ترجمة: مدحت الزاهد
يجاهد
اليسار والتقدميون في العالم للوصول إلى تعريف للعمليات الحيوية في عصرنا والمتعلقة
بالعولمة الراسمالية.
وتمثل
عولمة رأس المال و التحويل عابرالقوميات للتفاعلات الاجتماعية والثقافية والسياسية
التي تتضمنها هذه العولمة ، المحتوى التاريخي الرئيسي للتطورات على مشارف القرن
الحادى والعشرين..
ويدور الجدال
حول العولمة في الأكاديميات، والأهم من ذلك بين حركات اجتماعية وسياسية متنوعة
واسعة الانتشار. وقد نمت هذه الحركات بسرعة متزايدة ضد عمليات الكوكبة التي تعيد
تكوين المعارف الاجتماعية والسلوك الاجتماعي، ولمواكبة ما تفرضه البيئة العالمية
الجديدة من القيود العميقة أو ما تقدمه من فرص حقيقية للتغيير الشعبى.
ومن وجهة نظرى، فان النشطاء والدراسين ـ
أيضا ـً قد مالوا الى التقليل من الطبيعة المتواترة للتغييرات التى تتضمنها
العولمة، والتى توجب إعادة تعريف كل خصائص المرجعية الاساسية للمجتمع الانسانى
والتحليل الاجتماعى، بما يتطلبه ذلك من تعديل كل النماذج الراهنة.
وترمزالرأسمالية العالمية (العولمة الرأسمالية)
إلى حرب عالمية. وتختمرهذه الحرب منذ أربعة عقود في أعقاب الحرب العالمية الثانية،
متخفية وراء مجموعة كاملة من التناقضات التابعة المرتبطة بالحرب الباردة، والنزاع
بين الشرق والغرب.
وهذه العولمة
الراسمالية متضمنة في تطور التكنولوجيات والوجه المتغير للإنتاج والعمل وظهور رأس
المال عابر القوميات، من رحم رأس المال القومي في الشمال.
لكن العاصفة الكبرى للتحول تعود إلى أوائل الثمانينات،
عندما أصبح للاقسام الطبقية التى تمثل مصالح رأس المال عابر القوميات ـ كما سوف
أبرهن فيما بعد ـ سيطرة فعالة على جهاز الدولة في الشمال، كما أنها بدأت في
الاستحواذ على هذه المؤسسات في الجنوب.
وقد تقدمت هذه الحرب عندما تمكن رأس المال عابر القوميات من التحرر من أي
ضغوط على نشاطه العالمي – واضعين في الاعتبار اختفاء الكتلة السوفيتية – والإنجازات
الرأسمالية المتزايدة التي تنطوي على التعبئة الشاملة لراس المال والقدرة على تشييد
الجسور مع كل بقعة في العالم.
إنها حرب الأقلية الغنية ضد الأغلبية العالمية الفقيرة والمنبوذة
والمجردة.
وقد بلغت خسائر هذه
الحرب بالفعل مئات الملايين، ويمكن أن يرتفع العدد الى بلايين.
إنها حرب عالمية بلغت فيها الصراعات الاجتماعية
والتحطيم الإنساني مستويات غيرمسبوقة من العنف القتالى.
أسميها حرباً عالمية بالمعنى الحرفي للكلمة، لإن
الصراعات المرتبطة بعولمة رأس المال هي حرب عالمية، لإنها تشمل كل البشر في العالم،
ولا يستطيع أي طرف أن يتجاوزها، آخذين في الاعتبار الوضع الراهن للتطور.
و "الحرب العالمية" تعبير درامي، يشير إلى
مرحلة دخلتها البشرية يمكن أن لا تقل عن عمليات النهب الاستعماري فى القرون
الماضية.
وليام أ. روبنسون. هو
أستاذ علم الاجتماع بجامعة تينيسي ، وباحث زائر في المركز القومي للدراسات بجامعة
أمريكا الوسطى في مانيجوا (نيكاراجوا). وهو أيضاً مؤلف لعدد من الكتب من بينها
الصفقة الزائفة، و تدخل الولايات المتحدة في انتخابات نيكاراجوا،
وسياسة أمريكا الخارجية بعد الحرب العالمية ،
وأمريكا والهيمنة.
والعولمة:
النظام العالمى وتعزيز" الديمراطية" فى سياسة الولايات المتحدة
الخارجية.
ومهما يكن من أمر
فأننى لا اقصد أن أكون عرافاً، او أن أتجرد من السلاح.
والعولمة الرأسمالية هي عملية تفاعل حيوية، لكن لا يجوز
أن نسبغ عليها صفات سرمدية الحركة بالقول انها لاتنفذ ولا تستهلك. فهذه العولمة
تجابه تناقضات كبرى، تقدم فرصاً حقيقية لتغيير مسارها.
ومن الهام إذن عمل قراءات أكثر دقة لعمليات العولمة،
كدليل لعمليات البحث والتأثير والفاعلية الاجتماعية.
وسوف أحاول فيما يلى، محاولة متواضعة ـ لاتدعى حسم
الجدال حول إشكاليات العولمة ـ تقديم ملامح مميزة لعصرنا كما سوف أحاول التقاط صورة
لغابة العولمة، ولاشجارها الكبرى، وطريقة تشابكها، وهذا بالنسبة لي مفتاح نظري
وعملي يستجيب لاحتياجات المثقفين والنشطاء.
وينبغى التأكيد هنا على أنه فى حدود هذه المساحة، لا
يجوزأعتبار الموضوعات التالية شرحاً كاملا للقضية، فكل منها ملخص يحاول تقديم ظاهرة
معقدة بصورة مبسطة، وهو ما يتطلب شروحات إضافية.
أولاً: محتوى العولمة ومظهرها الرئيسي هو أنه لأول مرة
في التاريخ الحديث تحدث عملية احلال للعلاقات الرأسمالية محل كل بقايا العلاقات
السابقة على العولمة في كل مكان في العالم.
لقد لاحظ النشطاء والدارسون أن الكوكبة تتضمن النشاط
المتسارع عبر القومي لكل من رأس المال والتكنولوجيا، كما تتضمن تأثير دولي جديد
للعمل، وعمليات تكامل اقتصادي واضمحلال وتراجع في أهمية الدولة القومية.... إلخ
إلخ.
لقد تحرك العالم في العقود
السابقة القليلة الى افاق ترابطت فيها الأمم عبر تدفقات رأس المال في سوق دولي
عالمي متكامل.
وقد تم الاتجاه
عبر هذه العمليات إلى تدويل عمليات الإنتاج نفسها، وفي المقابل فإن العولمة
الاقتصادية جلبت معها المقومات المادية للعمليات والتفاعلات السياسية عابرة
القوميات.
لقد تخطت العولمة
بصورة متزايدة الحدود القومية وجعلت من المستحيل للأمم المنفردة أن تصون الاستقلال
أو حتى استقلالية المؤسسات السياسية والاجتماعية، ولم تعد الدولة القومية وحدة
ملائمة لأغراض التحليل.
وكل هذه
سمات هامة، ولكن جوهر العولمة أنها نظرية تفترض التصعيد المتزايد لهذه التفاعلات،
وهي عمليات بدأت منذ فجر الكولينالية الأوروبية من 500 عام مضت.
ومن سمات هذه العملية الانتشار التدريجي
للإنتاج الرأسمالي وقدرته على أن يحل محل العلاقات الرأسمالية السابقة. لقد أدت
العولمة إلى تكامل عالمي في نموذج رأسمالي واحد، وهذا يتضمن كل العمليات، ويتضمن
التحولات العابرة للقوميات وللطبقات والتقسيم المتسارع للإنسانية إلى مجرد طبقتين
هما رأس المال العالمي والعمل الدولي. فالكوكبة الرأسمالية تدمر كل الأنظمة التي لا
تخضع لهيمنة آليات السوق والتي وضعت في الماضي حدوداً لعمليات التراكم.
لقد تم تسليع كل ركن وكل زاوية في العالم
وكل مجال للحياة الاجتماعية، وهو ما يتضمن أيضاً تحطيم كل المجالات التي لا تخضع
لعلاقات السوق في حياة البشرية، بما في ذلك المجالات العامة، ووحدة العائلة نفسها
والاقتصاد المحلي والمنزلي، والمجالات الخاصة المرتبطة بالمجتمع والمؤسسات العاملة
والاقتصادات القائمة على الاقتصاد المنزلي، بحيث تنتهي عموماً سيطرة الناس بأي صورة
من الصور على حياتهم اليومية وعلى الأخص على شروط الإنتاج.
