاص بني على أساس العدوانية فكانت الأفعى هي الحيوان المناسب لهذه المصاحبة، على سبيل المثال، حركاتها الملتوية المتمعمجة وارتباطها عموما بالمخاتلة وشبهها، وبالطريقة التي تخلع بها ثوبها ولسانها المتوعد ونموذج جسدها المتموج وفحيحها وصورتها المخيفة، وطريقتها في مهاجمة ضحاياها بلف جسدها حولهم وهكذا، حتى إنك تجد أكثر الناس يظن أنه يرى تتبُّعهُ لمخيلته الاختراقية تحقق له تغلبه على جميع الحيوانات الضارة، لكن الواقع حين يتحرر من التكلُّف لم نَرَ ظنَّاً أزرى على صاحبه من هذا وشبههُ. كما عبر عن هذا الجرجاني بنحوه وإعجازه، فيختصر الفرد ملامح الرؤيا التي كانت للتو تسيطر عليها الخيالات المترعة بالتصورات الاستثنائية. العِلَّةُ المُعَدَّةُ للرمز: يقول الجرجاني الحنفي: "هي العلة التي يتوقف وجود المعلول عليها من غير أن يجب وجودها مع وجوده كالخطوات*" أفزعني هذا التفسير مع أن فزعي وجدته ملفوفاً بالفضول والدهشة، لكنني استجمعت تركيزي والتفتُ نحو أدب عبدالباقي وكأنه يبصرني بمحاكاة تقول: نحن في حضرة جرجاني آخر لهذا الزمان، فحسابات الكاتب في هذا العمل تعتني بالمصاحبة النوعية بين الخيزرانة والحيّة، هو ما معناه التصويب العيني بالقصد والنية، ودلالته تلك الميزة التي حُددت بقوة فاعلية النظم المعيون بنصه، أي التعبير عن وجود الشيء لأجله، ولهذا حدد الكاتب نية الفاعل "الطفل حسن" على المفعول لأجله "خريبط" وبسياق آخر على المفعول به "الوالد". ففي قناعة القاص عبدالباقي أن الرمز "الحيَّة" تُفَسر داخلها بفعلها المنظور، ولا تنبجس عداوتها إلاَّ عن اغراءات تُهَيْجُ غدتها الحسيَة نحو الإكراه لمخلوق تراه مطلوبا لها، وكأنها أداة مرسلة لفعل دمار معين، لأن الحيّة تهاجم بعيني الذي تقصده هي، والدليل أنها لا تهاجم أياً كان. أماَّ وجودها في الحلم فهو نذير شؤم للمخلوق لا غير، لذلك يرى علماء الهند في معتقداتهم أن الأفعى ترتبط بعبادة لها خصوصية متفردة بقوتها الخارقة، أو عبادة ذات رمزية مقدسة، كون الأفاعي هي "حارسة ينابيع الحياة والخلود"، كما عبر عن هذا السحرة الهنود. والمقصود بهذا التعيين هي الروح الخالدة العليا. وعلماء الهند لا يرون بداً سوى أنهم اعتمدوا بقوة على فلسفة ابن سيرين والجاحظ، وابن الكلبي، والأصمعي. بالاقتباس والاقتضاء، ففي الاقتضاء نقول ما أراده القاص أن يجعل الشرط أمر اقتضاء النص، تقول "بلافاتسكي Blavatsky"، "أن الأفعى من الناحية الجسدية تمثل اغواء القوة عن طريق المادة " وقد نشأ هذا المفهوم عند "دييل Diel" قوله: " يعتبر الأفعى ليس رمزاً للخطيئة الفردية*". وهنا أود أن أشير إلى أن التفسير لا يعني النقد، إنما هو أحد الأدوات التي تعالج وتتبنى التحليل والمحاكاة الشاملة بجمع رأي خصوصية الناقد بالمعرفة التوليدية الخلاقة، باعتبار أن النص هو الذي يقود الناقد إلى مقاييسه الجمالية النوعية، أو العكس. = = هامش 1- فالنيتوس: مفكر يوناني أسس المذهب الغنوصي الذي يثبت أن العناصر الأزلية إنما هي تولد أفلاك القوى الملائكية، ثم تحولت بعد ذلك عند ماني إلى دين متماسك واضح المعالم سمي فيما بعد بالمانوية. 2 - سيغوموند فرويد: اقرأ كتاب: "الجنس عند فرويد". 3- اقرأ باختين في كتاب "الخطاب الروائي". 4- أنظر كتاب "الإحكام في أصول الأحكام" الآمدي. 5- اقرأ الجبائي، هو أبو علي الجبائي كتاب سير أعلام النبلاء. 6- اقرأ مينكوسكي كتابه نظرية في الطوبولوجيا. 7- سلفادور دالي: مجلة شعر العد 40 بقلم أدوار عازوري. 8- سيغموند فرويد 1856 – 1939، اقرأ كتاب: "تطورات المعالجة النفسية". 9- اقرأ سورة القمر. 10- الأدب المحض، قدم تودوروف تصنيفاً للأنواع المختلفة من الأدب الفانتازي وهي على الشكل التالي: العجائبي المحض / العجائبي الخيالي / الغرائبي الخيالي / الغرائبي المحض. 11- علي بن أبي طالب في نهج البلاغة. 12- اقرأ كتاب التعريفات للجرجاني الحنفي ص157. 13- هيلينا بتروفنا بلافاتسكي، روسية المنشأ، اقرأ كتاب: " مفتاح الثيوصوفية" وهي صاحبة مبدأ "أخوية إنسانية عالمية" دون تمييز في العرق أو الجنس أو الطائفة. 14- دييل كارنيجي أحد أهم الكتاب الأمريكان، اقرأ كتاب "كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس" 15- "الطنطل" أو الجن، للقاص عبدالباقي شنان، منشور في جريدة السفير اللبنانية. 16- قصة "بالمقلوب" للأديب عبدالباقي شنان. منشورة في مجلة النافذة.
#جعفر_كمال (هاشتاغ)
تôôèô_ؤôéôم#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التداني بين الذات ، والتدبير السردي
-
الشاعر صادق الصائغ / يعزز من توليد الاستشراف الصوتي / بدال ا
...
-
الحكومة
-
جِفَتْ
-
هي وهو وبرج بابل
-
ما المنتهى، وبعد
-
الشعر النسوي العربي بين التقليد والإبداع الفصل التاسع
-
بين هي وهو
-
منو أنتِ
-
رأسي -كَلاَّ- كرة قدم
-
من قلب آمرلي*
-
المَمسوخ صلى الله عليه وسلم
-
فطوم الجاسم*
-
وإذا نَيْنَوى سُئِلَتْ
-
نينوى
-
عبدالله صخي يُدوَّن تداعيات -خلف السدة- بمعايشة -دروب الفقدا
...
-
ذاكرة الندم
-
الشعر النسوي العربي بين التقليد والإبداع 9
-
فَاضَ النِصْفُ
-
الشعر النسوي العربي بين التقليد والإبداع : الفصل الثامن
المزيد.....
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
-
الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا
...
-
“تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش
...
-
بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو
...
-
سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|