أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - نعيم الزهيري - قصة نفق سجن الحلة المركزي ( 7 )















المزيد.....


قصة نفق سجن الحلة المركزي ( 7 )


نعيم الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 1369 - 2005 / 11 / 5 - 10:20
المحور: أوراق كتبت في وعن السجن
    


القيـــــــــــد و أناشيــد البطولـــــة

اطل يوم الخامس من حزيران 1967 وكنا نؤدي اختبارا لدورة طبية اقامها لنا رفاقنا الممرضون، فكانت الاذاعات العربية تذيع المارشات العسكرية والاناشيد الحماسية، انها الحرب ثانية بين العرب واسرائيل. راديو بغداد يعربد وكذلك راديو القاهرة وصوت العرب... اقتلوهم، اضربوهم، ارموهم في البحر، في الجحيم... لم يبق سوى شبر ونصل تل ابيب... جينالك يا فلسطين جينالك... والله زمن ياسلاحي،!! بصوت المطربة فائدة كامل، واغاني ام كلثوم ومحمد عبدالوهاب، وحتى ثنائي جواد وادي وعبد الواحد جمعة. لقد ساهم الفن الاذاعي بقوة في شد عزيمة الناس وتأجيج حماسهم، كنا في منتهى التوتر والقلق والاضطراب وبدأت التحليلات والتصورات... عقدت لجنة التنظيم الحزبي في السجن اجتماعا وحررت برقية الى الحكومة العراقية تدعوها الى ارسالنا الى جبهات القتال وارجاعنا الى السجن بعد انتهاء الحرب لانهاء محكومياتنا...!!
ياللجذر اليميني الذي لن يتخلى عن موقعه رغم المآسي الكثيرة والنكبات... عقد اجتماع لكل السجناء في الليل وطرحت البرقية لاقرارها من قبلهم واحتدم نقاش حاد حولها وكل أدلى بدلوه... [ لانريد تكرار تجربة رفاقنا السجناء السياسيين المصريين اثناء العدوان الثلاثي على مصر في عام 1956. حيث ارسلوا نفس الصيغة، وبالفعل ارسلتهم حكومة مصر من السجن الى جبهات القتال ومن بقي منهم حيا أُرجع ثانية الى السجن ليكمل محكوميته وكأنهم هم المجرمون وليس عملاء الاستعمار وجواسيسه مجرمون يستحقون العقاب من وجهة نظر الحكام االدكتاتوريين العرب " حماة القومية والوحدة "...] ياللعار على الحكومات البرجوازية واثامها بحق المواطنين...! هذه البرقية تعني الاعتراف بشرعية سجننا، واننا حقا مجرمون نستحق السجن!
وبعد هذا النقاش طرحت صيغة اخرى للبرقية واقرت بالاجماع ومضمونها:
(( نحن وطنيون مخلصون والسجن اجحافا وظلما بحقنا، اطلقوا سراحنا ودعونا نشارك بالقتال )). لكن حكومة عبدالرحمن محمد عارف لم تطلق سراح سوى الملازم الطيار خالد حبيب ولم ترسله الى جبهات القتال!!.