هذا التسليع الكامل للحياة الاجتماعية من شأنه تقويض
بقايا السيطرة الديمقراطية للشعب لشروط حياته اليومية وخاصة الإنتاج، و كما لاحظ
جيمس كوين فأن فرص نضج الاقتصاد الرأسمالي في المجتمع الرأسمالي ترتبط بقدرته على
إنجاز عملية اختراق العلاقات الرأسمالية لكل نواحي الحياة وتسليعها، أى تحويلها الى
رأسمال.
و تتضمن ظاهرة التسليع
تحويل المجالات العامة والمجالات اللارأسمالية الخاصة ومجالات الملكية الاجتماعية
العامة إلى مجالات رأسمالية،بما فى ذلك مجالات تتراوح من الأسرة والثقافة الى
التعليم والصحة والبوليس والسجون والبنية التحتية وأنظمة المواصلات، حيث
يتم
خصخصة وتسليع كل هذه
المجالات.
وفى الحقيقة فإنه
لاتوجد فرص لحماية مجال من مجالات الملكية السابقة على الإنتاج السلعي من هذا
التحول، فعلاقات الانتاج ليست قائمة على الاعتبارات الإنسانية.
ثانياً: ينبثق، على نطاق عالمي، لأول مرة في
التاريخ، بناء اجتماعي جديد للتراكم
ويشير هذا البناء الاجتماعي إلى مجموعة من العلاقات المتبادلة بين مؤسسات
لها طابع سياسي وثقافي واقتصادي وأيدولوجي. هذه العلاقات المتبادلة تساعد على وتسهل
تقديم نموذج للتراكم الرأسمالي في مراحل تاريخية محددة.
ويملك هذا البناء القوة و القدرة على إعادة هيكلة
المؤسسات القومية الموجودة، حيث يمثل
التكامل مع النظام الدولي عملية حيوية لهذا التحويل البنيوي.
و تتحكم هذه العملية في الأحداث التي نراها في
الأمم والأقاليم. وتؤدي إلى انهيار للمؤسسات الاقتصادية والسياسية القومية خلال
السنوات القليلة الماضية. ملازم للتصدع التدريجي الذي بدأ منذ 30 عاماً في النظام
العالمي القائم على دولة الأمة – والسابق على العولمة.
وتنبثق هياكل اقتصادية وسياسية واجتماعية جديدة كلما
اندمجت أو تكاملت الأمة أو الإقليم في العمليات والهياكل الصاعدة العابرة للقوميات
.
ووكيل الاقتصاد العالمي هو رأس
المال العابر للقوميات، الذي يستند إلى تنظيم مؤسساتي في شركات عالمية عملاقة
ووكالات تخطيط اقتصادي، فوق قومية، ومنتديات سياسية. مثل صندوق النقد الدولي،
واللجنة الثلاثية، ومنتدى السبعة العظام.
ويدار هذا الاقتصاد الكوكبي بنخبة عابرة القوميات
وواعية طبقياً في مراكز العالم الرأسمالي.
وتملك هذه النخبة عابرة القوميات أجندة عالمية متكاملة
حول التأثير المتبادل للمكونات الاقتصادية والثقافية والسياسية والتي تشكل معاً
بناء عولمي اجتماعي جديد للتراكم.
ويتصف العنصر الاقتصادي بالليبرالية المفرطة والتي تبحث عن إنجاز الشروط
الضرورية للتعبئة الكلية والتحرير الشامل للنشاط الرأسمالي على مستوى العالم، من كل
قيد.
وتشمل الليبرالية المفرطة
إزالة تدخل الدولة في الاقتصاد وأيضاً إزالة تدخل الدولة لتنظيم نشاط رأس المال
عابر القوميات داخل حدودها.
كما
تتضمن أهداف الليبرالية إنهاء تدخل الدولة لتحقيق منافع اقتصادية عن طريق الاستيلاء
على، وإعادة توزيع فائض القيمة.
وتعني الليبرالية المفرطة في الشمال، والتي أطلقتها في البداية حكومات ريجان
وتاتشر، إنكار وتصفية دولة الرفاهية وفقاً للنموذج الكنزي. وفي الجنوب فإنها تشمل
التحولات البنيوية التي أدخلتها الليبرالية الجديدة تبعاً لبرامج التكيف
الهيكلي.
وتستهدف هذه البرامج
تحقيق الاستقرار على مستوى الاقتصاد الكلى (أسعار الصرف والفائدة.. إلخ) كشرط
إلزامي لنشاط رأس المال عابر القوميات، والذي يوجب إضفاء التنسيق على السياسات
المتعلقة بالسياسات المالية والنقدية والصناعية في الدول المتعددة إذا رغبت في
إمتلاك القدرة على العمل المتزامن والمتواتر داخل حدود دول وطنية عديدة.
ويعتمد العنصر السياسي على تطور الأنظمة
السياسية، حيث تعتمد على التراضي بأكثر من الهيمنة القسرية المباشرة.
وتعتمد آليات التراضي القائم على السيطرة
الاجتماعية على إحلال أنظمة تعددية محل الأنظمة الديكتاتورية السلطوية والأنظمة
القمعية الاستعمارية التي ميزت كثير من هياكل السلطة السياسية الرسمية في دول
العالم فيما بعد الحرب العالمية الثانية.
وتشير النخبة عابرة القوميات إلى هذه الأنظمة التعددية
(البولارشية) كأنظمة ديمقراطية رغم أنها لا تتمتع بأي محتوى أو مصداقية
ديمقراطية.
والتراضي الديمقراطي
الذي يميز أنظمة النظام العالمي الجديد هو تراض بين نخبة عالمية تزداد تلاحماً، على
صورة نظام سياسي يعيد إنتاج النظام الاجتماعي في بيئة عالمية جديدة.. وسوف يناقش
هذا البعد بصورة أكثر تفصيلاً فيما بعد.
أما العنصر الثقافي – الأيديولوجي فيمكن وصفه بالاستهلاكية والفردية
المتوحشة. وتروج الثقافة الاستهلاكية الى أنه يمكن تحقيق رفاهية البشر وسلامتهم
النفسية والفكرية وراحتهم في الحياة من خلال الاستحواذ على السلع.
وتبرر التنافسية الفردية الصراع من أجل البقاء
والوسائل المطلوبة لتحقيق ذلك، بالادعاء انها قيمة أعلى من رفاهية
الجماعة.
ويتم حقن الضمير الجمعي
على مستوى العالم بقيم الاستهلاكية والفردية، كما يتم تحويل التطلعات الجماهيرية
إلى رغبات استهلاكية فردية، حتى لو لم يتم الاستجابة للاحتياجات الضرورية للأغلبية
العظمى من البشر.
وتعمل ثقافة
وأيديولوجية العولمة الرأسمالية على تجريد السلوك الاجتماعي من أي طابع سياسي. وكبح
جماح أي عمل جماعي يستهدف تحقيق تغيير اجتماعي، بتحويل مسار الأنشطة الاجتماعية إلى
عادات البحث عن البقاء والاستهلاك الشخصي.
وللعولمة، لهذا السبب، آثار عميقة على كل أمة في النظام
العالمي. ويعاد تنظيم الهياكل الإنتاجية في كل أمة لتوائم التقسيم الدولي الجديد
للعمل.
ويتميز هذا التقسيم
بتركيز الأموال والخدمات والتكنولوجيا والمعرفة في الشمال، ووحدات الإنتاج العالمي
التي تعتمد على العمالة الكثيفة ووتائر العمل العالية في الجنوب.
وبإعادة هيكلة كل اقتصاد قومي وتحويله إلى وحدة
تابعة للاقتصاد العالمي، فإن أنشطة جديدة للعولمة الاقتصادية تبدأ في تحقيق
السيادة.
كما تؤدي هذه العملية
إلى تهديد الطبقات التي تنتمي إلى مراحل ما قبل العولمة مثل الفلاحين القوميين
والحرفيين والبرجوازية المحلية المرتبطة بالسوق الداخلية، حيث تدخل هذه الطبقات في
مرحلة من الضعف والتفكك.
وتنبثق
مجموعات جديدة مرتبطة بالاقتصاد العالمي وتصبح سائدة، على كل من المستويين
الاقتصادي والسياسي. وتهتز الأنظمة السياسية ويعاد تنظيمها. ويتم توجيه أنشطة
الدولة في إتجاه الخارج، وتهتز النظم السياسية.
