وليد يوسف عطو
الحوار المتمدن-العدد: 5018 - 2015 / 12 / 19 - 08:31
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
عبد اليهود الاله ( يهوا ) وهو اله قديم يمثل احد اسماء الاله السومري انليل على شكل حمامة ,وهو اله كنعاني من قبل بعض القبائل الكنعانية .وهو اله منطقة مدين ( د . خزعل الماجدي : كشف الحلقة المفقودة بين اديان التعدد والتوحيد ) –ط 1 – 2014 – الناشر : المركز الثقافي العربي – الدار البيضاء - المغرب – بيروت – لبنان .
عثر على صورة للاله يهوا له زوجة وابناء ومحاط بحاشية من الالهة الاخرى في مجمع للالهة , وهو امر مالوف في الديانات التعددية . وقد عثر على صورة له على ختم كنعاني وهو يحمل على كتفه الايسر مايشير الى انه اله الهواء . ويلاحظ الباحث الماجدي ان اسم يهوا له علاقة بالهواء باللغتين العربية والعبرية .
منذ الاسر البابلي اصبح يهوا بلا معبد خاص به , لذا رفعه اسرى يهوذا الى السماء وجعلوها مقرا ابديا له . ان وجود اليهود في امبراطوريات متعاقبة ( بابلية , اخمينية ,مقدونية , بطلمية )جعلهم يتاثرون بفكرة الامبراطور الواحد لدولة واحدة ويعززون بها فكرة الاله الواحد.
وهكذا انتقل يهوا تدريجيا من الشرك والتفريد باتجاه التوحيد تحدثت الهيلينية والهلنستية عن اله واحد خالق للعالم حيث تاثر اليهود بها .عندما اصبح اليهود تحت الحكم الاخميني بدات عقائد الزرادشتية بالتسرب الى اتباع الاله يهوا حيث تاثروا بالثنوية الزرادشتية .وقد ظهرت الثنوية في كتب اليهود مثل القابالا والتلمود حيث ظهرت افكار عن (يهوا وعزازيل ) و ( الاله والشيطان ).
ظهرت في القبالا ثنوية ( الاله الخفي ) مقابل ( التجلي التوراتي ).
التوحيدالغنوصي المندائي
كانت المندائية ,وهي ديانة غنوصية في جنوبي العراق وفي وسط مياه الاهوار ,ذات اثر كبير في نشر التوحيد . وكانت المندائية آخر صياغة للديانة الناصورائية القديمة في وادي الرافدين . وهي صياغة آرامية اللغة والتراث جعلت من الناصورائية ديانة قابلة للانتشار . واستطاعت المندائية ان تؤثر في نزعة اليهود التوحيدية .ان التوحيد العميق هو توحيدغنوصي ( عرفاني ) . اما التوحيدالظاهري مثلما هو في اليهودية والمسيحية والاسلام فهو توحيد تبسيطي قائم على حذف اغلب عناصر التوحيد الباطني العميق واستبدال العرفان بالوحي .
وهكذا قامت الديانات التوحيدية واولها اليهودية , بحسب الباحث الماجدي ,(بسرقة فكرة التوحيد الغنوصي الاولى وتسطيحها وحذف عمقها الروحي والفلسفي والاكتفاء بما يقتنع به عامة الناس من علاقة بالخالق الواحد عن طريق الوحي والانبياء ( حيث لاوحي ولا انبياء في الغنوصية ).
الترجمة السبعينية للتناخ
( تناخ) هي كلمة اختزالية تشير الى ثلاثة كتب وهي : ت : توراة ) و ( ن : نفيئيم ) اي الانبياء الاوائل و ( اخ : اخرونيم ) وهم الانبياء المتاخرون . اما مصطلح ( العهد القديم ) فهو تسمية مسيحية لكتاب التناخ .
يؤكد سارتون على ان الرواية التي تتحدث عن ترجمة التناخ من قبل 72 شيخا عملوا لمدة 72 يوما بانها رواية اسطورية . اذ ان المختصين يرون ان اللهجة التي ترجمت بها التوراة او الاسفار الخمسة مكتوبة بلغة يونانية ركيكة جدا , وان تلك اللهجة اقرب لان تكون مصرية منها الى فلسطينية , وهذه اللهجة كانت جزء مما يعرف ب( كوين )وهي الاغريقية الكونية .
من اليهودية المحلية الى اليهودية الهلنستية
بدات اليهودية الهلنستية بعد وفاة الاسكندر المقدوني وانتهت في القرن الثالث الميلادي . وانتشرت في الاسكندرية في مصر وانطاكيا شمال سوريا , وهي الان في تركيا , في نهاية القرن الرابع قبل الميلاد وكانت اهم مظاهرها تتمثل في الترجمة السبعينية للتناخ .اما نهايتها التي ابتدات في نهاية القرن الميلادي الثاني فقد نتج عنها بدايات المسيحية المبكرة حول انطاكية وظهور بولس الرسول والغاء شريعة العهد القديم .
مقالتنا ( الرسول بولس الرجل الذي احدث القطيعة مع اليهودية )وعلى الرابط التالي :
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=265447
ثمة نصوص كثيرة في العهد القديم يمكن تفسيرها تفسيرا غنوصيا بكل بساطة .وقد كان الغنوصيون اليهود يشيرون الى الاصحاح الاول من سفر التكوين – 27 ( فخلق الاله الانسان على صورته , على صورة الاله خلقه , ذكرا وانثى ).
كما ان كتب الرؤى اليهودية ( ابو كاليبس ) دعمت الاتجاهات الغنوصية بتقسيمها الزمان الى زمان الفسادالحاضر وزمان الخير المستقبل .كما ان النزعة الحلولية الكمونية القوية التي في هذه الكتب مهدت لظهور الغنوصية .
