أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - جواد بشارة - حلول اللحظة الأخيرة للمحنة العراقية















المزيد.....

حلول اللحظة الأخيرة للمحنة العراقية


جواد بشارة
كاتب ومحلل سياسي وباحث علمي في مجال الكوسمولوجيا وناقد سينمائي وإعلامي

(Bashara Jawad)


الحوار المتمدن-العدد: 372 - 2003 / 1 / 19 - 05:25
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    




/ باريس

ماذا لو فعلتها أميركا وقررت عدم إطاحة صدام حسين في اللحظة الأخيرة ؟ هذا ما ردده قادة المعارضة العراقية بالسر والعلن حتى ممن عارض بشدة التدخل الأمريكي والضربة العسكرية الأمريكية المحتملة على العراق ورفض التنسيق والتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية والمشاركة في المؤتمرات التي نظمتها أو رعتها بغية التحضير لمرحة ما بعد صدام حسين.
لم يكن هذا التصور نابع عن حدس بل عن تجربة ومرارة سابقة أثبتتها حوادث حرب الخليج الثانية ومواقف الولايات المتحدة الأمريكية فيها وتخليها عن الشعب العراقي في انتفاضة آذار 1991 وسماحها ببقاء صدام حسين في السلطة وصمتها أثناء سحقه الانتفاضة بالحديد والنار وقتل مئات الآلاف من العراقيين المدنيين واستخدامه أسلحة الدمار الشامل الكيماوية والأسلحة الثقيلة والطائرات والمدرعات والدبابات كأنه في حرب حقيقية ضد عدو مدجج بالسلاح بينما كان يحارب شعباً أعزل.
ثم انتشر التساؤل التالي على كل لسان في أوساط الرأي العام العالمي والإقليمي والعربي والعراقي: هل ستقع الحرب؟ ولكن أي نوع من الحرب يعنون ؟ وأي شكل من أشكال الحرب يقصدون؟ فالحرب ليست فقط طائرات ودبابات وصواريخ وإطلاق نار وقصف جوي وبري وبحري، فهذه ليست سوى الشكل المباشر والملموس للحرب. وقد تتخذ هذه الأخيرة أشكالاً أخرى أشد قسوة ومرارة وفتكاً وتدميراً وهو ما يحصل للعراق منذ عام 1990 وحتى يوم الناس هذا.أليس الحصار والحظر حرباً راح ضحيتها الآلاف من العراقيين لاسيما الأطفال والنساء وكبار السن؟
نعم من المؤكد أن الحرب واقعة لامحالة بشكل من الأشكال المعروفة أو المجهولة، العلنية أو السرية. فحشد القوات الأمريكية بهذه الغزارة والكثافة والعتاد وتطويق العراق من كل جانب وإطباق الكماشة عليه، مع مايترتب على ذلك من توترات دولية وتكاليف باهظة ومخاطر لايمكن حصرها، لم يكن لمجرد التسلية  وتزجية الوقت وممارسة الضغوط ليس إلاّ. فكافة التكهنات المرتبطة بعوامل عديدة منها المناخ ، ومنه حركة الرفض المدني التي يبديها الرأي العام العالمي والتي تزداد ، تشير إلى حتمية وقوعها في غضون شهري فبراير/ شباط أو آذار / مارس 2003 ، ولكن وكما ذكرت ليس بالضرورة على شكل هجوم كاسح وإحتلال أراضي وتدمير منشآت عسكرية ومدنية وتخريب البنى التحتية ووسائل الاتصال والخدمات العامة بغية القضاء على نظام أو حفنة من الأفراد لايتجاوز عددهم بضعة عشرات.
فبعد أن أضفت الولايات المتحدة الأمريكية الصفات الشيطانية على صدام حسين [ وهو يستحقها بالفعل] وهددت وتوعدت وفضحت ونددت بتهديدات وخطورة صدام حسين ونظامه [ إن كان ذلك حقاً أو باطلاً ، خطأً أو صواباً] وأقامت الدنيا ولم تقعدها بعد، لايمكنها التراجع والانسحاب بكل بساطة وكأن شيئاً لم يكن. فهيبتها ومصداقيتها في العالم ستتعرض للاهتزاز والسخرية والشماتة. فلايمكنها والحالة هذه أن تترك صدام حسين يخرج من هذه الأزمة سالماً منتصراً وهو الذي أعتاد بحذاقة تحويل هزائمه إلى انتصارات .