وتشتمل العولمة الثقافية السائدة على اختراق وإفساد
وإعادة تشكيل المؤسسات الثقافية والهويات الجمعية والضمير العام.
ثالثاً: هذه الأجندة الكوكبية ظهرت في كل بلد
في العالم تحت رعاية أقسام مهيمنة عابرة القومية من الرأسمالية القومية.
ويتم تمثيل هذه الرأسمالية العالمية في كل
دولة قومية بممثلين لمجموعات مهيمنة عابرة القومية، حيث انتقل تحالف البرجوازية
القومية مع البرجوازية العالمية في مرحلة ما بعد الحرب إلى التحالف مع الرأسمالية
عابرة القوميات بعد الحرب الباردة.
وقد أصبح هذا التحالف في التسعينيات تعبيراً عن الفئات الطبقية المهيمنة
عالمياً.
و تملك هذه البرجوازية
المتجردة من سماتها القومية وعياً طبقياً بخصائصها عابرة القومية.
وعلى قمة هذه الفئة نخبة تتولى الإدارة وتتحكم
في صنع القرارات التي تتوافق مع مصالح رأس المال المالي الكوكبي باعتباره رأس المال
المهيمن في المجال العالمي.
وفي
السبعينيات والثمانينات فإن بدايات صعود (أجنة) الأقسام عابرة القوميات ميز ظاهرة
كسوف الأقسام القومية في بلدان الشمال الرأسمالية وبدأت هذه الأقسام الجديدة في
السيطرة على عملية صنع القرار في المستويات العليا، وفي الثمانينات والتسعينات هبطت
هذه الأقسام في اتجاه الجنوب وبدأت نفس هذه العملية في العديد من البلدان التي تم
فيها السيطرة على آلة الدولة.
وهذه الأجندة الكوكبية لا زالت في حالة جنينية في بعض الدول والأقاليم (وراء
الصحراء في أفريقيا). كما أنها في مرحلة الحضانة في بلدان أخرى. كما أنها تصعد في
مجموعة ثالثة (الهند، والأقسام الكبرى من آسيا والفلبين) كما تم تدعيمها في كل مكان
آخر (شيلي والمكسيك وأكثرية دول أمريكا اللاتينية).
وبالنظر إلى بنية العلاقات بين الشمال والجنوب فإن
الفئات عابرة القوميات في الجنوب هي شريكة تابعة ( فى منزلة أدنى).
وتتولى هذه الفئات الإشراف على المستوى المحلي،
ولكن تحت توجيه سادتهم في الشمال. وتعمل هذه الفئات على ادارة التحولات الكبرى
السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية المرتبطة بالعولمة بما في ذلك
الإصلاحات المرتبطة بحرية السوق واحلال أنظمة بولاركية مكان الديكتاتوريات وتمجيد
القيم الثقافية الاستهلاكية والفردية.
رابعاً يدرس الباحثون في نظام جديد للهيمنة العالمية ويفترضون عالم تعددي من
ثلاث كتل اقتصادية أوروبية وأمريكية وآسيوية، ولكن مرحلة تطور الرأسمالية إلى
رأسمالية عابرة للقوميات تحل محل الصيغة القديمة للتطور الرأسمالي القائم على صيغة
الدولة – الأمة.
في دراسته
الرائدة "التحول العظيم" لخص كارل بولاني التغييرات التاريخية السابقة في العلاقة
بين الدولة ورأس المال، وبين المجتمع وقوى السوق، والتي حدثت مع تفتح الرأسمالية
القومية في القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين.
ونحن الآن شهود على تحول عظيم آخر مرتبط بنضج
الرأسمالية عابرة القوميات. لكن النشطاء والباحثين لا يزالون متعلقون بصيغة تحليل
الدولة – الأمة الذي عفا عليه الزمن. ويعظم هذا التحليل من دور هذه الدولة بكل ما
يترتب على ذلك من قراءة خاطئة للأحداث ومن مخاطر التوجيه الخاطئ للفعل الاجتماعي.
ولا ينبغي أن نخلط بين مظاهر السيولة الراهنة للمنازعات والتناقضات المرتبطة
بالتحول من رأس المال القومي إلى رأس المال عابر القوميات، وبين الميل التاريخي في
حد ذاته.
فالعولمة تغير العلاقة
بين الرأسمالية والقضايا المتعلقة بالحدود القومية، ومعها أيضاً تتغير العلاقات بين
الطبقات والدولة – الأمة
فالتوجهات العليا المتعلقة بصنع القرارات في الدولة تنتقل إلى المؤسسات فوق
القومية ويتم من أعلى فرض سلطة رأس المال عابر القوميات الذي جرى تعبئته بالكامل
فوق السلطة المباشرة لدولة – الأمة.
ويعاد تكييف العلاقة التاريخية بين قوة الطبقة وقوة الدولة وبين دولة –
الامة و والأمم السابقة المؤسسة على الطبقات، الأمر الذي يستوجب إعادة تعريف.
وتمارس البرجوازية عابرة
القوميات نفوذها الطبقى من خلال مسارين:
الأول: شبكة كثيفة من المؤسسات فوق القومية والعلاقات التي تتجاوز بصورة
متزايدة الدولة الرسمية. ويمكن إدراك هذه العملية على أنها تميز بزوغ دولة عابرة
للقوميات لا تتطلب شكلاً مؤسسياً مركزياً.
ويتعلق المسار الثاني باستخدام حكومات الدول القومية
كوحدات قانونية ذات طابع قومي حدودي (نظام العلاقات التبادلية بين الدول) والتي
تتحول إلى سيور نقل ومصفاة للأجندة عابرة القوميات التي يجري فرضها.
ويحتاج رأس المال عابر القوميات إلى الدولة –
الأمة لإنجاز 3 وظائف:
تبني
سياسات مالية ونقدية تؤمن (لرأسمال المال الكوكبي) الاستقرار على مستوى الاقتصاد
الكلي.
توفير البنية الأساسية
الضرورية لنشاط الاقتصاد العالمي.
تأمين السيطرة الاجتماعية والنظام والاستقرار.
وتتبني النخب عابرة القومية "الديمقراطية" كوسيلة أفضل
من الديكتاتورية لإنجاز وظائف النظام الاجتماعي.
وبكلمات موجزة فإننا لسنا شهود على احتضار دولة الأمة،
بل على تحولها إلى دولة الليبرالية الجديدة.
ولا يزال رأس المال لهذا السبب يحتاج إلى قوة الدولة،
كما لاحظ – عن حق – كثير من الباحثين والنشطاء.
وعلى أية حال فإن قوة الدولة .. والدولة – الأمة ليسا
متكافئين بالضرورة، كما إن مصالح رأس المال العابر للقوميات لا تتوافق بالضرورة مع
أي مصالح قومية، أو أي دولة أمة.
وتحدث الفوضى نتيجة مواءمة احتياجات رأس المال مع الخدمات التي تقدمها دول
الليبرالية الجديدة، والفائدة التي تجنيها من نظام العلاقات التبادلية بين الدول
الذي يعاني من التباطؤ، مع ظهور نوع من المصاهرة العضوية بين رأس المال عابر
القوميات ودول الأمم التي ظهرت إلى الوجود في المرحلة القومية من التطور
الرأسمالي.
وإذا لم يكن رأس
المال عابر القوميات قد حقق تركزات كبرى مع أي دولة – أمة، فعلى أي أساس مادي أو
طبقي يمكن تفسير منازعات العلاقات التبادلية بين الأمم؟ وما هو الأساس النظري
والفكري الذي يمكن توفيره لتفسير المنازعات بين دول الأمم، غير كونها تعبيراً عن
المنافسة بين الراسماليات القومية.
وتختلط اللامركزية المتزايدة بقوة رأس المال العابر للقوميات مع الاستقلال
والقوة المتزايدة لمنافسى الولايات المتحدة، كما ترتبط بالتحولات التي تفرزها
الجغرافيا السياسية في مجال القوة المدركة بمعايير دول الأمم.
وفي الحقيقة فإن رأس المال عابر القوميات،
ووكيله المؤسسي الرئيسي؛ الشركة العالمية العملاقة، يملك القدرة على استغلال
العلاقات غير المتكافئة بين الأمم لكي ينتزع تنازلات إضافية من العمل الدولي. ويخلق
الانفصال المستمر للعالم إلى دول – أمم، وهو الشرط المركزي لقوة رأس المال عابر
القوميات.
