أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد سليمان - عن الحشرات والصمت ...وجثة مجهولة














المزيد.....

عن الحشرات والصمت ...وجثة مجهولة


خالد سليمان

الحوار المتمدن-العدد: 1369 - 2005 / 11 / 5 - 10:33
المحور: الادب والفن
    


" جثة مجهولة " ، مجموعة قصصية كردية للكاتب والمترجم "آزاد برزنجي" صدرت في مدينة السليمانية في كردستان مؤخراً . كُتبت النصوص كما يذكر الكاتب في ملاحظات تقديمية خص بها كتابه الجديد في أواسط تسعينات القرن الماضي . أحاول هنا وصف عوالم " جثة مجهولة " التي تتصف بالسوداوية الكافكاوية إذ تتحول فيها الكائنات البشرية أمام أبطال القصص إلى الحشرات والعناكب ، أو يرسم الأبطال ذاتهم، موتهم من خلال وشاية " الآخر " بهم . ففي قصة " جثة مجهولة " يخرج البطل من البيت في آخر ليل كئيب بعدما يمل من القراءة وتشي بموته إمراءة مجهولة أيضاً . ( لقد مات أحد المقربين لك ، ألا تدري ) ، تخرجه هذه الجملة من الفراش الدافئ وتوصله إلى أقرب جامع حيث جثة الميت ، والشيخ القارئ والحضور المُشَيّع ، لكن لا أحد يعرفه ولا يعرّفون إسم الميت . ثم يغلبه النوم قرب الجثة في الجامع ، بينما يتجه المُشَيّعون إلى المقبرة ويجتمع جميع أصدقائه وأهله وحتى أُمه لتوديع الميت . يلحق بالجمع ويسمع الفاتحة والكلمات التأبينية وبكاء أُمه التي بقيت نائمة ليلة أمس عندما أخبرته المجهولة عن موت أحد مقربيه . في صبيحة اليوم التالي يعود الجمع إلى بيوتهم ويبقى هو والمقبرة ثنائياً مريباً دون معرفة هوية الميت . لكن هناك أمام بيته الذي تعود اليه الأُم وحيدة ،لافتة سوداء كتب عليها إسمه ويكتشف نفسه كصاحب وحيد للجثة .
يرسم آزاد برزنجي في قصصه الأُخرى التي تحمل عناوين ( نهر "س" ،العنكبوت ،مملكة الصراصير ،الكناري الغريب ) عوالم تتحول أمام أبطاله من الصمت والعزلة إلى الصخب والضوضاء والمسخ . يبدأ التحول أو المسخ الجماعي من خلال " وهم "عادي تعيشه الشخصيات في حياتها اليومية ، لكن الأحساس بالوهم لا يبقى شيئاً وقتياً انما يدخل في سياق التفكير به إلى النسيج البسيكولوجي للشخصية ويعيد إعادة رسمها وفق فلسفة سوداوية مطلقة . ففي قصة " العنكبوت " ، هناك مُعلم يشبه العنكبوت وتتحرك أمامه الأشياء كلها حسب إيقاع وأشكال العنكبوت . أمام مدير المدرسة وفي الحلم ، حتى مع صديقته وهما في معرض تشكيلي ، تتحول الألوان والخطوط والوجوه إلى وحش على شكل العنكبوت ويلاحقه . لا نعرف ان كانت الشخصية لمُعلم علوم الأحياء أم لا ، لكن سؤال من هذا النوع يرشدنا إلى فكرة الأحياء . يسأله أحد طلابه عن العنكبوت ، قاصداً إزعاجه وإرباكه أمام باقي الطلاب . ونفهم بالتالي ان شكل المُعلم يقترب من شكل العنكبوت ، ذلك ان السؤال يغير ملامحه ويصفرّ وجهه في قاعة التدريس ويفقد بالتالي سلطته كمُعلم .تستمر هذه الحال وتتحول الأشياء والبشر في السوق والطريق والبيت في عينَي المُعلم إلى عنكبوت يلاحقه أينما توجه .
المُلاحظ في هذه النص كما في النص السابق هو حالة وجودية تفرض شروطها على مجمل العلاقات الإجتماعية للشخصية ومرتكزاتها النفسية ، وتدفعها في السياق ذاته إلى تضييق الخناق على الذات وتصويرها كماضٍ مشابه لـ " الآن " . وإذا تفحصنا سيرة الشخصية وبيئتها النفسية من خلال السرد والحوارالقصصيين ، نلاحظ انها شاهد على تحول " مسخ " تتابعي ؛ أي ان تلك الحشرات التي تأخذ أشكال مخيفة وتحل محل البشر ، ليست وليدة لحظة ، بل هي جزء من تكوينها وماضيها. هذا ما نستنجه في " العنكبوت " إذ يدرك فيها المُعلم بأن الملاحظات التي كتبها في دفتر ذكرياته في الماضي تحوي الشعور ذاته الذي يتملكه الآن حول حصار العناكب له .
تتضح هذه الفكرة بشكل أدق في قصة " مملكة الصراصير " ، ولكن على نحو آخر للمسخ التتابعي . فالصرصور الذي تصادفه الشخصية في طريقه إلى المنزل لا يشبه حشرة عادية . ذلك انه شكل متطور من جنس الحشرات ، ويبدو كأنه مزيج من الجرادة وباقي الكائنات الحشرية الأُخرى إذ فقد مع مرور الزمن شكله الأصلي بعدما تحول إلى " حشرة هجينة " .
وفيما يداهم الليل المدينة ويدخل قارئ الكتب القديمة والمهترئة إلى غرفته ، تتكاثر الكائنة الهجينة وتنتحل وجوه الأُم والأهل والأصدقاء والجيران وتهاجمه في صباح اليوم التالي على سريره .في البدء تطرق الأُم باب غرفته وتحاول مع الجيران إيقاضه ، لكنه لا يستجيب ويبقى صامتاً ، ثم يتحول مشهد الجمع أمام عينيه إلى كومة من الصراصير داخل المنزل تنهي حياته وكتبه وصمته في صباح متأخر.
يقترب برزنجي في مجموعته القصصية هذه من عالم " السوداوية " وفق بيانات سردية مكثفة ، يرتسم فيها " الحدث التعاقبي " من خلال تأمل الشخصية في ماضيه الذي لا يختلف كثيراً عن حاضره الممسوخ . وفي الغالب ، يتهرب البطل من المجتمع ويلوذ بوحشته الداخلية إلى حد الموت ، بينما تبقى بيئته متحولة ومنخورة ، لا قيمة فيها للزمن . ذلك ان جميع مقاساتها تشترط الرهان على إنهاء شاهد المسخ الجماعي .



