|
المركزية الديمقراطية: بضع كلمات حول نظام الحزب
ليون تروتسكي
الحوار المتمدن-العدد: 5018 - 2015 / 12 / 19 - 05:03
المحور:
الارشيف الماركسي
خلال الأشهر الأخيرة، تلقيت من عدد من الرفاق الشباب على ما يبدو، والذين لا معرفة لي بهم، رسائل حول النظام الداخلي لحزب ثوري. ويشتكي بعضهم من "نقص الديمقراطية" في منظمتكم ومن استبداد "القادة"، ومن أمور أخرى من هذا القبيل(1). وطلب مني بعض الرفاق فردياً إعطاءهم "صيغة واضحة ودقيقة عن المركزية الديمقراطية" تستبعد كل تأويل خاطئ.
ليست الإجابة عن هذه الرسائل أمراً سهلا. إذ لا يحاول أيٌّ ممن راسلوني أن يبرز فقط وعلى نحو واضح وملموس، استناداً إلى أمثلة، أين يكمن بوجه الدقة انتهاك الديمقراطية. و يتضح من جهة أخرى، بقدر ما أستطيع الحكم من خارج، استناداً إلى جريدتكم ونشراتكم، أنه جرى تنظيم النقاش في منظمتكم بحرية كاملة. وتضم النشرات بوجه خاص نصوصاً صادرة عن قادة أقلية صغيِرة(2). وقد بلغني نفس الشيء بخصوص اجتماعات نقاشكم. والقرارات لم تتخذ بعد. وسيتخذها طبعاً مؤتمر منتخب بحرية. أين تجلت انتهاكات الديمقراطية؟ هذا أمر مستعص على الفهم. يبدو لي، أحياناً، إن حكمتُ بناء على نبرة الرسائل، أي بوجه خاص على طابع الاعتراضات اللاشكلي، أن المشتكين مستاؤون بوجه خاص من انكشاف كونهم مجرد أقلية صغيرة رغم الديمقراطية القائمة. اني أدرك بتجربتي الخاصة أن ذلك مزعج. لكن هل في الأمر انتهاك ما للديمقراطية؟
كما أرى انه يتعذر علي تقديم صيغة عن المركزية الديمقراطية تزيل "نهائياً" كل أشكال سوء الفهم والتـأويل الخاطئ. إن الحزب جسم نشيط. ويتطور خلال النضال ضد عقبات خارجية وتناقضات داخلية. ويخلق تفكك الأمميتين الثانية والثالثة الخبيث، في الشروط القاسية للحقبة الإمبريالية، مصاعب غير مسبوقة بوجه الأممية الرابعة. ولا يمكن تخطيها بصيغة سحرية ما. لا يسقط نظام الحزب ناضجاً من السماء، بل يتكون تدريجياً خلال النضال. إن للخط السياسي أسبقية على نظام الحزب. يجب أولاً تحديد المشاكل الاستراتيجية والمناهج التكتيكية قصد التمكن من حلها. ويتعين على الأشكال التنظيمية أن تطابق الاستراتيجية والتكتيك. إن الخط السياسي الصائب هو القادر وحده على ضمان نظام سليم داخل الحزب. لكن هذا لا يعني طبعاً أن تطور الحزب لا يطرح مع ذلك مشاكل تنظيمية. بل يعني أن على صيغة المركزية الديمقراطية أن تجد في نهاية المطاف تعبيراً مغايراً، في أحزاب مختلف البلدان، وفي مراحل مختلفة من تطور نفس الحزب.
ليست العلاقة المتبادلة بين الديمقراطية والمركزية علاقة ثابتة. الأمر كله متوقف على الظروف الملموسة، وعلى الوضع السياسي للبلد، وعلى قوة الحزب وخبرته، وعلى المستوى العام لأعضائه، وعلى ما كسبت القيادة من تأثير. قبل مؤتمر ما، عندما يكون المقصود تحديد خط سياسي للمرحلة القادمة، تٌرجح الديمقراطية دوماً على المركزية. وعندما يصبح المشكل مشكل عمل سياسي فإن المركزية تُخضِع الديمقراطية. وتستعيد الديمقراطية حقوقها عندما يشعر الحزب بالحاجة إلى تفحص نقدي لنشاطه. يتشكل التوازن بين الديمقراطية والمركزية في النضال الفعلي وُينتهك أحياناً، ثم ُيعاد إرساؤه من جديد. ويتجلى نضج كل عضو بالحزب بوجه خاص في كونه لا يطالب نظام الحزب بأكثر مما بوسعه أن يعطي. إن من يحدد موقفه إزاء الحزب من خلال ما تلقاه شخصياً من ضربات على الأنف إنما هو ثوري تافه. طبعاً يجب محاربة كل ما ترتكبه القيادة من أخطاء فردية ومن مظالم وما إلى ذلك. لكن يجب ألا يجري تقييم تلك "الأخطاء" و"المظالم" في حد ذاتها، بل في علاقتها بتطور الحزب على المستوى القومي والعالمي. إن حكماً صائباً وحس مراعاة التناسب أمران بالغا الأهمية في السياسة. إن من يجنح إلى جعل الحبة قبةً قد يضر بنفسه كما بالحزب.