لكن الواقع العالمي له حساباته هو الآخر. فهناك قوانين دولية ومواثيق  ومعايير يجب إحترامها أو عدم خرقها والخروج عليها وتحديها، وإلا سيشكل ذلك سابقة خطيرة قد تقود آجلاً أم عاجلاً إلى فوضى دولية وربما حرب عالمية ثالثة. وهناك الشكوك بشأن عدم توفر الأدلة القاطعة على التهم الموجهة لصدام حسين ونظامه. فالمفتشون الدوليون يقومون بعملهم بكل جدية ونشاط ليلا ونهاراً ولم يعثروا على شيء يذكر . ولكن لايشكل هذا دليلاً هو الآخر على براءة صدام حسين ولايعني بأي شكل من الأشكال أن العراق خال} من أسلحة الدمار الشامل التي كان صدام يصنعها خلال العقدين المنصرمين .
فمن الممكن جداً أن صدام حسين افلح في إخفاء البلوتونيوم المشكوك في إمتلاكه، والـ 17 طناً من السوائل، التي يمكن أن تستخدم في صناعة الأسلحة النووية، والبكتريولوجية . وكانت باتت نواياه واضحة ومعروفة ومايزال شخصاً مثيراً للقلق  لاسيما وهو المصاب بلوثة جنون العظمة . ولكن في نظر الشرعية الدولية، ليس ذلك كافياً لشن حرب عليه وتدمير البلد الذي يحكمه هذا الديكتاتور المجنون بأكثر الأساليب وحشية وقسوة واستبداد لامثيل له في التاريخ الحديث.
وعندما وافقت الولايات المتحدة المرور عبر الأمم المتحدة ومجلس الأمن لتنفيذ مخططاتها وصدور قرار بهذا الشأن حمل رقم 1441 بالإجماع فذلك يعني أن على أمريكا الالتزام به مثلما يتعين على العراق الالتزام به وتنفيذه حرفياً ، ولكن تبقى مسألة تفسير وترجمة مثل هذا القرار هي المشكلة .
فطالما استمر المفتشون الدوليون في عملهم دون أن يعثروا على دلائل مهمة تدين النظام العراقي سيكون من الصعب إقناع الرأي العام العالمي بضرورة الضربة العسكرية وسيكون من الصعب على جورج بوش تأمين الإجماع الدولي الضروري لإضفاء الشرعية على مشروعه العسكري. فالوقت لا يجري لصالح الحرب وجميع العواصم العربية والأوروبية تناور ، كل حسب قدرتها وتأثيرها، ضد واشنطن ، لمنع وقوع الحرب. فحتى لندن الحليف المطلق لواشنطن بدأت تتراجع وتوافق على ضرورة المرور عبر مجلس الأمن والأمم المتحدة والسماح للمفتشين لإتمام عملهم كما ينبغي وإعطائهم الوقت الكافي والمساعدات اللازمة لإنهاء مهمتهم الحساسة.وباريس تناشد صدام حسين للتعاون بشكل إيجابي وفعّال من تلقاء نفسه لتدمير أسلحته المحظورة وتجنيب بلاده ويلات حرب لايمكن حساب مداها .وروسيا تعبر عن امتعاضها لكنها لاتدري ماذا تفعل أمام مثل هذا التحدي . والجميع يعزف على معزوفة لا للحرب. خاصة وأن أوروبا تبدو أكثر تفاهماً واتحاداً فيما بينها حيال هذا الملف أكثر من أي ملف آخر. ويستخدم توني بلير ماعنده من رصيد لدى جورج دبليو بوش لإقناعه بالتمسك بشرعية الدولية وعدم تجاهل الأمم المتحدة بل المرور من خلالها، عكس من يعلنه صقور الإدارة الأمريكية ، الذين ينادون بتجاهل المنظمة الدولية  إذا رفضت إصدار قرار يتيح للولايات المتحدة توجيه ضربة عسكرية للعراق.
