احمد عبدول
الحوار المتمدن-العدد: 5017 - 2015 / 12 / 18 - 18:52
المحور:
الادب والفن
لن اتناول اليوم علم من الاعلام ,او نجم من النجوم ,او شهير من المشاهير ,لن اتناول اليوم احد القادة او الزعماء او الحكماء والمفوهين ,ممن ذللت لهم الصعاب, واجتمعت عندهم الاسباب ,ليصبحوا علماء مبرزين ,ووجهاء مقدمين ,لن اكتب اليوم عن شريحة الخواص او خواص الخواص , كما يحب الادباء والعلماء ان يطلقوا على ذواتهم ومقاماتهم ,بل سوف اتكلم عما يسمون من قبل اولئك الادباء, بالعامة او الدهماء او السوقة وكل تلك المسميات انما هي مسميات غير انسانية ولا منطقية ولا اخلاقية , فقد كان الاولى بهم , ان يسموا الاشياء بمسمياتها, ويضعوا الامور في مواضعها ,فيستبدلوا مفردة العامة بالجماهير والدهماء بالقاعدة الاجتماعية وهكذا ,سوف اتكلم اليوم عن احد المنتمين الى شريحة الجماهير , التي لولاها ما قرأنا لأديب, ولا استمعنا لشاعر, ولا تقفينا اثر لعالم ,فهؤلاء هم مادة الكاتب وعدته , ومرجعية الباحت وجعبته , ومحيط العالم وغايته ,. لن اتكلم اليوم عن احد هؤلاء الذين قسمت لهم السماء قسما معلوما ,واهدتهم رزقا موفورا ,بينما حرمت غيرهم ,وشحت على من سواهم ,لأسباب مجهولة ,وحجج مبهمة ,لكني سوف اتكلم عن الفرد عن المواطن عن الانسان بدون القاب ودونما كنى ومسميات .
,سوف اتناول احد هؤلاء الذين سحقتهم ماكنة الحياة , فطوتهم خطوبها ,وارقتهم مصائبها ,وغربتهم نوائبها, سوف اتناول احد من شمله قوله تعالى (خلق الانسان في كبد) اذ ليس كل منا قد شمله هذا النص فمن البشر , من يقضي الحياة جهدا, ويجتازها مكابدة وعنتا , ومنا من لا يكاد يسمع بمفردة الكدح , ولا يفقهه معنى العوز . سوف اتناول اليوم فرد ينتمي لشريحة المعدمين, وحظيرة الكادحين , التي كانت وراء صناعة الاحداث وسيرورة التاريخ .
ناظم حسن الدليمي في النصف الاول من العقد الرابع ,حلو المعشر ,عذب اللسان ,طيب النفس ,عفيف الذات ,لا تكاد الابتسامة تفارق محياه ,قد عرف بين اهله بغيرته ,واشتهر بسرعة نجدته ,لم يترك في النفوس الا خيرا ,ولم يطبع في الاذهان الا سرورا ,ناظم حسن الدليمي كان يصل الليل بالنهار طلبا للرزق ,ليسد رمق عياله ,لكن تكاليف العيش وثقل المسؤولية كانت اشد من قواه ,وامضى من سعيه , وهو في ذلك كله ظل مبتسما مستبشرا ,معرضا مترجما همومه واحزانه الى حرق اكبر عدد من السجاير التي احرقت احشائه عندما شخص الطبيب ذلك, محذرا آياه مخوفا من مغبة الاستمرار على الاسراف بتلك السموم ,لكن ناظم حسن كان لا يجد بدا من ادمان تلك السموم فهي وسيلة الفقراء واداة البسطاء , قبل ايام قلائل رحل عن عالمنا ناظم حسن الدليمي, لم تشهد جنازته وفود ولم تتواجد هنالك الفضائيات ولم تكتب الصحف والمجلات لكن كان هناك ما هو اعظم من ذلك اثرا ,واقدس وقعا , , فقد شيعه الاهل والاصدقاء والمقربون, بدموع جارية وزفرات وارية , وقلوب حرى وكل منهم لا يكاد يصدق ان ناظم حسن الدليمي قد امسى بين اطباق الثرى بين ثانية واخرى .
#احمد_عبدول (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