تكمن تعاسة أناس مثل اوهلر وفييلد وويسبورد وغيرهم على وجه الدقة في افتقادهم حِسَّ مراعاة التناسب. ثمة حالياً أنصاف ثوريين، أنهكتهم الهزائم، وتفزعهم المصاعب، شيوخ فتيان لديهم من الشكوك والادعاء اكثر مما لديهم من عزيمة القتال. فبدل تحليل جدي لجوهر المسائل السياسية يبحث هؤلاء الناس عن أدوية مزعومة لكل الأمراض، ويشتكون من "نظام الحزب" في كل مناسبة، مطالبين القيادة بمعجزات، أو يحاولون إخفاء شكوكيتهم الباطنية خلف ثرثرة فوق يسارية. أخشى ألا نتمكن من تحويلهم إلى ثوريين، ما عدا إذا أمسكوا زمام أمرهم بأيديهم. ومن جهة أخرى لا شك في قدرة الجيل العمالي الشاب على تقدير برنامج الأممية الرابعة، ومحتواه الاستراتيجي، حق قدرهما، وفي انضوائه تحت رايتها بصفوف متنامية دوماً. يجب على كل ثوري حقيقي يكشف أخطاء نظام حزبه أن يخاطب نفسه أولاً، قائلاً:"يتعين علينا استقطاب دزينة عمال جدد إلى حزبنا". وسيقوم العمال الجدد باستدعاء كل من السادة المتشككين وتجار الاعتراضات والمتشائمين إلى النظام.
لا يمكن إرساء نظام حزبي صلب وسليم في فروع الأممية الرابعة سوى على هذا النهج دون غيره.
كانون الاول/ديسمبر 1937
---
(1) منذ وصوله إلى كويواكان حتى وفاته، تلقى تروتسكي رسائل عديدة من مناضلين من أميركا الشمالية حول موضوع " النظام" داخل فرع الولايات المتحدة الأمريكية.
(2) ليس المقصود أقلية بورنهام وكارتر، بل الأقلية اليساروية بقيادة أتيلو سالم.
#ليون_تروتسكي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أطروحات حول الثورة والثورة المضادة – (1926)
-
يجب تعلم التفكير: نصيحة ودية إلى بعض اليسارويين[1]
-
بيان حول نشر المعاهدات السرية
-
مقال حول فلسفة “الانسان المتفوق” عند نيتشه
-
ثلاثة مفاهيم للثورة
-
دروس أكتوبر (*)
-
من أجل جبهة عمالية متحدة ضد الفاشية
-
العلم والتقنية والمجتمع
-
عويل وبكاء على كرونشتاد
-
الأدَبُ وَالثورَة
-
جاك لندن، فنان ثوري
-
الأسباب التاريخية للستالينية
-
تاريخ الثورة الروسية : الجزء الأول : فبراير
-
بيان: نحو فن ثوري حر
-
الغاية تبرر الوسيلة
-
أخلاقهم وأخلاقنا : وجهتا النظر الماركسية والليبرالية في المث
...
-
دفاعا عن الثورة الروسية
-
مكسيم غوركي
-
النقابات في عصر الانحطاط الإمبريالي
-
السوفيات والحرب في الثورة البروليتارية
المزيد.....
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
-
العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل
...
المزيد.....
-
مقدمة في -المخطوطات الرياضية- لكارل ماركس
/ حسين علوان حسين
-
العصبوية والوسطية والأممية الرابعة
/ ليون تروتسكي
-
تحليل كلارا زيتكن للفاشية (نص الخطاب)*
/ رشيد غويلب
-
مَفْهُومُ الصِراعِ فِي الفسلفة المارْكِسِيَّةِ: إِضاءَةِ نَق
...
/ علي أسعد وطفة
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة 5 :ماركس في عيون لينين
/ عبدالرحيم قروي
-
علم الاجتماع الماركسي: من المادية الجدلية إلى المادية التاري
...
/ علي أسعد وطفة
-
إجتماع تأبيني عمالي في الولايات المتحدة حدادًا على كارل مارك
...
/ دلير زنكنة
-
عاشت غرّة ماي
/ جوزيف ستالين
-
ثلاثة مفاهيم للثورة
/ ليون تروتسكي
-
النقد الموسَّع لنظرية نمط الإنتاج
/ محمد عادل زكى
المزيد.....
|