وتقود صيغة دولة –
الأمة التي عفا عليها الزمن إلى قراءة خاطئة للأحداث.
وعلى سبيل المثال فإن البعض قد فسر "العقد مع أمريكا"،
وقبل ذلك الريجانية كبرنامج تقشفي للجناح اليميني معارض لبرنامج آخر أكثر ليبرالية.
وفي الحقيقة فإن "العقد مع أمريكا" يمثل برنامجاً يعبر عن المصالح الجوهرية لرأس
المال الكوكبي.
ولا يعود
الاختلاف بين برنامج كلينتون والبرامج الاخرى إلى خلاف جوهري بين أقسام متميزة من
الرأسمالية أو قطاعاتها، بل تعود إلى اختلافات حول المدى والتوقيت والمجالات
الفرعية التابعة (السياسة الاجتماعية على سبيل المثال) في تقديم أجندة رأس المال
العابر للقوميات في الولايات المتحدة الأمريكية.
وخلافاً للمظاهر فإن إعادة هيكلة السياسات الاجتماعية
والتي بدأت في ظل الريجانية والتاتشرية في الشمال وبرامج التكيف الهيكلي في الجنوب،
و "التعاقد مع أمريكا" وما شابه ليسوا نتاجاً للحركات المحافظة، وتوجهات الجناح
السياسي اليميني. فهذه السياسات تعبر بالأحرى عن السياسة المنطقية الملموسة
والتوجهات الفكرية للعولمة، كما تطبق تبعاً للشروط الخاصة بكل دولة. وبالمثل يمكن
تفسير الخلافات التكتيكية بين الحكومات القومية لدول القلب حول كيفية تقدم مصالح
رأس المال عابر القوميات.
فالخلافات التكتيكية ترتدي عادة طابع خصوصية الشروط المحلية والإقليمية
التاريخية – مرتدياً طابع التناقض الرئيسي بين رأس المال التنافسي القومي والمصالح
القومية. ويمكن أن تبدو الأحداث وكأنها تناقضات بين دولة الأمم، بينما هي في
الحقيقة تناقضات داخلية في نطاق رأس المال الكوكبي.
خامساً: العداء العميق للديمقراطية، هو من سمات العالم
الجديد" المحارب" للعولمة الرأسمالية.
تتسم العولمة الرأسمالية بأنها متوحشة وطفيلية، وفي الاقتصاد العالمي
الراهن، فإن الرأسمالية هي أقل لطفاً و أقل تجاوباً مع مصالح الأغلبيات العريضة في
العالم، وأقل اعتباراً للمجتمع من أي مرحلة سابقة، فحوالي 400 شركة عابرة للقومية
تملك 23 ثروات الكوكب وموارده وتتحكم في 70% من تجارة العالم.
وبتحكم بضع مئات من الشركات الاحتكارية
العالمية فى موارد العالم، فإن مصير البشر يصبح تحت رحمة الشركات العالمية ، التى
تقبض على السلطة لتصنع قرارات الحياة والموت للملايين. وهذا التركيز المتعاظم للقوة
الاقتصادية يقود أيضاً إلى تركيز متعاظم للسلطة السياسية على نطاق العالم، وأي
مناقشة للديمقراطية في هذه الشروط يصبح حديثاً لا معنى له.
ويمكن تفسير التضاد بين إختفاء الديكتاتوريات والتحولات
الديمقراطية وإنتشار الديمقراطية فى العالم بالاشكال الجديدة للسيطرة الاجتماعية من
جهة، والفهم الخاطئ للديمقراطية من جهة أخرى، حيث تم تجريد الكلمة من معناها
الاصلى، وهو قوة الشعب. فكلمة cratos تعنى قوة و demo تعنى الشعب.
وما تدعي النخبة الكوكبية أنه ديمقراطية، هو
بتعبير أكثر دقة البولاركية ( التعددية) إذا ما استخدمنا لغة الاكاديميين، وهو
مفهوم لا ينتمي إلى الديمقراطية أو الدكتاتورية.
و يشير مفهوم التعددية إلى نظام تحكم فيه مجموعة صغيرة
باسم رأس المال، وتقتصر مشاركة الاغلبية فى صنع القرار على الإختيار بين مجموعات
النخبة المتنافسة في عملية انتخابية تم السيطرة عليها، ويمكن أن نطلق عليها
البولاركية أي حكم تعددي.
هذه
الديمقراطية الهشة هي شكل من أشكال الهيمنة التوافقية، فالسيطرة الاجتماعية
والهيمنة هي مفاهيم تعتمد على التناغم بالمعنى الذي أشار إليه جرامشي، باكثر من
الاكراه.
وهي لا تستند إلى القمع
الصريح بقدر ارتكازها على أشكال متنوعة من السيادة الأيديولوجية والتجريد السياسي
من القوة، والذي أصبح ممكناً بفضل الهيمنة المؤسساتية وسلطة الفيتو التي يملكها رأس
المال العالمي.
وقد تصاعدت
البولاركية بواسطة النخب فوق القومية في الجنوب كإ متداد لمفكرتها (أجندتها) وكشكل
متميز عن شبكة من الأنظمة العالمية تشمل أنظمة مدنية ـ عسكرية ، وديكتاتوريات صريحة
(سوموزا، ماركوس، بونشيه، دوفلييه، و الأقليات البيضاء) وقبلهم الدول المقهورة من
الكولينالية والتي احتجزتها الدول الرأسمالية الشمالية لفترة طويلة خارج تاريخ
العالم الحديث.
وتتجه الأنظمة
السلطوية إلى التفكك تحت ضغط عمليات العولمة التي تقوض الأنظمة السياسية التسلطية
وتعيد تشكيل المجتمعات التقليدية والأشكال الاجتماعية وتثير كتل من الجماهير
للمطالبة بدمقرطة الحياة الاجتماعية وتضغط الجماهير غير المنظمة من أجل دمقرطة
شعبية عميقة، بينما تدفع النخب المنظمة في إتجاه عملية انتقال هادئة مسيطر عليها من
الأنظمة السلطوية والاستبدادية إلى الأنظمة البولاركية.
وتعد هذه القضايا على جانب كبير من الدقة لأن اليسار،
في معظم دول عالم القرن العشرين، لم يكن ديمقراطياً سواء في منظماته أو في ممارسات
الدولة في تلك البلدان التي ظفر فيها بالسلطة.
وقد أدت الإخفاقات (الخيبات) التاريخية لليسار، في
مسألة الديمقراطية إلى تردده في حسم الموقف من البولاركية باعتبارها هزءاً
بالديمقراطية وينبغي أن يكون اليسار أميناً على الديمقراطية في المجتمع وفي مؤسساته
الخاصة. وينبغى أن تجسد هذه المؤسسات الممارسة الشعبية الديمقراطية من المنظمات
القاعدية إلى السلطة التى يمكن أن تحوزها الطبقات الشعبية على المستوى المحلى،
وتدعيم ارتباط الدولة بالمجتمع المدني (إلحاق الدولة بالمجتمع المدني)، وإعمال مبدأ
الحساب بالنسبة للقادة، وهكذا.
ولكن إنجاز البولاركية بالنسبة للديمقراطية لا يتجاوز إنجاز النظام السياسي
الستاليني في الكتلة السوفيتية السابقة.
ولا تعني الحيل المرتبطة بالإجراءات الديمقراطية في النظم البولاركية أن
حياة الجماهير قد أصبحت مشبعة بقيم ديمقراطية حقيقية.. أو أنه قد تم تحقيق العدالة
الاجتماعية أو المساواة الاقتصادية.
ولا تستجيب البولاركية الجديدة المنبثقة من الكوكبة للتطلعات الحقيقية
للأغلبيات المضطهدة والمهمشة في المشاركة السياسية والعدل الاجتماعي والتحقق
الثقافي.
سادساً: ونتيجة لعمليات
رأس المال العابر للقوميات، المتحرر من كل قيد أصبح انتشار الفقر بين الأكثرية،
والتزايد الدرامتيكىلانعدام المساواة الاقتصادية والاجتماعية، في ظل العولمة،
وتفاقم البؤس الإنساني ظاهرة عالمية.
