|
الوحدة الوطنية بين الأموات – أدب ساخر -
تحسين يحيى أبو عاصي
الحوار المتمدن-العدد: 5015 - 2015 / 12 / 16 - 08:21
المحور:
كتابات ساخرة
الوحدة الوطنية بين الأموات – أدب ساخر - قررت أن أزور المقبرة من أجل زيارة والدي رحمهما الله ، ولعلي هناك أحاور الموتى أو تحاورني ، باحثا عن قواسم مشتركة تجمعني بها من بعد أن فقدت تلك القواسم مع العالم أجمع ، العربي والإسلامي والشرقي والغربي ، والدولي واللادولي ،والديني واللاتيني ، والشكنازي و الحمراوي ، حتى عالم القرود والحيوانات ... أخذت أنظر إلى القبور بتمعن وتفحص .... صمت يطبق على المكان تؤرقه شقشقة الطيور ، بدأت أقرأ كثيرا في الكتابات القابعة فوق القبور، فوجدتها واحدة أو متشابهة إلى حد كبير ، وموجزة في إيجاز يحقق الوحدة العربية والإسلامية بين الأموات ، القواسم المشتركة التي حققت الوحدة الوطنية بين الموتى هي كل لوائح الاتهام المكتوبة من فوق ظهور القبور : ( توفي يوم كذا... سنة كذا... عن عمر يناهز كذا... قضاها في أعمال البر والتقوى ) . استغرقت في التفكير وقلت في نفسي : عشرات الألوف من الموتى هنا ، قضوا حياتهم في أعمال البر والتقوى !!! . فأين كانت منهم فلسطين وأفغانستان والعراق وكشمير، والبوسنا ولبنان والسودان والصومال ؟ . وأين كانت منهم جيوش الجياع والمظلومين من الأمة ؟ . وأين كان منهم جموع المعذبين والمضطهدين في الأرض ؟ . وتخيلت كم عدد الموتى في المقابر الأخرى ، وكم عددهم في العالمين العربي والإسلامي ؟ . قلت : لو أن كل واحد منهم تفل على إسرائيل من فمه أو من أنفه تفلة واحدة لأغرقوا مفاعل ديمونة النووي ، الذي صنع من القنابل النووية ما يغطي جميع مدن وقرى العالم العربي ، ولأغرقوا إسرائيل في بحر من التفل ، ألم يقض هؤلاء الأموات حياتهم في أعمال البر والتقوى ؟ . وهكذا يصبح الأحياء عندما يتحولون إلى أموات ، سيوجه لكل واحد منهم لائحة اتهام مكتوبة على قبورهم ( قضاها في أعمال البر والتقوى ) . نظرت غربا وعلى بعد عشرات الأمتار ، جذبني منظر قبر آخر حظي باهتمامي ، لأنني ومن دواعي السخرية أنني أصبحت أهتم بالقبور والموتى ، رأيت من حوله الورود والرياحين والأزهار والإنجيل الأخضر ما لم يوجد في حي بأكمله من أحياء اللجوء والشتات للشعب الفلسطيني أو العراقي أو الصومالي ، بل حتى في أحياء كبيرة وكثيرة من أحياء قطاع غزة مثل حي الدرج والشجاعية والزيتون وغيرها الكثير ... ليس فقط ذلك ، بل مطليا بالطلاء الفاخر الجميل ، إلى درجة أنني تمنيت أن يكون لي بيت مثله ، حتى لو في بلاد الماو ماو ، أو بلاد الإغريق ، نظرت أيضا لأقرأ لائحة الاتهام من فوقه ( قضاها في أعمال البر والتقوى ) فإذا هي لأحد القادة الفلسطينيين ، الذين أشبعوا الفلسطينيين تعذيبا وقتلا ولصوصية ما بعدها لصوصية ، إلى درجة أنْ فرح الناس عندنا في فلسطين بمقتله ، وتنفسوا الصعداء ، من كثرة ما قدّم لوائح اتهام ضد شرفاء شعبنا في غزة والضفة الغربية باسم الوطنية والعونطجية .. اقتربت من قبر آخر ، فإذا هو مرصع بالرخام الثمين ، يبلغ ثمن المتر المربع مته مائة دولارا ... قلت في نفسي الأمارة بالسوء ، كم مائة دولار ثمن الرخام على هذا القبر المحظوظ ساكنه ، هنيئا له فربما جنته محفوفة بالرخام ... قرأت لائحة الاتهام : ( قضاها في أعمال البر والتقوى ) فيبدو أنني صرت لا أجيد غير قراءة لوائح اتهام الموتى في زمن العجز العربي ... ثَمَّ قبر آخر ، رغب ابن الميت أن يختاره لأبيه على مفترق شارعين !!!! ( لاحظوا ) . وعلى صفحة قبره لائحة اتهام أخرى ( قضاها في أعمال البر والتقوى ) ... قلت في نفسي بعد أن أخرجت من صدري زفيرا يحكي كل لغات المستضعفين في الأرض : لا يهم فالعدالة تحت الأرض وليست فوق الأرض ... تذكرت سيدنا عمر ابن الخطاب الذي طلب منه أحد الشهود أن يشهد على شراء بيت يسكنه ، فقال للكاتب أكتب : اشترى ميت من ميت قبرا ... وتذكرت أيضا أنني قبل ستين عاما صحبت جدتي ووالدتي وعماتي عليهم رحمة الله إلى المقبرة من أجل إحياء ليلة الخميس ، وكانت ليلة يحييها الناس في أول يوم خميس للميت ، هكذا كانت عاداتهم من قبل ، واصطحبوا معهم حينئذ ، العنب والبلح والتين المجفف ، والطعام والشراب ، وأمضينا معا ليلة كاملة بجوار قبر جدي المرحوم ، ولكن بدون لائحة اتهام ، مسكين جدي فلا أعلم هل أنصفوه هنا ام ظلموه ؟ ... قلت في نفسي كعادتي أكلمها في ليالي غربتي في وطني ووحشتي بين قومي : ما أكثر لوائح الاتهام في هذا الزمان أحياءً وامواتاً !!. لوائح من أحياء لأحياء ، ولوائح من أحياء لأموات ، ولوائح في السجون المكتظة بشرفاء الأمة ، ولوائح في ميادين وساحات العمل هنا وهناك ، ولوائح في مراكز الشرطة ، ولوائح على الطرقات والمفترقات ... إلا أنا فقد احترت بلوحتي ، لذلك كتبت لأبنائي وصيتي أن اكتبوا على قبري جملة واحدة فقط : ( عاش ومات في وطنه مغمورا غريبا) ... وصمتُّ برهة من الوقت كصمت القبور ، فلا بد هنا أن نحترم مشاعر الموتى ونلتقي معهم في قواسم مشتركة . والآن لا يهمني من قريب ولا من بعيد أن أكون في نظر المغنين والراقصين والمصفقين والعُراة والمنبطحين والمتآمرين ، أن أكون منحرفا أو تكفيريا أو تائها أو ضالاً، لأن المعادلة المفروضة هي : أن أكون أو لا أكون ، فإما أن ننبطح تحت الجسم الأمريكي نغنج لحبات اللوز ، منسجمين بالخازوق المدقوق ولن يُقرع ، من شرم الشيخ إلى سعسع ، أو أن عيني سوف تُثلم المخرز الأمريكي اليهودي حتى وإن قُلعت ، فكيف لو كان كسره قريبا بإذن الله تعالى ...علمني جدي المرحوم أنه : لن يضيع حق ووراءه مطالب . تعم لأننا مائتي مليون عربي ، ومليار ونصف مسلم ... وأخيرا أودعكم أيها المقهورين بما قيل : تموت الأسد في الغابات جوعا ولحم الضأن يُرمى للكلاب عظم الله أجركم في موتاكم أحبكم فلا تظلموني الإنسانية تجمعنا ولا تفرقنا ودمتم بخير وسلامة ملاحظة : مَن لم يفقه ولم يتذوق رسالة ومعاني الأدب الساخر فلا يلمنا وشدي حيلك يا بلد
#تحسين_يحيى_أبو_عاصي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من الشعب الفلسطيني إلى قادته - من فانتازيا الأدب الساخر-
-
أشرف فياض كافر بكم لكنه ليس بكافر
-
هل عرفتم الآن يا سادة من المفعول به !!؟ - أدب ساخر -
-
مررت على الأمة العربية فردا فردا – أدب ساخر -
-
أيها الناس انظروا إلى الجَمال لتحيوا من جديد
-
نأمل أن ترتقي عقليات التخلف والجهل إلى درجة استيعاب الزمن
-
أيها المتعبون في الأرض
-
الوطن السعيد وشعار الكلسون – أدب ساخر -
-
المنسف العربي والمنسف السياسي – أدب ساخر -
-
التيس والراية الحمراء – لا أقصد أحدا بعينه -
-
الوطنية في الميزان الفلسطيني
-
يا هذا لا تتوضأ بالدم ثم تصلي في المحراب صلاة الفجر مع العصر
...
-
يا أبن غزة لا تعترض فتنطرد من مسرح العبث
-
هل يعيش قادة شعبنا الفلسطيني في كرفانات مثل شعبهم ؟
-
إلى حملة مشاعل الإنسانية والمحبة في كل أنحاء العالم
-
تذكير لمن يدَّعي الاسلام
-
متى ستغضبون يا عرب ويا علماء السلاطين !!!؟؟؟.
-
نماذج فلسطينية لا يمكن قهرها وعلى تنظيماتنا الصمت
-
رسالة الحب ليس حديث الضعفاء
-
مقتطفات تنويرية
المزيد.....
-
مسلسل الدم الفاسد الحلقة 10 مترجمة قصة عشق
-
محاسن الخطيب: فنانة تشكيلية من غزة تنبأت بمقتلها في الحرب -و
...
-
قناديل: يانصيب لنوبل الأدب
-
خطوة جريئة: ممثلون موصليون شباب ينتجون فيلم أكشن
-
ولدت بإيران ودرست التصوف وكتبت عن صدام الثقافات.. طريق دوريس
...
-
-نحن نحترق-.. آخر أعمال الفنانة الفلسطينية محاسن الخطيب قبل
...
-
قائد الثورة الإسلامية آية الله خامنئي مغردا باللغة العبرية ع
...
-
مسلسل تل الرياح الحلقة 145 مترجمة بجودة عالية hd على قناة كا
...
-
قيامة عثمان.. استقبل الآن تردد قناة الفجر الجزائرية أقوى الم
...
-
ايران تنتج فيلما سينمائيا عن حياة الشهيد يحيى السنوار
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|