#خالد_سليمان (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في وصف العنصرية على الشاشة الصغيرة
- الموت في سيارات طويلة بلا نوافذ
- عن المفكر الراحل هادي العلوي - بورتريه تختلف لرجل استعاد لذا ...
- القومية ...تقاسيم على ذاكرة مشتعلة
- ثقافتنا وجثث العراق
- تعليق كُردي على نقاش عربي - الفيدرالية توقظ العروبة من سباته ...
- لكن لماذا لا يكون - عراق جديد- في كُردستان
- الأخطاء ، عندما ترتكب باسم القومية
- صَهيَنَةُ الكُرد ...لماذا؟
- لماذا لا يصدّق المثقفون العرب ماساة الجارالكردي؟
- ليلة دفنوا الأكراد...إعترافات حفّار
- مقبرة الفوانيس لشيركو بيكه س : عندما تشترط المأساة على اللغة ...
- بورتريه خلفي لمدينة مونتريال...العالم الثالث الكندي الذي لاي ...
- فرهاد شاكلي :خرج من كردستان غاضباً من المؤتلف الشعري واسترد ...
- أي أدب يُصور الكارثة ...آسيا بطلاً جغرافياً لحزن مطلق
- التقليم المُراد في الثقافة - الاخوانية - ومبدأ تخوين الشيعة
- المثقف الكردي ... الموقف من الذات أولاً
- الهروب من الحرية
- الأنفال …مصيرالانسان في يوميات القتل البعثي وإحتفالات الكتما ...
- بورتريه تركي في حرب الكوة الصغيرة في العراق


المزيد.....




- تحقيق جديد لواشنطن بوست ينسف الرواية الإسرائيلية عن مذبحة مس ...
- -فيلم ماينكرافت- إيرادات قياسية وفانتازيا صاخبة وعمل مخيب لل ...
- هكذا قاد حلم الطفولة فاطمة الرميحي إلى نهضة السينما القطرية ...
- ستوكهولم: مشاركة حاشدة في فعاليات مهرجان الفيلم الفلسطيني لل ...
- بعد منعه من دور العرض في السينما .. ما هي حقيقة نزول فيلم اس ...
- هل تخاف السلطة من المسرح؟ كينيا على وقع احتجاجات طلابية
- تتويج أحمد حلمي بجائزة الإنجاز في مهرجان هوليود للفيلم العرب ...
- فيلم -إسكندر- لم يعوض غياب سلمان خان السينمائي
- خسر ابنه مجد مرتين.. مشهد تمثيلي يكشف -ألم- فنان سوري
- -مقبولين، ضيوف تومليلين- فيلم وثائقي يحتفي بذاكرة التعايش في ...


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد سليمان - عن الحشرات والصمت ...وجثة مجهولة