ومع انتهاء اليوم السادس من المعارك حتى اخذت الاذاعات العربية تعوي بأنين ذئاب جائعة مغلوبة على امرها تدعوا العالم التدخل لايقاف الحرب. اذ تمزقت جيوش مصر في صحراء سيناء وتقطعت سبل امداداتها فمات الجنود في لهب الرمال وسيل القنابل وصارت الجيوش الاسرائيلية على مشارف القاهرة، وهناك جاء الانذار السوفيتي لايقاف الحرب فورا. فصار العالم على شفا الجحيم النووي. قدم جمال عبدالناصر في تلك الليلة استقالته واعلن مسؤوليته عن النكسة وخسران الحرب. فخرج الشعب المصري تحت وابل القنابل والرصاص يتمسك بقائده المهزوم. بل وسبب الهزيمة هو ونظامه السياسي... كانت تلك الليلة سوداء حالكة مؤلمة فما امضَّ الحزن واقساه حين تبكي الرجال وما اضيق العالم وما أتفه الحياة عندما تصير الدمعة السلاح الوحيد والاخير للثوري المغلوب...
ومرّة ثانية تخسر فلسطين ماتبقى من اراضيها، قطاع غزة والضفة الغربية ولكن القيادات القومية العاهرة انتصرت!؟ اذ توالت اجتماعات القمة وألف ولحّن اكثر من مئة نشيد جديد خلال شهر واحد. ألم تنتصر الامة العربية بقادتها القوميين،،،!!
كنا خلال الحرب نلتصق بالراديوات حتى نسمع كلما نستطع سماعه من خلال الاخبار المتضاربة حول من هو المنتصر ومن هو الخاسر في المعارك، لانعرف ماذا نعمل ونحن مقيـدون بقيود ثقيلة من سلاسل السجن ، نتناقض في التحليلات ونختلف في الاراء تارة ونتفق تارة أخرى، من المسؤؤل عن الهزيمة.. هل سيطلقون سراحنا، هل سنشارك في المعارك اذا اطلقوا سراحنا، وتحت قيادة من ..؟؟ لا نقاتل تحت قيادات خائنة تبيعنا بابخس الاثمان وبذلك يتخلصون منا بهذه الوسيلة السهلة .!
ـ سندافع عن الوطن ونساهم في معركة التحرير لشعب مشرد وارضه مغتصبــــــــة .
ـ ومن سيحكمها بعد التحرير.؟ اكيدا حكام مثل حكام العرب الاخرين، الم تتذكروا شعاراتهم : فلسطين عربية تسقط الشيوعية!؟ وكأن الشيوعية هي التي أوجدت اسرائيل و" بلفور" كان شيوعي وبريطانيا شيوعية وأمريكا شيوعية أليـس كذلك..؟ دعني أسألك : من هم الذين سجنوا في سجن " ابو زعبل " وسجن " المزة" في مصـر، ؟ هل قرأت الاقدام العارية،؟ من اذاب فرج الله الحلو بالتيزاب؟ ألم يكن بطلهم بطل القومية العربية جمال عبد الناصر؟؟ ونحن هنا ضحايا الارهاب لماذا نحن في السجن، لماذا لم يذهب أبناء الحكام وأبناء المليونيرية العرب، والمتاجرين بالقومية العربية الى القتال...؟ أتريدون المزيد؟ ان أكبر ترسانة عسكرية من البشر والمعدات الحربية المتنوعة،في بلاد العرب، تنتهي بستة أيام، الطائرات تحترق وهي جاثمة في المدارج والوف الدبابات تحترق في الصحراء ومليون جندي يموتون في سيناء.... الجيوش العربية اكثر نفوسا من نفوس اسرائيل، يارفاق العلة في القيادات...الحكام العرب اجهضوا الثورة الفلسطينية في عام 1936 وساهموا في ايجاد اسرائيل في عام 1948 مساهمة فعالة ، ثم تقاسموا ارض فلسطين ، مصر استولت على قطاع غزة، الاردن استولى على الضفة الغربية، وأسرائيل بنت لها دولة في الجزء الجزء الباقي، وشرد الشعب الفلسطيني في كل فج وصوب ..!
ـ هل تعني ان الموساد الصهيوني يحكم البلدان العربية ؟
ـ نعم بشكل غير مباشر، سجنت في كل السجون العراقية ولم أرَ جاسوساَ أسرائيلياَ او عميل في السجن... الشيوعيون وأصدقاؤهم فقط هم الذين يسجنون، علما ان عملاء الصهاينة والاستعمـار موجودون في كل مكان ويمكنك معرفة ذلك من الاذاعات فأي شيء يحدث في العراق تسمعه بعد ساعة من راديو أسرائيل وراديو لندن. ماذا يعني هذا؟...كانت النقاشات كثيرة ومتباعدة تتأجج ثم تخفت، واحيانـا تدور في حلقة مفرغة او تنتهي الى مواضيع بعيـدة كل البعد عن تلك التي أبتدأت منها.