هناك ميل مزدوج في ظل العولمة لتركيز الثروة بين فئات اجتماعية متميزة لا
تزيد عن 20% من البشرية، من جانب، مع إتساع الفجوة بين الفقراء والأغنياء في كل بلد
وبين الشمال والجنوب من جانب آخر. ويمثل انعدام المساواة المتزايد على مستوى العالم
شكلاً لعنف بنيوي موجه ضد أغلبية العالم. ورغم أن هذه الظاهرة ملحوظة على نطاق
واسع، الا انه ينبغى ربطها بصورة أكثر وضوحاً بعمليات العولمة.
وفي أمريكا اللاتينية وحدها زاد عدد الفقراء من
183 مليوناً عام 90 إلى 230 مليوناً عام 95 تبعاً لأرقام اللجنة الاقتصادية لأمريكا
اللاتينية ودول الكاريبي بهيئة الأمم المتحدة. وإذا ما وضعنا في الاعتبار الزيادة
السكانية فإن نسبة السكان الذين يعيشون في الفقر قد ارتفعت من 40% إلى كل السكان
عام 80 إلى 44% عام 90 ثم 48% عام 95. وتضيف منظمة الفاو أنه من بين فقراء أمريكا
اللاتينية يعاني 59 مليوناً من جوع مزمن.
ويذكر تقرير التنمية البشرية لعام 94 أن 1.3 بليون
انسان يعيشون في فقر مدقع، حرفياً على حافة الحياة والموت. وبنص التقرير فإن
الكلمات تعجز عن وصف حالة هذه النسبة من البشر.
كما أن 13 سكان الجنوب يعيشون في فقر مدقع، وأن هناك
1.3 بليون محرومين من المياه النقية، و1 بليون من الرعاية الصحية و 1,9 مليون من
الصرف الصحى.
ويمكن العودة الى
تقارير التنمية البشرية السنوية الصادرة عن برنامج الأمم المتحدة للتنمية، فهى
منشورة على نطاق واسع. وتكشف مقارنة التقارير الحديثة عن إتجاه مخيف لاتساع متزايد
للهوة بين أقلية متناقصة من الاثرياء واغلبية كبيرة من المعدمين.
وكانت تقارير عام 92 قد أشارت إلى أن 20%
يحصلون على 82.7% من ثروة العالم. وقد زادت نسبة ما تحصل عليه عام 94 إلى 84.7%
وفقاً لنفس أرقام تقرير التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة. وفي عام 1960
كانت أغنى 20% من الدول أكثر استحواذاً على الثروة بـ 30 ضعف أفقر 20% من الدول،
وفي عام 90 زادت الهوة بين أغنى وأفقر 20% من الدول إلى 60 ضعفاً.. وفي عام 91 ،
وهو اخر عام صدرت عنه أرقام، ارتفعت النسبة إلى 61.1 ضعف وفقاً لأرقام تقرير
94.
ومهما يكن من أمر فإن تقرير
التنمية البشرية ينبه الى أن " هذه الارقام تخفى المدى الحقيقى لانعدام العدالة،
فهى مؤسسة على المقارنة بين الدول الغنية والفقيرة، وفى الحقيقة فإن هناك فى كل
دولة تفاوتا كبيرا أخر بين الفقراء والاغنياء".
وبالقياس إلى التفاوت في توزيع الثروة داخل كل بلد على
حدة ايضاً فإن أغنى 20% من سكان العالم يحصلون من موارده على أكثر من 150 ضعف ما
يحصل عليه أفقر 20% من سكانه.
وبكلمات أخرى ، وإذا ما تم القياس تبعاً لمجموعات اجتماعية فإن الهوة بين
أغنياء الكوكب وفقرائه تصل الى150 : 1.
كما يستمر فى التزايد نزوح فائض القيمة من الجنوب الى الشمال.
وو فقاً لارقام تقرير التنمية البشرية لعام 94
فقد بلغت تدفقات خدمة الدين من دول الجنوب لدول الشمال عام 92 (1.5) تريليون، أي أن
ما دفعته مقابل خدمة الدين قد زاد بضعفين ونصف عن برنامج المساعدات الشمالي، كما
زاد بمقدار 60 مليار دولار عن التدفقات الرأسمالية إلى الدول النامية (تدفقات رأس
المال الخاص)..
وهذه العروق
المفتوحة التى تنساب منها الثروة من الجنوب إلى الشمال تظهر أن راس المال العولمى
يتصرف بطريق توجب عمليات دفاعية استراتيجية فى قلب العالم الراسمالى حيث تتركز
إدارة العولمة ومستودع راس المال ومراكز التكنولوجيا والمال فى اطار تنظيم دولى
جديد للعمل، يشير اليه سفاندان باعتباره دائرة الامبريالية.
ومع هذا فإن معادلة تقسيم المركز والاطراف، لم تترجم
إلى ازدهار كل سكان الشمال، فبالاضافة الى اتساع الهوة بين الشمال والجنوب، فإن
الهوة تتسع بين الفقراء والاغنياء فى الولايات المتحدة وفى الدول المتقدمة الاخرى،
مع اتساع الاستقطاب الاجتماعى والتوترات السياسية، فقد هبطت الأجور الحقيقية
بالنسبة لـ 80% من سكان الولايات المتحدة الأمريكية بينما زادت بالنسبة لـ 20%
الباقين وذلك فى الفترة بين اعوام (73 : 90)
ومن الظواهر الاكثر دلالة الاتجاه المتزايد لتركيز
الثروة( وهو ما يشمل الدخل والثروة) وتشير ارقام 91 الى أن 0.05 % من سكان الولايات
المتحدة يملكون 45.4% من كل الاصول، عدا المنازل، و 1% يملكون 53.2% و10% يملكون
83.2% ، فالولايات المتحدة مملوكة لاقلية ضئيلة.
وفى عام 1991 كان 34.2% من سكان الولايات المتحدة
يعيشون على خط الفقر أو تحته، أي أن ثلث سكان الولايات المتحدة إما فقراء جداً أو
فقراء نسبياً، ولا يختلف الحال في باقي دول الشمال التى تنتمى الى منظمة التعاون
الاقتصادى والتنمية.
وسوف تستمر
الهوة بين الشمال والجنوب فى التزايد ولا ينبغى التقليل من شأنها. وعلى اية حال فان
البشرية سوف تواصل بصورة متزايدة الحراك المراتبى الطبقى على خطوط عابرة للقوميات،
وبالنظر الى عمليات الخلق المتزايد فى ظل العولمة لبحيرات من الثروة فى العالم
الثالث وبحور الفقر فى العالم الاول، فانه يبدو معقولا اكثر النظر الى العالم كمحيط
تقسمه الخطوط الطبقية باكثر من الخطوط القومية.
وتفرض المساحة قيوداً على التوسع فى المناقشة حول هذه
السمة، لكن هناك تفاعلات هامة وقضايا نظرية ترتبط بهذه التفاعلات لازالت فى حاجة
الى تفسير.
سابعاً: لهذا الفقر
العالمي وانعدام المساواة مظاهر عميقة ملازمة، ذات أبعاد عنصرية وعرقية
وجنسية.
وبتركز رأس المال
الدولي، فإن المجموعات المضطهدة العرقية والعنصرية والنسائية تصبح أكثر إضطهاداً،
وكلما تحرك رأس المال في إتجاه الجنوب فإنه لا يترك لا في الشمال، ولا في الجنوب،
طبقة عاملة متجانسة، ولكن طبقة تعمقت فيها الخطوط العنصرية والعرقية التي صاحبت
تكوينها التاريخي.
وعلى سبيل
المثال فإن العمالة الملونة، التى تسحب ـ أحياناً بالقوة ـ من الاطراف الى القلب
تستبعد من العمل في القطاعات الاقتصادية الاستراتيجية في دول الشمال، باعتبارها
عمالة وضيعة.
وبانضمامها الى
الحشود الهائلة، لجيش تتزايد أعداده، فى سوق عمل يتصف بخصائص عنصرية، ويصبح أكثر
قسوة فى ظل العولمة، فإن العمالة الملونة المهاجرة، تصبح أكثر القطاعات إنكشافاًً،
كما تصبح هدفاً لموجات متصاعدة من العنصرية، التى تتضمن تفكيك برامج العمل
الايجابية، والمطالبة بتطبيق اجراءات حكومية قمعية ضد العمالة الملونة
المهاجرة.
ويتصل بذلك أن تزايد احتياطي قوة العمل في دول الشمال
قد ساعد فى ابراز حركات تطالب الدولة بإجراءات بالغة القسوة ضد "العمال
المهاجرين".