أما دول الجوار العراقي فلكل منها ليلاه وهمومه ومخاوفه . الأردن تخاف من عواقب هذه الحرب اقتصادياً  وسياسياً حيث قد تدفع ثمن تسفير ملايين الفلسطينيين نحو أراضيها إذا ما فلت زمام الأمور من أيدي سادة الحرب. وتركيا تخشى من إعلان الكراد دولتهم المستقلة ورفع الغطاء عن قمقم الأكراد الأتراك وإيقاظ النزعة الانفصالية لديهم ومطالبتهم بدولة مستقلة على غرار أشقائهم في العراق. وإيران يخاف أن تكون الضربة التالية تصيبه هو بالذات بعد احتلال العراق عسكرياً وتواجد القوات الأمريكية بالقرب من حدوده. ودول الخليج تخاف من سياسة إعادة ترتيب الأوراق إقليمياً التي تسعى إليها أمريكا حيث سيكون العراق الخطوة الأولى في مسيرة الألف ميل، وبالتالي تتهاوى عروش  وتسقط عائلات وتعم الفوضى جميع البلاد.أما سورية فهي الخائف الأكبر من تداعيات حرب لاترغب فيها بالقرب من حدودها وحيث مازالت أمريكا تنظر إليها بعين الشك وتتبرها من الدول الراعية للإرهاب والعدو الإسرايلي يتربص بها ويتحين الفرص لمهاجمتها.
من هنا تأتي أهمية المبادرة التركية الأخيرة المدعومة بالثقل العربي الأهم: مصر، السعودية وسوريا والهادفة الى نزع فتيل الأزمة العراقية من خلال تقديم مقترحات قد تقبلها واشنطن وقد ترفضها والخيار الثاني هو الأرجح وهذه المبادرة جادة وتدخل في  صميم الهم الأستراتيجي لهذه الدول.
كل هذه الدول  المعنية «تكره»  صدام حسين وتتمنى رحيله بأسرع وقت قبل أن يفوت الأوان ولكن ليس عن طريق الحرب، إلاّ أن الخطة الأمريكية لا تترك لها خيارات مقبولة، بل على العكس فاقمت من المخاوفها حول مصير هذه المنطقة البالغة الحيوية للعالم بأسره. لاسيما ما قدمته الولايات المتحدة الأمريكية  من بدائل لمستقبل العراق. وهي أفكار تتراوح ما بين احتلال عسكري مباشر، وحكم لن يكون بعيدا عن تشكيلة «مؤتمر لندن» وهي تشكيلة تثير حساسيات عديدة لدى الدول المحيطة بالعراق والمعنية  بالمسألة العراقية.
ترغب الدول المجاورة للعراق بالمحافظة على «الخيار السني» القائم منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة. والذي  ينسجم مع تركيبة المؤسسة العسكرية العراقية المرشحة وفقا لكل السيناريوهات لتلعب دورا متميزا في أي تغيير مرتقب في قمة السلطة العراقية، تقول  شائعات منتشرة في  واشنطن أن الرئيس العراقي صدام حسين لم يرفض فكرة المبادرة لكنه طالب بضمانات تعجيزية.
لم تعلق دوائر البيت الأبيض على تلك المبادرة التركية  لكنها لاتعتقد بفرص نجاحها .
فهي مبادرة تحظى بالتأييد  السعودي ومن يدور في فلك العربية السعودية من قياديين عراقيين سنة وضباط سابقين منشقين في الجيش العراقي ، وإنها تسعى للحصول على  التأييد السوري    وسعي دمشق  لإقناع إيران بعدم عرقلة هذه المبادرة. تكمن المشكلة فيما تريده واشنطن فأي حل لا يضمن رحيل صدام حسين وتركه للسلطة هو حل مرفوض أمريكياً. وقد ذكرت مصادر دبلوماسية أن الأتراك يعرضون صيغة رحيل صدام عن السلطة وليس رحيله عن العراق لأن الملجأ الآمن الوحيد له هو داخل العراق وليس خارجه. ويتم مناقشة فكرة تشكيل مجلس رئاسة بديلاً عن صدام حسين يتكون من 5 أشخاص يضم أثنين من العرب السنة، أحدهما محسوب على الحكم الحالي على ألا يكون متورطا في جرائم النظام، وأثنين من الشيعة، احدهما من العرب الشيعة من المقيمين داخل العراق، وكردي واحد. وهذا الحل يمكن أن يطمئن المؤسسة العسكرية،على أن يضمن مجلس الرئاسة المقترح حياة وأمن الرئيس العراقي وعائلته والأشخاص المقربين منه وأن تنتقل السلطة إليه بصورة سلمية وليس عن طريق العنف أو الإنقلاب العسكري.
 ليس لمبادرة اللحظة الأخيرة هذه أية حظوظ في النجاح فهي تتطلب موافقة الخصمين اللدودين بوش وصدام. وهي تتطلب ضمانات لا يمكن لأية جهة تقديمها عدا واشنطن لكنها ليست مستحيلة، بل ممكنة وقد تلجأ إليها أمريكا مضطرة.
 