لــــم تسـر الامور في السجن بالشكل الطبيعي ، فالأيام ملى~ بالمفاجئآت والاحداث؛ أبدل مدير السجون العام بمدير آخر لم يكن معروفا، وكما هي العادة فان كل مسؤل جديد لابد من انه يتفقد عمله والمرافق التي يديرهها وفي البلدان التي تفتقر للديمقراطية، يصدر المسؤول الجديد سلسلة من التعليمات ويتخذ اجرآت جديدة مشددة وأوامر وممنوعات كي يميز نفسه عن الذين سبقوه... في يوم مشمس شديد الحرارة من أيام أواخر حزيران جاء هذا المدير لزيارة السجن بشكل مفاجئ، فبادرت لجنة التنظيم الى طلب مقابلته بوفد يمثل السجناء السياسيين وبعد نقاش مع مدير السجن تمت الموافقة على تنظيم المقابله مع الوفد؛ طرح الوفد مطالب هامة قوبلت بالرفض والاستفزاز فألغي الاجتماع وخرج الوفد مهتاجا منفعلا وابلغ السجناء بأن مدير السجون الجديد رجل سيء ولا يحترمنا كسجناء سياسيين ووجه بضرورة عدم احترامه واهماله تماما والاستهزاء به، ولهذا صار أي تجمع في القاعة اوفي الساحة او في المطبخ او فرن الخبز لـم يرد عليه السلام اذا سلّم او يجيبه عن سؤال اذا سأل مما جعله ينهي زيارته للسجن باسرع ما يمكن؛ وقبل انهاء زيارته قام بجولة تفقدية لكل القاعات والابنية مبتدءاَ بالسجن القديم ومن ثم الجديد، كان يدخل كل قاعة ويجول نظره فيها ويلقي التحيه على الجالسين ولكن لا احد يرد عليه التحية او يحييه فالبعض يتشاغل بلعبة الشطرنج والبعض الاخر مستلق على الافرشة يتأملون والبعض يقرأون او يكتبون... لم يصاحبه ممثل السجناء كما هو مألوف، بل صاحبه مدير السجن ومأمور السجن ونفر من السجانين...أتجه صوب الغرف المطلة على الممر المؤدي الى غرفة النفق فصعد الدرجة الاولى والثانية ففاجأته رائحة الاصباغ المثيرة للاشمئزاز لكنه تماسك... العيون ترقب ما سيحدث فلعله سيطلب فتح الباب، باب غرفة النفق! كاد جدو ان يصرخ من هول المفاجأة، وتحفز صلاح للوثوب عليه وخنقه. " لا يوجع الجرح الا مـن بـه ألـمُ " .لم يشعر الاخرون بالجزع الذي عاناه الحفارون وهم يرقبون خطوات المسؤول الجديد... وما ان لامست يده القفل الصغير على باب الغرفة، حتى شعر "جدو" بأن الدنيا تدور برأسه وكاد ان يصرخ ان ستحل القيامة، اما فاضل فكان كعادته هادئا كصخرة صماء ولكن تحت الرماد لضى الجمـر...ـ ماذا فـي هذه الغرفة ؟ سأل المدير ..
ـ سيدي انها غرفة تواليت مهجور منذ سنوات يعود لهذا الجناح الذي كان يستخدم كمستشفى للسجناء؛ أجاب احد السجـانين .
ترك المدير القفل يتأرجح بهدوء على صدر الباب وقفل راجعا... يا للنصر الكبير لقد غادر مدير السجون فقفز "جدو" من باب الغرفة رقم واحد الى الساحة وأخذ يصيح بالسجناء؛ تعالوا اشربوا الشاي على حسابي الخاص، لكن السجناء لم يدركوا سر فرح "جدو" الغامر. وعاد الهدوء بعد تلك العاصفة وانتظمت دقات القلوب المضطربة وزال التوتر، انها سحابة سوداء خيّمت وانقشعت، عاصفة هدرت واندثرت. وبعد يومين او ثلاثة عاود الحفارون عملهم. وبين حين وآخر تتم مقايسة الطول بحبل القياس وكذلك يتم تحديد الاتجاه والتأكـد منه بواسطة بوصلة صغيرة .....

دخلنا شهر تموز وتعقد العمل اكثر فأكثر فقصر الليل ونام السجناء في الساحة وتراصت افرشتهم وتعثرت امكانية التمشي في الساحة ليلا ...
ستطل علينا الذكرى الرابعة لانتفاضة حسـن سريـع " انتفاضة معسكر الرشيد" البطلة في الثالث من/ تموز/1963 وطلبت مني لجنة التنظيم كتابة كلمة المناسبة والقائها بناءَ على مقترحـات كثيرة من الذين كانوا قد شاركوا فيها، لاِنني كنت احدهم، فكتبت صورة واضحة لحركتها وباسلوب لاهـب أثار الجميع وقد عبّر احد السجناء قائلا: لقد رسم نعيم الانتفاضة بالكلمات وجعلنا نعيش الحدث مباشرة!. وفي الليلة الثانية تم احياء المناسبة نفسها في القلعة القديمة من السجن فألقى الشاعر " مظفر النواب قصيدته المشهورة "حسـن الشموس" ولقى الشاعر يوسف الصائغ قصيدة لا تقل اهمية عن قصيدة النواب .