ورغم أن عملية
الكوكبة تعمد إلى إزاحة الطبقات السابقة على الرأسمالية، فإنها تكثف وتعمق
التمايزات داخل قوة العمل على أساس العنصر والعرق. وفي ظني أن هذا التقسيم المراتبي
للعمل قد تم على أساس محور الشمال والجنوب في عملية متكاملة واحدة أسفرت عن صور
جديدة للعمالة المهاجرة وتركيز متزايد لعمالة العالم الثالث في العالم الأول،
وإفقار متزايد لما كانت تسمى بالأرستقراطية العمالية في النموذج
الأوروبي.
وتحتاج هذه القضية
بدورها، وكذلك شروحاتها النظرية الى تفسيرات لاحقة.
كما أن السبب الجذري في تبعية وتدني مستوى مشاركة
المرأة في التقسيم الجنسي للعمل، والذي ينهض على قاعدة الدور الوظيفي للمرأة في
إعادة إنتاج القوى العاملة، زاد في ظل العولمة، حيث تم تحويل دور المرأة من إنتاج
العمالة التي يحتاجها رأس المال إلى إنتاج فائض العمالة التي لا
يحتاجها!
وتنطوي هذه الاتجاهات
على التقليل من قيمة عمل المرأة، كما تزداد الإتجاهات الداعية إلى قصر عمل المرأة
على إدارة الاقتصاد والعمل المنزلي، كما تتعاظم إتجاهات تأنيث الفقر، متلازمة مع
تعميق إتجاهات عدم المساواة على أساس النوع والعرق والجنس..
فسياسات نخب الشمال، والنماذج التى قدمتها الليبرالية
الجديدة، بما تنطوى عليه من معاداة لدولة الرفاهية الكنزية، التى كانت تضمن مستوى
من الانفاق الاجتماعى على الخدمات، قد أثر بصورة سلبية على وضع المرأة والمجموعات
العرقية المضطهدة.
وبالنسبة لهذه
المجموعات يمثل استمرار، أو تخفيض الانفاق الاجتماعى وما يرتبط به من شبكات الامان،
الفارق بين الحياة والموت، بالمعنى الحرفى للكلمة.
ثامناً: هناك تناقضات عميقة فى المجتمع العالمي الصاعد
تجعل من المشكوك فيه مجرد بقاء نوعنا، والحفاظ على التوازن، أو الاستقرار متوسط أو
طويل المدى للرأسمالية العالمية وعلى العكس تنذر هذه التناقضات بصراع اجتماعي عالمي
طويل ممتد.
تعكس بنية الإنتاج
والتوزيع والاستهلاك الكوكبي، بصورة متزايدة، نموذج جديد للتفاوت في توزيع الدخل.
وعلى سبيل المثال فإنه في ظل العنصرية الاجتماعية العالمية، فإن السياحة هي أسرع
نشاط اقتصادي مالي، وهي المصدر الرئيسي لكثير من الاقتصاديات، فى دول العالم
الثالث، ولكن هذا لا يعني أن فئات جديدة تتمتع بثمار الرفاهية و السياحة الدولية،
بل إن هناك
80% من البشرية
مجبرين على توجيه نشاطهم الإنتاجي لخدمة إشباع الحاجات المترفة لـ
20%. فالقطاع النامي (رقم 1 )في الولايات
المتحدة والدول الشمالية هو قوات الأمن الخاصة والسجون. وينتج عن التمييز العنصري
الاجتماعي التحلل والإنحطاط.
كما
أن المدن المحصنة، كالقلاع العسكرية والمعازل العنصرية، قد أصبحت ضرورية للسيطرة
الاجتماعية في وضع تسيطر فيه أو تستهلك فيه أقلية محدودة من السكان سلع الرفاهية
فضلاً عن الضرورية.
وقد طورت
الرأسمالية القومية في نهاية القرن التاسع عشر في دول الشمال الإتجاه اللازم
للتراكم الرأسمالي لتركيز الدخل وقوى الإنتاج والاستقطاب الاجتماعي والنزاع السياسي
وذلك بفضل عاملين:
الأول: تدخل
الدولة لإعادة تنظيم السوق الحرة بهدف تعظيم التراكم والاستحواذ على وإعادة توزيع
فائض القيمة.
الثاني: ظهور
الإمبريالية الحديثة التي خلقت نوعاً من التعويض خفف من أثار إتجاهات الاستقطاب
الملازمة لعملية التراكم الرأسمالي في الشمال.
و هكذا تم نقل التناقض الاجتماعي العالمي للجنوب.. يحدد
هذان العاملان الاستقطاب الاجتماعي الذى تطلقه الرأسمالية في قلب النظام العالمي
الراهن، ولكن بتخفيض أو إلغاء قدرة كل دولة على حدة في تنظيم التراكم الرأسمالي
والاستحواذ على فائض القيمة، فإن الكوكبة تدفع على المستوى العالمي بالاستقطاب بين
أقلية متزفة وأغلبية محرومة، على النحو الذي تنبأ به كارل ماركس، ولكن في هذه المرة
لم تعد هناك جبهات أو أرض بكر للرأسمالية الكولينالية يمكن أن تعوض أثر التناقضات
السياسية والاجتماعية للاستقطاب الناشئ عن العولمة.
إن تكثيف التناقضات الاجتماعية هو نتيجة لانطلاق
العولمة الرأسمالية المتحررة من أي كابح، والتي تولد بدورها أزمات مستمرة تقوض
الاستقرار داخل كل دولة، وفيما بين الدول بعضها البعض.
وفي مرحلة ما بعد الحرب كان الشمال قادراً على نقل
التناقضات الاجتماعية إلى الجنوب، كنتيجة ملازمة للسياسة الإمبريالية التي نزحت
الثروات من الجنوب للشمال وأعادت توزيع هذه الثروة في الشمال اعتماداً على تدخل
الدولة الكنزية.
لقد نشبت 160
حرباً بين دول العالم الثالث في الفترة من 1945 – 1990، وعلى العموم فإن الكوكبة
كانت علامة على تحول مميز في الصراع العالمي من نزاعات داخل الدول تعكس روابط محددة
بين الطبقات والأمم في مرحلة الرأسمالية القومية إلى صراع طبقي عالمي.
ويشير تقرير التنمية البشرية لعام 1994 إلى
هذا التحول من نموذج الحروب بين الدول إلى نموذج الحروب داخل الدول، فمن بين 82
نزاعا مسلحا من عام 1989 إلى عام 1992، كانت هناك ثلاث حروب فقط بين الدول. ورغم أن
المظهر الأساسي للحروب كان ذا طابع عرقي، فإن كثيراً منها كان له طابع سياسي أو
اقتصادي. وقد بلغ الإنفاق العسكري 815 بليون دولار عام 1992، منها 725 بليوناً
أنفقتها الدول الغنية. ويعادل هذا الرقم الدخل الإجمالي لـ 49% من سكان العالم في
نفس العام.
وتشمل مرحلة الفوضى
السياسية التي نعيشها حالات تتراوح ما بين الحروب الأهلية، كما في يوغسلافيا
السابقة، وعديد من الدول الأفريقية، إلى الصراعات التي تبلغ حد الغليان في أمريكا
اللاتينية وآسيا، كما عرفت مدناً مثل لوس أنجليس وبون وباريس ومعظم العواصم
الشمالية أعمال عصيان مدني تراوحت حدتها.
كما أدى انعدام الاحساس بالأمن و المخاطر التى تهدد حق
الوجود، و الذي سببته الرأسمالية في مرحلة العولمة إلى إطلاق صراعات ذات طابع أصولي
ومحلي وقومي وعرقي وعنصري.
و
بينما تقود الطبقة العالمية الحاكمة، أي الرأسمالية عابرة القارات البشرية إلى
هاوية أزمة حضارية، فإن الحياة الاجتماعية تحت هيمنة رأس المال العالمي تؤدي إلى
الإفقار الإنساني بصورة متزايدة، كما تنعدم فيها أي قيمة أخلاقية.
ولكن أزمتنا أعمق من هذا، فنحن نواجه أزمة وجود
تتعلق بتناقضات بنيوية تم تحليلها بمهارة كبيرة من قبل كارل ماركس، منذ ما يزيد عن
قرن، مثل فائض التراكم والاستهلاك المنخفض والاتجاه نحو الركود، والعولمة تعمق كل
هذه الظواهركما أشارت كثير من التحليلات.