( وهكذا تكون اليهودية الهلنستية هي اساس تحويل الدين اليهودي من دين منعزل الى دين عالمي هي لغة ( الكوين )الاغريقية وظهور كتاب التناخ كاملا في نسخة واحدة . فهي التاسيس الحقيقي لليهودية من وجهة بدايتها .
اما نهاية اليهودية الهلنستية فقد شهدت عمليا نهاية اليهودية ونسخها بالمسيحية المبكرة التي اسهم في تاسيسها بقوة الرسول بولس – اليهودي الاصل – ونسخ او الغاء شريعة العهد القديم ( التناخ )بشريعة جديدة هي شريعة العهد الجديد او ( الانجيل ).
وقد جرت عمليات تحويل كبرى في اليهودية من خلال الحركات الباطنية وظهرت الاسفار غير القانونية ( ابو كريفا ) والاسفار المنحولة وظهور اليهود الثلاثة الكبار في العصر الهلنستي وهم : آرستبولس , فيلون و يوسيفوس ).
يؤكد الباحث د . خزعل الماجدي ان مصطلح اليهودية لم سيظهر في بابل , بل ظهر في الفترة الهلنستية . كان اليهود يطلقون على ديانتهم اسم ( توراه ) قبل العصر الهلنستي , حتى قام يوسيفوس فلافيوس باطلاق مصطلح ( يهودية ) و ( يهودي ) على هذه الديانة . وقد ابتكر يوسيفوس مصطلح اليهودية كشعب وديانة مقابل مصطلح ( الهيلينية ) . ولهذا يصعب القبول بفكرة ان المسيح كان يهوديا , وان اليهودية نشات من ابراهيم وموسى والانبياء .
نشير الى ان جذور الغنوصية تسربت الى اليهودية من نبونائيد آخر ملوك بابل ومن المندائية , ولعلها كانت الحافز الاول لظهور الكابالا اليهودية
جذور الغنوصية اليهودية
تصل جذور الغنوصية (العرفان )الى الديانة السومرية التي كان ( دوموزي )يشكل احد اهم رموزها الروحية , وتمثل حالة اختفاء دوموزي ونزوله الى باطن الارض او العالم السفلي في اسطورته الشهيرة مع انانا اول اشارة لنزول اله او رجل متاله مثل دوموزي والذي اصبح عند البابليين تموز , الى العالم الباطني العميق . وتمثل اسطورة صعوده الى اول اشارة الى العالم السماوي الالهي . ان الغنوصي العارف يعد نفسه غريبا عن عالم المادة والجسد . ان العرفان نشا من رفض للعالم المنظور والتعلق بعالم الاسرار الباطني وعالم السماء , حيث الاله الواحد.
. يرى الباحث الماجدي ان عبادة دوموزي كانت اصل العرفان حيث انتشرت عبادته تحت اسماء اخرى :تموز البابلي وادونيس الفينيقي واوزيريس المصري ...وقد حملت عبادة هؤلاء الالهة العرفان سريا معهم في العبادات السرية والخاصة .
وقد ظهر العرفان – الغنوص في اعمق مستوياته زمن حكم آخر ملوك بابل نبونئيد ( 556 – 539 ) ق.م حيث كان نبيا موحدا ورث العلوم الدينية عن امه ( ادد – كبي ) كاهنة اله القمر في حران .
كانت عقيدة دموزي ( تموز ) قد نضجت على يد نبونئيد في صيغة هبوط وصعود للنفس البشرية من اجل الخلاص (الولادة الجديدة ) . وادخل العقاب والثواب والجنة والنار والحساب في ديانته . وهكذا اكتملت على يديه عقيدة تموز –البعل – اوزيريس في هيكل قمري ينبض بالانوثة بدون الهة متناسلة , حيث الاله الاب ( القمر ) الذي يرسل ابنه الاله المخلص ( تموز ) او ( الابن ) لينذر البشر ويقص عليهم قصة الخلق والميعاد .
ان هذه الاسطورة بحسب الباحث الماجدي تطرح مفهوم خلود الجسد البشري المصري جانبا , وتاخذ بمفهوم خلود الروح الرافديني ولكن في بناء اسكاتولوجي مصري (اخروي ) .
لقد قام نبونئيد بالتبشير بديانته خارج وادي الرافدين حيث ذهب الى حران ( التي كانت معقل الهرمسية )ثم ذهب الى سوريا الشمالية والجنوبية ووصل الى شبه جزيرة سيناء في مصر ثم توجه نحو شبه الجزيرة العربية نحو واحة تيماء وجعلها عاصمة دينية له , وكلف ابنه بادارة الحكم في بابل نيابة عنه . وكانت تيماء قريبة من الحجاز واصبحت مع فلسطين مركزا لنشر دعوته العرفانية .
انتشرت دعوته في جزيرة العرب عند ترحاله الى مدن يثرب وخيبر وتخبرنا الاكتشافات الاثارية عن وجود عدة معابد بناها هناك , حيث لم تكن مكة قد بنيت بعد .
وعندما سقطت بابل على يد كورش الاخميني 539 ق .م اسر نبونئيد وتم ترحيله الى بلاد فارس لكنه استطاع الهرب وعاد الى جزيرة العرب وواصل دعوته هناك .
ختاما يرى الباحث خزعل الماجدي ان الدعوة العرفانية التي قام بها نبونئيد استمرت بعد وفاته وظهرت في نزعات ومذاهب التوحيد في جزيرة العرب وفي العراق والشام . وستكشف الاثار والبحوث التاريخية اهمية هذا الرجل ودعوته ذات يوم .
#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