العرق دبق يلصق القميص على الجسم أجاج اذا ذاقه اللسان كاوٍ اذا دخل العين ، صار التنفس صعبا في ذلك الجو الخالي من الاوكسجين فصار العمل اكثر صعوبة فتدنى الحماس والاندفاع فيه وأخذ يسير ببطءملحوظ لكنه لم يتوقف . احيانا يتشح الحفارون بصمت رهيب وكأن الد نيا لم تخلق بعد ، فأين الملاذ في دنيــا تفيض بالدم ويحكم فيها مسيح النفط !! ويتبخر هذا اليأس ويتجدد الحماس من جديد تدفعه الذكريات الحارة وصور الشهداء ودماؤهم التي خضبت الارض في زمن البطولة؛ الدماء في كل مكان، في الشارع، في البيت، في المدرسة والمعمل والسجن وعلى كل الجدران... كتب الشاعر نصير النهر واصفـا مقاومة الانقلاب :


ايتها الشمس خشوعــا قفي ،
وطأطئي هامك للارض
فـشعـب الـعـرا ق
فـداءُ عينيــــك
طـواه الــــد مُ
من كل قـلب يراق
فـي البيــــت ،
فـي السجــــن ،
وفـي الشــــارعِ ،
حيـث دوي الرصاص
بحرقـة يـشكــي
بحرقـة يحكـــي
لـوعة شعـب العرا ق
عبـر بطـولاتــــه....

تذكر جدو كيف استشهد "سعيـد متروك" قائد المقاومة البطولية في مدينة الكاظمية. لقد كان جدارا صلبا يُستند اليه في اوقات اليأس والوهن، لابد ان تشرق الشمس غدا، نحن جوهر هذا الزمان ومناره، فللوحوش وقت وللسلام وقت، هكذا كانت مخيلا تهم تتزاحم فيها الصور.
كان عقيل قد انهى الصف الثاني المتوسط عندما اندلعت ثورة الرابع عشر من تموز 1958 وكان متأخرا لبعض السنين ، لقد عاش في بيئة فلاحية تئن تحت ظلم الاقطاع، عاش الظروف الفلاحية بكل معانيها ومعاناتها في ارياف الناصرية؛ أكواخ الفلاحين المنتشرة على ضفاف الانهار وبين بساتين النخيل، الاستغلال واحد والظلم واحد اذ لا يجني الفلاحون من اتعابهم سوى ما يسد الرمق او ما دونـه، وفوق ذلك كله السوط الذي يلهب ظهورهم وقوانين الارض تقيدهم ومنها قانون حقوق وواجبات الزراع الذي يجسد القنانة، فلا يحق للفلاح مغادرة الارض بدون موافقة صاحب الارض الاقطـاعي، اضافة الى الاهانات والضرب وحتى الدفن في الطوامير، فصار الريف، كل الريف في اهمال تام لايمسه التطوير، اذ تركز الهّم على جعله مصدرا لانتاج الخيرات الزراعية وبالوسائل والادوات البدائية.
ولقد رأى ولمس عقيل كيف انهت الثورة سلطة الاقطاع بسن قانون الاصلاح الزراعي رقم 30 لسنة 1958 وهو جوهر الثورة. وكان قانونا تقدميا رغم نواقصه، وشكلت الجمعيات الفلاحية فعاش الفلاحون اعراس الثورة واستمتعوا بثمار عملهم لاول مرة واخر مرة في حياتهم. وكانت كذلك المنظمات الاخرى ومنها الاتحاد العام لطلبة العراق وكان عقيل عضوا فيه. لكن تلك المكاسب تم الاجهاز عليها واحدا بعد واحد. ثم كللت بثورة الردة في شباط الاسود فكانت حمامات الدم.
كان عقيل يريد كسر القيد والتحرر والذهاب الى اهوار مدينته الناصرية ويساهم في الكفاح المسلح في هور ( غموكَه) ويتبنى فكرة البؤر الثورية في الريف بين صفوف الفلاحين، انه معجب تمام الاعجاب بالثورة الكوبية، معجب بشخصية احد قادتها تشي غيفارا..
لم يبق لنهاية النفق سوى بضعة أمتار ويتم ربط السجن بالشارع العام ،بالحرية عبر باب اخر لا تحرسه بندقية سجان...كل شيء هادئ، الايام تمر رتيبة مُملّة، السجناء " كل يغني على ليلاه " لكن الشئ الهام في هذا السجن هو عدم وجود ضغوطات كبيرة على السجناء، فلا تعذيب ولااهانات، وبالمستطاع القول ان العلاقة بين ممثلي السجناء الشيوعيين وبين ادارة السجن كانت جيدة، فالتعداد اليومي يتم في الغرف والزيارات كذلك مرّة في الشهر او مرتين. اما الزيارات خارج ذلك وهي فردية فتكون قرب ادارة السجن، وليس في القاعات. وتسمح لنا الادارة بشراء الكتب الادبية والعلمية من المكتبات عبرها. وبالتأكيد فان وحدة السجناء السياسيين وقوة تنظيمهم وانتعاش الحركة الثورية في البلد من جانب، والشعور العام لدى النظام الحاكم في العراق بالخيبة والضعف من جانب اخر، هو السبب الرئيسي لهذه المكاسب. ولكن السجن هو السجن مهما زّوق له انه قيد على الجسد والروح والفكر.
كنا ننام على احلامنا الوردية بقرب يوم الخلاص، ولكن الظاهرة كانت خادعة ولم تكشف لنا الجوهر بشكل صادق، انه سراب الامل او الامل في السراب... ففي قيادة الحزب صراعات حادة بين تيارين على مفترق الطرق فلا وحدة في الفكر ولاوحدة في الارادة ولاوحدة في العمل. " عزيز الحاج" عضو المكتب السياسي مسؤول اللجنة العمالية وهي العصب المركزي للحزب يهئ لانشقاق. وبين التطرف اليساري والتطرف اليميني لن يتمكن الرأي المعتدل الصحيح ان يشكل الاغلبية ويحسم الصراع... ولنا ان نتسائل ولو بعد فوات الاوان: هل حقا ان مثل تلك القيادة الممزقة تستطيع حسم الموقف لصالح الشعب !؟ يقينا سيكون الجواب بالنفي...
لم تتسع غرفة النفق لاستيعاب المزيد من التراب رغم ان النفق سينتهي بعد بضعة امتار. لقد صارت الحركة داخل الغرفة شبه مستحيلة. وحوّم الخوف من انهيار التراب المخزون فيها وسد فوهة الحفرة. فيتوقف العمل تماما وبات التفكير بالتخلص من قسم من التراب امر ضروري للغاية لتكملة العمل.