 



#جواد_بشارة (هاشتاغ)       Bashara_Jawad#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عراق الأمس وعراق الغد : بين طموحات التحرر ومطامع الإمبراطوري ...
- حرب النفط الأمريكية وإعادة رسم خارطة العراق والعالم العربي
- مأزق واشنطن في العراق: نظرة تجديدية
- تحية إلى الحوار المتمدن نافذة مضيئة للرأي الحر
- النتيجة المجهولة في المعادلة العراقية
- عالم المخابرات السرية والأمن الداخلي في فرنسا
- لإسلام ماله وماعليه - الجزء الثاني
- الملف السياسي ـ سيناريو الخطوات الأمريكية المقبلة بعد أفغانس ...
- ندوة في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية - التحليلات الأولية ...
- حرب الذهب الأسود هل ستطيح بنظام صدام حسين؟
- المواطنة والانتماء
- ندوة في معهد ايفري عن الأنظمة الملكية
- المسألة العراقية
- من هو العدو ؟
- الجوكر الأمريكي في مباريات النفوذ العالمية
- أمريكا وأوروبا والطموحات الاستراتيجية في عهد الرئيس الأمري ...
- قبل وصول اليورو إلى الجيوب
- الإسلام ماله وماعليه - الجزء الاول
- النظام القانوني لمشروعات البوت B.O.T. البناء ـ التشغيل ـ نقل ...
- مقابلة مع الدكتور إسماعيل قمندار - كتاب اللهجات الكردية الجن ...


المزيد.....




- بعد سنوات من الانتظار: النمو السكاني يصل إلى 45.4 مليون نس ...
- مؤتمر الريف في الجزائر يغضب المغاربة لاستضافته ناشطين يدعون ...
- مقاطعة صحيفة هآرتس: صراع الإعلام المستقل مع الحكومة الإسرائي ...
- تقارير: وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله بات وشيكا
- ليبيا.. مجلس النواب يقر لرئيسه رسميا صفة القائد الأعلى للجيش ...
- الولايات المتحدة في ورطة بعد -أوريشنيك-
- القناة 14 الإسرائيلية حول اتفاق محتمل لوقف النار في لبنان: إ ...
- -سكاي نيوز-: بريطانيا قلقة على مصير مرتزقها الذي تم القبض عل ...
- أردوغان: الحلقة تضيق حول نتنياهو وعصابته
- القائد العام للقوات الأوكرانية يبلغ عن الوضع الصعب لقواته في ...


المزيد.....

- لمحات من تاريخ اتفاقات السلام / المنصور جعفر
- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - جواد بشارة - حلول اللحظة الأخيرة للمحنة العراقية