و بينما تسفر هذه التناقضات التقليدية عن أزمات
اجتماعية وتحلل ثقافي فإن تناقضات جديدة ترتبط برأسمالية نهاية القرن العشرين، وعلى
الأخص التنافر الذي ينطوي عليه إعادة الإنتاج بكل من رأس المال والطبيعة، الأمر
الذي يمكن أن يفضي إلى كارثة بيئية تهدد بقاء نوعنا والحياة على الكوكب
نفسه.
تاسعاً: إنشقاق الأقسام
الأعظم من اليسار العالمي بين معسكرين
فهناك قسم من اليسار يصبح تحت ضغط العولمة الرأسمالية، مغلوباً على أمره ولا
يرى أي بديل للمشاركة إلا عبر التفاوض للحصول على أفضل صفقة ممكنة، ويبحث هذا القسم
عن شكل جديد للاشتراكية الديمقراطية وعدالة التوزيع التي يمكن أن يتيحها النظام
العالمي الجديد، وهي لذلك تقترح نوعاً من الكنزية العالمية لا تتحدى منطق
الرأسمالية، وتتجه إلى نوع من البراجماتية السياسية.
أما القسم الآخر فيقيم العولمة الرأسمالية وكلفتها بما
في ذلك إتجاهها إلى تدمير نوعنا نفسه باعتبارها مرفوضة وينبغي أن تقاوم. وعلى
العموم فهي لم تطور بعد بديلاً اشتراكياً مناسباً لمرحلة العولمة الرأسمالية، ونحن
نرى هذا الخط الفاصل بين معسكرين في صفوف يسار أمريكا اللاتينية، أفريقيا وآسيا،
وكذلك أيضاً في دول الشمال وبين المجموعات الاشتراكية التي تحاول إحياء قواها في
دول الكتلة السوفيتية السابقة. ( على الرغم من ضرورة الانتباه لعدم تبسيط مسائل
معقدة، أو عمل توجهات من النمازج السابقة)
وعلى سبيل المثال فإن هذا الخط الفاصل هو الذي قاد إلى
الإنشقاق في جبهة الساندنيستا في نيكاراجوا وجبهة التحرير الوطني في السلفادور
والانقسامات في صفوف اليسار الفلبيني وحزب العمال البرازيلي والديمقراطي في جنوب
أفريقيا.
ووجهة نظرنا أننا لا
ينبغي أن نتعلق بأي أوهام عن احتمالات ترويض أو دمقرطة عملية العولمة
الرأسمالية.
وهذا لا يعني نبذ
النضال من أجل اقتراح إصلاحات في المجتمع الرأسمالي، ولكن كل هذه النضالات ينبغي أن
تندمج في استراتيجية وبرنامج للثورة ضد الرأسمالية. وتضع العولمة قيوداً شديدة على
النضال الجماهيري والتغيير الاجتماعي في أي بلد أو إقليم على حدة.
والمهمة الأكثر الحاحاً هي تطوير حلول لإنقاذ
البشرية من ورطتها الناجمة عن سيطرة رأسمالية متوحشة متحررة من القيود التي أمكن
تقييدها بها في مرحلة سابقة من خلال الدول القومية.
والبديل للعولمة الرأسمالية ينبغي أن يكون مشروعاً
شعبياً وعياً طبقياً عابراً للقوميات فالبرجوازية عابرة القوميات على وعي بطابعها
الكوكبي، كما أنها منظمة على أساس عالمي وترسم سياساتها وتنفذها في المجال
العالمي.
لقد حاول الكثيرون على
أساس أن الدولة القومية ينبغي أن تظل نقطة الارتكاز خلال المدى المنظور.. ولكنها
ليست نقطة الارتكاز لهذه النخبة العالمية. وينبغي للجماهير الشعبية المنتمية
للبشرية أن تطور وعيا طبقيا عابرا للقوميات واستراتيجية سياسية عالمية ملازمة لها
تربط المحلي بالقومي والقومي بالعالمي.
ويتطلب المشروع المضاد العابر للقوميات تطوير بديل برنامجي ممكن ومحدد. وعلى
سبيل المثال فإن الحزب الشيوعي في جنوب أفريقيا قد بلور مواقف برنامجية متطورة في
استراتيجيته في إزاحة قوى السوق، من خلال تصفية العلاقات السلعية في بعض المناطق
الرئيسية في جنوب أفريقيا، لا كمحطة أخيرة، بل كجزء من نضال أوسع من أجل
الاشتراكية.
وتفتح تناقضات رأس
المال العالمي إمكانيات جديدة، وتحديات عديدة أمام البديل الشعبي.
وبدون بديل اقتصادي اجتماعي ملهم تخاطر
القطاعات الشعبية للتعرض لمخاطر ركود سياسي تحت هيمنة النخبة عابرة القومية. أو
تتعرض لما هو أسوأ من ذلك حيث يتم اخترالها إذا ما شغلت مواقع حكومية إلى مستوى
آداة تنفيذية لإدارة أزمات الليبرالية الجديدة، مع الخسائر المترتبة على ذلك
والمتعلقة بمصداقيتها. وفي ظل هذا السيناريو فإن وجهة النظر السائدة والقائلة بغياب
بديل شعبي للعولمة الرأسمالية يتعزز بكل ما يمكن أن تسفر عنه من أحباط في القطاعات
الشعبية والنكوص عن التعهدات في صفوف المثقفين والقادة.
ويؤدي هذا السباق إلى القاع والتحضيض المستمر لمستويات
حياة الجماهير والانهيار التدريجي لمبدأ المساواة في شروط الحياة في كل من الشمال
والجنوب خالقة شروط موضوعية ناضجة لتطور الحركات الاجتماعية عابرة القوميات. وقد
سهلت ثورة الإتصالات روابط النخبة العالمية ولكنها يمكن أيضاً أن تساعد في التنسيق
بين الطبقات الشعبية، على نحو ما استخدمت حركة الزباتستس بصورة خلاقة
"الإنترنت".
كما أن هناك علامات
مشجعة في منتصف التسعينات للتعاون الجماهيري عابر القوميات مثل ساوابولو في أمريكا
اللاتينية، وخطة الشعوب للقرن الواحد والعشرين في آسيا.
ولا يستهدف المشروع المعاكس عابر القوميات، لن تؤدي إلى
إطالة أمد المقاومة ضد العولمة، وللأسف، فنحن ببساطة لا نستطيع أن نطالب بوقف هذه
العملية التاريخية لكي تتطابق مع رغباتنا، ومن الأفضل أن نفهم كيف نمارس تأثيرنا في
محاولة إعادة توجيه هذه العمليات عن طريق تحويلها إلى عولمة من أسفل.
ومثل هذه العملية الصاعدة من القاع لأعلى ينبغي
أن تتجه لمعالجة الأبعاد المعرفية والعنصرية لعدم المساواة العالمية. وبداية
بافتراض أنه رغم أن النزاعات الدينية والعرقية والعنصرية تستند إلى مخاوف مادية
حقيقية تتعلق بالشعور بمخاطر تهدد البقاء، إلا أن لها على المستوى الثقافي والفكري
والسياسي فعالياتها الخاصة التي ينبغي تحديها في برامج وممارسة مضادة للهيمنة (ضد
الهيمنة)، كما أن المشروع المضاد للهيمنة ينبغي أن ينطلق من إتجاه عميق للمساواة –
على أساس الجنس – واضح تماماً في كل من المحتوى والممارسة، كما ينبغي أن يتضمن
تعميق الممارسة الديمقراطية في المنظمات الشعبية والنقابات والأحزاب السياسية
ومؤسسات الدولة والحركات الاجتماعية الجديدة..
وينبغي للممارسات الجديدة الأشكال والسلطوية للتفاعل
الاجتماعي ومركزية القرارات (مركزة القرارات) والعلاقات البيروقراطية المستندة على
السلطة، وينبغي أن تنساب السلطة وعمليات صنع القرار في الممارسة الاجتماعية
الجديدة، من القاع إلى القمة بالنسبة لأي كتلة تملك مشروعاً معادياً للهيمنة. وتعني
الفاعلية ، أو الوعي، المشاركة السياسية عابرة القوميات بين الطبقات الشعبية، تطوير
الوعي الأممي على مستوى المنظمات القاعدية الجماهيرية، وديمقراطية مشاركة أممية
تتجاوز الأممية القديمة للقادة السياسيين والبيروقراطيين، كما تتجاوز الأشكال
التقليدية للتضامن بين الشمال والجنوب.