ـ لكل واحد منا ان يفكر، عسى ان نهتدي الى طريقة ما، عسى ان نعثر على فكرة يمكن تطويرها، قال حافظ ذلك ثم وجه سؤاله للشيخ:
ـ كيف عالج رفاقنا السجناء. التراب عندما حفروا نفقا في سجن بعقوبة...؟ فأجاب الشيخ:
ـ كانوا يضعون التراب تحت افرشتهم ويغطونه بالشراشف فيترآى للناظر انه فراش عادي والنوم عليه، ايضا صار طبيعي.
ـ ولماذا لانعمل مثلهم...؟
ـ لانستطيع لان زمننا ليس زمانهم ورفاقنا ليس مثل تلك النخبة من الرفاق، فقد كانوا على درجة عالية جدا من الانضباط والتماسك. سجون العهد الملكي ليس مثل سجون العهد الجمهوري. كان رفاقنا انذاك مجردين من الملكية الشخصية وهذا اساس وعيهم، كانوا يقضون كل اوقاتهم بالتثقيف والندوات والمحاضرات رغم ارهاب الادارة وضغوطها، انهم مفعمون بالثورية والوجدان الشيوعي، يتصرفون وكانهم رجل واحد، تلك هي وحدة الارادة والعمل في التنظيم والتنفيذ. فهل لدينا مثل تلك النوعيات؟ بالطبع كلا لان المحاكم بدأت تصدر احكامها بشكل عشوائي والحركة الثورية اتسعت ولم تقتصر على النخبة المنظمة، نحن اخفينا سر النفق حتى على بعض رفاقنا في لجنة التنظيم الحزبي في السجن وانتم تعلمون ذلك تمام العلم. فلنفكر بايجاد العلاج وحدنا.
كانت اللقاءات مستمرة بين الحفارين وصارت المرارة ملئ الافواه، هل نرجع التراب ونخرب ماعملناه، هل نردم النفق، ام نترك ذلك للقدر. طرحت فكرة رميه في المجاري أو في المغاسل لكنها فكرة غير واقعية لان التراب بالاطنان وليس بالغرامات... طرحت فكرة وضع التراب فوق سطح السجن، انها فكرة فقط، ولكن من سيرفعه الى السطح وكيف. وماهو جوابنا على؛ من اين جئنا بهذا التراب؟... انتهى شهر اب وحل شهر ايلول ولامن مخرج من المأزق لاشئ غير اليأس والقنوط والترقب السلبي وصارت اغنية (( ياالرايح للحزب خذني...)) بعيدة المنال، اغنية فقط.... بدأت السحب البيضاء تظهر في اعالي السماء، تتكتل، تنبسط، تتقطع كسرب من الطيور المهاجرة وبدت النسيمات الباردة تهب في الليل لذيـذة منعشة ووفـدت اسراب البط البري تعلن عن رحلاتها الطويلة من البلاد البعيدة، باصواتها المتميزة؛ أن حل الخريف وجئنا نستمتع بالدفء اللذيذ في بلدكم، بلاد سومر وبابل. وبين الحين والحين تنذر السماء بمطر خفيف هو اول الغيث... وأخذت الشمس تنأى لتعلن الصيف في الجزء الاخر من الارض... ان اكثر من يحس بالفصول هم سكان الريف فالاشجار النفضية تلفظ اوراقها، وتفرش الارض ببساط اصفر وتحني عذوق النخل هاماتها مستسلمة للقطاف، انه موسم جني التمور وحصاد الرز،و اعراس فلاحي الجنوب بين بيادر الخير والعطاء. وتنضب المياه في الانهار وتجري ببطء وتكاسل صافية باردة عذبة مثل ماء العيون المنبجسة من الصخر في شمال بلادي، وتنشط حركة السفن النهرية تنقل العوائل التي تعمل عملا موسميا او تنقل البضائع من الريف الى المدينة. فالجهد البشري والعمل اليدوي والالة البدائية. هي جوهر ادوات العمل ووسيلة الانتاج. تلك الادوات التي توارثها الفلاحون من اسلافهم السومريين قبل مايزيد عن خمسة الاف سنة...



#نعيم_الزهيري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة نفق سجن الحلة المركزي 6
- قصة نفق سجن الحلة المركزي 5
- قصة نفق سجن الحلة المركزي -4
- 3 قصة نفق سجن الحلة المركزي
- قصة نفق سجن الحلة المركزي - 2
- قصة نفق سجن الحلة المركزي 1


المزيد.....




- الأمطار تُغرق خيام آلاف النازحين في قطاع غزة
- 11800 حالة اعتقال في الضفة والقدس منذ 7 أكتوبر الماضي
- كاميرا العالم توثّق معاناة النازحين بالبقاع مع قدوم فصل الشت ...
- خبير قانوني إسرائيلي: مذكرات اعتقال نتنياهو وغالانت ستوسع ال ...
- صحيفة عبرية اعتبرته -فصلاً عنصرياً-.. ماذا يعني إلغاء الاعتق ...
- أهل غزة في قلب المجاعة بسبب نقص حاد في الدقيق
- كالكاليست: أوامر اعتقال نتنياهو وغالانت خطر على اقتصاد إسرائ ...
- مقتل واعتقال عناصر بداعش في عمليات مطاردة بكردستان العراق
- ميلانو.. متظاهرون مؤيدون لفلسطين يطالبون بتنفيذ مذكرة المحكم ...
- كاميرا العالم توثّق تفاقم معاناة النازحين جرّاء أمطار وبرد ا ...


المزيد.....

- ١-;-٢-;- سنة أسيرا في ايران / جعفر الشمري
- في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية * / رشيد غويلب
- الحياة الثقافية في السجن / ضرغام الدباغ
- سجين الشعبة الخامسة / محمد السعدي
- مذكراتي في السجن - ج 2 / صلاح الدين محسن
- سنابل العمر، بين القرية والمعتقل / محمد علي مقلد
- مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار / اعداد و تقديم رمسيس لبيب
- الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت ... / طاهر عبدالحكيم
- قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال ... / كفاح طافش
- ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة / حـسـقـيل قُوجـمَـان


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - نعيم الزهيري - قصة نفق سجن الحلة المركزي ( 7 )