وعلى العموم، فإنه يمكن أن تنتظر البشرية ما هو أكثر من البؤس الجماهيري،
فالديمقراطية الاشتراكية المؤسسة على الديمقراطية الشعبية يمكن أن تمثل أملاً
أخيراً أفضل للبشرية، وربما كان الوحيد.
المراجع
There is an enormous and
growing body of literature on globalisation, too vast to reference here.
Summaries for the literature may be found, among other places, in William I.
Robinson. Promoting Polyarchy: globalisation, US intervention, and hegemony
(Cambridge, Cambridge University Press, 1996); Leslie Sklair, Sociology of the
Global System (Baltimore, John Hopkins University Press, 1991); Malcom Waters,
Globalisation (London, Poutledge, 1995). For specific points of debate among
left scholars and activists, see, eg, diverse contributions in Ralph Miliband
and Leo Pantich (eds), Socialist Register 1992, ‘New World Order?’), and 1994,
‘Between globalism and nationalism’ (London, Merlin Press).
Thus my definition of globalisation goes beyond most
conceptions that see the process as a quantitative one involving an acceleration
in the pace of global interconnections and interdependencies (the objective
dimension) along with our awareness of such interconnections (the subjective
dimention). See Ronald Robertson, Globalisation: social theory and global
culture (Newbury Park, Sage, 1992) for such a quantitative conceptualisation.
The qualitative definition advanced here incorporates these objective and
subjective dimensions but sees quantitative changes as giving way to qualitative
change. My argument is that the modern world system has gone through successive
waves of global interconnections, each of which has deepened webs of relations
and further broken down autonomies, but that the current epoch is a
qualitatively new phase. See Immanuel Wallerstein, The Modern World System (New
York, Academic Press, 1974), and world system and dependency literature in
general for the notion that, in this quantitative conception, there is nothing
new in globalisation as worldwide interconnections, and see Eric Wolf’s
brilliant study. Europe and the People Without History (Berkeley, University of
California Press, 1982), on how such webs of interconnections span back
centuries, if not millennia.
James
O’Connor. ‘A Red – Green politics in the United States?’, Capitalism, Nature.
Socialism (Vol. 5, No. 1, March 1994), pp. 1- 19.
On social structures of accumulation, see David M. Kotz, Terrence
McDonough and Michael Reich, Social Structures of Accumulation: the political
economy of growth and crisis (Cambridge, Cambridge University Press,
1994).
These notions of a global social
structure of accumulation, a transnational elite, and a global agenda of this
transnational elite, are discussed in detail in Robinson, op. cit. See also
William I. Robinson, ‘Pushing polyarchy: the US – Cuba case and the Third
world’, Third World Quarterly (Vol. 16, No. 4, 1995), pp. 643-59.
As far as I know, the term hyper – liberalism was first
used by Robert W. Cox, in ‘Global Perestroika’, Socialist Register 1992, op,
cit.
For more extended discussion and case
studies on neo – liberalism, see Henk Overbeek (ed.), Restructuring Hegemony in
the Global Political Economy: the rise of transnational neo – liberalism in the
1980s (London, Routledge, 1993), and Robinson, Promoting Polyarchy, op.
cit.
On this point, see Sklair, op.
cit.
Regarding these transnational
fractions in the North, see, among several important works, Stephen Gill,
American Hegemony and the Trilateral Commission (Cambridge, Cambridge University
Press, 1990); Robert W. Cox, Power, Production, and World Order: social forces
in the making of history (New York, Columbia University Press, 1987). On these
fractions in the South, see Robinson, Promoting Polyarchy, op. cit.
Karl Polanyi, the Great Transformation (New York,
Rinehart, 1944).
On capitalism and
territoriality, see John Gerard Ruggie, ‘Territoriality and beyond:
problematizing modernity in international relations’, International Organisation
(Vol. 47, no. 1, Winter 1993), pp. 139-74.
See eg, David C. Ranney, The Evolving Supra – National Policy Arena
(Chicago, University of Illinois at Chicago, Center for Urban Economic
Development, 1993).
See, eg, Stephen Gill
and David Law, ‘Global hegemony and the structural power of capital’,
International Studies Quarterly (Vol. 33, no. 4, December 1989), pp.
475-99.
See, eg, Michael Tanzer,
‘Globalising the economy’, Monthly Review (Vol. 47, no. 4, September 1995), pp.
1-15; Samir Amen, ‘Fifty years is enough!,’ Monthly Review (Vol. 46, no. 11,
April 1995), pp. 8-50.
These views are
widespread. See, eg, Harry Magdoff, ‘Globalisation – to what end?’ in Socialist
Register 1992, op. cit.; Alejandro Bendana, Hegemonia y Nuevo Orden Mundial
(Managua, Centro de Estudios Internacionales, 1992); Robert Gilpin, The
Political Economy of International Relations (Princeton, Princeton University
Press, 1987).
Robert Dahl, Polyarchy:
Participation and opposition (New Haven, Yale University Press,
1971).
The issues in this ‘thesis’ are
discussed at great length in Robinson, Promoting Polyarchy, op.cit. See also
Barry Gills, Joel Rocamora, and Richard Wilson (eds), Low Intensity Democracy:
political power and the New World Order (Boulder, Westview, 1993).
These UN figures (both ECLAC and FAO) were reported in
La Jornada (Mexico City, 6 October 1995). They were also reported in ‘Poverty
remains pervasive throughout Latin America’, Chronicle of Latin American
Economic Affairs (Latin America Data Base, Latin American Institute, University
of New Mexico, Vol. 11, no. 1, 4 January 1996).
The following data is from UNDP, Human Development 1994 (New York, Oxford
University Press).
A. Sivanandan, ‘New
circuits of imperialism’, Race & Class (Vol. 30, no. 4, April – June 1989),
pp. 1-19.
US Bureau of the Census, as
cited in Jerry S. Kloby, ‘Increasing class polarization in the United States’ in
Berch Berberoglu (ed.), Critical Perspectives in Sociology (Dubuque, Iowa,
Kendal/Hunt, 1993), pp. 27-43. The following data is from the Bureau, as cited
by Kloby, unless otherwise indicated.
For
example, see discussion by Sivanandan, op. cit., and, on the specific case of
Latinos in the United States, see William I, Robinson, ‘The global economy and
the Latino populations in the United States: a world systems approach’, Critical
Sociology (Vol. 19, no. 2, 1992), pp. 29-59.
For one example, note the decadent spread of golf courses and sex tourism
in Asia for Asian (male) elites, as discussed in Malee Traisawascichai, ‘Chasing
the little white ball’, New Internationalist (No. 263, January 1995), pp.
16-17.
See, eg, Mike Zielinski, ‘Armed and
dangerous: private police on the march’, Covert Action Quarterly (No. 54, Fall
1995), pp. 44-50.
On such urban social and
physical restructuring bound up with globalising processes, see, among the
recent ‘global cities’ literature, Mike Davis’s City of Quart = (London, Verso,
1990). And ‘The four – gated city’, Crossroads (No. 5, November 1990), pp.
9-12.
UNDP 1994 report.
There is a very important burgeoning literature in
global environment and society, including the journal Capitalism, Socialism,
Nature. A useful introduction is John Bellamy Foster, The Vulnerable Planet (New
York, Monthly Review, 1994) and theoretical critique of capitalism and the
environment is Martin O’Connor (ed.), Is Capitalism Sustainable? Political
economy and the politics of ecology (New York, Guilford Press, 1994). The racial
dimensions of environmental issues should not be underemphasiszed, including the
conscious shift by the transnational elite of the most ecologically –
destructive and dangerous phases of global production to the most ecologically –
destructive and dangerous phases of global production to the South and/of into
Third World communities in the North. See, eg, John Foster Bellany, ‘Let them
eat pollution: capitalism and the world environment’, Monthly Review (Vol. 44,
no. 8, January 1993), pp. 10-20; and the entire special issue of Crossroads
dedicated to environmental racism (No. 20, April 1992).
See the SACP’s ‘Strategy and tactics document’ adopted
at its ninth congress in April 1995, in particular the section ‘Socialism is the
future: build it now’, reprinted in Crossroads (No. 55, October
1995).
On the Sao Paulo Forum, see William
I. Robinson, ‘The Sao Paulo Forum: is there a new Latin American Left?’ Monthly
Review (Vol. 44, no. 7, December 1992), pp. 1-13; and on the PP21, see ‘Post –
NAFTA politics: learning from Asia’, Monthly Review (Vol. 46, no. 2, June 1994),
pp. 12-21.
***************
الطريق